|
لقاء علمي في مكناس حول الحق في السلام
إدريس لكريني
كاتب وباحث جامعي
(Driss Lagrini)
الحوار المتمدن-العدد: 1949 - 2007 / 6 / 17 - 07:54
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
نظمت مجموعة الأبحاث والدراسات حول ثقافة السلام؛ بشراكة مع شعبة القانون العام لقاء علميا في موضوع: الحق في السلام، بكلية الحقوق مكناس وذلك يوم الخميس 3 ماي 2007. وخلال هذه الجلسة الدراسية التي ترأسها الدكتور محمد البزاز الأستاذ الباحث بكلية الحقوق، مكناس؛ وضمن ورقته حول الحق في السلام، تناول الدكتور عبد الحميد عقار عضو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان؛ الحديث عن التطور التاريخي للسلام في إطار مقاربة شمولية لحقوق الإنسان. منذ سنين غابرة اهتمت جميع الديانات السماوية والشرائع الدولية والمحلية بأمر السلام؛ فالحروب وما رافقته من آثار وخيمة ومدمرة؛ فرضت تطويق هذه المخلفات بمجموعة من التدابير والإجراءات وذلك كسبيل لحماية حقوق الإنسان ومن ضمنها الحق في السلام، وفي هذا الإطار ظهرت الأمم المتحدة كمؤسسة دولية جعلت من حفظ السلم والأمن الدوليين أهم أولوياتها؛ وبخاصة وقد جاء تأسيسها في أعقاب خروج العالم من أفظع حرب شهدها التاريخ البشري التي استعملت فيها مختلف الأسلحة الفتاكة بما فيها السلاح النووي. قبل أن يصدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أكد بدوره على الحق في السلام إلى جانب حقوق فردية وجماعية أخرى، هذا بالإضافة إلى قواعد ومبادئ القانون الدولي ومختلف الاتفاقيات والضوابط الدولية المرتبطة بالقانون الدولي الإنساني أو حقوق الإنسان. وعلى الرغم من هذه الجهود؛ فالعالم يشهد تنامي الصراعات والحروب؛ مما يخلف خسائر بشرية كبيرة، كما أن الإرهاب يشكل تهديدا كبيرا لهذا الحق.. لقد أضحى السلام مطلبا داخليا أيضا، نظرا للخروقات الإنسانية التي تفرزها الحروب الأهلية والنزاعات الداخلية؛ هذا بالإضافة إلى انتشار ثقافة اللاتسامح وغياب العدالة الاجتماعية.. التي تشكل في مجملها تهديدا للاستقرار والسلام الداخليين. أما د. محمد الهزاط الأستاذ الباحث بكلية الحقوق، مكناس، فقد انطلق في مداخلته المعنونة ب: ثقافة السلام في الإسلام، من أن السلام يرتبط أساسا بعدم وجود تهديد أو حرب، وهو هدف وقيمة سامية؛ سعى الإنسان باستمرار إلى تحقيقها من خلال بذل مجهودات كبيرة توجت بعقد مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات.. وقد أكد الإسلام باستمرار على هذه القيمة؛ سواء من خلال القرآن أو الأحاديث النبوية، ويبدو هذا الحرص من خلال تأكيده على: 1- وحدة الجنس البشري ضمن إطار من التنوع والاختلاف، وهو ما تحمله مجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث التي تحث على التعارف والتواصل وتنبذ التعصب: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا..". (سورة الحجرات، آية 13). 2- وحدة الأديان، فإذا كانت الديانات السماوية الأخرى قد اتسمت بالبساطة في تعاليمها؛ فإن هذه الأخيرة توضحت وتطورت أكثر مع مجيء الإسلام؛ الذي ركز على وحدة وشراكة الأديان؛ ومن هذا المنطلق فالمسلم مطالب بالتصديق والاعتراف بالأديان السابقة(طبعا مع وجود بعض القضايا الخلافية كمسألة التثليت في العبودية بين الإسلام والمسيحية..). 3- السلام كأصل في العلاقات البشرية؛ فمصطلح السلام ذكر بشكل مكثف في القرآن، كما أن الإسلام عمل منذ بدايات ظهوره على تطويق الحرب بمجموعة من الشروط والضوابط؛ على اعتبار أن الأصل هو السلم والاستثناء هو الحرب. فالاقتتال من المنظور الإسلامي يكون عند الاضطرار فقط (في حالة الدفاع عن النفس مثلا..)، وإذا ما تم هذا الاقتتال أو الجهاد فيظل مؤطرا ومقيدا بالأخلاق والفضيلة الإنسانية (ضرورة إعلان الحرب وتلافي الفجائية في هذا الشأن؛ عدم قتل العجزة والأطفال، عدم تدمير العمران، الامتناع عن الإساءة للبيئة وعدم التمثيل بالجثث، ورفض النهب والتخريب، واحترام الأسرى..). وضمن سياق مداخلته المعنونة ب: التحديات الدولية الراهنة ومستقبل السلام؛ أشار د.إدريس لكريني(كلية الحقوق مراكش) إلى أن العالم ظل منشغلا طيلة فترة الحرب الباردة بهاجس الحروب والمواجهات العسكرية فقط؛ غير أن التحولات التي شهدها العالم في العقود الثلاث الأخيرة؛ أسهمت بشكل ملحوظ في تبدل النظرة إلى السلام؛ وذلك بعد ظهور مخاطر جديدة؛ من قبيل الأمراض الفتاكة كالإيدز الذي تسبب خلال سنة 2003 في وفاة 2,2 مليون شخص في شبه الصحراء الإفريقية وحدها والحمى القلاعية وأنفلونزا الطيور وجنون البقر..، ثم تدهور وتلوث البيئة، تنامي الإرهاب الدولي، الصراعات والنزاعات المرتبطة بالديموقراطية وحقوق الإنسان.. وهي كلها تؤكد حجم التحديات التي أضحت تواجه السلام العالمي؛ وبخاصة وأن تداعياتها أصبحت تتجاوز الحدود بالشكل الذي يفرض مقاربتها بشكل جماعي في جو من التعاون والتنسيق. ولقد كان لحادث "تشيرنوبيل" النووي سنة 1986 أثر كبير في تنامي الوعي الدولي بأهمية تعزيز الجهود لمواجهة الأخطار المهددة للبيئة؛ وبالفعل فقد تم عقد مؤتمر ريو دي جانيرو سنة 1992 وبعده مؤتمر جوهانيسبورغ سنة 2002، غير أن مختلف هذه الجهود وعلى الرغم من حيوية وخطورة هذا الموضوع؛ لم تسفر عن نتائج مرضية بفعل عدم الانخراط الجدي للعديد من الدول في هذا الخصوص. وإذا كانت مخاطر الإرهاب قد تزايدت بشكل كبير بفعل تطور تقنياته ووسائله والعوامل التي تغذيه، فإن مقاربته تتم بشكل انفرادي وغالبا ما تتسم بالانحراف وتسهم في تناميه وانتشاره(تجريم المقاومة، عدم التركيز على إرهاب الدولة..). كما أن النزاعات المرتبطة بحقوق الإنسان والديموقراطية التي ظلت حتى وقت قريب تدار بشكل مغلق داخل الدول باسم السيادة؛ أصبحت تستأثر باهتمام دولي متزايد؛ بعدما أصبحت تفرز آثارا وخيمة على السلم والأمن الدوليين(الهجرة، اللجوء، التطرف، الإرهاب، نزاعات داخلية مؤثرة في المحيط الإقليمي والدولي..) وتتزايد حدة هذه التحديات مع عجز الأمم المتحدة باعتبارها منظمة عالمية مسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين عن القيام بواجباتها في هذا الشأن؛ وقصور قواعد ومبادئ القانون الدولي التقليدي في ضبطها ومواجهتها بشكل فعال. وتناولت دة. السعدية بودريبيلة الأستاذة الباحثة بكلية الحقوق، مكناس موضوع: ثقافة السلام بين الخيال والواقع. وأكدت في بداية مداخلتها على أن للعنف مظاهر متعددة، ولكن السؤال الذي ينبغي طرحه هو كيف نكرس ثقافة السلام؟ إن لسيادة ثقافة الكراهية والبغض أثر كبير في تبلور أشكال مختلفة من الحروب والمواجهات المحلية والدولية. ولذلك فالمسؤولية الملقاة على عاتق الإعلام بمختلف أشكاله وقنواته في هذا الصدد جسيمة؛ وتفرض العمل على تكريس ثقافة السلام والتعايش. والواقع أن مختلف هذه القنوات ما فتئت تصدر - وللأسف - صور الحروب والدماء البشعة كل يوم؛ بالشكل الذي يسهم في تنامي الشعور بالانتقام والكراهية. إن السلام هو مطلب إنساني ملح باعتباره مدخلا لتحقيق التنمية والتعايش والأمن؛ غير أن هناك من يستثمر هامش التعددية والاختلاف لإثارة قضايا قذرة تكرس الحقد. إن تكريس ثقافة السلام يتطلب الوقوف على حجم العوامل تتهدده، فتهميش ثقافة الاختلاف والتعايش يجد أصواتا مؤيدة له داخل الأوساط العالمية والمجتمعات الداخلية بل وحتى داخل الأسر ذاتها. مع العلم أن التنوع والاختلاف هما أمران طبيعيان، كما أن حوار الحضارات مطلب يجسد الاكتشاف والتواصل المؤدي لتقبل أفكار الآخر.. مع العلم أن هناك حضارات محلية وأخرى ذات صبغة إنسانية. إن العالم يشهد تزايدا لمجموعة من المشاكل والتحديات التي تتجاوز في مخاطرها حدود الدول (إرهاب، تلوث البيئة..) بالشكل الذي يجعل من التعايش وتذليل الصراعات أمرا مفروض من أجل مواجهتها بشكل جماعي خدمة للإنسانية. وعلى الرغم من وجود مختلف المعيقات والإكراهات، يظل تحقيق السلام أمرا ممكنا، فهو بالتأكيد ليس من قبيل الخيال أوالوهم، والممارسة الدولية تحفل بتجارب ميدانية تؤكد هذا الأمر؛ فقد مرت ألمانيا وفرنسا بمواجهات وحروب عسكرية تاريخية عدة(23 حربا)، ولكن وعيها بمصالحها الحقيقية والاستراتيجية؛ جعلها تنخرط في سلام أكيد قوامه التعاون البناء. وتظل هناك مجموعة من المداخل الكفيلة بتحقيق السلام؛ وفي هذا السياق ينبغي الاقتناع بأن السلام هو الأصل والحرب ليست قدرا ولا في صالح البشرية، وبأن التنوع أمر مطلوب لأنه إغناء وإثراء، كما ينبغي الإقرار بحتمية وملحاحية الحوار بين الحضارات؛ ومواجهة كل الأصوات التي تناقض السلام؛ مع اعتماد مجموعة من الضوابط القانونية والاتفاقية التي تعزز ثقافة السلام.
#إدريس_لكريني (هاشتاغ)
Driss_Lagrini#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار مع الباحث إدريس لكريني حول تطورات قضية الصحراء
-
حوار مع إدريس لكريني حول قضايا محلية ودولية
-
بيان حول سرقة علمية: جامعيون يمتهنون القرصنة
-
أمام الإكراهات الداخلية والإخفاقات الخارجية: أي مستقبل للإمب
...
-
لقاء فكري حول الهجرة بكلية الحقوق، مراكش
-
حوار مع الباحث إدريس لكريني حول المستجدات المحلية والدولية
-
أزمة الدخول الثقافي في المغرب
-
العرب وتحديات الداخل والمحيط
-
حوار حول الشأن الثقافي بالمغرب
-
ندوة: الانتقال الديموقراطي بين حقوق الإنسان ورهان الإصلاحات
...
-
التحولات العالمية بعد أحداث 11 شتنبر
-
أحداث 11 شتنبر: قراءات في إشكالية الضلوع
-
أحداث 11 شتنبر ومعادلات الربح والخسارة في المجتمع الدولي
-
تقرير حول ندوة دولية في موضوع: الحركات الإسلامية المشاركة في
...
-
التدخل في الممارسات الدولية: بين الحظر القانوني واتلواقع الد
...
-
إدارة الأزمات الدولية في عالم متحول: مقاربة للنموذج الأمريكي
...
-
الصراع الهندي- الباكستاني في ضوء الحملة الأمريكية لمكافحة ال
...
-
إدارة مجلس الأمن للأزمات العربية في التسعينيات: أزمة لوكربي
...
-
بعد هزيمة الأقطاب الدولية الكبرى في معركة العراق, هل سيكون م
...
-
تطور السياسة الخارجية المغربية إزاء قضية الصحراء
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|