أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - درز خازندار الرهيف














المزيد.....

درز خازندار الرهيف


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 1944 - 2007 / 6 / 12 - 10:54
المحور: الادب والفن
    


في مقالة سابقة تناولت الغياب، المدهش تماماً، لأسماء مثل سليم بركات وزهير أبو شايب وبسام حجار وحسن النجمي عن لائحة الشعراء الذين سرد الدكتور جابر عصفور أسماءهم لكي يثمّن حضورهم في المشهد الشعري العربي المعاصر، إلى جانب الشعراء الثلاثة (أدونيس، سعدي يوسف، محمود درويش) الذين عدّهم في صفّ الكبار، وحدهم. وإذا كان قد أتى على ذكر الشاعر الفلسطيني وليد خازندار، فإنّ طرازاً خاصاً من الغياب يظلّ مقترناً بحضور خازندار في المشهد، لعلّه غياب أقرب إلى التغيّب منه إلى التغييب. وأمّا علّة هذا الطراز الخاصّ، وربما فضيلته الكبرى، هي تفضيل الإقلال من النشر، إلى درجة التقتير البالغ في الواقع، سعياً إلى المزيد من الاشتغال والتأمّل والإكمال والكمال...
وقبل سنوات توقفت عند ذلك العناد، المقترن بالكثير من الدأب الصامت البطيء والحيوي في آن، الذي يدفع خازندار إلى الحفاظ على أسلوبية متوازنة خاصة بدأها على نحو تجريبي في مجموعته الأولى «أفعال مضارعة»، 1986؛ ثم تابع تطويرها في مجموعته الثانية «غرف طائشة»، 1992؛ والمجموعة الثالثة "سطوة المساء"، 1996؛ ليس دون قفزات ملموسة في الشكل والخيارات الإيقاعية. وإذْ أبهجني أن يفرج خازندار عن نصوص شعرية جديدة (نشرتها "أخبار الأدب" المصرية، أواخر شباط/ فبراير الماضي)، فقد كانت بهجتي الشخصية مضاعفة لأنّ قصيدة "أبناء الليل" كانت تشير بقوّة إلى انّ ذلك العناد ما يزال شديداً محتدماً!
أولى خصائص هذه الأسلوبية أنّ خازندار يقيم في النصّ الشعري ما تقيمه موضوعة «الطبيعة الصامتة» Still Life في الفنون التشكيلية من شبكة علاقات، شعورية وبصرية ودلالية، بين الأشياء والحواسّ. ولعلّه بين أكثر شعرائنا العرب المعاصرين تذكيراً بمدرسة الشاعر الفرنسي فرانسيس بونج (1899ـ1988) في هذا الميدان بالذات. وكما يحدث في اللوحة التي تقدّم طبيعة صامتة، تتناول قصيدة خازندار ما هو متواضع وعاديّ ومجسّد ومألوف من أشياء العالم اليومي، وتمزج التوقّف عند سطوح تلك الأشياء بالغوص عميقاً في نُسُجها، وتنتقل من التسطير الخارجي المرئي (الواقعي) للمادّة، إلى التناغمات الكثيفة المتغايرة (الإيهامية) في ما تستثيره من أخيلة وصُوَر. وبين عناصر وتفاصيل هذه الطبيعة الصامتة، هنالك الرواق، والممرّ، والشرفة، والشراشف، والملاءات، والأريكة، واللوحة المعلّقة على الجدار، والمزهرية، والقميص، والخيطان والإبر، والأزرار، وركوة القهوة، وصحن السجائر، والمراكب، والعوسج... وثمة، مثلاً،«درزة القميص» و«النباتات العديمة» وسواهما من سياقات استعارية لا يجد خازندار أيّ حرج في المجموعات الثلاث.
ثانية الخصائص تتصل بالعدد المحدود، والمتماثل أحياناً، لموضوعات القصيدة: مرور الزمن، وطأة الذاكرة، المراقبة البصرية لعناصر المحيط، السرد الانتقائي الكثيف لهذه أو تلك من حركة الأشياء في المحيط وتحويل بعض هذه الحركة إلى حكاية، الإلتقاط الملحمي لحضور الكائن البشري في ذلك كله، والإلتقاط الغنائي للموضوع كلما ارتدّ الكائن إلى النفس. ويحدث مراراً أن تتكرر عناوين قصائد خازندار، لا من حيث صيغتها الحرفية بل من حيث صيغتها التركيبية المنتزَعة في تسعة أعشار الحالات من جملة تَرِد في القصيدة بالضرورة، لا كما يحدث عادة حين يلعب العنوان دوراً استهلالياً دلالياً وشعورياً مستقلاً.
ولكنّ هذا التماثل يغتني على الدوام بما يستخرجه خازندار من موضوعات فرعية وتفصيلية ثانوية، تزدوج في مستويين: الأولّ هو إقامة وشائج مباشرة بين تماثل الموضوعات، والنفاذ إلى عمق الطبيعة الصامتة (ذلك لأن أشياء خازندار تخضع إلى ما يشبه التدقيق الإدراكي لخواصّها وتكويناتها، قبل أن تتوالى عمليات كشف ما تحتويه من ثقالة حسّية أو ميتافيزيقية، وصولاً إلى مرحلة رسمها لفظياً، حيث يمارس الشاعر الماهر الكثير من ألعاب التركيب النحوي والاشتقاق والنحت والتغريب الدلالي وإحياء الألفاظ العتيقة)؛ والمستوى الثاني هو إخضاع هذه المشهدية الحافلة إلى هندسة خاصة تنظّم علاقات التبادل بين الضمائر الصريحة من جهة، و«الصوت الثالث» الضمني الذي تصنعه النبرة الإجمالية للقصيدة، بعيداً عن علاقات الضمائر من جهة ثانية.
ثالثة خصائص هذه الأسلوبية أنّ خازندار يكتب قصيدة النثر دون أن يمارس القمع على «الإنفلات» التفعيلي، الذي يبدو في هذه الحالة انسياباً عضوياً متجانساً وليس شطحة موسيقية تتمّ في غفلة عن التخطيط الإيقاعي الأعلى للقصيدة. وجليّ أنّ هذا الخيار يخلق في القراءة عسراً خاصّاً ناجماً أساساً عن ذلك الإرتباك الطبيعي الذي يستشعره قارىء اعتاد منح التخطيطات الإيقاعية التفعيلية جملة استجابات عصبية تختلف عمّا يمنحه عادة للتخطيطات الإيقاعية في قصيدة النثر. والأمر أشبه بانتقال الأذن بغتة من سماع عزف على العود إلى عزف آخر على الناي، كما في المثال التالي من قصيدة «شواطىء مستهامة»: هل تأسّيتَ/ تارةً إذْ تنوّرتَ، من ثمالةٍ، دفّةٍ/ ومن قبل تاراتٍ/ وقد أرعشتْ/ من وجدةٍ، منكَ اليدُ؟/ كم تلبّثتَ واصلاً عمراً بعمرٍ:/ الفجر خيطٌ ذاهلٌ/ العشيّة إبرةٌ، وكلما مَزْقٌ تعود فتبدأُ".
وشعر خازندار لا ينتمي، في يقيني، إلى تلك المشاريع الشعرية التي تتطوّر وفق «قفزات» مباغتة تأتي على الأخضر واليابس في الأسلوب والموضوعات، وتقطع مع الماضي الفنّي (الشخصي والعامّ) دون كبير اكتراث بالإبقاء على ما لا يتوجّب قطعه. ذلك يجعل دأبه العنيد في التعميق والتصفية والتشذيب بمثابة تطوير أسلوبي مستديم، غير عجول أو متعجّل، رهيف على الدوام... مثل درز رهيف.



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إسرائيل في ذكرى 5 حزيران: حصّة الكابوس، بين رقصة حرب وأخرى
- مأزق تركيا المعاصرة: حجاب السيدة أردوغان، أم العسكرتاريا؟
- جدل الشاعر الكبير
- الأسد في الولاية الثانية: ثابت الاستبداد ومتحوّل ال 99%
- أرباب التأويل
- -زيزو- ضدّ ساركو-
- الحاضر الفرنسي عشية الانتخابات: زمن ماضٍ ناقص
- تمويه المعنى
- روسيا يلتسين: جدل المخاضات العسيرة والولادات الزائفة
- حكاية فرنسية
- سورية الشعب في مفاوضات السرّ: التغييب أو مطحنة الشائعات
- نزار قباني وقصيدة النثر
- بيلوسي في دمشق: تطبيل خلف أضغاث أحلام
- انحطاط كريستوفر هتشنز
- شام ألفة الإدلبي
- إيلي فيزل وصناعة الهولوكوست: الكلّ وحوش خارج الشرنقة
- ضباع الشام
- بوش في أمريكا اللاتينة: فشل ليس بحاجة إلى شرور اليسار
- هل هذه فلسطين؟
- خدّام والبعثيون في 8 آذار: اختلاط المنادي بالمنادى عليه


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - درز خازندار الرهيف