أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - د. برهان غليون في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أزمة المجتمعات العربية والموقف من الحداثة والديمقراطية والاسلام / برهان غليون - أرشيف التعليقات - رد الى: محمد علي مقلد - برهان غليون










رد الى: محمد علي مقلد - برهان غليون

- رد الى: محمد علي مقلد
العدد: 169845
برهان غليون 2010 / 10 / 5 - 19:48
التحكم: الحوار المتمدن

أنا كما ذكرت من الذين لم يكفوا عن انتقاد نظرية المؤامرة لانها ترضي الضمير المجروح بثمن بخس برمي المسؤولية على الآخرين، فتمنع من مراجعة النفس ومعرفة الأخطاء الذاتية، ولا تساعد على فهم الواقع والمشكلات المطروحة، بل تغطي عليها، وتستكين للواقع باتخاض موقف الضحية البريئة والعاجزة معا. لكن تبني الموقف المقابل، أي القول أن الحق علينا و-بس- أو بشكل أساسي، لا يختلف عن فكر المؤامرة ايضا، لأنه يقود إلى جلد الذات والندب على الأطلال وشتم الماضي والحاضر من دون تمييز، وفي النهاية تضييع المسؤوليات الحقيقية، أي السياسية. وهو بالإضافة إلى ذلك يحول الواقع التاريخي إلى قضية ذاتية، أو يجعل من التأمل في الذات وأخطائها ونقائصها بديلا للتحليل الموضوعي، وينزع إلى التقليل إن لم نقل تجاهل العوامل الموضوعية.
والحال، إذا كان لا بد من التفكير بهذه الطريقة التي تركز على المسؤوليات بمعناها الأخلاقي، ونحن هنا لسنا في ميدان المعرفة العلمية، فإن المنطقي أكثر أن نقول إن المسؤولية مشتركة بين الداخل والخارج، بيننا وبين خصومنا، سواء اكانت الرجعية أو الامبريالية أو القوى الاستعمارية. فالذات أو نحن، لم نعمل في الفراغ وإنما في بيئة جيوستراتيجية وسياسية واقتصادية وثقافية محيطة، وبالتفاعل مع قوى أخرى غير الذات.
وما لم نتبنى أكثر النظريات العلمية تطرفا في المثالية، التي تعتقد أن الذات هي كل شيء ولا شيء بعدها ولا قبلها، فلا بد لنا أن نقر بأن مصير المجتمعات لا يحدده فقط وعيها أو إرادتها الذاتية وإنما هو ثمرة تلاقي هذه الإرادة مع واقع تاريخي ومادي قائم، له مقاومة وله مطالب ومنطق خاص به. ولا يمكن تفسير اختلاف مصير المجتمعات من دون الإقرار بهذا التفاعل بين رصيد الذات من جهة، وهو رصيد يختلف من شعب لآخر، والبيئة والظروف التاريخية التي أحاطت بالفعل الاجتماعي من جهة ثانية. وليس هناك قانون واحد لهذا الفعل سوى قانون توازن القوى. فالحمامة لا تقوى على الصقر لو حصل ووقعت بين مخالبه، لكن الصقر الكاسر يسقط كالذبابة إذا تعرض لطلقة نارية من طرف صياد ماهر.
لكن ليس هدفي من هذا التمييز بين العوامل الذاتية والعوامل الموضوعية في تفسير أي حدث تاريخي تأكيد ضرورة تقاسم المسؤولية بين الضحية والجلاد. وليس لهذا في نظري أي مكان هنا. فالبحث عن المسؤوليات وتحديدها مرتبط بالفاعل الاجتماعي، وهو جزء من العمل السياسي، الذي يقوم به بشر، وبالتالي يرتبط بخيارات محددة، وبمسؤولية من يأخذ هذه الخيارات في حال فشل الممارسة البشرية أو نجاحها. وهذا مستوى من العمل والتفكير لا علاقة مباشرة له بالتحليل الاجتماعي الموضوعي الذي لا يبحث عن المسؤوليات ولكنه يحاول أن يرصد الوقائع ويكشف عن الآليات التي يقوم عليها الفعل، أو بالأحرى يسعى إلى تركيب النماذج النظرية التي تسمح بتفسير الواقع القائم أو الحادث وكيف حصل ما حصل. فالمسؤول عن موت الطائرين في المثال السابق هو عدم تكافؤ القوة. لكن كلمة مسؤول تعني هنا السبب. ولا يمنع هذا من تحميل الطائرين المسؤولية عن موتهما بالمعنى الاخلاقي، لو كان من الممكن الحديث عن أخلاقيات عند الحيوان، بما اقترفاه من خطأ الاقتراب من مكمن الخطر.
وبالمثل، قبل أن أسأل من المسؤول سياسيا عن فشل تجربة الديمقراطية ينبغي ان أفهم ما العوامل التي يقوم عليها الاستبداد، وما العوامل التي أدت إلى انهيار النظام الديمقراطي. ومن دون فهم هذه الآليات المستقلة عن إرادة أو اختيار أي رجل سياسة لا أستطيع أن أكشف عن أين يكمن الخطأ في اختيار رجل السياسة الفاشل ولا بالتالي أن أحدد مسؤولياته.
يفترض التحليل الاجتماعي العلمي أن إرادة الأفراد واختياراتهم ليست مطلقة ولكنها تتم في دائرة من الامكانيات والفرص التي يتيحها الواقع الموضوعي. فهم لا يختارون ما بشاؤون في دائرة أختيارات مطلقة ولا نهائية، ولكنهم يختارون من بين خيارات محدودة ما يعتقدون أنه أفضلها. وكما قال الشاعر عن حق: ما كل ما يتمنى المرء يدركه، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. فنحن نتمنى ونختار ولكن ضمن قائمة محددة من الاختيارات. ومهمة التحليل العلمي هو أن يبين لنا هذه القائمة المحددة من الاختيارات، حتى نعرف اولا في ما إذا كان خيار الفاعل ناجم عن إدراك سليم بلائحة الاختيارات أم كان خياره نابعا من تعلق بأوهام لا علاقة لها بالواقع، وثانيا في ما إذاك كان الاختيار الذي وقع عليه هو الأفضل من الناحية العقلانية، أي الأكثر نجاعة ومردودا حسب أهدافه الذاتية.
وأنا ذكرت في تحليلي أن لا ئحة الخيارات المقدمة لنا اليوم مرتبطة بطبيعة النظام القائم، والذي هو ثمرة تفاعلات تاريخية طويلة، في مقدمها إخفاق الحركات السياسية المطلوب منها الاختيار في تحرير المجتمعات العربية من شبكة السيطرة الاستعمارية أو ما بعد الاستعمارية، وفي مقدمها الحركة القومية، وإطلاق مسار تحديث جدي وناجع فيها، هذا الفشل الذي يفسر ولادة النظام الجديد كثمرة للتسوية بين قوى ثلاث رئيسية كانت الوريثة لمشروع التحرير والتنمية والتحديث العربي المجهض، وهي القوى الامبريالية الممثلة بالرأسمالية الكبرى في الدول الصناعية والغربية خاصة، والنخب الاجتماعية الملتفة حول الدول والمحتكرة للسلطة والثروة والسيادة فيها، وهي قوى الاستبداد على مختلف أنواعها، والطبقات الكمبرادورية التي تبحث عن الاثراء السريع عبر صفقات التجارة الخارجية والداخلية، وتراكم ثروتها بالكمسيونات المرتبطة بتجارة الحشيس والسلاح وكل أنواع البيزنس بالمعنى السلبي والسوقي للكلمة. وقلت إن ما نعيشه من ظواهر سلبية وفي مقدمها تفاقم الاستبداد وتشوه التنمية وتنامي الفروق بين الطبقات إن لم نقل الافقار المتزايد للشعوب، وصعود الحركات الاحتجاجية والمتمردة ضد الحداثة والمعادية لها باسم العودة إلى الهوية والأصالة والتراث، يفسرها بشكل رئيسي، أي من حيث الإطار الموضوعي الذي يحكم اختيارات الأفراد، طبيعة هذا النظام والفرص التي يقدمها ولا يقدمها، والضغوط التي يمارسها والمخارج المحدودة جدا التي يفتحها للناس.
ومع ذلك ليس لهذا التحليل أي وقع على مسألة المسؤولية الأخلاقية والسياسية. فهو لا يعني أننا نحن كمجتمعات لسنا مسؤولين عما حصل لنا، وأن النظام المثلث الأركان فرض علينا بمؤامرة خارجية أو داخلية، فنحن مشاركين بالتأكيد في ولادة هذا النظام ومسؤولين جماعيا عنه وعن إزالته. ولكننا نحلل صيرورة تاريخية، أي كيف حصل ووصلنا إلى هنا. بعد هذا نستطيع أن نتحدث بوضوح أكثر عن المسؤوليات، ليس بالمعنى المجرد والعام، أي بالقول نحن العرب، ولكن بنقد السياسات القومية وغير القومية التي أوصلتنا إلى الفشل الذي ولد منه نظام السوق الكمبرادورية الراهن. كما لا يعني هذا أن الأفراد الذين اختاروا أن يقفوا هذا الموقف أو ذاك، ويقفون مع النظام أو ضده، لا مسؤولية لهم في مواقفهم. فالنظم الاجتماعية كما ذكرت، بعكس نظام الطبيعية، هو ثمرة التفاعل بين الذات والموضوع، بين الداخل والخارج، بين الوعي والواقع، ومن الممكن بالتالي تغييره من خلال تغيير الخيارات الفردية والجماعية. ولا يهدف البحث العلمي والموضوعي في النظم الاجتماعية إلا إلى تنوير الناس بالوقائع التي تسمح لهم بتبني الخيارات الأكثر عقلانية في السياسة والاقتصاد والمجتمع والثقافة. من دون ذلك لن يكون للعلوم الاجتماعية أي قيمة، وستظل خياراتنا رهينة مشاعرنا الذاتية وربما أوهامنا عن انفسنا وبيئتنا المحيطة بنا في الوقت نفسه.
من جهة أخرى لم أفهم التأكيد على أن الحداثة تعني الأخذ عن الغرب. فمن الواضح أن جميع الشعوب تتعلم من الغرب اليوم بسبب سبقه الحضاري كما كانت تتعلم في مدارس قرطبة في القرون الوسطى، وليس في هذا أي عيب أو انتقاص من الذات. لكن سيكون من الخيارات المضرة بالحداثة العربية أن يفهم من ذلك أيضا أن المطلوب هو محاكاة الغرب، وهذا ما حصل حتى الآن وكان من أسباب فشلنا، بدل التفاعل الايجابي والابداعي مع منجزات الحداثة التي لم تعد غربية تماما او التي تخرج من سيطرة الغرب وتغتني بتجارب ومساهمات ومسارات تحديث شعوب عديدة أخرى. الحداثة ليست صيغ جاهزة وإنما جهد خلاق ومتجدد لتمثل عمليات الانتاج العلمي والتقني والفني والصناعي ومسارات بناء الذات الحرة والمستقلة، ولا تتحقق بالتمسك بالصيغ القديمة البالية، بما فيها الغربية، وإنما تنبع من نقدها وتجاوزها. فرجاءا قللوا من المزاودة بالغرباوية، وشجعوا الناس على التفكير الحر والمستقبل في واقعهم واكتشاف الحلول الابداعية والجديدة. ولا تخشوا أن ينقلب الناس على الحداثة، فليس لأحد ولا لمجتمع حضور ولا وجود خارجها، ولا تغرنكم المظاهر الشكلية المرتبطة بالأزمة الراهنة، فلن تنسحب المجتمعات العربية من مغامرة الحداثة وليس لها بديل عنها سوى الفوضى والاقتتال والرثاثة الفكرية والمادية.
إدن المسؤولية، بمعنى تحديد الأسباب الموضوعية وليس تقييم الخيارات الذاتية، تقع على النظام الكمبرادوري القائم الذي يحدد أفق عمل الناس ويضيق اختياراتهم. وهو المطروح على النقد والنقاش والمطلوب تغييره لخلق فرص تفتح أكبر للفكر والسياسة والتنمية معا. أما المسؤوليات بالمعنى السياسي والأخلاقي والقانوني فلا نقاش فيها، لأنه لا خيار من دون مسؤولية في اي عمل يقوم به الفرد، ومن باب أولى النخبة أو الحزب أو الحركة، قومية كانت أم غير قومية. وكما اعتدنا القول ينبغي أن نميز دائما بين التفسير والتبرير. التفسير يخص المسعى العلمي والتبرير بتعلق بالتقييم السياسي والأخلاقي للفعل، أي بتطابق الوسائل مع الهدف. الحركة القومية مسؤولة عن الأخفاق من دون شك، لكن مسؤوليتها هذه لا ينبغي أن تمنعنا من فهم آليات عمل النظام العالمي، وإلا جعلنا من مسؤولية الموتى حجابا يخفي عنا مسؤولية الأحياء، اي مسؤولياتنا نحن الفاعلين في وا


للاطلاع على الموضوع والتعليقات الأخرى انقر على الرابط أدناه:
د. برهان غليون في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أزمة المجتمعات العربية والموقف من الحداثة والديمقراطية والاسلام / برهان غليون




لارسال هذا التعليق الى شبكات التواصل الاجتماعية الفيسبوك، التويتر ...... الخ نرجو النقر أدناه






تعليقات الفيسبوك














المزيد..... - مرة أخرى اللهث بحثا عن القروض في زمن -التعويل على الذات- / جيلاني الهمامي
- - ملائكة الرحمة - / زكريا كردي
- النافذة* / إشبيليا الجبوري
- آية في الحلم / فوز حمزة
- القارئ لا يقرأ الرواية. بل يقرأ الكاتب/بقلم جوزيه ساراماغو - ... / أكد الجبوري
- غزة تقول / نصيف الشمري


المزيد..... - المقاومة الإسلامية في العراق تشن 6 هجمات بالطيران المسير وصا ...
- ماذا نعرف عن المقترح المصري القطري الذي قبلته -حماس- بشأن وق ...
- “بزيادة 550.000 دينار”.. عراقي وزارة المالية العراقية تعلن س ...
- وسائل إعلام: توقيف مسؤول أمني أوكراني للاشتباه بتسريبه معلوم ...
- -أوكسفام-: لا مصداقية لادعاءات إسرائيل بإجلاء آمن للمدنيين م ...
- أمير الكويت يزور تركيا لأول مرة بعد توليه مقاليد السلطة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - د. برهان غليون في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أزمة المجتمعات العربية والموقف من الحداثة والديمقراطية والاسلام / برهان غليون - أرشيف التعليقات - رد الى: محمد علي مقلد - برهان غليون