أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - د. برهان غليون في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أزمة المجتمعات العربية والموقف من الحداثة والديمقراطية والاسلام / برهان غليون - أرشيف التعليقات - رد الى: ميلود ادجاون - برهان غليون










رد الى: ميلود ادجاون - برهان غليون

- رد الى: ميلود ادجاون
العدد: 169695
برهان غليون 2010 / 10 / 5 - 11:30
التحكم: الحوار المتمدن

هناك تفسيرين ممكنين وقائمين بالفعل لأزمة التقدم التي تعاني منها المجتمعات العربية الراهنة على جميع المستويات: الثقافية والسياسية والاقتصادية. التفسير الأول يحاول أن يستمد مفاتيح تحليله من العلوم الاجتماعية الكونية، أي علم السياسة وعلم الاجتماع والانتروبولوجيا الحديثة واجتماع الأديان والتاريخ، في مسعى لفهم الأسباب العميقة والظرفية لهذه الأزمة، معتبرا أن ما ينطبق على مجتمعات العالم الأخرى ينطبق بشكل أو آخر على المجتمعات العربية، ويساعد على فهم مشاكلها. والتفسير الثاني الذي يرى أن مسار المجتمعات العربية يتناقض تماما مع مسار المجتمعات الأخرى، بسبب رفضها للحداثة ومعاداتها لها، وأن الحالة العربية تشكل حالة استثنائية لا يمكن فهمها من خلال المفاهيم والأطر النظرية الكونية التي تعبر عنها علوم الانسان والعلوم الاجتماعية الحديثة، السياسية والاجتماعية والتاريخية، وأنه لا أمل في كشف أسرار تطورها وسلوكها إلا في تجاوز هذه الأطر العلمية الحديثة، والعودة إلى مناهج أخرى شبيهة بتلك التي سبقت ظهور العلوم الاجتماعية الحديثة في القرن التاسع عشر، والتي تبحث في التكوين العرقي أو الثقافي أو النفسي لهذه المجتمعات، فتكشف عن البذور العميقة التي تتحكم في تطورها، أي في الواقع عن عيوبها الولادية أو البنيوية وعاهاتها.
وقد بدأت أطروحة الاستثناء العربي التي تعبر عن النظرية البيولوجية أو الانتروبولوجية العرقية تشق طريقها وتترسخ في ذهن الكثير من الباحثين الاجتماعيين الغربيين في سياق الإعداد للحملة الاستعمارية الامريكية الجديدة على المشرق العربي التي بدأت بحرب العراق في بداية هذه الألفية الثالثة (2003). وكان مفادها أن العرب غير قادرين، لأسباب تكوينية ثقافية ودينية، وربما عرقية، على ولوج معارج الحداثة السياسية والفكرية والعلمية بأنفسهم، ولا بد من فرضها عليهم بالقوة، كما كانت قد فرضت على اليابانيين بعد الحرب العالمية الثانية. لكن التعبير الصافي عن هذه النظرية لم يظهر إلا بعد الحرب العراقية، في محاولة لتفسير إخفاق هذه الحملة، وكان المفهوم الجديد الذي كرسها هو الاستثناء او الاستنثائية العربية. ومعتاه أن ما ينطبق من مناهج ومفاهيم وعلوم إنسانية على المجتمعات الأخرى لا ينطبق على العرب. ولا بد في التعامل مع هؤلاء من مناهج وأساليب وطرائق أخرى. وهي النظرية التي تخفي وراءها كما هو واضح انتزاع حق التصرف بحرية تجاه العرب وحقوقهم وسيادتهم والتحكم بمصيرهم، بعد تحويلهم إلى نشاز يهدد بجموده وعدائه وتعصبه ولا إنسانية ثقافته البشرية جمعاء.
وقد دفع الاحباط الشديد وانعدام الآفاق وفشل الاصلاح العديد من المثقفين العرب بل من قطاعات الرأي العام البسيط إلى الافتتان بهذه النظرية، باعتبارها تقدم التفسير الأسهل لما تعاني منه المجتمعات العربية من تراجع وتقهقر وعجز عن الاندراج في مسيرة الحداثة العالمية. ومن هنا انتقل الحديث في الاصلاح من إشكالية الديمقراطية، التي سيطرت خلال العقود الثلاثة الأسبق على الرأي العام المثقف والطبقات الوسطى في وجه النظم الفاشية أو شبه الفاشية، إلى إشكالية العلمانية والقطع مع الماضي وتجفيف ينابيع الارهاب والانغلاق والمحافظة التي تبدو أكثر فأكثر وكانها من سمات الشخصية العربية التكوينية.
من الواضح أن كل ما قمت به من تحليل كمقدمة لهذا الحوار، وخلال ردودي هنا، هو محاولة لتحطيم هذه النظرية، وإعادة الاعتبار للعلوم الاجتماعية والانسانية في التعامل مع الأزمة العربية، ورفض أي نكوص نحو النظريات العرقية أو شبه العرقية المقنعة بنقد الثقافة والدين. وإذا كنت أنت مقتنعا بالفعل أن المشكلة ليست كما حاولت أنا أن أبين، أي في علاقة العرب الإشكالية اليوم بالحداثة، وفي طبيعة الحداثة المفروضة عليهم وطابعها الرث، التي هي تعبير عن موقعهم في خريطة توزيع القوى الدولية، والذي تتحمل نخبهم قسطا كبيرا من المسؤولية عنه، وأن المشكلة تكمن في نظرك، بعكس ذلك، في بنية العقل أو النفس أو الدين أو الثقافة عند العرب، وأن حلها لا يتم إلا بقطع العرب مع هذه الثقافة وتغيير هويتهم أو الخروج من جلدهم والأخذ بالثقافة الغربية، فمن الطبيعي أن لا تشاركني في فهم الوقائع التاريخية التي أشرت إليها ولا في تأويلها، وأن تجد فيها تحليلا سياسيا قليل العمق والشمولية.
لكن ينبغي أن يكون المرء أعمى تماما حتى يستطيع أن يتجاهل أن الحركات الاسلامية وتيارات المحافظة بقيت في العالم العربي، عند اوسع دوائر الرأي العام وليس عند النخب فحسب، أقلية حتى بضعة عقود، وأن فكرة التحرر والانعتاق والثورة بقيت سائدة وملهمة للشعوب منذ اواخر القرن التاسع عشر، وأن الايديولوجيات التي حركت الجمهور العريض خلال أكثر من قرن لم تكن الاسلاموية وإنما القومية والوطنية والاشتراكية والعالم ثالثية والتنموية، وأن الاحزاب الشيوعية كانت تشكل قوى شعبية رئيسية في العديد من البلدان. وأنه حتى في أفضل ساعات انتصارها، لم تستطع القيادات الاسلاموية أن تحظى بجزء قليل من الشعبية التي حظيت بها شخصية قومية تحديثية مثل جمال عبد الناصر، او حتى بورقيبة أو عببد الكريم قاسم أو بو مدين أو أي زعيم من زعماء فترة الثورة القومية التنموية.
تستطيع أن تفسر جميع الحركات التحديثية التي ظهرت منذ القرن ما قبل الماضي على أنها محاولات لإحياء القيم القديمة وإرهاصات ضد الحداثة ورفض للتقدم نحو العالم والعصر، كما تفعل هنا. لكن في هذه الحالة لن يكون من الممكن فهم التاريخ، لا تاريخ الصراع العنيف داخل المجتمعات العربية بين ماكنا نسميه تيارات التقدم وتيارات المحافظة، ولا تاريخ صراع المجتمعات العربية من أجل الاستقلال السياسي والفكري والاقتصادي. ولو كان العرب لم يتحركوا بالفعل إلا لصيانة الماضي والتشبث به لما فكروا ولا ناضلوا ولا بقي لهم أثر اليوم. هم موجودون كشعوب ودول لأنهم فهموا أن بقاءهم مرتبط باستيعابهم لمباديء النظر والعمل في العصر الحديث. وهذا ما فعلوه وجهدوا في تمثله، ولو جاء ذلك في صورة ناقصة ومبتورة وغير ناجزة. لكن هذا كان اتجاه عملهم التاريخي. والواقع ليست هذه مزية تحسب لهم ولا يحتاج مثل هذا الإدراك لعبقرية خاصة، فهذا هو ما حصل في كل بقاع الأرض وعند شعوب أفريقية وآسيوية لم تكن تتمتع بالموقع الجيوسياسي والحضاري المركزي التي تتمتع به المجتمعات العربية.
لكن الحداثة ليست سلعة تشترى وتستهلك، ولا ثمرة ناضجة معلقة بشجرة لا يحتاج ولوجها إلا إلا وضعها في التم. الحداثة معركة كبرى، بل هي المعركة الرئيسية القائمة بين الشعوب جميعا لأن الولوج إليها يعني انتزاع موارد وتقاسم ثروات مادية ومعنوية يتنافس الجميع على احتكارها أو أخذ نصيب الأسد منها. فهي علم وتقنية وحقوق إنسانية وحريات مدنية وسياسية ودول ذات سيادة ونظم دستوية وقانونية وموارد طبيعية وصناعية. من دون ذلك لا حداثة ولا ما يحزنون. وكل هذا ليس مرميا على قارعة الطريق ينادي على من يغرف منه كما يشاء. والحال أن الشعور المتزايد بالخروج من الحداثة عائد بالدرجة الأولى إلى أن الموارد الوطنية لا تستثمر من أجل إدخال الشعوب في الحداثة وإنما لتلبية حاجات النخب السائدة في الانخراط لوحدها في حداثة بازخة واستهلاكية لا قاع لها، وما يرتبط بالحفاظ عليها من استمثارات مكلفة في الأمن ووسائل القمع والسيطرة، وفي رشوة الدول الكبرى الوصية والقاعدة الزبائنية التابعة.
إن تصور البعض بأن الحداثة ثمرة ناضحة، وأن مشكلة العرب هي أنهم يرفضون قطافها بسبب عمى أبصارهم وتعلقهم بأذيال الدين والقيم القرسطوية لا يتطابق تماما مع تصور المرتدين على الحداثة من الاسلامويين المتطرفين لها فحسب، ولكنه يحرم المجتمعات من إدراك حقيقة الأمور وحتمية الكفاح المرير من أجل التحول إلى مجتمعات حديثة بالفعل، ويكرس مفهوم الحداثة بوصفها سعلة استهلالكية أو تنمية لا محدودة للشره الاستهلاكي المادي واللامادي معا. وهو مرض الحداثة أو المرض بالحداثة الذي يحرم المحدثين من إدراك الواجبات والمسؤوليات الكبيرة التي تترتب على خوض معركة الحداثة وتقنع المحافظين بأنها الثمرة المحرمة التي ستخرجهم من الجنة.


للاطلاع على الموضوع والتعليقات الأخرى انقر على الرابط أدناه:
د. برهان غليون في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أزمة المجتمعات العربية والموقف من الحداثة والديمقراطية والاسلام / برهان غليون




لارسال هذا التعليق الى شبكات التواصل الاجتماعية الفيسبوك، التويتر ...... الخ نرجو النقر أدناه






تعليقات الفيسبوك














المزيد..... - ضوء تحت أقدامها / وهاد النايف
- من فضلك لا تشتم العرب / محمد رضا عباس
- الفشل في القاهرة الحلقة الأخيرة قبل قيام الممالك السبع / أفنان القاسم
- قطوف من -خزامى- سنان أنطون / فيحاء السامرائي
- كراسات شيوعية (أوكرانيا) أرض المواجهة بين الإمبريالية وروسيا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مأساة غزة واليسار العالمي / سليم زاروبي


المزيد..... - موظفو مستشفى أمراض نفسية -يستخدمون طفلة مريضة- في تعنيف آخر. ...
- كيف سيغير الذكاء الاصطناعي طرق خوض الحروب وكيف تستفيد الجيوش ...
- بريق الذهب يُغري المُقبلات على الزواج في الأردن والشباب يستد ...
- الغضب يجتاح مدينة تونسية بسبب تدفق المهاجرين الأفارقة الراغب ...
- يونيسف: 600 ألف طفل في رفح الفلسطينية مهددون بكارثة وشيكة
- وفاة -النحيف-.. رحيل أول مدرب قاد الأرجنتين للفوز بكأس العال ...


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - د. برهان غليون في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أزمة المجتمعات العربية والموقف من الحداثة والديمقراطية والاسلام / برهان غليون - أرشيف التعليقات - رد الى: ميلود ادجاون - برهان غليون