|
رد الى: بدرخان علي - ياسين الحاج صالح
- رد الى: بدرخان علي
|
العدد: 161295
|
ياسين الحاج صالح
|
2010 / 9 / 9 - 22:29 التحكم: الكاتب-ة
|
تكلمت على الإسلام الاجتماعي في سياق تحليل الظاهرة الإسلامية، والتمييز خاصة بين التدين الاجتماعي المنتشر وبين الإسلام السياسي. يميل متكلمون على الظاهرة الإسلامية إلى خلط الكل تحت عنوان واحد هو الأصولية، وهذا خاطئ على مستوى التحليل، وخطر على مستوى العمل، لأنه إذ يخاصم التدين الاجتماعي فإنه يسهل مهمة الإسلام السياسي في جعل نفسه الناطق الوحيد باسمه. علما أن هذا غير صحيح في رأيي. ليس الإسلام الاجتماعي رصيدا جاهزا لحركات الإسلام السياسي، المتنوعة هي ذاتها على كل حال بين تيار إخواني وتيار سلفي جهادي. وتقديري أن التدين، الإسلامي وغير الإسلامي، يوفر لجمهور يعيش تحت خط الفقر السياسي فرص اختلاس محرِّر للسياسة. كنت في مواد قديمة عرفت خط الفقر السياسي بأنه يمتد بين نقطتين: التجمع الطوعي المستقل من جهة، والتعبير الحر عن الرأي من جهة ثانية. فلا تستطيع أية سلطة دكتاتورية أن تمنع -تجمع- المصلين في المسجد أو الكنيسة، ولا أن تحظر -الرأي- المتمثل في تلاوة القرآن أو الكتب المقدسة. بهذا المعنى، للتدين الاجتماعي قيمة إنسانية وتحررية. فهو يحول دون تحول الناس إلى فراطة مبعثرة لا شيء يجمعها، ويوفر أساسا لتلاقيهم وتعارفهم والثقة فيما بينهم. الناس الذين يلتقون في المسجد لا يشكلون تجمعا تعبديا فقط، بل يتبادلون تسهيلات متنوعة، تمتد من معاملات الحياة اليومية إلى ترتيبات الزواج. وقد يشترك بعضهم في أنشطة خيرية منظمة. هذا كله يعني أن التدين الاجتماعي وسيط تعضٍّ في مجتمع كان يمكن أن يكون اشد تبعثرا لولا ذلك. ويجري تقديم الزكاة للمحتاجين (يسمون: مستورين) بصورة مؤثرة جدا أحيانا، وتنم عن شعور ديني وأخلاقي عميق. ولدي شعور بحاجتنا إلى دراسة السلوك الديني والتعرف عن كثب على أنماط التدين. للأسف أكثرنا لا يعرفون شيئا البتة عن الممارسة والسلوك الدينيين. وهذا أحد منابع اللاتفهم المتزايد في مجتمعاتنا، وأحد مصادر الاغتراب المتبادل والتجاهل المتبادل بين عموم المثقفين والناشطين وعموم المتدينين. ومن جهل شيئا عاداه كما يقول المثل. على أن هناك حدود ضاغطة تسم التدين وتحد من مفاعيله التحررية. التجمع الديني إقصائي تعريفا، يقتصر على المتدينين فلا يشمل غير المتدينين، ولا من يدينون بأديان أخرى. ثم أن النصوص الدينية مقدسة وتمنع الرأي الشخصي من الانبثاق. وتاليا فإنما يوفره التدين الإسلامي من شعور بالتضامن والمساواة مقتصر على جمهور المسلمين المؤمنين. ما يمكن أن يكون أساسا لتحرر ومساواة عامين لا يمكن أن يكون الدين. أفترض أن هذا بديهي. لكن مجتمعات بملايين البشر وعشرات ملايينهم، تتكون ولا بد من جماعات فرعية متنوعة. يسع الأديان المختلفة في بلداننا أن تكون أساسا لبعض هذه الجماعات الفرعية. وتقديري أن الإسلام السياسي يستثمر في النزعة الاجتماعية القوية المميزة للتدين الإسلامي، لكنه بالقطع لا يخلقها. بل لعله بصورة ما عبء عليها من حيث يسعى إلى تسخيرها لأجندات سياسية محددة. عموم المتدينين بالمناسبة يتكيفون مع أية أوضاع سياسية، ولعلهم يرتاحون أكثر للأوضاع الاستبدادية. نوعية عتادهم الثقافي والروحي (العبودية لله، الجماعة، الطاعة، ولي الأمر..) تجعلهم مهيئين للتكيف مع أوضاع استبدادية جيدا. هذا قد يكون أحد عوائق الديمقراطية لدينا، ولعلنا سندفع ثمنه في المستقبل فوق ما ندفع اليوم. أفترض أن ما سبق يجعل الكلام عن احتمال أن يكون التضامن الاجتماعي الديني بديلا عن -العقد الاجتماعي الوطني- في غير محله. حتى لو افترضنا أن التعاقد الوطني محقق في بلدنا، فإنه لا يلغي الحاجة إلى تعاقدات جزئية إن صح التعبير على مستوى الجماعات الفرعية. ومن جهتها هذه التعاقدات لا تغني عن تفاهم وطني عام، عابر للجماعات الدينية والمذهبية والإثنية ومتجاوز لها. ولا ينبغي أن نضع التضامن الوطني العام مقابل التضامنات الجزئية. هذه نزعة جمهورية متطرفة، قد تنزلق نحو التوتاليتارية وسحق الجماعات والأفراد معا. هذا غير أني أتكلم عن أوضاع نفتقر فيها إلى التضامن الوطني العام كما تعلم. أخيرا، لا، لا يتعلق الأمر بلاهوت تحرير. للأسف الفكر الإسلامي مفرط التمركز على نفسه ومستسلم للطائفية، ويريد تعميم نفسه كما هو، لا الشراكة مع غيره مع مالا تقضيه من مراجعة للنفس ومن تعديل لأسس التفكير. يتعلق الأمر بالأحرى بتكيف فعال في ظل أوضاع استبدادية ضاغطة.
للاطلاع على الموضوع
والتعليقات الأخرى انقر على الرابط أدناه:
ياسين الحاج صالح في حوار مفتوح مع القراء والقارئات حول : اليسار والإسلام و... اليمين / ياسين الحاج صالح
|
|
لارسال هذا
التعليق الى شبكات
التواصل الاجتماعية
الفيسبوك، التويتر ...... الخ
نرجو النقر أدناه
|
تعليقات
الفيسبوك
|
|
|
المزيد.....
-
توازن الثبات والإرادة المستديرة/ شعوب الجبوري - ت: من الألما
...
/ أكد الجبوري
-
كما لو أنها
/ بلقيس خالد
-
ترحب دولي بقرار الجنائية الدولية -باعتقال نتنياهو وغالانت-
/ سري القدوة
-
بِطاقةٌ حمَّالةٌ للقَهَر
/ علي الجنابي
-
كتابة التاريخ ليست مسألة إثبات أو طعن، بل هي أمانة علمية وأخ
...
/ ديار الهرمزي
-
أفكار في رسم خريطة طريق لحل استراتيجي لإشكالية الطائفية في ل
...
/ حسن خليل غريب
المزيد.....
-
وفاة الملحن المصري محمد رحيم عن عمر يناهز 45 عامًا
-
بوليفيا تعرب عن دعمها لمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت
-
مراسلتنا في الأردن: تواجد أمني كثيف في محيط السفارة الإسرائي
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة بالضاحية الجنوبية؟
-
أعراض غريبة تعني إصابتك بفقر الدم.. اعرفها
-
برشلونة يتعثر على ملعب -بالايدوس- في الوقت القاتل
المزيد.....
|