أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - د. برهان غليون في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أزمة المجتمعات العربية والموقف من الحداثة والديمقراطية والاسلام / برهان غليون - أرشيف التعليقات - رد الى: ستفان كلاس - برهان غليون










رد الى: ستفان كلاس - برهان غليون

- رد الى: ستفان كلاس
العدد: 170515
برهان غليون 2010 / 10 / 8 - 12:24
التحكم: الحوار المتمدن

واضح أنه لا يوجد خلاف بيننا على تحديد المشكلة، أي على وجود أزمة عميقة في مجتمعاتنا، حتى لو اختفلنا هنا او هناك على توصيفها أو أسلوب توصيفها. لكن الخلاف يدور حول منهج تحليل هذه الازمة، أي تفسيرها وتحديد الأسباب الرئيسية التي تساهم في إنتاجها واستمرارها. وفي مواجهة التحليل الاجتماعي الذي اقترحه في هذا الحوار، وهو تحليل يقوم على الكشف عن دينامية تنازع القوى الدولية والإقليمية والاجتماعية، وتفاعلها، ويفسر الأوضاع المأساوية التي تعيشها هذه المجتمعات على جميع المستويات، الثقافية والايديولوجية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، من خلال هذا التفاعل والصراع، وكجزء منه. أي بوصفه تفاعلا مستمرا حصيلته لا تزال لغير صالح تقدم المجتمعات وانطلاقها وتحررها. لكن لأن التاريخ لم ينته، ولأن احدا لا يمكنه أن يكون خارج هذا الصراع، أو يعتبر نفسه خارجه، فعلينا تقع مسؤولية الاجتهاد لفهم قوانين التحول في مجتمعاتنا، حتى نستطيع الانخراط في هذا الصراع عن وعي، وأن نساهم في تحويل اتجاه الحركة من الانحدار إلى الصعود، أو على الأقل حتى لا نزيد من تفاهم الأزمة ونحن تعتقد العكس.
ليس في هذا لا محاولة لتبرئة النف،س ولا لانقاذ ماء الوجه، ولا للدفاع عن هوية وثقافة خصوصيتين، ولا رفض التعلم من الغرب، ولا رفض النظر إلى المرآة، ولا الاعتزاز بالعروبة والقومية، ولا نكوصا إلى المرحلة الطفولية أو ندبا على المصير، إنما هو موقف علمي، وصرامة ذاتية لا يزعزعها التهويل ولا تنحني تحت تأثير مشاعر اليأس والاحباط.
وأهم ما تعلمه الاجتماعيات الحديثة هو أن المجتمعات لا تعيش في الفراغ، ولا توجد إلا ضمن مؤسسات. فهي ليست ملايين الأفراد المجتمعين كيف ما شاؤو، ولأي هدف كان، وإنما لا تنشأ ولا تستمر إلا من خلال إرساء قواعد ومباديء وأسس. وتتجسد هذه القواعد التنظيمية في مؤسسات. وعندما نريد أن نفهم اشتغال هذا المجتمع، حسن سيره او سوئه، إنجازاته أو أعطابه، ننظر قبل أي شيء آخر في هذه المؤسسات، فنرى في ما إذا كانت متسقة في ذاتها وقائمة على مباديء ثابتة وواضحة أم لا ، متوافقة مع حاجات المجتمع وأهداف تنميته وتقدمه ام لا. وقبل هذا وذاك ننظر في الطريقة التي ارسيت او ترسى فيها هذه القواعد والمباديء والأسس: هل أرسيت من خلال مشاركة الناس أنفسهم وتفاهمهم ام هي مفروضة عليهم بقوة داخلية او خالرجية، ومن هي هذه القوى ولأية أهداف وضعت تلك المؤسسات وما المهام الرئيسية المنتظر منها ان تحققها.
ومن أهم هذه المؤسسات وأكثرها تأثيرا في حياة المجتمعات الدولة التي تتمركز فيها السلطة العمومية. وسبب هذه الأهمية أن السلطة العمومية ليست سلطة خاصة، وإنما هي التي تملك الحق في تخصيص الموارد والتوظيفات في كل حقل من حقول النشاط الاجتماعي، وتستطيع أن تتدخل، بصورة مباشرة او غير مباشرة، عن طريق القانون والسياسة والاعلام والتعليم، في تكوين الأفراد، وفي نشاطهم الاقتصادي والاجتماعي والديني والثقافي. أي هي المشرفة الأولى علي المؤسسات الانتاجية والتعليمية والصحية والثقافية والدينية إلخ. فهي مفتاح فهم أول لأسلوب اشتغال المجتمعات وإنجازاتها وإخفاقاتها.
ومن وجهة العلوم الاجتماعية أيضا، أن سوء انجاز المجتمعات، في العلم والتقنية والانتاج والاجتماع والسياسة والثقافة، يرجع إلى سوء المؤسسات التي تتولى امر تاطير هذه النشاطات. ولذلك أصبحت السياسة محور حياة جميع المجتمعات بوصفها الممارسة العمومية التي تتخصص وتملك الحق في تشريح وضع هذه المؤسسات والكشف عن أعطابها وتقديم اقتراحات بإصلاحها. وتكاد السياسة في المجتمعات الحديثة تتلخص في بلورة القوانين التي تهدف إلى إصلاح المؤسسات الاجتماعية بشكل مستمر، من تعليم وبحث علمي وخدمات اجتماعية ونظم اقتصادية ومؤسسات سياسية، بل ربما إصلاح الدستور نفسه إذا احتاج الأمر.
في كل هذا، ومهما كانت النتائج سلبية، حتى في حالات الإفلاس الكامل للدولة، وانهيار الاقتصاد، لا يوجد عالم اجتماعي او سياسي جدي يتحدث عن عقلية غربية أو ايرلندية او يونانية، وإنما يوجه الجميع الانظار نحو الأداء السيء لهذه المؤسسات الاجتماعية، ويكشف عن عيوبها، وتقترح التعديلات القانونية المطلوبة لتحسين أدائها، سواء اتعلق ذلك بالمؤسسة التعليمية أو الانتاجية او الاستهلاكية او المالية او القضائية او الدينية. فالطبقة السياسية، مدعومة من النخب الأخرى الخاصة العاملة في حقول الثقافة والمعرفة والاقتصاد والدين، لا تهرب، سواء أكانت في الحكم أم في المعارضة، من الاعتراف بالمسؤولية في ما يحصل للمجتمعات، وهي مستعدة للمحاسبة والمساءلة عما اقترفته ايديها أثناء فترة حكمها، لأنها كانت صاحبة القرار العمومي، بما في ذلك تجاه أحداث طارئة أو غير متوقعة، مثل بروز حركات التعصب الدينية. فالنخبة السياسية على اختلاف فئاتها تقر وتؤكد مسؤوليتها الجماعيةعن إدارة مجتمعاتها ومستقبلها ومصيرها، وهي تتحاور في ما بينها وتتصارع على الاختيارات السياسية والايديولوجية المفيدة لتحسين الأوضاع او لدرء الأخطار او لمعالجة التمردات والاحتجاجات، دينية كانت أم مدنية.بمعنى آخر لا تنكر الطبقة السياسية مسؤوليتها بوصفها تقوم بدور القيادة، وبأنها هي الوحيدة التي تملك الحق في تعديل قواعد عمل المؤسسات، وبالتالي في ممارسة الهندسة الاجتماعية، وأخيرا بأن مسؤوليتها لا تختلط بمسؤولية المواطن العادي مهما كان متخلفا او شريرا ولا تعادلها.
مشكلتنا مع مفهوم العقلية التي تريد أن تفسر بها أزمة المجتمعات العربية هي أنها اولا تطلب منا أن نتخلى عن هذا التقدم العلمي الهائل في معرفة المجتمعات وتحليل شؤونها، وتعيدنا إلى تفسير يرى في حالات المجتمع جميعا انعكاسا لعقلية عابرة للتاريخ تحكم نظام المجتمعات، وتتحكم بسلوك وتفكير أفرادهم جميعا، بصرف النظر عن تكوينهم العلمي والسياسي وموقعهم ودورهم في المجتمع. فهي جوهر حي وثابت معا، لا يتغير ولا يتحول، ولكنه هو الذي يغير ويحول. ولا يختلف منهج النظر هذا كثيرا في رأيي عن منهج نظر الاحيائيين الذين كانوا ولا يزالون يعتقدون بأن المرض أو الموت أو النجاح او الفشل أو أي شيء يحل بهم من مصائب او خيرات هو عوارض تعرض على هذه الروح التي تسكن في البشر والشجر والطبيعة.ولم يكن هؤلاء قادرين على معرفة ما هي طبيعة هذه الروح، تماما كما أن أحدا من مناصري نظرية العقلية العربية الكامنة وراء كل ما نعيشه من مآسي وتخلف وإخفاقات وسوء أداء ونقص في المعرفة، لا يستطيع أن يقول لنا ما هي العقلية، كيف تتكون، وتععل وتستمر، وإذا ما كانت مستقلة بذاتها وثابتة، ام انها تخضع لتأثيرات الزمان والمكان. وفي ما إذا كانت عصية على التغيير وقائمة خارج الحدث والتاريخ، ام أنها متأثرة بما يحصل في العالم من تغيرات وعوارض الأزمان. وكيف يمكن لهذه العقلية نفسها أن تكون واحدة وأفعال الناس وإنجازاتهم وعقائدهم وتربيتهم اليوم شلى، في العالم العربي والعالم أجمع.
يبدو لي أن نظرية العقلية تعكس الجواب السحري، أي الوهمي على واقع مجهول، بسبب غياب الثقافة العلمية. وخطره انه يبريء المسؤوليين الحقيقيين عن الكوارث التي تصيب المجتمعات بتعميمه المسؤولية على المجتمع ككل، أو على الثقافة أو على التاريخ، بل إفساده لمعنى المسؤولية السياسية والأخلاقية، المتعلقة حتما بعمل مختار ومراد أي بشري، بخلطها بالمسؤولية بمعنى السبب والعلة. وهكذا نجد اليوم أن أولئك الذين يتحكمون بكل القرارات ويحرمون الشعوب من أي مشاركة فيها، ويقضون على أي أثر للحريات الفكرية والحقوق الانسانية فيها، والذين يهدرون الموارد الوطنية ، ويحولون المدارس والجامعات إلى ادوات لقتل العقل وتغييبه، هم أكثر الطالبين والمستهلكين لنظريات العقلية هذه. فهي أفضل وسيلة للتهرب من المسوؤلية ورميها على الشعب الجاهل والأمي، وعلى التقاليد، وعلى الدين أو الاسلام، وعلى تقدم الدعوات الأصولية، كما لو أن كل ذلك حصل ويحصل خارج دائرة نفوذهم وفي غيبة للتاريخ عنه. في هذه المعادلة الجديدة يصبح ابن الشعب البسيط، المجرد من جميع حقوقه والمتروك لمصيره والمحروم من أي حماية اجتماعية أو قانونية، أي في الواقع -نحن- العرب أو -المسلمين-، لا على التعيين، هو المجرم الحقيقي في حق مجتمعه وشعبه لأنه لا يزال يرفض التخلي عن عقليته -الخرافية- ويصر على التعلق بايمانه وشعائره الدينية.
العقلية السلبية موجودة بالفعل، وأعني بها القيم السائدة، لكن بفضل ما يحيط بها وما طرأ من حولها من أحداث وتغيرات. ولا علاقة لها لا بالماضي البعيد ولا هي وعد المستقبل. والنظر إلى المرآة ضروري ومهم، لكن من الضروري والمفيد أيضا النظر إلى ما يحيط بالمرآة والذي لا ينفصل عنها.
مع تحياتي


للاطلاع على الموضوع والتعليقات الأخرى انقر على الرابط أدناه:
د. برهان غليون في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أزمة المجتمعات العربية والموقف من الحداثة والديمقراطية والاسلام / برهان غليون




لارسال هذا التعليق الى شبكات التواصل الاجتماعية الفيسبوك، التويتر ...... الخ نرجو النقر أدناه






تعليقات الفيسبوك














المزيد..... - التجديد الفكري في عصــر العولــمة / عبد الحكيم الكعبي
- الدور الطاغية اردوغان في اسقاط بشار الأسد / احمد موكرياني
- هامش على تعليق مسؤول تركي / شيرزاد همزاني
- هل يتغير حالنا .. ام نبقى هكذا؟ / ضياء المياح
- عن ( التدبير والعلم الالهى / الوحى والحواريون والصحابة ) / أحمد صبحى منصور
- دحر نظام الفصل العنصري والاستيطان الاستعماري / سري القدوة


المزيد..... - -أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة ...
- رئيس البرلمان العربي يهنئ السعودية بفوزها باستضافة كأس العال ...
- ماذا قال الملك سلمان عن منح بلاده حق استضافة مونديال 2034؟
- أول تعليق من رونالدو بعد فوز السعودية بحق استضافة كأس العالم ...
- RT ترصد التوغل الإسرائيلي في القنيطرة
- بوتين: نسعى للريادة في الذكاء الاصطناعي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - د. برهان غليون في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أزمة المجتمعات العربية والموقف من الحداثة والديمقراطية والاسلام / برهان غليون - أرشيف التعليقات - رد الى: ستفان كلاس - برهان غليون