|
الروائي برهان الخطيب ل - الحوار المتمدن -: لم أخرج بعيدا عن حدود ذائقتي الجمالية في كل ما كتبت
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 1942 - 2007 / 6 / 10 - 05:29
المحور:
الادب والفن
ينتمي الروائي برهان الخطيب الى جيل الستينات من القرن الماضي، وهو الجيل الذي اقترن بأسماء روائية مهمة طبعت المشهد الروائي العراقي بطابع الحداثة والمغامرة والتجديد، ومن بين أهم هذه الأسماء نذكر فاضل العزاوي، وعبد الرحمن مجيد الربيعي، وزهدي الداوودي، وعبد الستار ناصر، ومحمد خضير، وعبد الخالق الركابي، وعشرات الأسماء الأخر التي لا مجال لذكرها الآن. وُلد برهان الخطيب في محافظة بابل عام 1944. أنهى دراسته الإبتدائية والثانوية فيها. ثم واصل دراسته في كلية الهندسة، وتخرّج فيها عام 1967. وقد أفاد الخطيب من ولعه بالدروس العلمية، وتفوقه فيها. نشر الخطيب أولى قصصه وهو في سن الخامسة عشرة في مجلة " الأحداث " اللبنانية. كما نشر في أوائل الستينات عدداً من القصص القصيرة التي ترجمها لكل من فولكنر وسومرست موم وآرثر كونان دويل. أصدر مجموعته القصصية الأولى " خطوات الى الأفق البعيد " وأردفها بروايته الأولى " ضباب في الظهيرة " عام 1968 ليرسِّخ اسمه بوصفه أحد الكتّاب الستينيين. أوفد المهندس برهان الخطيب الى موسكو عام 1969، لكنه سرعان ما استقال من وظيفته، والتحق بالمعهد الأدبي في موسكو، وتخرج فيه بدرجة امتياز عام 1975. ثم عمل مترجماً في " دار التقدم " في موسكو حتى عام 1986 حيث بلغ رصيده في الترجمة ثلاثة عشر كتاباً، إضافة الى اهتماماته الرئيسة بالقصة والرواية والمقالات والأبحاث الأدبية والنقدية. كما أصدر عدداً من الدراسات النقدية في القصة العراقية. مُنعت في عام 1972 روايته المهمة " شقة في شارع أبي نؤاس " وهي من الروايات الأول التي عالجت القضية الكردية، إضافة الى كونها العمل الأدبي الأول الذي حمل بوادر التمرد على منظومة الأفكار اليسارية، والخروج غير المألوف على السياق الآيديولوجي لليسار العراقي في الأقل. ثم توالت رواياته التي تجمع بين الهمّين الذاتي والموضوعي، وقد أصبحت هذه السمة من أبرز السمات التي تميّز برهان الخطيب عن أقرانه الستينيين، ومن بين رواياته نذكر " الجسور الزجاجية "، " سقوط سبرطة أو حب في موسكو "، " نجوم الظهر "، " ليلة بغدادية "، " بابل الفيحاء "، و " الجنائن المغلقة ". كما أنهى الخطيب عدداً آخر من الأعمال الروائية التي تنتظر النشر من بينها " غراميات بائع متجول "، " على تخوم الألفين ". إضافة الجزء التكميلي لـ " شقة في شارع أبي نؤاس " والتي عنونه الكاتب بـ " ليالي الأنس في شارع أبي نؤاس" إضافة الى كتاب " رواياتي حياتي " والذي يتمحور على المصادر التي كان يستمدها في كتابة رواياته، وهي جلها مستوحاة من حياته الشخصية الزاخرة بالذكريات والأحداث الجسيمة التي لا تنفصل عن روح العصر. وفي الآتي نص الحوار الذي أجريناه مع الخطيب بعد الضجة التي أثارتها محاضرته الشهيرة في صالة هوسبي في ستوكهولم والتي انضوت تحت عنوان " نحن نفكر " حيث تعرض الكاتب الى ردود أفعال قاسية لا يمكن أن نضعها إلا في خانة التجريح الشخصي ومحاولة النيل من شهرته الأدبية كونه لم ينضوِ تحت يافطة سياسية معينة، ولم يطبّل لهذه الجهة أو تلك بعد أن حسم مبكراً خياره الثقافي الذي تسيّد على الخيار السياسي.
* قال أحد المعقبّين على محاضرتك الموسومة "نحن نفكر" بأنك قد كتبت رواية واحدة يمكن قراءتها من دون أن يتسرّب اليه الملل وهي رواية " شقة في شارع أبي نؤاس " لكنه لم يدخِّر هجومه عليك. ترى لِمَ سلَمت هذه الرواية تحديداً من الهجوم؟ هل لأنها ناجحة فنياً، أم لأنها تحمل في طياتها نزعة التمرد على الفكر اليساري العراقي، أم لأنها خرجت قليلاً من بنية الهم الذاتي الى الموضوعي بشكليه السياسي والاجتماعي؟
ـ خلينا نمزح قليلاً، هذا سؤال محقق لاستبطان متهم أكثر من ناقد ملم بخفايا وضعنا الثقافي. تعرف يمكن طرح نقيض ذلك التعقيب النكرة تعقيبات وأفكار من نقاد مرموقين في مديح رواياتي. قول المعقب رأي شخصي إذن، له دلالة على ذوقه، أكثر مما على رواياتي. قد يكون ذلك الشخص من أخوتنا الأكراد وجد في (شقة في شارع أبي نؤاس) ضالته المنشودة، ولم يجدها في غيرها، لم يسبق لأحد الكتابة عن القضية الكردية برواية قبل (شقة في شارع أبي نؤاس) ولما ذكرت أن تبني الفدرالية العرقية يسبب الخراب لم يعد كلامي ورواياتي يعجبه. أو قد تكون للرواية هذه ذكرى خاصة عنده، لا يستطيع أن ينساها. الرواية اليوم ككل شئ مسيّس حتى الآذان. أية رسالة سياسية خفية أو ظاهرة، حقيقية أو متصورة، عنها، قد تتسبب بمقتل كاتب الرواية في العراق، لا فقط ذمه أو مدحه. لو أمكننا التحدث عن هذه الرواية موضوعيا أقول هي ليست أفضل رواياتي. لذلك عدت إليها أخيراً وصغت منها رواية جديدة تماماً، تنشر لتعوض (شقة في شارع أبي نؤاس) القديمة رغم ما لهذه من شعبية عند قراء السبعينات والثمانينات. بالمناسبة، على نفس زاوية الويب سايت التي ظهر عليها التعليق تجد تعليقاً آخر للشاعر الرقيق خالد الحلي وغيره، ذم به المتطفلين على الأدب ممن هب ودب بعد فسح مواقع الكترونية مكاناً لهم لممارسة الرأي الحر، فإذا به يستغل لإظهار حقد نفوس مهزوزة. ثمة مَن اقترح النفي الى القمر للخلاص من رغبة في قتل وتجريح الآخر.
الفلاسفة الكلبيون
* هناك معقبّان على نص المحاضرة اعترضا على " هجومك اللا مبرر " على الروائي الراحل غائب طعمة فرمان. هل لنا أن نستجلي طبيعة العلاقة الشخصية التي كانت تربطك بفرمان " يرحمه الله"؟
ـ يا أخي ماذا قلت أنا عن غائب ليعتبرا ذلك هجوما عليه؟ سألوا الجواهري بحضوري عن رأيه بغائب أجاب: مَن هو غائب؟ ثم برروا ذلك للجواهري أنه كان يمزح. معلوم، هواة جمع الإيقونات لا يريدون خسارة صورة غائب لغيرهم. لأقتبس ما قلته عن غائب في الأمسية وأترك لغيري الحكم على الموضوع برمته. في معرض كلامي عن وضعنا الثقافي حالياً قلت: خيوط اللعبة في يد ماهرة. لا دور لك سوى دمية ناطقة، أكتب وأنطق كما نريد تفوز مثلنا فوزاً عظيماً. ثم صنفت رد فعل المثقفين بين معلق على الأحداث ككثرة، أو يشطب على نفسه وينتحر كما فعل الراضي، أو يسكت كفلان وفلان، أو يبقى متمردا كسعدي يوسف وعبد الرحمن الربيعي وأنا أو.. وهنا قلت: وقد يجد البعض حلا وسطاً، يذوب في تجمع أو حزب يرضي تطلعاته، فيفيد ويستفيد، كما فعل فرمان وغيره. انتهى كلامي عن غائب. ما الخطأ فيه بربك؟ فخري كريم بلسانه قال لي، والرجل لا زال حيا: نحن صنعنا إسم غائب ولا فضل لنا في صناعة إسمك يا برهان. غير ذلك عندي شواهد أخرى، لا أريد الاستطراد، احتراماً لذكرى غائب العزيزة عندي، قول فخري عن غائب أحسبه لصالح غائب أكثر مما ضده، الشيوعيون تبنوا غائب ليس سراً، رغم أنه لم يكن شيوعيا، بل وطني ديمقراطي حسب كلامه لي، وهو تعاطف معهم، لأسباب عديدة، لا أقل من تعاطفه في السر مع البعثيين. الجميع في حفل تأبينه يذكر أني قلت بحضور زوجته: غائب أُمِّم كما أُمِّم نفط العراق. أي جعلوه ملكية عامة، بل حزبية فانتزعوا منه خصوصيته. أنا واثق أن غائباً يشكرني الآن في رقدته على هذي الكلمات. البعض يريد بحماس لغائب أن يثبت قرباً له وهو لم يكن يشتريه بفلس، بعض آخر انتحل كتاباً عنه، نشره كأن غائب وبرهان ما التقيا، لم لا؟ هم حاولوا حينه شدي إلى عربة أو حذفي من الوجود، أخيراً بتسفير مخفور من قلعة السلم، كان غائب الوحيد معي لحظتها، قال دامي النبرة: ما تقدر يا برهان أن تفعل شيئا أمامهم. قبل ذلك، حين سحبوا مني الشقة وعملي طالبين مني توسيط منظمة حزبية لإرجاعي للعمل، رفضت قطعاً قائلاً: لا علاقة لي بها، أخذتموني للشغل من غير وسيط، لا أسعى لوسيط. بعد التسفير عاتبني السياسي المتميز عامر عبدالله في الشام: لماذا لم تأت في موسكو إليّ حسب اقتراحي لأحل مشكلتك؟ قلت ما أردت إدخال طرف ثالث في قضية إدارية. ابتسم عامر كأنه قال يا لسذاجتك أو يا لطيبتك يا برهان. ويأتي تاجر شنطة جاهل من المعلقين إياهم ويدعي غائب وظفني. هراء، كل ما في الأمر كان غائب قد كتب مقالاً عن روايتي (بابل الفيحاء) وهي مخطوطة ممتدحاً، عرضتها لدار النشر أثناء تقدمي للعمل فيها، فسألوا غائب وهم يعرفون لا يتعاطى هو النقد، أحقا أنت كاتبها؟ أكد الرجل طبعا أنها بقلمه. بعد سنوات عديدة قرأ غائب (نجوم الظهر) مخطوطة أيضاً وأعجب بها أيما إعجاب، قال عنها بحضور الماشطة جلال: رواية جيدة جداً، كذلك قال عنها ابن عم جلال: رواية جيدة. أغمّ ذلك جلال، صمتنا فترة. بعد تسفيري الى الشام جاء غائب بعد اسبوعين أذكر إلى هناك حاملاً أخبار ما حدث بعد تسفيري، استباحة شقتي، بروز البريسترويكا. قرأ هناك (ليلة بغدادية) مخطوطة أيضاً وأبدى إعجابه بها، رغم أنه عرف من أكثر من حديث بيننا أنني غير متحمس بما يكتبه، في مكان عام أقف إلى جانبه كأني أدافع عن أخي، عند صدور (المرتجي والمؤجل) عضدته بأمسية جامعة موسكو، هاجمه غيري. لم نتقايض الاعجاب والمجاملات في ما يخص الكتابة، لكن مودة واحدنا للآخر كانت عميقة قائمة على اعجاب بخصائل أخلاقية، بممارسة كلينا الأدب. خصصت زوجته الفاضلة حين سحبوا العمل والشقة مني غرفة لي في بيتها جوار غرفة غائب، غرفة ابنه سمير الغائب حينذاك في الجيش أو لا أذكر أين. دعونا لا ننشر الغسيل أمام العيون، رغم أن ذلك لو حدث يكون أحيانا لوحة ملونة مليئة بالأمل. علاقتي مع فرمان صداقة وجيرة وأخوة استمرت عقدين إلى وفاته. حاولوا الاستيلاء حتى على ورقة حاجاته الصادرة من المستشفى بعد رحيله، وهي معي، متاجرة حتى بذكراه. مراقبون يعرفون مَن فلان وعلان، يحجمون عن ذكر حقائق وتفاصيل حفاظاً على صورة عامة مطلوبة بشكل سائد، حتى لو كانت مع الأسف مزخرفة بكذب. ربما لهم حق، الفلاسفة الكلبيون الذين لا يهمهم سوى الصدق، ليس لهم حضور كبير في تأريخ الفلسفة، فلماذا المغامرة بما تبقى..
المؤامرة الكبيرة
* بعض الردود كانت إيجابية، وقد وصفك أصحابها، على قلتّهم، بالشجرة المثقلة بالثمار، كيف تنظر الى هذه القلة النوعية التي لا تبتغي سوى قول الحقيقة آخذين بنظر الاعتبار دلالة الآية القرآنية التي تقول " كم من فئة قليلة غلبت. ..!؟
ـ شوف أستاذ عدنان، وضعنا الثقافي كالسياسي كالاقتصادي كالاجتماعي، هوسة الآن تعرف، بسبب ضياع القرار الوطني. ما قاله حضرتك هنا يؤكد توجد خنادق ثقافية، لا يوجد الآن وضع ثقافي حقيقي عندنا متفاعل في ذاته ومع وسطه ينتج ظاهرة يعتد بها، المسألة هنا أكبر من مجموعة أيدت ومجموعة أخرى انتقدت. أي شئ تراه وتسمعه يجب أن تشك في صحته ومَن حقا وراءه، على الأقل منذ أظهر التلفزيون الأمير تشارلز يرقص بالية، بمونتاج ألكتروني. طبعا لا توجد بضاعة مجانية بضمنها الحقيقي من الأحلام والإعلام، حتى عند هوامش التعبير الحر لقراء ثمة فلترات ترشح ما يراد إظهاره أو حجبه وكميته. الحرفي الجيد يعرف موضوع يطل عليه يشير إلى أهداف المعلِن غير الظاهرة أكثر مما إلى أهداف المعلَن عنه الظاهرة. يتم تلاعب أحيانا بأخطاء مطبعية متعمدة، بنقاط وحروف، وصولا إلى أكثر من فكرة وهدف، بعضه نقيض المعروض بالواجهة، مع خلط أحيانا بين المكر الدنئ والذكاء السامي. مَن يتغلب أخيرا، الدنئ أم السامي؟ هذا موضوع عدة روايات، بل هو موضوع وجودنا البشري، لعل لغتي هنا توحي أنها تتنفس من جو الخنادق التي ذكرتها، المحفورة في عقول وحقول حاضرة وغائبة، لا بل من جو (المؤامرة الكبيرة) حولها، شائع نقاش عنها، عقيم بسبب أن من يقول بوجود المؤامرة والآخر القائل بعدم وجودها لا يصلان إلى اتفاق، هذا طبيعي، ناكرها لا يرى في ستراتيجيتها ومؤسساتها مؤامرة، والمروّج لنظرية المؤامرة لا يرى أن لخصمه ستراتيجيا وهو داخل فيها غالبا من دون أن يدري. ولأنه لا يرفع رأسه عاليا يتهم غيره بمشاركة في حياكة فصولها، وإذا رفعها من أجل الصورة الكبيرة جابهته ألوان باهرة تعميه عما في الظل، مَن يستطيع التقاط ما في العتمة والنور هو المفكر والفنان الحقيقي. تبقى المسألة في هكذا جو لمن هم فوق في الأعلام لأية فئة يروج، هذا اساس، كيف يستفيد من اندفاعة الخصم لقلبه، الجودة والقيم تصبح ثانوية، يضحى بالثانوي من أجل الأساس، قدرة التفرد أمام مؤسسة فاعلة عند مثقفين تتضاءل، تذوّب ذواتهم فيها، ذوبان أناس في احزاب لاحتماء، أسباب النكوص عديدة تبدأ من قلة المعلومة إلى الخوف، المتمرد الواعي وغير الواعي يمكن تدميره بتشويه أو إهمال، التعليقات جزء من لعبة. ليس الجميع طبعا يتخلون عن ذمتهم، هكذا ناصرني أكثر من اسم معروف، اكتفى بعضهم بتلفون خائفا من نزول إلى معمعة. المسألة لي دائما كيف أحسن أدائي، كيف أجد لغة مشتركة مع جمهور أوسع، الجمهور مستنير بمشاكله ومشاكل غيره غالبا أكثر من مثقفين لاهين باللعبة، الجمهور لا يعبر عن نفسه مثل شبه مثقف أو متعلم متواطئ مع مدير اللعبة. هذا قدرنا وخياري. النقد المُعَوّل عليه في تقويم العملية الأدبية ميت تعرف. تتحكم الأفكار المسبقة والولاءات والانفعالات الطارئة وقولبة الرأي من أجهزة إعلام وغير ذلك في ما نراه اليوم على الميدان الثقافي.
الرياضيات في الأدب
* في أمسيتك المثيرة للجدل "نحن نفكِّر" التي أقيمت بدعوة من صالة "هوسبي" الفنية في ستوكهولم قلتَ إنك إكتسبت من الهندسة كعلم، والرواية كجنس أدبي، طريقة التفكير العقلاني التي تفضي بكَ دائماً الى فهم الآخر وإنصافه. هل لك أن تتوقف عند هذه الطريقة التي تمزج بين العلم والأدب في أعلى درجات تجليهما في أثناء كتابة نصوصك الروائية المُستفِزة للبعض، والمُقلِقة للبعض الآخر من المتابعين لمشروعك الروائي؟
ـ أضع للمكان وللزمان إحداثيين، أحدد على الأول أمكنة أريد إحضارها إلى الرواية، على الثاني أحدد ماذا سيحدث ومتى لشخصيات الرواية، أنتقيها حسب حجمها الاجتماعي، من الحدث التأريخي أصوغ ما يحدث لها، هكذا يندغم الخاص والعام بالمخيلة على صراط نحو خاتمة فنية واقعية في آن. هذا روائيا. على صعيد آخر، أوضحتُ في الأمسية بعض ملامح تلك الطريقة، لتفكير وللكتابة يجب ان تكون ثمة ستراتيجيا، رؤية للفرد والمجتمع والكون، إضافة إلى الأحاسيس الجمالية الكامنة، تساعد في صياغة إبداع. غياب الاستراتيجيا، أو عدم الأيمان بشئ، لا أقصد الايمان بإيديولوجيا، هذا قاتل للإبداع الحقيقي، قد يجعل الكتابة متناقضة. مثل أن تنحو لشئ لكنك بكلام آخر عن إحساس آخر وبتصرف غير منسجم مع ما قلت أو رسمت تنسف ما وضعت. بالكلام أو السرد كما بالألوان. يجب أن يكون ثمة انسجام بين الأجزاء، لتشكيل كل متجانس، الطبيعة تنافر وانسجام، أهل القوة يأخذون بالتنافر، أهل الانسجام يأخذون بالاستسلام. كلا الموقفين خطأ برأيي. الأفضل ملائمة التنافر بالانسجام للحصول على معنى، إضافة، من خارج كليهما. استيلاد المعنى من أحدهما تكرار مدمر لكليهما، لسيرورة الحياة في النهاية. ناقد متطور ينتبه للنقص. لا يمكن الرسم بلون واحد إلاّ إذا غيرت درجة اللون، ولا الكتابة من إحساس أو فكرة واحدة، إلاّ إذا خصبتهما بنقيض متفاعل دائما. في الرياضيات، واحد زائد اثنين يساوي ثلاثة. أحد طرفي المعادلة لا يكون بمفرده مساويا للطرف الثاني، رغم علامة المساواة بينهما. هكذا أرى المجتمع أيضا، أمريكا زائد نائب عنها لا يساوي أمريكا زائد العراقيين. كل طرف في معادلة يجب ان يكون مستقلا في ذاته، متفاعلا بالآخر، لخلق معادلة صحيحة، وجود مشترك. كذلك الحال على صعيد أعلى في المستقبل، اي دولة أو كيان لا ينوب عن غيره، معه يكبر نعم لكن لا بابتلاعه، ابتلاعه يقضي على المعادلة، على الديمقراطية سر قوة ونماء الأصل. الطبيعة ديمقراطية. إذا قضي على الاختيار، سادت فوضى مقننة ربما، لكن مهلكة لا خلاقة. كذلك في رواية، لا يجب ان تكون معبرة عن صوت المؤلف فقط، ولو تعددت شخصياتها. يجب تنويعهم لينقض أو يكمل (زائد ناقص معادلة رياضية) أحدهم الآخر لتقديم معادلة جمالية، اجتماعية صحيحة، صورة أشمل للنفس البشرية، للمجتمع عموما. المجتمع لا يتطور دفعة واحدة، بل عبر أفراد متصارعين، هذا يتطلب من مؤلف أن ينقض نفسه أيضاً. لا بمعنى نقض أفكاره، بل نقض أهوائه، يكون منصفا مع غيره، مثلما تنقض شخصيات رواية بعضها بعضا، لبلوغ صح عبر خطأ. أيضا، قوانا الوطنية أخطأت سنين بتناحرها في العراق، بينما انتج تفاهمها مجتمعا منسجما في سوريا رغم مساوئ. نقض النفس مطلوب كنقض الغير لعبور خطأ. لإسرائيل ايضا نقد نفسها كما تنقد غيرها لتجاوز الجمود. باختصار، إذا لم يُنقض التفكير أو الإحساس، لاعتماد على هوى إنشائي، نفسه بنفسه، لا كما في الرياضيات عند الفحص والخطأ، يدور إبداع حول نفسه، لا يكون جماليا بحق ولا منصفا.
(الآخر) في الرواية
* أتعتبر الآخر كشخصية روائية عليك أن تتعاطى معها مُجبراً، أم أنها ند تذهب اليه بخيارك الشخصي؟ وهل سبق لك أن صفّيت حساباتك مع هذا " الآخر " عبر شخصياتك الروائية المُنتقاة بعناية فائقة كما هو الحال في سقوط سبرطة؟
ـ جملتك الأخيرة تنم عن قراءة متأنية لسقوط سبرطه. سؤالك ذكي، يفهم عند ربطه بالسابق: الانصاف لم يمنعك من تصفية حسابات مع (الآخر). إذن أكشف لك، ليس في (سقوط سبرطه) تصفية حسابات مع أحد حقا، وإلاّ كنت أفرغت غضبي على أشرار الرواية وظلالهم في الواقع خلفها، وأنا تعلم لا أصنف شخصيات رواية ولا الناس كما يفعلون إلى أشرار وأخيار، بل واتهمني أحد النقاد بمساواة جلاد بضحية. ماذا أكثر من التفهم والعطف على (شخصية سلبية) في رواياتي؟ وفي الواقع، لو كنتُ صفيتُ حسابات مع أحد ما جاء إليّ مسؤول حزبي كبير بعد أعوام عديدة على تسفيري مخفورا من القلعة الكافكوية واعتذر لي رسميا، نيابة عن حزبه، عن أذى كبير أنزل بي، عن غير حق منتصف الثمانينات. كان حريصا على قبولي اعتذارهم. بل حينما زرت روسيا بعد البيريسترويكا (نصحني) أحد معارفي المطلعين بتقديم شكوى إلى القضاء الروسي، باعتباري أحد ضحايا النظام السابق، والمطالبة كغيري، مما كان شائعا حينه، بتعويض مالي عما أصابني من عسف وتسفير، فشكرته وقلت لا أريد تعويضا ولا صعود ونزول سلالم مؤسسات رسمية. بعد ذلك، حين جرى ذكر ذلك الموضوع في صحيفة لندنية قلت ما معناه: أنا حتى لا أتشفى بسقوط الذين حاولوا إسقاطي. حين يخطأ أحد معي لا أشهّر به، على العكس، أكتم ذلك، حتى لو كان الخطأ جسيما ومؤذيا جدا، هذا حدث ويحدث في عالم غير متفاهم حسنا رغم مؤسسات تخاطب واستشعار واستخبار، عالم زاخر بأخطاء، لثقتي يوما ينتبه المخطئ إذا كان حصيفا للخطأ، إذا تداركه احترم نفسه، لا.. ظل في غفلته وبذاءته، هذا عقاب المخطئ عندي حتى يصطدم بما يوقعه بخطئه. أعود لمفهوم (الآخر) في رواياتي وطريقة التعامل معه. تقصيا لمعرفة، توسيعا لدائرة مواضيع عصرنا، تقريب مختلفين وضمهم لدائرة اهتمام مشترك، نحن البشر على سفينة واحدة، البعض في مقصورات لوكس، البعض ينام على السطح، هذا شأن آخر، يدخل أيضا في الهم العام لرواياتي، إنما يهمني حقا أن يكون (الآخر) هو ظل للنفس أحيانا، حاضرا في رواياتي. لا لأقمعه أو آنتقص منه بل لأمنحه منبرا خفيا، لعرض حاله على نقيضه، لبناء لغة بشرية عامة، مفرداتها قيم عامة لا تلغي القيم الخاصة، نريد أن نختلف عن غيرنا ونتفاهم، هذا حق مشروع لكلٍ. هكذا تجد الكردي والعربي، المسلم والمسيحي، بل واليهودي، المحافظ والمتفتح، المهزوز والمُحكم، إلخ في رواياتي، دون أن تشعر فئة تنتمي إليها الشخصية الروائية بانتقاص من ذلك. الوجود الاجتماعي حوار متواصل عبر القرون ونحن الروائيين نغذيه بثمرات عقولنا وعقول غيرنا من مبدعين سابقين نتفاعل معهم.
لا خطوط فاصلة
* أتعتقد أن الخطوط الفاصلة بين الأدب والحياة متلاشية في نصوصك الروائية؟ ألا يتسيّد أحدهما على الآخر كما في " الجسور الزجاجية " و " بابل الفيحاء " وغيرهما من أعمالك الروائية؟ متلاشية في نصوصك الروائية؟ ألا يتسيّد أحدهما على الآخر كما في " الجسور الزجاجية " و " بابل الفيحاء " وغيرهما من أعمالك الروائية؟
ـ الحلم والواقع متوازيان في ذهن مبدع، وعمله. كمتسلق جبل. أمله في بلوغ القمة والجاذبية التي تجره إلى أسفل يتصارعان. بالبراعة والمثابرة والحظ يبلغ الهدف. في حياتي الخاصة لا أرى فرقا بين الأدب والحياة العامة. أي أنني حين أكتب أقرأ من ذاكرتي، وأنقل إلى خيالي ليعيد الصياغة وفق ما هو صالح لتطور الرواية. آخذ هذا التفصيل وذاك لأصنع شيئاً جديداً، مستقبلياً ربما، غير منقطع الصلة بما كان. يتصرف الشرقي عندي حينا كأوروبي مثلا، هذا لا يعجب بعض النقاد، لكنه واقعي تماما. نحن نتغير. لا يبقى الواحد خاصة بعد خروجه إلى العالم كما كان في ديرته. قد يشذ أو يتحفظ، هذا شأنه، إنما يتغير ولو قليلاً. التغيرات سببية يجب الحسبان. مرة سألني صحافي أجنبي: لماذا رواياتك بهذه المتانة والجودة وأنت من ثقافة شرقية محورها الشعر لا الرواية. أجبت: حين أكتب أشعر ثمة رقيب فوق قلمي، هو الشعب العراقي كله. ولما أنا عارف اي شعب مدقق هو، لا تفوته هفوة، حرصت بدقتي أيضا ألا أعطيه فرصة لدحضي. حين أكون بعيداً عن مكتبي أرى في كل شئ موضوعاً وتفصيلاً يصلح لأدبي، استخدمه لاحقا أو أنساه، كم نجحت؟ الرد هنا ليس من حقي تماما. يشوقني لأقرأ أو أسمع عنه. أستطيع التأكيد بأنني في كل ما كتبت لم أخرج بعيدا عن حدود ذائقتي الجمالية وخبراتي التي حاولت توسيعها دائما بمزيد من التجارب. أعتقد أن الماضي والمستقبل التحما في رواياتي التحاما كاملا.
* تنتمي الى جيل الستينات، وهو الجيل المجرّب بامتياز، لماذا ظللت متشبثاً بالتيار الواقعي النقدي على وجه التحديد. أتعتقد أن هذا التيار لا يزال قادراً على تمثل الأحداث المُعاشة التي ترصدها مُعتمداً على طرائق سرد متنوعة وجديدة تعوّل فيها على الإمساك بالقارئ من تلابيبه؟
ـ سؤالك يتضمن رداً وافياً، الواقعية بالتنوع والتجديد تستوعب جميع أنواع الحداثة. الحداثة لا تكون فناً إذا قطعت صلتها بالواقعية. هي ضابط ضروري للحداثة كي لا تفقد المعقولية وتسقط في عدم. يمكن التغريب بالشكل شمالاً وجنوباً، كمعدلات أي ظاهرة مثلا، إنما من غير إحداثيات تتفرع من واقع وعقل الانسان الحصيف لا تكون تلك المعدلات حقيقية ومفهومة لأحد. الأعمال الإبداعية كالكواكب، لكل منها جوها وكتلتها وتفاصيلها، لكنها في دورانها جميعا حول شمس الواقعية تكتسب ديمومتها وإلاّ.. خرجت عن أفلاكها وتاهت في فضاء. الفن نظام، حتى فوضاه خاضعة لحسابات العقل، وإلاّ كانت خربشات القردة فناً أيضاً. لا يمكن أن يكون الفن فوضى مطلقة. هكذا يكتسب، أيا كان شكله، من معقولية الواقعية النبض الذي يمنحه الحياة. القلب ينبض ضمن نظام، ليعشق ويجن، الكواكب تدور ضمن نظام، لتعصف وتمطر، لكن أساس وجودها يبقى النظام، هكذا الفن والإبداع. في داخله يتفجر لكن ظاهره يظل ضمن المعقول، أو العكس، هكذا فهمتُ الواقعية، وهو فهم أراه أكثر ثورية من فهم الذين حاولوا تدمير كل الأطر. ما الإنسان من غير أطر؟ النقد ظلمني حين تصور واقعيتي نقدية بحت، بمعنى توجيه النظر إلى نواقص وعيوب المجتمع، أبدا أنا لم أكتب هكذا، أعماق الأنسان هي التي كانت وما زالت تستهويني، لرؤية ما في وديانها وجبالها من جمال وأزمات. بالتحليق بالمخيلة والمعلومة فوق تضاريسها حاولت تركيب صورة عامة لها، ليس فقط تلك الممتدة تحت النظر بل وأيضا تلك الممتدة إلى ما وراء الأفق.
* تنوّع كثيراً على فكرة الإحباط والإنكسار والموت والهزيمة العاطفية في العديد من روايتك مثل "ضباب في الظهيرة" و "سقوط سبرطة" و "ليلة بغدادية". أتريد القول أنك منحدر من جيل منكسر ومهزوم، أم أن هذه المحاور أثيرة لديك كونها ثيمات تراجيدية تتوفر على تصعيد درامي نادر الحدوث في الروايات غير التراجيدية في الأقل؟
ـ قل لي أي جيل من أجيال أمتنا لم ينكسر في العصر الحديث؟ على العكس جيل الستينات من الأكثر ديمومة وصلابة، طبعا تغير العالم كثيرا، بدأت تتغير كل الأجيال، هذا طبيعي، العالم قائم اليوم على جيل الستينات، أكان في الشرق أو في الغرب. إذن ما في رواياتي من انكسارات وهزائم عاطفية وأمل لا يقهر تعبير عن حالة عامة اقليمية وغير اقليمية. لا أنكر طمعت في تقديم رؤية عامة إنسانية من خلال التجربة العراقية المريرة. أي بيت عراقي اليوم لا تجد فيه آثار كارثة شملتنا منذ طرحنا العقل وركبنا الأفكار الجاهزة أكانت سلفية أم طليعية؟ ملاحظتك عن التصعيد الدرامي ثاقبة حقا، لكني لم ألجأ إليه من أجله، من أجل تضمين أعمالي ديناميكية، بل ظهر فيها نتيجة طبيعية لما عشناه ونعيشه. صراع الذات مع المجموع أبدي. هذه هي موضوعتي الأساسية. من هنا رآها البعض معتمدة على سيرة ذاتية، مقابل ذلك رآها آخرون اجتماعية انتقادية، أو حتى تأريخية. إنما هي اكثر من ذاتية، ومن انتقادية، واكثر من تأريخية. هي معضلية، بمعنى، غالبية أبطال رواياتي تريد تحقيق ذاتها على مستوى عال، لا تريد أن تنجح فقط، وتدوس على الآخرين، بل أن تنجح وينجح معها المجموع، الضمير الذي خلقه الدين فينا ظل فعالا حتى ونحن نتغير من طور إلى طور، بطولتها هنا ذات بعد أخلاقي عريض، من هنا رآها ناقد عربي معروف كتب عنها بالسويدية بأنها روايات أخلاقية أيضا. لكنه لم يقل أن الأخلاق عندي ليست هي السائدة التي قد تدمر طموح الفرد أحيانا، بل أخلاق جديدة قائمة على الصدق وحرية الاختيار والرأفة بالمجموع. رواياتي لم تُدرس جيدا رغم بعض الكتابات الجدية عنها، وهذا ليس غريبا، وضعنا كله لم يتعرض لمسائلة، يستمر في التدحرج وسحق ما تحته مثل كرة ثلج. في أعمالي لم أغلب طرفا على طرف آخر، لست قاضيا، ولاستمرارية الصراع أو التفاعل. من نظرة واقعية لما يجري حضور الفرد والمجموع في أعمالي، حين يقتل البطل لا تنتهي المشكلة بل تتعقد، تستمر في عقل القارئ، قد تبدو خاتمة بعض رواياتي مقتل البطل، لكن الحقيقة أنها ذات نهايات مفتوحة دائما، الحدث يتطور في الرواية التالية. البطل هنا يكمله آخر في مكان آخر. أنا أكتب عن الحياة عبر الكتابة عن الموت.
الروائي مهربا !
* أشار الناقد ياسين النصير الى أن برهان الخطيب " بدأ يمتهن الفن الروائي " في أثناء تواجده في موسكو " مهنة العارف بتفاصيله ودقائقه الفنية بعد أن وجد في الدرس الاكاديمي ما يغني " عنده " هذه الرغبة، ولكنه لم يكن راضياً تماماً عن أدواتك وأساليبك السردية في التعاطي مع ثنائية الأنا والآخر التي أشرنا إليها سلفاً؟ ويحدد عدم الرضى بمرحلة البدايات فقط؟
ـ ابن حلال أنت عدنان، أنت ناقد وقاص ولا تنسى زملاءك، البعض يغطي على زملائه ليظهر أنه الشمس والبقية كواكب حوله يا سلام. اعتقد أصاب النصير برأيه هذا. أولا الواحد لا يولد روائيا أو قاصا أو شاعرا مكتمل العدة، يجب المرور بتجارب عديدة واكتساب معارف متنوعة ليقترب إلى مرحلة النضج الفني بل والعقلي. أضيفت الى القراءات الشخصية الطويلة دراسة أكاديمية عميقة حصلت على تورتة فوق تورتة. النصّير الوحيد ربما الذي لم يتحمس كثيرا لـ (شقة في شارع أبي نؤاس) رغم حصولها على اعتراف عريض من نقاد وقراء. بلند الحيدري طبعها. الروائي النبيل اسماعيل فهد اسماعيل هرّب منها أعدادا كبيرة بعملية بطولية حقا بسيارته من لبنان الى بغداد وقت كانت ممنوعة في أكثر من بلد عربي، دون أن يعرفني شخصيا. علي جواد الطاهر حين تحمس لها وقال لي تحتاج هذه الرواية جزءاً ثانيا يجب كتابته كان يشجعني حتما للاستمرار في الكتابة. ذائقته عالية جدا. صديقي عبد الرحمان مجيد الربيعي كتب عنها في الآداب، غيره، المهم فاجأني النصير حين قال لي (شقة في شارع أبي نؤاس) ليست ناضجة تماما. هكذا عدت إلى الرواية بعد مرور أكثر من ثلاثين عاما على صدورها وقرأتها من جديد، فوجدت للنصيّر حقا في كلامه. لكني لم استسلم. أخذت الرواية ومزقتها وأعدت كتابتها على مرتفع اليوم، في حمى متواصلة لم تنته سوى بعد انتهائي من صياغة رواية جديدة منها، (ليالي الأنس في شارع أبي نؤاس). اعتقد سوف تعجب النصير هذه المرة.
* أكد النصير في المقال ذاته بأنك لم تأخذ حصتك من النقد. ما تعقيبك على النقاد العراقيين الذبن لم يلتفتوا الى مشروعك الروائي على كبره وسعة حجمه؟
ـ أجبت ضمن ما ذكرته سابقا هنا. لا ألوم أحدا على شئ، هذه طبيعتي، كل واحد يتصرف حسب إمكانياته. الاحساس بالذات قوي عند العراقيين نتيجة ارتكازهم على أرث ثقافي كبير قديم، أتمنى أن لا يوشك على الضياع الآن، لذلك ربما أشاحوا عن النقد إلى غيره، متصورين النقد هامشيا، يعلق عادة ولا يبدع. هم لا يريدون لأنفسهم غير المركز، هذا خطأ طبعا، حين يجيد الشخص شغلته أيا كانت يكون مركزا. الناقد بيلينسكي، علي جواد الطاهر، محمد مندور، وغيرهم من النقاد المبدعين، في قلب الحركة الأدبية. الآن تظهر كوكبة جديدة من النقاد العرب، كمال العيادي، كمال الرياحي، نور الدين صدوق، وغيرهم. الأحزاب العراقية مع الأسف لم تخرب في السياسة فقط بل وفي الأدب أيضا، حين ترفع وتكبس الأدباء حسب أمزجتها، تدفع لفلان هذا الكتاب ليكتب عنه، وتمنع جماعتها عن الاهتمام بهذا الكتاب. شخص معروف أنبأني أن الشيوعيين مثلا أصدروا أمرا لاتباعهم بعدم الكتابة عن روايتي (الجسور الزجاجية) لا بالسلب ولا بالايجاب، البعثيون منعوها، كما منعوا (شقة في شارع أبي نؤاس) تعرف، كيف تريد النقد العراقي يتحرك في هذا الجو؟ ما زال ثمة متسع من الوقت، إن لم ينصفني النقد أثناء حياتي ربما يفعل، بعد الذوبان في تربة العراق.
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدورة السابعة لمهرجان الفيلم العربي في روتردام
-
في - عرس الذيب - لجيلاني السعدني: تنجو الذئاب القوية، فيما ت
...
-
المخرج هادي ماهود في فيلمه الجديد ليالي هبوط الغجر
-
بيت من لحم فيلم جريء لرامي عبد الجبار ينتهك المحرّم والمحجوب
...
-
فيلم - 300 - للمخرج الأمريكي زاك سنايدر
-
الروائي الأمريكي كورت فَنَغوت يستعين بالسخرية والكوميديا الس
...
-
فاضل العزاوي على غلاف مجلة -بلومسبوري ريفيو-: دعوات ودواوين
...
-
كوبنهاغن، مثلث الموت - نص توثيقي، وسيرة مدينة بامتياز
-
متابعات صحفية
-
معجبة تعثر على رواية مخطوطة لجينيت ونترسن وتعيدها لدار نشر ب
...
-
بريطانيا تودِّع أبرز كتاب الرواية البوليسية وأدب الجريمة
-
طارق هاشم في فيلمه الجديد www.Gilgamesh.21 مقاربة في تسخير ا
...
-
في شريطه الجديد - ماريا / نسرين -: محمد توفيق ينجز السيرة ال
...
-
تقنية - البوتو - في مسرحية - الراقص - لحازم كمال الدين: تثوي
...
-
مونودراما - أمراء الجحيم - إدانة مباشرة لثقافة التطرّف والظل
...
-
في المعرض الشخصي الجديد للفنان آراس كريم: كائنات متوحِّدة تس
...
-
كاظم صالح في شريطه الجديد - سفر التحولات-: محاولة لتدوين الس
...
-
ظلال الصمت - لعبد الله المحيسن وإشكالية الريادة الزمنية: هيم
...
-
الخبز الحافي- لرشيد بن حاج: قوة الخرق والإنتهاك للأعراف الإج
...
-
الشاعر العراقي كريم ناصر ل - الحوار المتمدن -: الشعر يستدعي
...
المزيد.....
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|