|
رواية رائحة كريهة صوت البرجوازي الصغير المهمش
سماح عادل
الحوار المتمدن-العدد: 1940 - 2007 / 6 / 8 - 07:30
المحور:
الادب والفن
بالتوقف عند عنوان رواية (رائحة كريهة ) للمؤلف عادل عبد الحميد الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في عام 2007 يقارن المتلقي ودون وعي بين هذه الرواية ورواية (تلك الرائحة ) للروائي (صنع الله ابراهيم ) ويظل يتشمم في أرجاء الرواية عله يجد تشابها ما . في رأيي يكمن التشابه في شعور المؤلفين بعفن الواقع ولا جدوى العيش فيه . ويظهر الاختلاف في التفاوت الزمني والتاريخي للروايتين وايضا في اختلاف الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية السياسية وحتى الثقافية ودون الاطالة في مقارنة مفروضة يمكن القول ان رواية "رائحة كريهة " رواية اوضاع اقتصادية اجتماعية سياسية ثقافية اكثر ردة وتردي من تلك التي كانت في الستينات فمؤلف الرواية من جيل لم يخدع في حلمه لانه لا حلم له. جيل لم يتعلم كيف يحلم في زمن انقرضت فيه الاحلام القومية. احلام العدالة والمساواة. وحتى الاحلام الفردية . لذا قد يكون من المبرر تحول الرواية عند الاجيال الجديدة الى اشكال مختلفة اكثر بساطة وفي الواقع أكثر كآبة واقل تنظيما .
ينتوي المؤلف إحداث صدمة بدءا من العنوان الذي قد يثير في الذهن افكارا كثيرة. ويشي الاهداء بمعنى ما عند ذكر كلمة" صحرائي "
النص : يشغل النص مائة صفحة من القطع الصغير يبدأ بافتتاحية موجزة بدأت من الحاضر لكنها حوت غموضا ما بتجهيل الشخصية الرئيسية و تجهيل الاصدقاء وكأن القاريء على علم بهم وبخلفياتهم وعلاقاتهم بالبطل .. يبدو النص في شكل خطابي حيث يشعر المتلقي وكأن البطل الوحيد في الرواية يخاطبه ويحدثه عن ذاته ..فقط عن ذاته.. وقد تتكرر الاشارات الى أشخاص اخرين لكنها إشارات عابرة تأتي لتعبر عن تقاطعات هذه الشخصيات مع البطل الذي يصدر عن ذاته وهمومها وانسحاقاتها وقد يهتم في بعض المواضع ان يجمع ذاته بذوات اخرى لأصدقاء يتغنى كثيرا انه يشبههم وهم يشبهونه ولكنه يرغب في التخلص منهم وتحديدا قتلهم .. يخلو النص من هيكل ما منظم وهو عبارة عن مشاهد متقطعة يتسيدها الوصف . مشاهد يحكمها منطق التداعي اكثر من منطق نسج عالم تخييلي له ابعاد عدة . ولا يوجد نظام ما في الكشف عن احداث بعينها لها دور محدد ..وفي الواقع تقل الاحداث وتنفصل فيما بينها . الراوي : مشارك منحاز وهو عبارة عن بطل الرواية الوحيد الذي يستخدم ضمير المتكلم ويحكي عن نفسه وعن الاخرين من خلاله .لكنه راو لا يعلم اكثر من الشخصية التي يتمثلها فلا يغوص داخل اعماق الشخصيات الاخرى ولا يتلبسهم ويعبر بلسانهم وانما يكتفي بموقع المشاهد المحايد مع الشخصيات الاخرى والذاتي المنحاز مع البطل .
المكان: تتعدد الاماكن في الرواية نتيجة لتعدد المشاهد التي توحي انها منتقاة بارتجال ولا نظام يحكمها. (بهرمس )التي يصفها الراوي ويذكر حكايا اهلها عنها . المقهى الذي وصف موقعه بين قريتين .قرية ماربيلا التي قضى فيها اسبوعا وامعن في وصف سمائها ونظافتها وسماتها التي توفر رفاهية لزوارها . منزل البطل والذي لم يهتم بوصفه تفصيليا . وفي وصف هذه الاماكن اكتفى الراوي بتقديم مكان جامد دون ربط الاماكن بالاحداث او بوجهات نظر الشخصيات باستثناء منزله ( سريره – مكتبه – المرآة في غرفة نومه ) نجد تفاعلا ما بين المكان والبطل" فسريره كان دفترا للاحلام " وهذا السرير هو ايضا ما يستضيفه في رحلة استمناءه .
الزمن : توجد اشارات زمنية قليلة ترتبط بعمر البطل(2 يوليو يتم البطل 28 عاما ) ثم يذكر انه على مشارف ال30 ليستوعب المتلقي ان الحكي تجاوز سنتان تقريبا غير ذلك لا ترد اشارات عن السنوات التي تحدث فيها مشاهد الراوية ولا يذكر الراوي احداثا يمكن منها استنتاج وقت حدوث هذه المواقف القصيرة . ويبدو الزمن داخليا رهنا بذات البطل وعمره وشعوره بالحياة من حوله . الشخصيات : باهتة عبارة عن جمل متراصة تتمثل في اوصاف للسلوك او لقدرات افراد لانعرف عنهم سوى اسماؤهم ومناطق تقاطعهم مع البطل وانهم اما اصدقاء البطل الذي يتكرر ذكرهم في ارجاء الرواية ولا نعلم لماذا يرغب بشدة في التخلص منهم وما هي الخيانات التي يمارسها معهم و. يأتي ذكر الشخصيات في الأغلب في مقارنات مع البطل ف(هشام اكثر ثقة وجرأة في العمل ونسج علاقات جيدة في حين يكتفي البطل بالاستماع خوفا من الفشل في اجتذاب الآخرين )هناك شخصيات اخرى مثل العاملين في قرية ماربيلا ومحمد حسين الذي يبدو انه لا ينتمي لاصدقاء البطل. ويكتفي البطل بذكر توصيفات سريعة لمحمد حسين . والاكتفاء بحوار بين العاملين ووصف حالتهم اثناء تعاطي الحشيش . اكثر الراوي من وصف عم عبد النبي مقارنة بأية شخصية أخرى لكنه ايضا اكتفي بمعلومات ضئيلة عن الشخصية وغير كافية لتكوين صورة عنه . الشخصيات في الرواية رهنا لذات الراوي - البطل فهي لا تخرج خارج اطار ذاته ولا يتركها تتحرر من سطوته لتتنفس بحرية وتمارس حياتها كما انها موصومة باحكامه عليها سواء سلبية او ايجابية. الشخصيات النسائية : لا توجد شخصيات نسائية بالمعنى المفهوم و انما اشارات تتكرر عن زوجته ولا نعرف عنها اي شيء سوى جمل نمطية مكررة عن الزوجة التي تطالب زوجها بمزيد من الاموال وبالبحث عن مهن مربحة. والزوجة التي تنام مبكرا ولا تهتم لزوجها مما يدفعه للاستمناء على حلمات النساء. ويتذكر امرأة ما لا يمنحنا شرف التعرف عليها .غير ان الرواية تمتليء باحكام سلبية عن المرأة ولا ترى في المرأة سوى جانب واحد هو منطقة الجنس (الابله مايسة تمثل قبلة على خد محمود , والابلة اوديت تمثل فخذان مفتوحان لاكثر من سنتيمتر يميلان للون الذهبي , ادارة القوى العاملة غالبية موظفيها من السيدات والموظفة الحامل هي التي تتسلم طلبات الشباب. وكأن هذه وصمة ان تعين السيدات في الوظائف ويترك الرجال . واهتمامه بذكر ان المرأة حامل وكأنها لا حق لها في ذلك العمل , وحينما يتسائل لماذا تكون الحبيبة دافعا قويا لانجاز الكثير . وعندما تصبح زوجة تكون دافعا للعكس. ويصفها بأنها مخزنا لتفريغ الهمة. التي هي في وجهة نظره المني الذي له القدرة حين يملأ خصيتيه ويجعلهما متورمتان ان يساعده على العمل بجد. او يثور تحت الفراش .وكأن هناك تناقضا بين الجنس والعمل الجاد. وان المرأة مكانا لإفراغ المنى واستحلاب القدرة على العمل الجاد والهمة . وتصويره للتغيرات الفسيولوجية التي حلت به حين قام مع محمد حسين باعمال الخدمة المنزلية (على حد تعبيره ) بانه حين يمر عليه نفس الوقت من السنة يشعربغثيان وألم في الظهر وكأنه تحول لأمرأة حين تذكره في نفس الوقت من العام انه قام باعمال الخدمة المنزلية وليس ذلك فقط بل انتابته اعراض الحمل وحين وصف تأثير هذه الاعمال عليه بان ترهلت بطنه وابيضت انامله , لا تخفى على القاريء السخرية وايضا الافكار المتكرسة حول ارتباط الاعمال المنزلية بالمرأة ولصق دورها الانجابي بها مع عدم اخفاء احتقار الرجال لهذه الاعمال التي قد تسبب لمن يمارسها من الذكور تماهيا ما مع الاناث لحد الحمل . وترهل البطن . هذا يعني ان المثقف البرجوازي الصغير المهمش بطل الرواية ليس ضحية فقط لواقع اقتصادي طاحن لكنه اسير ثقافة سائدة عجز عن التخلص منها . قدر عجزه عن التخلص من يأسه وسلبيته. وقدر عجزه عن تجاوز حدود ذاته الضيقة والوصول لرؤية ارحب واعمق لتجاوز الواقع ولو على مستوى النسج التخييلي . يتضح ذلك في تصوره عن الحل الذي نسبه لعم عبد النبي وهو منظمة حقوق الانسان وتصريحه بأنه وأصدقائه لم يتمرسوا على الثورة ولا احد فيهم يجسر على تغيير حياته وان (مفهوم الثورة في أذهانهم ظل مفهوما رومانسيا) ويأتي مباشرة بذكر الانتحار وكأنه الحل المقابل .
الحوار: قليل عبارة عن جمل قصيرة بالعامية لا توضح اي تمييز لاية شخصية وكأنها صادرة عن شخص واحد وتحول الى الفصحى عندما شعر المؤلف ان كلاما هاما يقال حين تكلم عم عبد النبي عن الاوضاع المتردية وطال الحوار ليصبح فقرتين بالفصحى يغلب عليه الطابع الخطابي التحريضي حيث يرى عم عبد النبي ان الحل في منظمة حقوق الانسان .
اللغة : سهلة بسيطة تقريرية في اغلبها يستخدم المؤلف العامية في اغلب الحوارات بين الشخصيات الوصف يغلب السرد وغالبا ما يأتي السرد متقطعا وسط الوصف ويقل مقارنة به. انتهت الرواية بانتحار البطل في النيل راضيا وسط مشاهدة سلبية من اصدقائه .وارتضى المؤلف تلك النهاية التي جاءت متسقة مع منظومة افكار البطل وتصوراته حول الأوضاع الراهنة . ورغم ما بدا من حس للتمرد في مشهد تجمع الشباب في ادارة القوى العاملة فيما يشبه احتجاجا جماعيا فشل المؤلف في نسجه ليكون مشهدا معبرا .ولم يتعمق في وصف حالة الشباب الذي تجمع وهل هناك تخطيط ما لعمل ذلك . واكتفي بذكر التجمع الأمني الذي فض الاحتجاج . وكان المشهد في مجمله ضعيفا يحتاج للتعبيرعنه بصورة اكثر عمقا وتركيزا .
كما ان هناك تناقضا ما بين تصريح البطل بأنه لم يتمرن على الثورة هو واصدقاؤه. كما أنه لا أحد منهم يجسر على تغيير حياته, وبين ان يختار انهاء حياته بأكملها منتحرا _تلك التي لا يجسر على تغييرها – أو ربما لا يوجد تناقض اذا لم ننظر الى الانتحار كقرار حاسم وقوي لإنهاء الحياة ونوع من انواع الرفض والتمرد. وانما ننظر إليه كرد فعل سلبي .
غير ان ما يميز الرواية فكرة اساسية هي ان البرجوازي الصغير المهمش ومع تطور الأوضاع على نحو أسوأ تحول من برجوازي صغير منسحق ومهمش يفقد حلمه وايمانه به ويشعر بعفن الواقع ورائحته الكريهة المحيطة في رواية ( تلك الرائحة ) ولا يكترث الا لذاته ويشاهد بحياد شديد العالم من حوله- لكنه قادر على نقل الواقع بمهارة -إلى برجوازي صغير أكثر تهمشا وأقل تماسكا وتنظيما.ليمتد الأمر الى أن يصبح هو مصدر الرائحة الكريهة التي لاتزول بالاستحمام المتكرر والعطور. واضيف أن ما يدور في الرواية من احاسيس أجد نفسي قد عشتها من قبل وأجد تشابها ما ليس بيني فقط وبين البطل بل بين جيله السابق علي وجيلي خاصة فيما يتعلق بمشهد المرآة ووصول الانسان الى كراهية ملامحه .في ظل أوضاع لا تقبل إلا بنسخ نماذج مشوهه كثيرة لصورة واحدة لبرجوازي صغير متضخم الذات مفرغ تماما كبوصة ..
#سماح_عادل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
...............!!!
-
يوم عادي لفتاة ليست عادية بما يكفي
-
تضامنوا معنا ضد إفقار ال مصريين تضامنوا معنا لإلغاء تجارة ال
...
-
عرض كتاب السيرة الهلالية لمحمد حسن عبد الحافظ
-
لا ألم في حوض الماء
-
بورترية لجسد محترق...أنة وجع من عفن الحياة المعاشة
-
-العالم لنا- اشكاليات تجذر حركات مناهضة العولمة النيوليبرالي
...
-
الحركة النسائية العالمية ..محاولة للاستلاب وتفريغ المضمون ال
...
-
اروى صالح مناضلة احبطها العنت الذكوري
-
في ظل تأريخ متشابك للحركة الشيوعية يضلل أكثر مما يكشف محاولة
...
-
تنويعات ملل بشري
-
الجهاز قصة قصيرة
-
كل الهواجس حوله
-
إشكالية المثقف في المجتمع
-
يتحسس
-
موت الاب الاخير
-
خليل عبد الكريم مفكر ثوري
-
الاخوان المسلمون البعد التاريخي
-
سيد قطب مفكر الاخوان وملهم الجماعات
-
بورتريه لالبير كامو
المزيد.....
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
-
فوز الشاعر اللبناني شربل داغر بجائزة أبو القاسم الشابي في تو
...
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|