أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في عقلانية الدول وغبائها المرشح، في أغلب الظن، أن يستمر طويلا















المزيد.....


في عقلانية الدول وغبائها المرشح، في أغلب الظن، أن يستمر طويلا


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1943 - 2007 / 6 / 11 - 12:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


معلوم أن إسرائيل تشددت في اشتراط خط لا تتجاوزه القوات السورية نحو جنوب لبنان، من أجل أن تتعايش مع تدخلها فيه عام 1976، وأن سورية احتملت ذلك على مضض. كانت خبرة إسرائيل بالصراع مع العرب متمحورة وقتذاك على مواجهات مع دول وجيوش نظامية. ومن المنطقي، إذن، أن تحرص على أن تبقى القوات السورية بعيدة عن التماس المباشر معها، محصورة الدور في مواجهات الحرب اللبنانية. لم تكن انقضت 3 سنوات على آخر مواجهة مع جيوش عربية نظامية، وكان تأثير حرب تشرين تلك على السياسة والسيكولوجية الإسرائيلية يقارب تأثير حرب تموز من صيف العام الماضي. وكانت الحرب ذاتها أثبتت للدول العربية المعنية، مصر وسورية، فاعلية الردع الإسرائيلي.
بالمقابل، كانت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وقد سبق أن واجهتها إسرائيل طوال سنوات، فكانت مزعجة وغير خطرة في الحساب الإسرائيلي من جهة، وغير قابلة للردع من جهة ثانية. وهذا فرق أساسي عن الدول، مبعثه أنه كان لدى تلك المنظمات الكثير من القضية، والقليل من الدولة ومما يمكن أن تخسر. وكان يثبت فؤادها على صفة اللاارتداع عقيدة تقوم على الفداء والتضحية والاستشهاد. وبعد تحطيم منظمة التحرير وإخراجها من لبنان، سيتحول سند الفداء والتضحية من الوطن إلى الدين، وسيتأسس تعذر ردع المنظمات الجديدة على فكرة الاستشهاد الدينية.
وفي النهاية قد تكون إسرائيل الخاسر الأكبر من الشرط الذي وضعته عام 1976 على التدخل السوري في لبنان. إذ لا مجال للمقارنة بين استقرار الحال في الجولان السوري المحتل، وبين عنفه واضطرابه طوال ثلاثة عقود على الحدود اللبنانية. وستدفع إسرائيل من كيسها ثمن تعلم الفرق بين الدولة ومنظمات ما دون الدولة. هل لو كانت ارتضت بامتداد القوات السورية إلى حدود لبنان الجنوبية، لتنعمت بحدود شمالية هادئة؟ ربما نعم، وإن كان لمقتضيات ذلك المرجحة أن تستدعي ترتيبا أشمل، يمنح سورية حرية أوسع وأعمق وأدوم في لبنان كله.
ويبدو على كل حال أن إسرائيل استفادت من التجربة والزمن، فأخذت تفضل التعامل مع "الشيطان" السوري الحكومي الذي تعرفه على أية شياطين دون حكومية تجهلها. هذا ما غدا خلال بضع السنوات الأخيرة معرفة مشاعة للجميع. وهو يشهد بأن حسابات الدول العقلانية لا تستند إلى إيديولوجياتها المعلنة، إن لم نقل إنها تناقضها على طول الخط.
لكن تجربتها الفلسطينية تظهر حدود تعلمها. فقد فضلت إضعاف السلطة الفلسطينية، واغتيال أو اعتقال القيادات الأكثر عقلانية، فكان أن جنت حماس. ورغم أن المجتمع الفلسطيني ناشط هذه الأيام في أكل ذاته، إلا أن من المستبعد أن تبقى إسرائيل في منأى عن هذا التفسخ الذي تسببت به هي، قبل غيرها.
الأمر نفسه سيجربه الأميركيون في العراق. لم يكن صدام مشكلة إلا لشعبه بعد عام 1991. ولو تفاهموا معه لضمنوا أكثر مصالحهم، ولنال هو بعض ما يشتهي أو كله: الخلود في حكم العراق وتوريثه لأبنائه من بعده. ورغم رثاثة نظامه وطيشه الشخصي، فقد أثبت صدام دوما أنه قابل للردع، أي حائز على الحد الأدنى من عقلانية الدولة. وهذا لا ينطبق بالتأكيد على منظمة القاعدة والتشكيلات الجهادية الأخرى المحتملة في العراق المحتل اليوم. ولو أبقى الأميركيون بعد احتلال البلد عام 2003 على هيكلية الدولة العراقية، جيشها ومؤسساتها وقوانينها لمرحلة انتقالية، لربما كانوا وفروا على أنفسهم وعلى العراق بعضا من التفجر الراهن الباهظ الكلفة، ماديا وبشريا ونفسيا.
بيد أن الدول بطبيعتها أسيرة تصور دولتي للعالم، كما كان الناس البدائيون أسرى تصور بشري للكون من حولهم. فالدول تفكر أن الخطر الأول عليها هو دول أخرى، وأن تحطيم هذه ينجيها منه. لكن رغم أن الدول هي مقر العقلانية السياسية في مجتمعاتها، وأن الدولة هي القوة الأكثر عقلانية أو الأقل لا عقلانية من القوى المجتمعية الأخرى، إلا أن هذا لا يصح تلقائيا على علاقاتها الدولية. في هذا المجال تظهر أكثر الدول تطورا غباء لافتا. ولعل مصدر غبائها هو الإيديولوجية الدولتية ذاتها، هذه التي تتصور العالم مكونا من كواكب سياسية متماسكة، يمكن توقع حركتها ومساراتها، فتغفل عن المذنبات والنيازك الأصغر حجما.. لكن التي قد تكون بالغة الخطورة.
نظير ذلك تمارسه أكثر الدول العربية على نطاق مختلف بعض الشيء. فهي تعمل على تحطيم المنتظمات الاجتماعية المستقلة في بلدانها، لأنها ترى فيها خطرا على إطلاق سلطتها ودوامها. ما لا تتبينه الدول هذه أن المنتظمات المعنية من أحزاب سياسية وتنظيمات مدنية واتحادات مهنية .. هي أيضا الأطراف السياسية الأكثر عقلانية، أو الأقل لاعقلانية في مجتمعاتها. فهي تفكر بذهن حديث نسبيا، ويدخل مفهوم المصلحة العامة في تفكيرها. وهي ترتدع على العموم، وبالخصوص حين يكون لديها ما تخسره.
تحطيم هؤلاء الفاعلين السياسيين العقلانيين يترك المجال مفتوحا أمام تكوينات عضوية أو أهلية دون عقلانية، كالعشائر والطوائف. وهذه منحطة العقل والخلق، لا ترتدع، والعلاقة بينها قائمة على الإقصاء والتعادي، ولا مانع لديها من توفير مواطئ أقدام لقوى خارجية.
وكان انتقال نظام صدام من ضرب أشكال الانتظام الاجتماعي الحديثة في العراق إلى تشجيع العشائر ومنحها سلطات قضائية وأمنية بعد عام 1991 مؤشرا على انحطاط وطنية وعقلانية نظامه. وفي سورية تظهر السلطات عزما متجددا ضد صيغ الانتظام الحديثة، لكنها تبسط ذراعين مرحبتين بشيوخ العشائر و"أرباب الشعائر الدينية" والوجهاء في قومهم أو من في حكمهم. ولعل دولا عربية أخرى تفعل مثل ذلك.
هنا أيضا الدول أسيرة إيديولوجيتها التي ترى كل شيء حولها "أحزابا" متأهبة للجلوس على كرسي الحكم محلها. هي ذاتها "دول حزبية"، مهما أمكن لهذا المفهوم أن يكون متناقضا. ومثلما يقول الأميركيون والإسرائيليون عن العرب إنهم لا يفهمون غير لغة القوة، تقول أجهزة الإكراه في بلادنا القول ذاته بالحرف عن المعارضين. هذا لا يعود قطعا إلى تنسيق ولا إلى تأثر. إنه اكتشاف ذاتي في كل مكان. فهو منطق السلطة المقتدرة ضد خصومها الضعفاء.
الفارق المهم بين دولنا الحزبية والمحور الأميركي الإسرائيلي يتمثل في أن الدول لدينا "عقلانية" على العموم في مجال العلاقات الدولية، وغير عقلانية وطائشة في مجالها المجتمعي المحلي. أما أميركا وإسرائيل فهما تجسيدان للعقلانية في مجالهما المحلي، وللاستهتار وحكم القوة في المجال الدولي. وكما فضلت هاتان أن تحطما دولا ومنظمات قد تكون عقلانية نسبيا، تثابر دولنا على قطع الرؤوس المدنية لمجتمعاتنا وتحطيم التنظيمات الأكثر عقلانية فيها.
هذه سياسة قصيرة النظر. لقد أخرجت من قمقمها قوى لا عقلانية، موجودة في كل مجتمع، كان يمكن أن لا تخرج. فحين تحطم طبقة الإدراك والتفكير الحديث في مجتمع لا زالت الطبقة هذه هشة فيه، فإن الطبقات الخرافية والسحرية وما قبل الحديثة هي التي ستظهر على السطح. وحين تحطم الدول والمنظمات الحديثة، على علات محتملة لكل منها، فإن الجماعات الأهلية دون العقلانية أو الجماعات الجهادية فوق العقلانية، في الحالين تكوينات ما دون الدولة، هي التي ستسود.
تجربة ما دون الدولة هذه مرشحة لأن تجتاح المنطقة الشرق لأوسطية طوال سنوات طويلة مقبلة، بفضل التقاء الطغيان المحلي في بلادنا وطغيان المحور الأميركي الإسرائيلي المستمر.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أية دولة تقتضي العلمانية فصلها عن الدين؟
- هزيمة حزيران: من حدث تاريخي إلى شرط ثقافي
- في شأن الطائفية والدولة والمثقف: تعقيب على موريس عايق
- في اندماج الاقتصاد والسياسة وتحولات اللوحة الاجتماعية السوري ...
- تأملات في السلطة الدينية والسلطة السياسة ومعنى العلمنة في عا ...
- بحثا عن معنى ثقافي لتحولات سياسية عجماء
- ضمائر الحداثة المنفصلة والمتصلة و...المعاقة
- ملحوظات أولية في شأن اللغة والطائفية
- في العلاقة بين الأوليغارشية والطائفية
- أقليات وأكثريات: هويات ثقافية، علاقات اجتماعية، أم عمليات اج ...
- أطوار متعددة في حرب لبنانية واحدة
- نمذجة تاريخية مقترحة للنظم السياسية المشرقية
- -ميدل- إيستولوجية-: في شأن المعرفة والسلطة و.. العدالة!
- انتخابات نيابية في سورية أم موسم لصناعة العصبيات؟
- شاذ، استثنائي، وغير شرعي: المعرفة والمعارضة في سورية
- ديمقراطية، علمانية، أم عقلنة الدولة؟
- في أصول التطرف معرفيا وسياسيا، عربيا وكرديا
- اعتزال الحرب الباردة الجديدة
- عوالم المعتقلين السياسيين السابقين في سوريا
- الثقافة الوطنية والدستور كوجهين للشرعية السياسية


المزيد.....




- بطراز أوروبي.. ما قصة القصور المهجورة بهذه البلدة في الهند؟ ...
- هرب باستخدام معقم يدين وورق.. رواية صادمة لرجل -حبسته- زوجة ...
- بعد فورة صراخ.. اقتياد رجل عرّف عن نفسه بأنه من المحاربين ال ...
- الكرملين: بوتين أرسل عبر ويتكوف معلومات وإشارات إضافية إلى ت ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في كورسك
- سوريا بين تاريخيْن 2011-2025: من الاحتجاجات إلى التحولات الك ...
- -فاينانشال تايمز-: الاتحاد الأوروبي يناقش مجددا تجريد هنغاري ...
- -نبي الكوارث- يلفت انتباه العالم بعد تحقق توقعاته المرعبة خل ...
- مصر.. مسن يهتك عرض طفلة بعد إفطار رمضان ويحدث جدلا في البلاد ...
- بيان مشترك للصين وروسيا وإيران يؤكد على الدبلوماسية والحوار ...


المزيد.....

- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - في عقلانية الدول وغبائها المرشح، في أغلب الظن، أن يستمر طويلا