أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - وديع شامخ - تائهون في صحراء الاسلام















المزيد.....

تائهون في صحراء الاسلام


وديع شامخ

الحوار المتمدن-العدد: 1947 - 2007 / 6 / 15 - 13:24
المحور: كتابات ساخرة
    


لقد ولّد الشرق صورة فردوسية في مخيلة الغرب،فسعى الرحالة الغربيون الى تنظيم رحلات فردية وجماعية لاكتشاف هذا السر الغامض والمحاط من الجمال العصي عن الوصف على حدتعبير –ماري لويز دفرنوا-. شرق مرادف للصور الغرائبية التي حفزت مخيلة الفنانين والروائيين والشعراء على تصويره اعتمادا على المحمول القبلي عن الشرق عن الغربيين.، حتى جاءت الرحلات الفعلية للشرق لتكريس هذه المفاهيم وتغذيها لتصبح فيما بعد وثائق يعاد انتاجها من الحقل الثقافي، الى الحقل الإيديولوجي لتصبح مسلمة وبديهية لفهم الاخر الشرقي من قبل العقل الغربي والفرنسي تحديدا. وهو ماذهبت الية د. مي عبد الكريم محمود في دراستها الانطولوجية ( تائهون في صحراء الاسلام) إذ تقول" حاولنا في هذا الكتاب الذي وضعناه بهيئة انطولوجيا صورية متفرقة ومتنوعة عن الصحراء، ان نترجم اكثر الفقرات دلالة وتعبيرا عن النظام الذي يسود المخيلة الغربية في تعيين الصحراء العربية في اطار الثقافة كما رسمها او تخيلها الأدباء الرومنطيقيون الفرنسيون في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر مثل( فولني ، شاتوبريان، لامارتين ، فولتير، لوتي)، ولقد تتبعنا اكثر الفقرات تعبيرا عن حياة البدوي الهائم في الصحراء، وكذلك العادات الاجتماعية والطابع الاثنوغرافي والثقافي للعرب في القرن التاسع عشر". ولم تتوقف المؤلفة عند حدود البحث في ترسيم العلاقة بين الشرق والغرب كما جاءت في وثائق الرحلات، بل اجتهدت في تفسير هذا الفعل عبر تبنّيها أطروحة (مارسيا إلياد) التي تفيد، بأن الانسانية منذ عصورها الاسطورية تتجاذبها صورتان نمطيتان اصليتان هما، الخوف من مغادرة المركز الكوني، والسقوط منه بتأثير قوى الظلام الى الفضاء السديمي، الجن والاموات. اذ تحيل نمطية المركز الاصلية الى القبلية المتعالية للانسان، وان ما يحرك عاطفة الخوف هذه لدى المرء هي(الفاتح/ الغازي/ العدو) ليعود الى طور الفضاء المترجرج الذي لا شكل له، والعاطفة الاخرى هي عاطفة انجذاب الى المكان الاخر حيث سيتحقق للمرء حلمه بإستعادة الفردوس المفقود.
وفي عودة الى تقصي جذر عبارة -الرحلة الى الشرق- في الأدب الفرنسي تفيدنا المؤلفه بانه لم تظهر هذه العبارة الا في عام 1835 على يد ( لامارتين)في كتابه(ذكريات وانطباعات وافكار ومشاهد مقدمة من خلال رحلة الى الشرق). كما حددت لنا الفرق بين رحلة لامارتين الى الشرق بوصفه حاجا متشوقا الى زيارة( الجبال التي نزل الرب عليها)، وبين عنصرية شاتوبريان ونظرته المتعالية في جميع اعماله التي عالجت التماس الحضاري والديني ، والذي بدا كعوليس جديد اذ يقول" انا اتحدث على نحو ادبي عن ذاتي"ومن خلال هذا الفهم المتناقض للشرق عن طريق فهم الرحالة الفرنسيين نستطيع تلمس ابرزسمات الرحلات.
خصائص الرحلات
1-خضوعها الى الطابع المفكك في الكتابة... ويظهر البعد السيروي من خلال تفكيكها وفوريتها ومباشرتها.
2-حرص الرحالة على تقديم المادة الكتابية دون عناية لكي يستطيع الحصول على اكبر قدر من ايهام القارئ حتى جاء جيل جديد استطاع الخروج من دائرة الوهم الذي مارسه الرحالة كما وصفهم (بير لوتي) بـ(المبرؤون من السحر).
3-اشتراك الرحلات في الميل المضطرد لمعالجة واقع الشرق بوصفه لوحة شعبية من الدرجة الثانية.
4-الرحلة هي صورة فوتوغرافية اكثر منها رحلة.
5-كان الشرق في الرحلات هو اعادة تقديم للمادة الاصولية المُسيرة بالارادة الجمالية والفاعلة، والقادرة على تحريك الاهتمام لدى القارئ.
اذن هناك شرقان، شرق واقعي يزوره الرحالة فعليا، وشرق مفبرك صنعه الادب، ولم تنفع الوثائق العلمية في تصحيحة كما تؤكد المؤلفة.
ادوارد سعيد والاستشراق
يشير سعيد الى ان الرحالة قد تاثروا على مرّ العصور بكتابات من سبقوهم، فقد اخذ جميع الرحالة الى الشرق بالاعتبار اعمال (شاتوبريان) و(لين).حتى وصل بهم الامر الى نسخ اعمالهما . والى " تاثر فلوبير بـ(لين) وكذلك فعل نرفال الذي استعمل نصوصا وتوصيفات لـ(لين) دون الاشارة الى مصادرها، اعتقادا منه بانها اكثر اصولية من غيرها" الدكتورة مي تعضد رأي ادوار سعيد بالقول" ان شرعية المعرفة التي انطوى عليها الاستشراق في القرن التاسع عشر، لم تأت من السلطة الدينية كما هو الحال قبل عصر الانوار، بل يمكن تسميته بالاستشهاد الترميمي للحجة لسابقة"

أقنعة الرحالة
بين لامارتين وخيال الخصب او نزعته العرفانية في وصف رحلته للشرق وبين شاتوبريان الحاج الصليبي المتغطرس، يظهر غوته في مؤلفه (الديوان الشرقي لمؤلف غربي)، ويظهر فيكتور هيغو في (المشرقيات)اذ اظهر هذان الكاتبان نوعا من الاغتراب الروحي الذي توصفه المؤلفة، "بالحالة الوجدانية العنيفة القوية التي يشعر الاديب او صاحب الفن بحاجة ملحة الى بيئة اخرى جديدة وجو مخالف ومغاير ومشاعر واحاسيس مختلفة عن تلك التي في بيئته، ولكن هذه الاحاسيس وتلك الحياة ليستا حقيقيتين، وانما متخيلتان، فهو يحلق بروحه من البيئة الجديدة محاولا ان يحيل نفسه الى طبيعتها... ومن هنا فان البيئة تُختار غالبا من البيئات المجهولة بعض الجهل، لان الخيال لا يستطيع ان يبذل نشاطه بحرية وانطلاق الا اذا استشغل في مجهول" وقد اعتمدت المؤلفة في رايها على ما كتبه عبد الرحمن بدوي في ترجمة للديوان الشرقي لغوته.
الشرق العربي والمرجعيات الغربية
تجلى الشرق امام الفرنسيين باشكال عديدة،فهو حديقة زكية في تقليد الدين القروسطي وعالم عدائي اثناء الحروب الصليبية، وبلد العجائب والسحر في كتاب ماركو بولو، ثم انتعشت الذائقة الى الشرق في منتصف القرن السابع عشر. ومن المراجع المهمة التي كان لها دور في تقديم صورة الشرق في ذلك القرن هو المكتبة الشرقية التي اصدرت معجما كان بمثابة شهادة على ما كانت عليه المعارف الشرقية في فرنسا عام 1697 ، فضلا عن ترجمة الف ليلة وليلة او ما يسمى بالليالي العربية، وكان الفرنسيون يعتقدون بانهم يمثلون معيار الكائن البشري بكل خياراته في الوقت الذي كانوا فيه يجهلون مناخ الاوطان الغربية كما تذهب -دفرنوا-.
ان صورة الشرق في القرن التاسع عشروالتي نشأت من ترجمات الف ليلة وليلة قد دشنت العصر الشرقي في ذلك الحين، واسهمت في ترسيخ الملامح الرئيسية لهذه الصورة، لقد قدمت الليالي الى الغرب صورا غاية في التنوع وذلك عبر عالم السراي والحريم ومكائد النساء والجواري والاستعباد والزنا والرسائل السحرية واللقاءات المفاجئة والتحولات والمسوخ. ومن هذا الفهم لمرجعيات الغرب نحو الشرق تستنتج المؤلفة مسألة مهمة اذ تقول" ان عالمنا العربي والاسلامي تم تحويله الى نتاج ادبي وثقافي ليشكل نوعا من السلطة، التي تحولت الى نظام احالي في المدونة السياسية وبالتالي تشكلت منظومة سياسية لفهم الشرق، وكان الرحالة هو شاهد عدل يعاين ويفحص ويقدم الوثيقة، وحتى الوثيقة المتخيلة فانها تؤدي دور الشاهد، ومن هنا تاتي خطورة الرحلة الادبية، فالرحالة سارد يتسم احيانا بالعفوية والسطحية والتحيز،وهذا هو شكل من اشكال ردة الفعل الدفاعي من الثقافات الاخرى" لقد توافرت المؤلفة د.مي عبد الكريم على قدر كبير في ادارة الحجة في مقدمتها الغنية بالافكار في الرد او التضمين وبعد الانتهاء من المقدمة التي تجاوزت الخمسين صفحة، ندخل الى عالم رائع من الاستشهادات المُترجَمة لاعمال الرحالة بلغة شاعرية شفافة قل نظيرها، كما توافر هذا الكتاب على جهد نظري يناقش مركزية الغرب وسراب فهمه الى الشرق باستخدامه عينات لم تمثل الشرق الحقيقي. ان كتاب (تائهون في صحراء الاسلام) هو رحلة معرفية ومراجعة للحوار واعادة الاعتبار للنص الاصلي في قراءة ثانية، كما هو دعوة للحوار المتكافئ عبر الوثيقة والخيال لصياغة الاسئلة، محور وجودنا الانساني لقيمة الكشف لا الحيازة
.
الهوامش: تائهون في صحراء الاسلام/ صورة الصحراء العربية في كتابات الرحالة المستشرقين الفرنسيين، د.مي عبد الكريم محمود.



#وديع_شامخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسيحييون ينقرضون
- عراقيون ... ولكن بعد هذا الفاصل
- عراقيون ..ولكن بعد هذا الفاصل
- نهضة الفكر في الغرب وتخلف العرب
- الفنان العراقي عامر رشاد الكاريكاتير هو الفن الأصعب والأرقى ...
- طرائد
- الحضور الابداعي خلف علامات إستفهام الواقع - بتول الخضيري في ...
- الثقافة العراقية والوزير السوبرمان
- الحضور الإبداعي خلف علامات استفهام الواقع رواية غايب لبتول ا ...
- حوار مع الفنان التشكيلي العراقي هاشم حنون
- ريشة تغني
- حوار مع المسرحي العراقي حازم كمال الدين
- دريد السبتي ... المغامرة في الطرق على أبواب الإبداع
- أصفق بحرارة ليدي
- نواب العراق بين الملا عبود الكرخي والرصافي
- الشاعر خزعل الماجدي...لا يوجد أدب داخل/ أدب خارج ، هناك أدبا ...
- قراءة في رواية
- الخفافيش تزقزق في المرايا
- المعرفة والادب
- اديب كمال الدين يبحر بحروفه بحثا عن الحرية والحياة


المزيد.....




- خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع ...
- كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
- Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي ...
- واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با ...
- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...
- -هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ ...
- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - وديع شامخ - تائهون في صحراء الاسلام