|
التغيير الشامل يبدأ بالبنية السياسية - محمد على مقلد
- التغيير الشامل يبدأ بالبنية السياسية
|
العدد: 168129
|
محمد على مقلد
|
2010 / 9 / 30 - 05:38 التحكم: الكاتب-ة
|
نعم ، اليسار حاجة للبشرية، لكن إي يسار نقصد أنا وأنت؟ الرفاق اليمنيون هم مجموعة من الوطنيين المتحمسين لقضية بلادهم ، القضية التي كانت تتمثل في حينه بمحاربة الاستعمار وبناء المجتمع الجديد، لكن ليس بالنوايا الطيبة وحدها تبنىى الأوطان، بل بالبرامج الواضحة والعلمية والمدروسة . لست أدري ما إذا كانوا يساريين حقا ، وليس من حقي أن أنزع عنهم يساريتهم ، لأنهم كانوا من الرفاق المناضلين من أجل غد أفضل لشعبهم، على الأقل هذا ما كانوا هم يعتقدون أنهم يفعلونه أو أنهم يقصدونه. تجربة اليمن بالذات تملي علينا أن نقرأ تاريخ اليسار قراءة نقدية، وأن نستخرج منها معيارا دقيقا لمفهوم اليسار. فإذا كان اليسار هو ما تجسد في التجربة اليمنية وهو ما صنعه اليمنيون الجنوبيون بأنفسهم فعلينا نحن اليوم أن نسعى إلى استبداله...لكن لا يجوز لنا أن نمحو من ذاكرتنا ما أنجزته التجربة اليمنية قبل أن ينفجر الصراع على السلطة مستعيدا صورة الصراع القبلي العنيف ...هذا يدعونا إلى استناج درسين مهمين من هذه التجربة: الأول هو أن الكلام عن بنية فوقية وبنية تحتية بالمعنى الميكانيكي للكلمة هو أحد مظاهر جهلنا بالماركسية وبالمادية التاريخية . لقد هزئنا كثيرا مما أسميناه الفكر المثالي ، ولم نصدق ما زعمه ماكس فيبر حين قال إن البروتستانتية ( أي الدين، أي البنية الفوقية) هي التي صنعت الرأسمالية ، مخالفا بذلك ماركس الذي رأى أن التطورات الاقتصادية( أي البنية التحتية) هي التي صنعت الرأسمالية، فهل التركيب الاجتماعي القبلي هو جزء من البنية الفوقية أم من البنية التحتية؟ وهل يصح على الوعي القبلي ما قاله ألتوسير في عبارة شهيرة ذكرتها في أحدى مداخلاتي في هذا الحوار: الإيديولوجيا(البنية الفوقية) هي كالباطون المسلح ، وهي إن نشأت بفعل الآليات الاقتصادية (البنية التحتية) لكنها تبقى وتستمر حتى لو تغيرت البنية التحتية التي أنشأتها. ذلك يعني أن الوقت الذي استغرقته التجربة اليمنية لم يكن كافيا لتبديل جذري في البنية العقلية. وهذا يقودنا إلى الدرس الثاني الثاني هو أن مفتاح التغيير الشامل هو تغيير في البنية السياسية أولا ( أي في البنية الفوقية) . هذه الفرضية تثبتها التجربة الرأسمالية ذاتها ، فالتغيير الشامل نسب إلى الثورة الفرنسية ، مع أن هولندا وبريطانيا كانا أسبق من فرنسا في التغيير الاقتصادي ( البنية التحتية )، وذلك عائد إلى أن الثورة الفرنسية هي التي أنجزت قبل سواها التغيير السياسي ، وأسست اللبنة الأولى للجمهورية والديمقراطيات الحديثة ( طبعا لم يحصل هذا بشحطة قلم ، لأن الديمقراطية سيرورة ومسار استمر من 1789حتى الحرب العالمية الثانية، أو قل حتى استقالة ديغول من رئاسة الجمهورية لأنه لم ينل في الاستفتاء 60% وليس 50% زائدا واحدا. مفتاح الحلول في بلادنا هو التغيير في السطلة السياسية ونقلها من الوراثة إلى الخيار الشعبي الديمقراطي : الديمقراطي ، يعني الاعتراف بالآخر ، وبحق الاختلاف ، وبتداول السلطة أو التناوب على السلطة ، وبالفصل بين السلطات ، وباحترام القانون، وبمعيار الكفاءة وتكافؤ الفرص ...كل ذلك لم يكن موجودا في التجربة اليمنية التي رغبت في أن تنسخ التنظيم اللينيني نسخا دقيقا . غير أن الصراع على السلطة في روسيا غداة انهيار الاتحاد السوفياتي لم يؤد إلى حرب أهلية كالتي خاضها أهل اليمن، وذلك يعني ان انتصار الولاء القبلي على الولاء الحزبي للاشتراكية والفكري للماركسية يملي علينا إعادة النظر في نقطة البداية : من أين ينبغي أن يبدأ التغيير ؟ إن التغيير السياسي باتجاه الديمقراطية يشكل ضمانة لكل الانجازات التي يمكن أن تحققها أية ثورة ( أو قل أي انقلاب) فلو كانت الثورة الناصرية أو الخمينية قد ربطت ثورتها بالديمقراطية لكانت أمنت ظروفا أفضل لتحويل انقلابها إلى ثورة بالمعنى الصحيح للكلمة . وإن جاز لنا أن نختار بالأولوية ، من بين أسباب انهيار الاتحاد السوفياتي لقلنا ، من غير تردد ، إن الثغرات في البنية السياسية ،وهي ثغرات في الممارسة الديمقراطية ، بل في الممارسة غير الديمقراطية ، هي التي كانت الأكثر فتكا بمنجزات الثورة ، ومنجزاتها كثيرة ولا شك.
للاطلاع على الموضوع
والتعليقات الأخرى انقر على الرابط أدناه:
د.محمد على مقلد في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الدولة والعلمانية واليسار / محمد على مقلد
|
|
لارسال هذا
التعليق الى شبكات
التواصل الاجتماعية
الفيسبوك، التويتر ...... الخ
نرجو النقر أدناه
|
تعليقات
الفيسبوك
|
|
|
المزيد.....
-
هل يطبع أحمد الشرع مع إسرائيل وينضم لاتفاقية ابراهام
/ علي ابوحبله
-
في يوم الطالب:من جيل التحرير إلى جيل البناء... هل مازلنا أوف
...
/ محفوظ بجاوي
-
الفنان حسن فايق أيقونة الكوميديا
/ محيي الدين ابراهيم
-
-السرقات الأدبية: بين الأمانة العلمية الفكرية والإبداع المز
...
/ السيد إبراهيم أحمد
-
البداية من أول الستر .. التحدى الثقافى الأكبر
/ منى نوال حلمى
-
في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية
/ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
المزيد.....
-
قصف وقتل وتجويع واغتيال في غزة
-
قمة -اختر فرنسا-.. ماكرون يراهن على الاستثمارات الأجنبية
-
الطاهري في إدارية المعادن و الإلكترونيك :
-
هياخدها صلاح ولا ايه؟ .. ترتيب الحذاء الذهبي وتراجع صلاح للم
...
-
“800 د.ج منحـة فــوريـة“ كيفية التسجيل في منحة المرأة الماكث
...
-
تبكير موعد صرف مرتبات شهر يونيو 2025 لهؤلاء الموظفين “أعرف ا
...
المزيد.....
|