|
الهولوكست المنسيّة 2
فضيلة يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 1941 - 2007 / 6 / 9 - 11:03
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
Mark Selden -Japan Focus القصف الاستراتيجي للمدن اليابانية كانت الوطأة العظمى للقصف الجوي من نصيب المدن اليابانية ، كانت اليابان قد قامت بين عامي 1932-1945 بقصف شنغهاي ،بكين والمدن الصينية الأخرى واختبرت الأسلحة الكيماوية في Ningbo ومنطقة Zhejiang وفي أوائل عام 1945 حوّلت الولايات المتحدة انتباهها إلى منطقة الباسفيك حيث استطاعت تعزيز قدراتها لمهاجمة اليابان من قواعدها في Tinian و Guam. واستمرت الولايات المتحدة في الإدعاء بأنها تقصف تكتيكياً غير أن قصف المدن اليابانية خلال عامي 1943- 1944 أظهرت فعالية قذائف M-69 ضد المنازل الخشبية في المدن اليابانية وفي الشهور الستة الأخيرة من الحرب ألقت الولايات المتحدة بكامل ثقل قواتها الجوية لحرق المدن اليابانية وإرهاب سكانها وقتلهم لإجبار اليابان على الاستسلام. عيّن Curtis LeMay قائداً للقوة 21 في منطقة الباسفيك في كانون ثاني 1945 وهو المهندس الأول والمبدع الاستراتيجي في رسم السياسات الأمريكية ضد مدن الأعداء وفي النهاية قراهم وغاباتهم بدءاً من اليابان إلى كوريا ثم فيتنام . وفي صيف 1944 أصبحت المدن اليابانية في مرمى القاذفات B-29 بينما كانت القوات الجوية والبحرية اليابانية تستنزف تحت وطأة الضربات البارعة.إنها الطريقة الأمريكية في الحرب التي أقرّها العسكريون والرئيس الأمريكي ومازالت حتى الآن. جاء في مقترح الإستراتيجية الأمريكية لقصف اليابان أن هدف هذا القصف الذي دمّر المدن اليابانية في الفترة من ايار –آب 1945 إجبار اليابان على الاستسلام واختزال قدرتها على المقاومة حال اجتياحها بتدمير قاعدتها الاقتصادية ونسيجها الاجتماعي . القصف الحاقد بالقنابل النارية والنابالم أرسل LeMay ليلة 9-10 آذار 1945 ، 334 قاذفة B-29 على ارتفاع منخفض فوق طوكيو وكان هدفها تحويل المدينة إلى ( خرابة) وقتل مواطنيها وإرهاب من يتبقى منهم على قيد الحياة ،باستخدام الجازولين الهلامي والنابالم الذي سيخلق بحراً من النيران ، وقد جردت هذه القاذفات من الأسلحة الاوتوماتيكية لفسح المجال أمام المزيد من القنابل وطارت على ارتفاع 7000 قدم للهروب من المراقبة وكانت تحمل نوعين من القنابل الحارقة ( M-47 100 باوند من الزيت الهلامي ،182 قنبلة لكل قاذفة وهي قادرة على بدأ حريق هائل يليها 6 باوند من قنابل الجازولين الهلامي بعدل 1520 قنبلة لكل قاذفة) إضافة للقليل من المتفجرات لإسكات النيران ، وقد حققت العملية أهدافها بما فاق أحلام المخططين حيث ساعدت الرياح القوية على انتشار النيران في 15 ميل مربع من طوكيو وابتلعت العواصف النيرانية وقتلت عشرات الآلاف من المواطنين . وعلى عكس ضحايا Dresden الذين امكن تشبيههم بمتحف الشمع فإن وصفاً من داخل جهنم التي انغمست فيها طوكيو كانت تمثل مجزرة كاملة. وقد قمنا بقياس فعالية القصف من القنابل التي تم إلقاؤها ونسبة القتلى دون الرجوع لرأي الضحايا لكن ماذا بالنسبة للذين عاشوا هذا القصف الحاقد ؟ أحد مصوري البوليس ويدعى كويو وصف شوارع طوكيو كأنها انهار من النيران قطع ملتهبة من الأثاث تتطاير بينما المواطنون أنفسهم يتوهجون مثل عيدان الكبريت منازلهم الخشبية تتفجر في اللهيب تحت وطأة الرياح والنيران الهائلة ،الدوامات النارية المتوهجة ترتفع في أكثر من مكان وتدّمر المنازل ،صفوف عدة من المنازل تأكلها النيران . أحد القساوسة الفرنسيين ربط بين القصف الناري لطوكيو والهزة الأرضية التي حدثت قبل 22 عاما إنه الحدث التدميري الشامل الذي تنبأ به كاتب ياباني عام 1923. ساعدت الطبيعة العمل الأمريكي فالرياح التي هبت مع اعصار هوريكان عبر طوكيو جعلت النيران تنتشر عبر المدينة بسرعة مخيفة وكثافة عالية ورفعت درجة الحرارة إلى 800 درجة فهرنهاتية وخلقت أبخرة فوق مسخنة تقدّمت النيران تقتل وتبتلع الضحايا ،كانت آلية الموت متنوعة ومتزامنة : نقص الأكسجين ، التسمم بغاز أول أكسيد الكربون ، الإشعاعات الحرارية واللهب المباشر.الفرار الجماعي للناس جعل التحقق من موتهم مستحيلاً ( وكان هذا ما توقعته الاستراتيجية الأمريكية للقصف ). ومن المتوقع أن اكثر عدد من الناس فقدوا حياتهم في ست ساعات عبر التاريخ كان في تلك الليلة في طوكيو وكان معظم الضحايا من النساء والأطفال والشيوخ ، كم عدد الذين قتلوا تلك الليلة التي وصفها الجنرال Thomas Power " الكارثة العظيمة الوحيدة التي حدثت لعدو عبر التاريخ العسكري" . تم تقدير عدد القتلى ب 87793 والجرحى ب 40918 وفقد 1008005 منازلهم واختلفت التقديرات من مصدر لآخر وقلل كل من الجانبين الأمريكي والياباني من أعداد الضحايا كل لأغراضه الخاصة. قال LeMay بالحرف بعد الهجوم " أنه أراد لطوكيو أن تحترق وتختفي من الخارطة لتقصير الحرب " والمؤشر الوحيد الذي لوحظ بعد تلك الليلة أن حكومة اليابان قد أخلت 400 ألف طفل من المدن الرئيسة نصفهم من طوكيو . وبعد مهاجمة طوكيو ليلة 9-10 اّذار توسع القصف الناري ليشمل جميع المدن اليابانية . أُلقي في الأيام العشرة التالية 9373 طن من القنابل دمّرت 31 ميل مربع من مدن طوكيو، Nagoya,Osaka,kobe. وقد دمّر هذا القصف 40% من 66 مدينة ياباينة تم استهدافها واذا كان قصف مدينة Dresden اثار بعض النقاش في اوروبا فإنه لم يحدث أي احتجاج في أوروبا والولايات المتحدة على تدمير المدن اليابانية وقتل المدنيين في قصف لم يشهد التاريخ مثله. في تموز غطت الطائرات الامريكية ما تبّقى من المدن اليابانية بمنشورات (مناشدة إلى الشعب الياباني) ، كما تعرفون! ان الولايات المتحدة التي تدعم حقوق الانسان لا ترغب في إصابة المدنيين بجراح ولذلك عليكم إخلاء مدنكم .نصف هذه المدن تم قصفها بالقنابل النيرانية خلال ايام بعد التحذير .سيطرت الطائرات الأمريكية على الأجواء اليابانية ودمرت 180 ميل مربع في 67 مدينة يابانية وقتلت أكثر من 300 ألف إنسان وجرحت 400 ألف آخر(ولا تدخل أرقام الضحايا في هيروشيما وناجارازاكي ضمن هذه الإحصائيات) خلال الفترة من كانون ثاني –تموز 1945 قامت الطائرات الامريكية بقصف وتدمير جميع المدن اليابانية ما عدا خمسة منها ، تركت متعمدة Kyoto عاصمة الإمبراطورية البايانية القديمة وأربع أخرى وكان مدى التدمير يتراوح من 50-60% في المناطق الحضرية ومنها Kobeويوكاهاما وطوكيو إلى 60-88% في 17 مدينة وحتى 98.6% في مدينة Toyama .
وفي النهاية اختار الفريق النووي الامريكي هيروشيما وكوكورا ونياجاتا وناجازاكي كأهداف لإظهار القوة النووية المرعبة لليابان والعالم.هذا الحدث المذهل للبشرية .وإرسال رسالة قوية للاتحاد السوفييتي .مايكل شيري وصف الفرحة للتكنولوجيا المتعصبة كسمة من سمات الحرب الجوية والتي شكلت الطريقة الأمريكية في الحرب (ان الذكاء في الحرب الجوية هو طريقتها في التدمير وتبرير هذا التدمير وهذا ما ميز التكنولوجيا الامريكية) ان( التعصب التكنولوجي) هو ما قامت به الولايات المتحدة لمواجهة الايدولوجيات المتعصبة في العالم. ويخفي التعصب التكنولوجي اغراض القوة عن المخططين العسكريين وعامة الشعب.لاقى التعصب التكنولوجي في الحرب تفهم قومي واعطى شرعية القوة الامريكية العالمية. استخدمت التكنولوجيا كقوة للقومية الأمريكية التي بدأت عام 1898 في الفلبين وتطورت خلال حروب وأفعال بوليسية في أمريكا اللاتينة واسيا خلال القرن العشرين التعصب التكنولوجي يساوي التعصب القومي الأمريكي ،النظام الأمريكي العالمي الخير وعلى عكس القوى الأخرى فإن الأسلوب الأمريكي في بناء شبكات قواعد في العالم بريا وبحريا والقوة الجوية بدا مهمة(الاسلوب الإمبراطوري الأمريكي) .خلال ربيع وصيف عام 1945 واصلت الحرب الجوية الأمريكية مدى منقطع النظير في المذابح البشرية .وكان ذلك مزيجا من التكنولوجيا المتقدمة ، التعصب القومي وتآكل المحددات الأخلاقية و السياسية لقتل المدنيين. ان استهداف التدمير الكامل للشعوب ، الناس العاديين ، الملحدين و الشياطين قديم قدم البشرية ، لكن الشكل الجديد للتدمير التكنولوجي والاستراتيجي بالقوة الجوية والنووية وما أصبح قابلا للملاحظة هو استهداف المدنيين من الجو وتقليل الارتباك أثناء قتلهم ، ان الجديد هو حجم القتل الذي يتم بالتكنولوجيا الجديدة والإبادة الجماعية الروتينية أو إرهاب الدولة . وخلال الاعوام الستين التي تلت اتبّعت الولايات المتحدة (ومن يحاربون تحت مظلتها)هذا الاسلوب ولم يقم احد في التاريخ بالتدمير الذي قامت به . وقد بذلت جهود لحماية المدنيين أثناء الحرب.في محاكمات جرائم الحرب في اليابان والمانيا واتفاق جنيف عام 1949 وبروتوكول علم 1977 . عرّفت محكمة نورمبيرغ الجرائم ضد الإنسانية بانها (قتل ،ابادة،استعباد،وترحيل الشعوب قبل او خلال الحروب وهذا لا ينطبق على ألمانيا واليابان فقط إنما على الولايات المتحدة وبريطانيا أيضاً. هذه الجهود التي بذلت تلاشت بمنطق القوة وبينما ترك القصف النووي بصمة في الشعور الجماعي للقرن العشرين فإن ذكرى هذه الجريمة وإحراق المدن الكبرى اختفت من الشعور ما عدا ضحاياها . ان القدرة على تدمير مدينة بسكانها في قصف واحد ليس فقط فعّالاً واقل تكلفة للمهاجم من الحروب السابقة انه يطهّر المذبحة .فجلّادي القصف الجوي بعيدين عن الضحايا وكأنهم لم يخوضوا تجربة القتل ،إنهم لا ينظرون في أعين الضحايا ،إن النظر في أعين الضحايا هامّ خاصة عندما تكون الأهداف الأطفال والنساء والشيوخ . كان القصف النووي لهيروشيما وناجازاكي قمة إبادة المدنيين في السعي وراء النصر وبينما ادّعى الرئيس ترومان أن قنبلة هيروشيما استهدفت قاعدة بحرية فإن قرار إلقاء القنبلة في سماء هيروشيما وناجازاكي جاء لزيادة قتل المدنيين وتدميرهم وللاستعراض أمام الشعب والحكومة اليابانية والاتحاد السوفييتي ولجميع القوى التي تتحدى التفوق الأمريكي ولسكان العالم جميعاً ." إن القتل والتدمير سيكون من نصيب كل من يتحدى الولايات المتحدة ". ولم تستخدم الولايات المتحدة القنابل النووية بعد الحرب العالمية الثانية ولكنها هدّدت بذلك في كوريا ،فيتنام وأماكن أخرى واستخدمت أنواعاً من الأسلحة قتلت بها المدنيين تراوحت من قنابل النيران ، النابالم ،القنابل العنقودية والكيماوية إلى استخدام اليورانيوم المنضب وقنابل ( BUNKER BUSTAR ) في العراق لتوسيع دائرة التدمير. وما زالت الولايات المتحدة تدّعي انها لا تستهدف المدنيين ويتم تقديم الحماية القانونية لعسكرييها ، ولمعظم الأمريكيين ما زالت الحرب العالمية الثانية ( الحرب الجيدة ) فقد دخلتها الولايات المتحدة " بدافع أخلاقي " لمعاقبة الظلم الذي شكّله النازيون واليابانيون وأكثر من ذلك ما زال الأمريكيون يتذكرون الكرم الأمريكي في إعادة بناء ألمانيا واليابان .
#فضيلة_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الهولوكست المنسيّة 1
-
نقابات العمال العالمية فقط تحمي من السقوط نحو الحضيض
-
الدمية التي فتحت الطريق لتدمير العراق - حرب وولفتز-
-
إيران : وما وراء ذلك
-
التهديد الإسلامي في أوروبا -التقرير الذي تمّ إهماله-
-
شيطنة المسلمين والحرب على النفط
-
العراق : عودة للتراث الفارسي
-
تذكّروا : من أين تأتي الأزهارفي عيد الحب ؟
-
الجرحى العراقيون : على مسؤوليتهم الخاصة
-
في مثل هذا اليوم
-
مقاومة الحرب على العلم
-
لماذا يكرهوننا ؟
-
يوم عادي في بغداد
-
لغز أجهزة قياس النفط المفقودة ( تساؤلات حول عائدات النفط الع
...
-
جوقة الحرب أين هم الآن؟
-
آمر سجن الفلوجة
-
العراق بعد اربع سنوات :الكارثة مستمرة
-
راشيل كوري شهيدة رفح
-
الانتحار :الطريقة الوحيدة للخروج من العراق
-
النفط لمن؟
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|