|
سقعان في حزيران..!!
توفيق الحاج
الحوار المتمدن-العدد: 1941 - 2007 / 6 / 9 - 08:00
المحور:
كتابات ساخرة
رغم أن حزيران من حيث المبدأ يعني لي بداية التسفع والصرمحة حافيا وبجلابية في عطلة مدرسية مستحقة بعد تسعة شهورمن عناء مستحكم مع طلاب لا زالوا يحتفظون بأدمغتهم جديدة.. مجلتنة وغير مستعملة ومعلمين خاملين متثائبين في معظمهم يستسهلون االروتين ويخاصمون البحث والتجديد والابداع ولاينتمون الا الى آخر الشهر الا انه في ذاكرتي ووجداني يترسخ شهرا شديد السخونة ومجللا بالعرق والعطش والغبار ورائحة البارود..شهرا شديد السواد كأيلول ولست أدري هل يوجد في أجندة ذكراتنا نحن الفلسطينيين شهرعليه العين أبيض ..أو حتى رمادي نبكي عليه..؟!!
في حزيران تجلت نكبة 48..وفي حزيران 67 نعى التاريخ الى الملأ المأسوف على شبابها الامة العربية بعد مرض سياسي عضال وحدوث انهيار مفاجىء في ضغطها العسكري لم يستمر أكثرمن ست ساعات فقط وفي حزيران 76 سقط تل الزعترفي أيد عربية.. وفي حزيران82 بدأ العد التنازلي لانهيار امبراطورية المقاومة في الفاكهاني وفي حزيران2006 توهج صراع الارادات بين عين المقاومة ومخرزالميركفا من بيروت الى غزة فلا العين اقتلعت ولا المخرزانثنى..!!
كل الحزيرانات التي ذكرت وغيرها تتلاشى وتتقزم أمام حزيران 67ففي هذا الشهر من كل عام وعلى مدى اربعين عاما مضت تفترسني النكسة كالحمى القلاعية فترجفني القشعريرة من فرط السخونة وألجأ لكي لا أنسى عارا لا ذنب لي فيه الى اشرطة خطب عبد الناصر وأحمد سعيد وياأهلا بالمعارك لكي يحلو اللطم ويحمى النواح فثلاثة أرباع عمري قضيتها ولازلت آكل واشرب والبس والتحف بل واتنفس الهزيمة..!! نعم اني اشعر بالسقعان كلما لفحني حر حزيران..!! لعل ذلك مبعثه فداحة المصاب أو وعورة الاكتئاب من ذاكرة تموج بكابوس مريع..محق تماما أحلام طفل كنته ذات يوم..!!
لقد قرأت وسمعت الكثير الكثير عن حرب حزيران من ساسة وخبراء وشهود ومحللين يلعبون بالبيضة والحجر فأحدهم كتب أنه كان قريب الصلة جدا بعبد الناصر وتبين فيما بعد انه ربما شاهد الزعيم الخالد مرة لثوان ومن بعيد وآخر أكد أنه كتب مقالا في صحيفة ما قبل الحرب يتنبأ فيه بأن اسرائيل ستهاجم بشكل مفاجىء ويتبين ان المحلل العظيم كان وقتها يستعد للخروج من بطن أمه..!!
لقد كانت الحرب ..وكانت الهزيمة ولم يكن لها من أب سوى عبد الناصربحكم قيادته ومسئوليته ..لاجدال في ذلك وأنا شخصيا رغم هذه الحقيقة قد أبدو غريبا أو مجنونا عندما اتجاوزها الى الخلفيات والتفاصيل البعيدة أقول أن أعداء عبد الناصرالتقليديين في الداخل العربي والاسلامي عملوا من أجل تحقيق هذه الهزيمة وأدوا أدوارهم المرتبة في سياقها بشكل أخطر وأشد من دور اسرائيل وامريكا كما حدث في مؤامرة الانفصال وحرب اليمن وحرب ايلول وأرجو الا يتصور أحد انني ابرر الهزيمة وأخلق لها أعذارا فعبد الناصر كان عظيم المجد والاخطاء كما قال فيه الشاعر الكبير نزار قباني وأكبر أخطائه انه لم يقدر جيدا حجم وقدرة اعدائه وراهن بعواطفه على امورمصيرية أبعد ماتكون عن العاطفة فكانت الخسارة فادحة وبحجم مصير أمة بأكملها .
وليتصور من يريد من باب الخرفنة أو الهلوسة تحت أثر الحمى ليس الا.. ماذا كان سيحدث لو أن عبد الناصر كسب الحرب في حينه..!! هل كان سينازعه حاكم عربي مهما كان في الزعامة أمام سطوة شعبيته الطاغية وكرةانتصاره المتدحرجة ..؟!! وهل كانت تصمد العروش والكراسي أمام عواصفة العروبية القادمة..؟!! هل كان تنظيم الاخوان المسلمين مثلا وغيره من التنظيمات العنقودية الاسلامية مع كل الاحترام يجرؤ على رفع رأسه ويحيك المؤامرات كما حدث عام 64لاسقاط النظام وسط تصاعد طوفان الانتصار الشعبي الناصري الممتد من قبل الخليج الى بعد المحيط ..؟!!
من هنا كان من حتميات مصلحة أعداء الداخل كما أعداء الخارج هزيمة عبد الناصر كرمز حتى ولو كان في ذلك هزيمة أمة وضياع حاضرها ومستقبلها واستطيع أن أؤكد ان تمنيات الهزيمة لعبد الناصر والشماتة في عيون وكلمات القيادي الاخوانجي كانت للاسف فاقعة ومؤلمة وأكثر بكثير مقارنة برفيقه الشيوعي الذي لقي نفس التعذيب والعسف في سجن الواحات ..!!
لقد كان عبد الناصر بشعبيته الجارفة فيما لو انتصر ترسيخا قوميا وعروبيا بعيدا المدى لرؤيا ناصرية تحبط بالتأكيد كل ما كان مطروحا من رؤى سياسية محافظة دينية كانت أو اجتماعية ومن هنا كان لابد من هزيمته فقد التقت المصالح وبالفعل تحقق في هزيمة 67 مالم يتحقق في العدوان الثلاثي عام 56 وهو الانهيار المؤقت في إرادة الزعيم فقدم في غيبوبة الصدمة الاولى استقالته..لتعيده الملايين وبسرعة الى وعيه في رأس العش وجرانيت2 وهو ما لم يكن بحسبان موشى ديان الذي كان ينتظر وبحسبان أعداء الداخل الذين كانوا يفركون ايديهم فرحا في وقت كانت الامة كلها تبكي مصيرها وهي ترى سيناء والجولان وماتبقى من فلسطين فرائس مخضبة بدم وعار لايزول بين انياب الجنازير العبرية..!!
لقد تحمل عبد الناصرمن الضغوط المرارات والشماتات مالم يتحمله بشرفي حياته في وقت كان يعد فيه بقوة وجلد لرد العدوان..وشنع عليه واساء اليه بالباطل في مماته ممن لايرتقون الى موطىء قدمه وصوروا أن عهود ما قبله كانت وردية وبطولية ،تزخر بالفرسان والشجعان وكأنهم نسوا ان بين ايدينا وايديهم كتاب التاريخ الذي لايكذب ولايتجمل..!!
ولننظر الآن بعين مجردة الى واقعنا وبعد 37 عاما على رحيل ناصر ونحكم على ما أوصلنا اليه أعداؤه بعد أن خلا لهم المسرح السياسي ..نرى أن الحال ليس بأفضل من سابقه قطعا فقد هزمناعسكريا في عهد عبد الناصر ولكننا لم نفقد الامل بينما نحن الان مهزمون على كل الاصعدة و نكاد نفقد كل شىء..!!
ان هزيمة 67 على قسوتها ومرارتها لها من الايجابيات مالا ينكره عاقل فهى اشعلت وعينا بما يدور حولنا ولم نعد اسرى لوهم أو هالة وخرجنا من جاذبية الاعلام الواحد الذي كان يرينا من الاحداث ما يريد ويرسم لنا خارطته المفاهيمة الخاصة..!! وقد حمدت الله كثيرا على وعي الهزيمة هذا عندما شاهدت على شاشة الجزيرة عربيا خام تماما لا يعرف شيئا عما جرى لعروبته في عام 67 ..!! كذلك لولا هزيمة حزيران لما برزت التجربة الفلسطينية المقاومة رغم ماعتراها من تشرذم واجتهادات فردية خاطئة أجهضت جزءا كبيرا من أحلامنا..!!
ومع ذلك فان عبد الناصر المهزوم في حزيران بميزان عقلي وعواطفي وربما يشاركني في ذلك الكثيرين هو أجل وأعظم تاريخياوجماهيريا من السادات المنتصر في اكتوبروالذي اغتال عبور 73 بمبادرة77 للبحث عن الذات فاغتاله الاسلامبولي عام 81 وهو في قمة زهوه بين حاشيته وجنده..!! ولم لانعقد مقارنة شفوية سريعة في رأس كل منا بين حال العربي والعروبة في عهد عبد الناصر وعهود السابقين واللاحقين بعيدا عن الحقد المعلب والرؤى الصفراء..!!
ان العربي لم يكن ليشعر بعزته وكرامته في أي عهد منذ عصرالمماليك الى عصر المالكي كما شعر بهما في عهد عبد الناصر فقد كان الرجل بكاريزميته الساطعة وجرأته قادرا على تحدي القوى الاستعمارية وطردها ومساندة حركات التحرر في العالم وتحدى الحصارالمادي فأمم قناة السويس وبنى السد العالي ووزع الاراضي على الفلاحين وبني ترسانة التصنيع الحربي..و...و.. بينما أعاد لنا الحكام بعده الاستعمار بشكل أخطر وألعن واصبح العربي اليوم أرخص من رأس فجل وأهون على نفسه والاخرين من بعوضة ..!! لقد كانت المقاومة في عهد عبد الناصر وخاصة بعد 67 شرفا واصبحت اليوم ارهابا وتهمة..!! وكان الشعار أيام عبد الناصر ارفع رأسك يا أخي واصبح في عهد اعدائه المتأمركين احمي رأسك ياأخي ..!! في النهاية قد يختلف معي البعض وقد يتفق..وهذا أمر طبيعي ومشروع ولكن من غير الطبيعي أو المشروع أن نختلف على حقائق ثابتة أولها أن عبد الناصر أب الهزيمة الاوحد وآخرها أن من يفترون على عبد الناصر بغير وجه حق انما يشاركون في عملية تصفية حساب لا أخلاقية مع راحل بسبب ماض شخصى أو تنظيمي ..!! دون أن يفكروا ويحاسبوا انفسهم عبر السؤال البريء التالي: ماذا قدموا للامة العربية والاسلامية منذ رحيل عبد الناصر..؟!! الاجابة.. أشبه بماء في الحلق..!! وكل حزيران وانتم بخير.
#توفيق_الحاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فلسكو..!!
-
فوضى الفتاوى الخلاقة..!!
-
أبو العبد وفتحية..!!
-
سياحة قصيرة في قناة الجزيرة
-
امبراطورية -عين-..!!
-
من دلف الى مزراب..!!
-
مائة يوم للحرب
-
اللي مايشتري يتفرج..!!
-
مقبرة الانجليز..!!
-
حتى الفلافل..!!
-
اسألوا أهل النشر..!!
-
ستنا الشجرة..!!
-
فتافيت أخبار بالشطة..
-
صابرين
-
هل الاماني ممكنة..؟!!
-
انه زمن ال.. هوهو
-
الأصل أم الشبيه
-
ألف عيلة وعيلة..!!
-
على ايش بتتقاتلوا..؟!!
-
ياحيف علينا..
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|