سوا - ما هو واقع الديموقراطية أو الإصلاح الديموقراطي في سوريا؟ وأين المواطن السوري من نظامه اليوم؟
ج - الحديث اليوم عن الديموقراطية حديث يحمل شعبيته. يمكن أن تعتبر أننا الآن في مرحلة نطرح فيها شعار الانتقال من حال الاستبداد إلى حال الديموقراطية. هذا طرحنا الأساسي في رؤيتنا للمرحلة التي نمر بها. ولكن إذا أخذنا الديموقراطية كنظام، كمؤسسات تحكم البلد، فلا بد من القول أننا نملك ما يمكن أن تسميه بالازدواجية. يعني، من حيث الشكل، نملك مؤسسات يمكن أن تدخل في باب الديموقراطية، في بنية الديموقراطية: مجلس شعب، سلطة تنفيذية - سواء كانت الرئاسة أو مجلس الوزراء - قضاء إلى آخره... لكن في الحقيقة كل هذه المؤسسات هي شكلية؛ وبهذا المعنى نستطيع القول أن سوريا، وبصورة خاصة في عهد حافظ الأسد، تعيش في ظل نظام استبدادي ديكتاتوري. وبني النظام على مركزية مطلقة بيد رئيس الجمهورية، عماده الأساسي مؤسسات أمنية يعتمد عليها في إدارة البلاد. بينما في الشكل هناك طبعا وزراء وإلى آخره. هذه المؤسسات هي التي تصنع السياسة...
سوا - المؤسسات الأمنية؟
ج - البنية الأمنية. هذا الشكل من النظام ألحق كل المؤسسات الأخرى، بما فيها المؤسسات الشعبية، لإشراف هذه الأجهزة. فهذا في الحقيقة، يتعارض مع مفهوم الديموقراطية، أي فصل السلطات ووجود سلطات تحكمها قوانين. في ظل النظام الاستبدادي، الكلمة الأولى ليست للقانون، إنما لإرادة الحاكم. هذا الطابع الذي بني منذ عام 1970، هذا البنيان، لا شك، اقتبس من تجارب بلدان أوربا الشرقية، وألحق فيها شكلاً ما يمكن أن تسميه جبهة وطنية تقدمية ضمّت أحزاب تتعاون مع هذا النظام.
سوا - ما هي مكانة المواطن السوري في النظام الحالي؟
ج - المواطن السوري نتيجة تجربة 30 سنة، نتيجة سياسات الاستبداد والتسلط وما نتج عنهما من ابتزاز وسوء أحوال معيشية... بالإمكان القول أن الحاكم عندما وصل إلى السلطة أصبح مالكاً، وليس مجرد سياسي يدير بلد، وإنما يملك مقادير البلد بمختلف جوانبه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ونتج عنها فرز طبقي كبير وهبوط في مستوى معيشة المواطن وبالتالي، ممكن القول أن المواطن في واد والنظام في واد آخر.
سوا - حضرتك رسمت صورة ديموقراطية قاتمة، ماذا عن الإصلاح الديموقراطي إذا مش الديموقراطية بحد ذاتها؟ كثرت الأحاديث مؤخرا عن خطوات إصلاحية، ولو خجولة، يقوم بها النظام السوري -إذا صحّ استعمال تعبير نظام جديد - أي النظام السوري بعد وفاة الرئيس الأسد. أريد أن أسألك، ما الذي تغير منذ وفاة الرئيس الأب، وأين أصبحت وعود التغيير؟
ج - الحديث عن الإصلاح أثاره المرحوم حافظ قبل وفاته. لكن بقي هذا الحديث كلام في كلام. ولكن بعد وفاة الرئيس الإشارة إلى الإصلاح أو إشارة إلى وجود نواقص، مسالب، مصاعب، تحدث فيها الرئيس الجديد في خطاب القسم. وقسم من المعارضة وكثير من الشخصيات - وطنية ديمقراطية - تعلقت ببعض الجمل والكلمات التي تحدث فيها في هذا الخطاب، وبنوا عليها المطالبة بالإصلاح والتغيير وإلى آخره. في الحقيقة، جرى شيء من التغيير، بمعنى الحالة اختلفت. لا أقول كليا، ولكن اختلفت جزئيا فيما يتعلق بعلاقة أجهزة الأمن مع المواطنين ومع الأحزاب. ارتفع الصوت قليلاً ليظهر مسالب السلطة ونواقصها، ويتحدث عن الحاجة إلى الإصلاح للخروج من أزمات البلاد، ناقداً بعض مراكز القوة، وخصوصا الأجهزة الأمنية ومراكز نفوذ المتسلطين المفسدين. ولكن هذا الأمر لم يدم طويلا. ما لبث أن شنت حملة إيديولوجية على هذا التوجه، توجت باعتقال العشرة. . كنت أنا واحداً منهم. هذا تم في الأول من أيلول/سبتمبر حتى تقريبا ما بعد أحداث أيلول /سبتمبر في أميركا. في خلال نصف شهر اعتقل هؤلاء العشرة بينهم طبعا نائبان رياض سيف ومأمون الحمصي. طبعا أنا كنت أول واحد من المعتقلين. اعتقال هؤلاء العشرة شكلت خيبة أمل وانكماش لدى الوسط الديموقراطي والوسط الشعبي، اللذان كانا يأملان بأن الرئيس سيتخذ خطوات إيجابية وملموسة باتجاه الإصلاح. وهكذا عادت الأوضاع إلى ما كانت عليه في السابق، لكن بدون حملة شاملة واسعة. ضمن هذا الإطار، استدعاءات، مضايقات هنا وهناك، إلى آخره. هذا برأيي المرحلة الأولى. لكن ولنقل مع الاستعدادات للهجوم على العراق، بدأ الأميركيون بطرح مسألة الديموقراطية، يعني بعض المسؤولين الأميركيين لم يكتفوا بالقول أنهم آتون من أجل إزالة أسلحة الدمار الشامل، وإنما سيأتون أيضا لأن هذا النظام ينبغي أن يتغير إلى نظام ديموقراطي. في هذه المرحلة، وباحتلال العراق وما نتج عن الاحتلال، أستطيع أن أقول أنّ حال السلطة تغير أيضاً، يعني أن شبح الولايات المتحدة الآن يجول في المنطقة العربية.
سوا - بمعنى إيجابي أو سلبي؟
ج - شبح... أنا أعتبره شبح... احتلال العراق كان التطبيق العملي في تغيير سياستهم إزاء الأنظمة التي دعموها خلال 30 ، 40 و50 سنة السابقة.
سوا - برأيك ، أليست الأنظمة الديكتاتورية التي تتحدث عنها إنتاج محلي؟
ج - أنا موافق معك أنها إنتاج محلي، ممكن أن تكون تعبير عن أزمة المجتمع الذي يريد أن يتخلص من تخلفه وينتقل إلى حياة ديموقراطية. فأنا معك، وهذا عامل داخلي، لكن هناك مؤثرات خارجية لعبت دورها في دعم الاستبداد. وفي ظني أن قيام إسرائيل ساعد كثيرا على قيام الأنظمة المستبدة.
سوا - سؤال استطرادي: ألا تخشى بما أن كل هذه الأنظمة ما تزال قائمة وأحد أسباب وجودها واستمرارها وشرعيتها، بعد فشلها على كافة الأصعدة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، هو الصراع العربي - الإسرائيلي، ألا تخشى أن تصبح هذه الأنظمة أسيرة الصراع العربي - الإسرائيلي، بمعنى بما أنه لا يمكن أن تحيي خارج الصراع العربي - الإسرائيلي، ألا تخشى أن تصبح... بطريقة ضمنية... متمسكة بهذا الصراع؟
ج - النظام الاستبدادي لم يفشل في إقامة التوازن السياسي والعسكري مع إسرائيل فحسب، وإنما أضعف أيضاً المنطقة وأعادها إلى الوراء كثيرا. لذلك مفهوم الوطنية والقومية برأيي، ينبغي إعادة النظر فيه. أنا أرى نتيجة هذه التجارب في مرحلتنا الحالية ينبغي أن نأخذ بما طرحته الشرعية الدولية ونجد حالة سلمية نستطيع بواسطتها أن نؤمن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. لكن باعتقادي، موازين القوى في المنطقة العربية مختلة والعنصرية في إسرائيل وخصوصا المتطرفين والمهاجرين، لا يسمحون لمثل هذا التوجه. هذا القلق الذي تتحدث عنه موجود دون شك، لكن التجربة الآن أظهرت أن حكامنا .. ليسوا أهل لأن يخلقوا توازن سياسي عسكري حضاري مع إسرائيل. وهذا نحن بحاجة إليه من أجل حلول المستقبل.
سوا - هل هذه الأنظمة قادرة على اتخاذ خيار السلام؟ هل هي ستستمر في حال صار فيه سلام، أو حل سلمي مثل ما تسميه؟ هل باستطاعتها أن تبرر فشلها الاقتصادي وفشلها الاجتماعي وفشلها السياسي بأي شيء غير الصراع والنضال والعدو والمؤامرة وهذا كله؟
ج - السؤال المقابل: وهل المواطن مقتنع بأنهم يعملون من أجل ذلك؟ المواطن العربي غير مقتنع. لا غير مقتنع. لكن المواطن العربي لا يمكن أن يسلم أراضيه بهذه السهولة لإسرائيل، مفروض من إسرائيل أيضا أن تلتزم بالشرعية الدولية، وهو أمر لا تلتزم به.
سوا - لنعد إلى الموضوع السوري؟
ج - نعم أنا رسمت في حديثي تقريبا ثلاثة مراحل أو ثلاثة محطات، جرى فيها الحديث عن الإصلاح. المرحلة الأولى في عهد الرئيس (حافظ الأسد) أواخر أيامه. المرحلة الثانية بعد استلام الرئيس بشار الأسد السلطة وخطابه وردود الأفعال التي حصلت والنشاط الذي تم، نشاط الأحزاب والمنتديات والبيانات والتحركات التي حصلت والتي جوبهت كما قلت باعتقال العشرة والهجوم الأيديولوجي السياسي بما فيه إلقاء التهم الجزاف والعمالة .... وهو أمر معهود لدى هذا النظام. أنا أعتقد في المرحلة الحالية عاد الحديث عن الإصلاح من جديد في ظل ما سميته لك تجوال شبح أميركا في المنطقة بعد احتلال العراق. يبدو وهذا أمر معروف، أن الإدارة الأميركية غيرت سياستها كليا. كما قلت كانت إما صانعة أو داعمة لهذه الأنظمة. الآن، بعد التجارب تبين لها أن هذه الأنظمة لم تعد صالحة للبقاء، خصوصا أن في المنطقة - أو لنقل في سوريا، - حتى ما نطلع بره كثير- حالة من الأزمة الشاملة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحاجة للتغيير موضوعيا مطروح. فإذا كان الواقع هكذا، فهذا يعني أننا اقتربنا من الضرورة التي تفرض علينا أن ننهي هذه الحالة الاستبدادية عندنا. لكن العنصر الذاتي الذي عليه أن يقوم بهذه العملية من أجل إيجاد مخارج، بصرف النظر عن الشكل الذي ممكن أن يتم به، أعتقد أنه ضعيف... ولكن النظام أيضا ضعيف. لذا ما يحكم سوريا الآن بين قواها سواء كانت قوى السلطة أو قوى المعارضة، يحكمها توازن الضعف. لكن السياسة الأميركية الآن ما دام المنطقة ستشهد مثل هذه التغييرات بسبب إفلاس هذه الأنظمة، فلتأتِ أميركا وتغير بدلا من أن يجري التغيير لصالح التوجه الديموقراطي السليم أو لصالح المواطنين المتأذين من هذا النظام الاستبدادي . وبدل أن يجري التغيير من تحت، فالآن يجري التغيير من فوق، بالضغط الأميركي. بالاحتلال مثلما جرى مع العراق ونظام صدام حسين، أو يمكن أن يجري عندنا بأشكال مختلفة لا ندري كيف تسيرها الإدارة الأميركية في عملية الضغط على النظام. والطلبات الأميركية أضحى بعضها معروف. لذلك أضحينا نحن الآن ليس فقط أمام صراع داخلي بين سلطة وشعب أو سلطة ومعارضة، وإنما دخل إلى الخط لاعب غريب، قوة قاهرة قادرة على التغيير. من الطبيعي أن تحصل حالة من البلبلة والارتباك، وهذا ما نلاحظه الآن في الوضع السوري الموجود. نحن نرفض التدخل الأميركي في الشأن السوري. أقصد بالأميركي -لا تفهمني خطأ- السلطة الموجودة في الإدارة الأميركية. إذاً الآن اللعب بين هذين الفريقين كيف سيسير؟ باعتقادي المعارضة الآن ليست هي اللاعب الثالث للأسباب التي قلتها لك. رأيي شخصيا هو الدعوة إلى وحدة الطيف السياسي العريض ووضع برنامج للمعارضة بسياسة ضد الاستبداد وضد النفوذ الأميركي أو الضغوط الأميركية. يعني أن تتحول القوى التي لها مصلحة في بناء ديموقراطية حقة والحفاظ على الاستقلال الوطني، وهذين شعارين رئيسيين، إلى نواة لما يمكن أن نسميه القوة الثالثة. وهذا في المرحلة الحالية صعب لكن علينا أن ننظر إلى المدى المتوسط.
سوا - حكيت عن صراعين داخلي وخارجي في سوريا، داخلي بين المعارضة والسلطة وخارجي بين النظامين السوري والأميركي...
ج - علاقة السلطة مع الإدارة الأميركية...
سوا - نعم... الصراع الذي أسميته بالخارجي، من هي أطرافه؟ الإدارة الأميركية والحكم السوري، والنظام السوري، أم هي السوريين والنظام الأميركي. إذا كان الصراع الخارجي صراعاً بين السلطة السورية والسلطة الأميركية، فلماذا إقحام المواطنين كطرف في هذا الصراع؟
ج - ليس الموضوع موضوع إقحام. الحديث عن الديموقراطية لدى الولايات المتحدة حديث مرفوض. أميركا... لا يجب أن تغرنا الحياة الديموقراطية الخاصة المعروفة بها، إنما ما يهمنا هو سياساتها الخارجية. هل تتلاءم مع سياسية هذه الشعوب أم لا؟
سوا - وهل يمكن لهذه الشعوب أن تستفيد من الصراع الخارجي بين السلطتين السورية والأميركية للوصول إلى حقوقها؟
ج - الحقيقة، السؤال هو: لماذا أميركا الآن تفرض أمور على النظام السوري؟ هل لأنه نظام استبدادي؟ أو هل لأنها تريد أن تطبق شرعية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، كما يجري الآن بالنسبة لبعض المنظمات؟
سوا - بغض النظر عن مطالب الإدارة الأميركية، سؤالي عن المواطنين السوريين. هل ممكن أن يستغلوا التغييرات الإقليمية التي تمت والضغط الذي يمارسه الأميركيون، مهما كان سببه؟ هل باستطاعة السوريين أن يستفيدوا من هذا الضغط الخارجي على النظام؟
ج - إذا أردت رأيي أحكيه في موضوع العراق. ولكن لا أقدر أن أحكي الآن بموضوع سوريا، لأنه بالنسبة لي التكتيكات الأميركية الحالية ليست واضحة تماماً... مخفية... ما هي بظاهرة. بس بالنسبة لموضوع العراق، رغم أننا نرفض الاحتلال الأميركي من حيث المبدأ، ونطالب بخروج الجيش الأميركي من العراق ليسنح المجال للشعب العراقي أن يدير شأنه بحرية، وترجع العراق دولة في البلد مش فوضى... رغم كل ذلك، الاحتلال الأميركي أزاح نظام استبدادي، لا شك وإذا اعتبرنا أن النظام الاستبدادي أعاد المجتمع العراقي إلى الناقص - إذا أردنا أن نستعمل الرياضيات، يعني من ناقص لا نهاية إلى زائد لا نهاية وفي النصف الصفر - فالنظام الاستبدادي كان دفع المجتمع إلى الناقص يعني تحت الصفر. الآن، في هذه العملية أعادوه إلى الصفر. هذه نقطة الصفر، إذا قستها بما سبق، فيها جانب إيجابي- بالمعنى الذي أنت تريد أن تنتزعه مني... أعترف لك به... لكن السؤال الأساسي عن نقطة الصفر. الآن الأميركيون لا يعلنون بأنهم سيخرجون من العراق فهذا الصفر مفتوح على كل الاحتمالات. أحد هذه الاحتمالات هي أن يبقى الاحتلال، وهذا أمر مرفوض.
سوريا تختلف عن الوضع العراقي... ليس لأن هناك استبداد وعندنا ديموقراطية. لا. النظامين استبداديين؛ شيء واحد في الجوهر ويختلف بالدرجة... نوع واحد ويختلف بالدرجة. يعني إذا كان صدام حسين ذبح بمئات الألوف نحن عندنا ذبحوا بعشرات الألوف. إذا كان، هناك منع، سحق المعارضة بحيث ما بقي في العراق معارضة كليا، في سوريا، استطاعت المعارضة أن تحافظ على وجودها، على ضعفها. ولكن نحن موجودين في الداخل... عم نحكي... هذا ما كان موجود عند صدام حسين. مثل هكذا حديث مكشوف معكم، ما كان ممكناً سنة 2000 و 2001. أنا أتذكر إذاعة اتصلت بالمرحوم جمال الدين الأتاسي، الذي هو الأمين العام للتجمع الوطني الديموقراطي، السلطة قطعت خط الهاتف... الآن، نشكر الله بأنه ما قطعوا خط الهاتف.
سوا - والله يكثر خيرهم.
ج - طبعا يكثر خيرهم... طبعا... المهم نحن نشوف الأمور بواقعيتها، أنت ما بدك الجانب الواقعي؟
سوا - بلى، بس ما أجبتني عن سؤالي. سؤالي أنا مش هل تدخل الجيوش الأميركية إلى سوريا ام لا. سؤالي هل بالإمكان قيام تحرك شعبي داخلي، من داخل سوريا، يحقق الديموقراطية ويستغل الضغوط الخارجية التي تمارس على النظام، لدفع حركة الإصلاح إلى الأمام؟
ج - ما هدأت سوريا في النضال ضد الاستبداد، لكن النضال أخذ أشكالاً مختلفة. مع كل أسف، الإخوان المسلمين أخطأوا واستخدموا العنف. لو ساروا إلى جانبنا في موضوع النضال الديموقراطي السلمي من أجل التغيير، كان بالإمكان قيام حركة شعبية أقوى. استُغّلت هذه المسألة وضُربت كل حركة ديموقراطية... وضربوا الجميع وإلى آخره. ونحن نرحب بأي انفتاح تقوم به السلطة إذا أرادت أن تغير من فوق. إذا خطا النظام خطوة سنخطو معه خطوتين. ولكن لا توجد الآن عندنا آفاق بهذا الشيء. عندنا الآن مظاهر بلبلة، ارتباك، ضعف... وهذا يشمل الجميع، بمؤسسات السلطة سياسيا، بأحزابها، بقواها، إلى آخره. قيل كلام عن المباشرة بالإصلاح الاقتصادي، والبارحة، الرئيس تحدث بأنه يريد أن يبدأ بالإصلاح الإداري، بينما واقع الأمور أن الإصلاح الاقتصادي ضروري، والإصلاح الإداري ضروري. لكن بدون إصلاح سياسي يأخذ الأولوية من الصعب جدا أن تسير. فالحركة الديموقراطية لا تحتاج إلى أميركا... يا أخي ارفعوا أيديكم عن دعم النظام السوري واتركوا الباقي للشعب، الشعب يقدر يغير.
سوا - هل برأيك النظام السوري مستمر في سوريا لأن الإدارة الأميركية دعمته؟ أو أن النظام السوري وجد أو استمر لأن الإدارة الأميركية دعمته؟ أم هو مستمر بفعل حكم قبضته على المجتمع؟
ج - وافقت معك... أنا قلت لك هذا شيء داخلي. لكن أنا رأيي هذه الإدامة الطويلة لهذه الأنظمة... إن كان في مصر أو إن كان في السعودية أو كان في سوريا أو كان في العراق... أحد جوانب قوة هذه الأنظمة هو هذا الدعم، أحدها أقول، فلذلك أنا برأيي لو تتبع الإدارة الأميركية سياسة ترفع بموجبها يدها وتدعم ما هو شرعي من خلال الأمم المتحدة... هلأّ يا أخي، فلتعمل الولايات المتحدة معنا من أجل حقوق الإنسان، من أجل أن لا يعتقل إنسان بسبب رأيه.
سوا - كيف سيتمّ التغيير في سوريا، إذا سيحصل من تغيير؟ هل سيتم بمبادرة من الحاكم؟ أو سيتم بمبادرة من الشعب؟ هل صحيح أنّ النية الإصلاحيّة موجودة لدى الوجوه الجديدة، أو التجدديين والمتجددين في النظام السوري. هل الصراع موجود بينهم وبين الحرس القديم (old guard)، بمعنى أن الحرس القديم هو المنتفع من النظام ويدافع عنه بكل ضراوة ولا يقبل أن يتنازل عن شبر من المكتسبات التي أخذها؟
ج - بنية النظام الاستبدادي بما قام عليه من مؤسسات، هذه البنية لا تقبل الإصلاح. هذا الشيء جوهري لأنه قائم على مركزية مطلقة وقائم على مؤسسات تلعب دوراً في الظل، بينما المؤسسات الرسمية شكلية. ومن هنا كل المظاهر السلبية فيما يتعلق بالموضوع. في عقلية عندنا: من يحكم يملك... يملك يعني يملك رقاب العباد كلها. يعني هذا الواقع موجود بسبب هذه البنية. أنا برأيي هناك صعوبة في عملية التغيير، لكن النتائج السلبية لـ30 سنة من الاستبداد، من أشكال مختلفة من النهب والتمايز الطبقي، الغنى الفاحش الزايد، الفقر الشديد، الأمور الأخرى، اجتماعية، اقتصادية، سياسية، كلها متردية جدا. أزمة شاملة تحتاج إلى إصلاح. هذه موجودة تتناقض مع بنية النظام ومع مصالح الفئات المتسلطة. رؤيتي أنه من الصعب التغيير. لكن إذا أردنا أن نأخذ السطح السياسي، يعني السياسة كما تجري في يومياتها، كما حصلت في المحطات الأساسية، أي عندما توفى الرئيس، وجاء الرئيس بشار وحكى ووعد. وتأمل الناس خير. ثلاثة سنين الآن الرئيس يحكم، ماذا قدم؟... لم يقدم سوى الوعود. هناك عشرات المراسيم والقوانين التي صدرت، ربما بعضها جيد... ربما بعضها وسط... وبعضها سيىء جدا. لكن تصدر من هنا ولا تنفذ تحت. فالآن في سوريا لا يوجد تيارين. الرئيس مات وخلف هذا النظام. ورثة هذا النظام ما زالوا على رأس هذا العمل. لكن بسبب ضغط الأزمة وبسبب التطورات الجديدة في المنطقة وبسبب المفاوضات الطويلة المدى بين سوريا والاتحاد الأوروبي حول بعض الإصلاحات حول بعض الأشياء التي عليها أن تأخذ مجراها، كاقتصاد السوق مثلاً، بسبب ذلك، ترى وعود، ترى كذا. وهذا كله نراه، نسمعه، ولكن في الممارسة العملية، أين هو الآن، وأين موقعه؟ أنا أرى أن لا موقع له. ممكن بعد فترة أن تنواجد، نتيجة الضغوط الأميركية أو نتيجة الضغوط الأوروبية، أو ربما نتيجة أنه تكونت في سوريا طبقة ما تعتمد على نهب البلد، على هذا العمل الطفيلي ـ إذا نستعمل التعبير، الريعية بسبب استلام الحكم، ممكن، بعد جني هذه الثروة، أن ينتقلوا إلى اقتصاد سوق. التغيير موضوعيا قادم لا محالة... أنا مؤمن به. لكن هل هذا سيتم على يد هؤلاء؟ هنا السؤال. أنا أشك في ذلك.
سوا - كيف السبيل إلى التغيير إذاً؟ سلّمنا أن النظام لن يقدم بنفسه على إصلاح نفسه لأنه غير قابل للإصلاح. وأنت قلت إن الإصلاح بمساعدة ضغوط خارجية أو بمؤازرة أو بالاستفادة من ضغوط خارجية مرفوض. إذاً يبقى الخيار الثالث والأخير -إذا فيه خيار رابع قل لي. يبقى الخيار الثالث والأخير: المجتمع المدني يعني: أو الشعب أو السلطة أو الضغط الخارجي. إذا استثنينا الضغط الخارجي والسلطة... بقي المجتمع . أريد أن أسألك عن المجتمع المدني في سوريا؟ هل يوجد مجتمع مدني في سوريا ناضج ؟ عنده طرح؟ فاعل؟
ج - إذا أردت رأيي، يوجد مؤسسات من حيث الشكل موجودة...
سوا - ولكن في النظام أيضاً مؤسسات من حيث الشكل موجودة... سؤالي: ضمنياً، هل المجتمع المدني، إذا كان موجود، هو ناضج ؟
ج - بالمعنى الذي نراه في أوروبا؟
سوا - بمعنى أن هل المجتمع قادر على تجديد الواقع وتجديد نفسه وافراز بديل عن الحالة القائمة ؟
ج - أنا برأيي لا.
سوا - إذاً ما الحل؟
ج - الحل هو أن تحشد المعارضة قواها وتفتش عن حامليها الاجتماعيين، أي عن الفئات الاجتماعية التي لها مصلحة بالتغيير. وتناضل، ليس بالضرورة أن يأتي التغيير غدا، لماذا مستعجل أنت علينا؟ أثبتت الحياة فشل هذا البنيان القائم الحالي، القائم على الاستبداد. أزمات البلد والمجتمع بحاجة إلى التغيير. سيتحرك المجتمع ولو لم يكن متحركاً اليوم. نحن السياسيين نشتغل، نعرف موضوع الطبقات. ممكن في مرحلة معينة يكون ساكت... متململ... يتحرك بتبدل العوامل...
أنا لا أريد أن أفصل العامل الخارجي عن العامل الداخلي. العامل الخارجي يمكن يلعب دور. قد يكون دوراً يضعف السلطة، قد يكون دوراً يقوي فريق في السلطة. لماذا أنت تستبعد أن يقدم فريق من السلطة على حلّ تناقضاته مع الأميركيين. أما أنت إذا أردتها جاهزة، أنا أقول ليست جاهزة. أما أنها ستأتي، فأنا مقتنع أنها ستأتي.
سوا - رياض الترك ضحى وقدم 17 - 18 سنة من حياته، قدمها وقضاها في الحبس تشبثا بقناعته ودفاعا عن رأيه وحريته بإبدائه. فسؤالي إليك، ماذا يطلب رياض الترك اليوم من سوريا، ولسوريا، كي لا يعتبر أن تضحياته ذهبت سدى؟
ج - أنا لست الوحيد الذي يعتبر من ضحايا الاستبداد. هناك ناس قضوا، هناك ناس مازالوا حتى الآن في السجون. وإذا أردت أن تحصي، صعب أن تحصيهم. وأظن، بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية وأساليب نضالهم، سليمة أو غير سليمة، في النهاية، تستطيع أن تلخص تحركاتهم برفض الاستبداد. تستطيع أن تلخصها في تطلع نحو حياة يتوفر فيها للإنسان كرامته، يتوفر فيها حقه بالتعبير وفي الرأي. هذه الأشياء البسيطة التي نحن الآن نراها أحد مظاهر العصر الحالي. بهذا المعنى، 17 سنة لا شيء أمام هذا الحجم الكبير من نضال شعبنا. فأنا كفرد أديت واجبي، ولا أطلب شيء. لكن حالي حال أي إنسان يطمح لشعبه أن يعيش حياة كريمة، وأن توفر في حياته سيادة القانون... حماية القانون لرأيه... توفر له إمكانية العمل والحياة الكريمة. وبرأيي، النظام الديموقراطي هو أفضل الأنظمة خلال تاريخ البشرية. وهذا، إذا أردت شيء، ما أطلب ما أتطلع إليه في سوريا. هذا هو الطلب...
ونتمنى، بالنسبة لمنطقتنا، لسوريا، أن تخرج من هذا المخاض بأقل ما يمكن من الآلام. وأن تحل تناقضات مجتمعنا. خصوصا تناقضاته مع سلطته و تناقضاتنا مع الخارج وخصوصا الولايات المتحدة... تحل لصالح الأمن والسلام وحق تقرير المصير والكرامة