أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دريسي مولاي عبد الرحمان - هوس الخربشة














المزيد.....


هوس الخربشة


دريسي مولاي عبد الرحمان

الحوار المتمدن-العدد: 1941 - 2007 / 6 / 9 - 07:11
المحور: الادب والفن
    


على مقربة من ملامسة حدود الجنون،تظهر حالة الأستاذ و هو يشرف على الذهاب إلى المدرسة.ذهاب يرفضه
في دواخل نفسـه ويستنكـف عن ملاقاة تلامذتـــه الصغـار .رغم عهده المبكر بمهنـة التدريــس، إلا أنه ليــس مقتنعــا
باختيار المهنة المنوطــة بـه.إنما أشبـه بمهمـة مستحيلـة لا يقــدر على استيعابــها.فما بالك بالقبـــول باقتحـام غمــــار تجربتها التي غالبا ما يعتبرها مستنقعا يستحيل الخروج منه إن وطأت قدماه مياهـــه العكـرة .حالــة هــوس تسري في جسده فتجعل فرائص صدره تنقبض حتى توشك أن تحبس أنفاسه دائما كان يحس على أنه ليـس سويا. ومن هــو السوي في هذا العالم؟غريب في عزلته الوجدوية نياط .قلبه تتمزق عازفة آلام البشرية باســرها .يقول في قرارة نفسه على أنه اقرب إلى البلاهة و الحمق.عالمه الشخصي يهيم في اللا معنى مفروشا بسائــر اشيائه الرمزيــة .كتــب مبثوثة هنا و هناك متناثرة تناثر أفكاره.محفظته التي لازمته مدة طويلة خلق معها ألفة غير معهودة .ملابسه لا تلامس الماء إلا لماما .أحلامه لا تعرف حدودا.و أفكاره ليست واضحة لا تنسجم مع ما هو مألوف و معتاد.يحب الاختـــلاف و يروم أخلاقيات من نوع خاص. الغبطة و الفرج و السعادة قيمه التي لايعيشها.شعاراته التي يرفعها مع ذاته و لذاته . أهو أناني إلى هذه الدرجة؟غالبا ما يعترف في قرارات نفسه أن حالة مرضية تكتنـف أعماقـه..إصــراره الدائــم على عــدم زيارة طبيب جعلته يستبعد الفكرة .حالته النفسية عميقة غامضة تحتاج إلى تأويـــل نفسي؟ ألا يحتاج المؤول نفسه إلى تأويل ؟ هكذا تبدأ بالصراخ و العويل و يضرب الجدران بناصية رأسه يكسـر كـل ما تصطــدم به يدا ه. يرشق كل الأشياء التي تلامسه في اتجاهات متباينة.يلهث كأنه كلب مجروح خرج لتوه من معركــة ضاريــة. اقتـرح عليــه أحد أصدقائه أن يعود فقيها ربما سيتمكن من اكتشاف حالته المستعصية يسخر من الفكرة و يعتبرهــا في عـداد الطقــوس الميتافيزيقية، التي لا تخضع لا لسلطة عقله و لا بإيمانه العميق.رغم هذه النوبات المتتالية فهو جعل القراءة و الجسد و التصوف أصدقاءه و رفاقه في اغترابه عن ذاته.حالة السكر تفتح جفنيه و تغمضهما حيث الإحساس بالتعب و الإنهاك ،و تدفئ ساقيه المشلولتين من قلة الحركة. تلك الحركة التي لا يعرف لها معنى .وإن إلتصقت بالزمان أصبحت مرادفة عنده لللاحياة.
صبيحة يوم كئيب كالعادة،استفاق الأستاذ بعناء كبير.لملم محفظته دون ان يرى ما يلزمه. دائمــا يكدس فيــها كتب لا علاقة لها بمهنته،حتى تصير ثقيلة على الحمل.أما تحاضيره فلا ينجزها غالبا.حكاياته مع المدير عنوانها "انا لست في الفصل "يشوبها نوع من اللامبالاة والشفقة .عندما يصل إلى قسمه حيث القاعة لا تتوفر على أدنى صـورة تزينجنباتها. رغم حبه للمشاهد الفنية الجميلة،و إلمامه بتاريخ الفن . يلمح تلامذته الصغار الذين أقبلــوا لتوهــم مــن منازلهم أطفال حديثو العهد بالمدرسة،يتربصون أستاذهم الأبله.نظرات خاطفة وامضة تخترقه فيقف مشدودها اليهـــم .بفتح باب القسم و كانه دخل الى الجحيم يتبعه التلاميذ تباعا .يرمي محفظته في أي مكان .يكتب تواريخا على السبورة لا يعيرها أي اهتمام .مفهوم الزمن لا يوجد له أثـر في حياته. وشوشــات التلاميــذ و حركاتهــم تخلق لديــه حالــة من العصـاب.قرر اليوم أن يعلم صغـاره أشياء غير عادية تفوق مستواهم و تجعل منهم حالات استثنائية .و ما الحالات الاستثنائية سوى هرطقات تاريخية ربما هو نفسه حالة مستعصية على الفهم و الإستيعاب.فكيف سيتمكن من تحويل تلامذته إلى تلك الرغبة الغامضة التي تغمره؟.

يريد أن يستهل يومه الدرامي،لكن بماذا؟هو يجهل تفاصيل دروسه.يجوب صفوف التلاميذ ذهابا و إيابا و كأنه يبحث عن شيئ ما .يقصد السبورة،يمسح محتواها الخاص بالأيام الماضية.في لحظة خاطفة يرسم بطبشور خطوطا متداخلة خالقا منها خربشات لا معنى لها.
و يضيف إليها ألوانا أخرى جاعلا منها فضاء استرعى انتباه التلاميذ.دهش الصغار،و تاهوا في محاولة يائسة لتفسير الخربشات و لفهم سلوك الأستاذ المباغث لتلقائيتهم ورغبتهم .نظراتهم الممتزجة بالذهول و الدهشة جعلته يصرخ بأعلى صوته طالبا منهم:
انظروا أعزائي إلى هذه الخطوط المتشابكة.انها أفكاري صورتها لكم. إنها ليست خربشات بل مجرد إيحاءات لمعنى ما .حاولــوا ان تشرحــوا معنــى بعضــا من إيماءاتهـا .لا تفزعـوا .أنـا أريـد أن أخلـق منكم كائنات تقرا ما وراء الخطوط.اما ما وراء الكلمات فقد ولى زمانهــا . كلمات خادعة و ملتبسة تجعلكم أسرى لها. أطلقوا العنان لمخيلتكم و أنصتوا لنداءات أستاذكم .لاحظوا تداخل الألوان المختلفة ألم ترقكم اللوحة؟
لاحظ التردد و الفزع في ملامحهم.ولكن استماتتة في السؤال حتى بح صوته أنقدت الموقف ونبس تلميذ بكلمات متقطعة:
أستاذ ما رسمته يشبه رسومات أخي الصغير أستطيع بدوري ا ن أرسم مثلها .هذا الكلام خلق في نفسه الحنين للنكوص.للطفولة. تلك المرحلة التي لا يتذكر منها شيئا يذكر. علقت تلميذة اخرى بعد ان فارقتها الدهشة قائلة بصوت عال: استاذي.علمتنا مرارا ان بامكاننا ان نرسم اشياء جميلة.انطلاقا من مخيلتنا.تريدنا ان نرسم ابداعاتنا كيفما رغبنا.لكن رسمك عبارة عن خطوط متداخلة يغيب فيها الانسجام.يمكنني بدوري ان افعل ذلك.
لم يتمالك الاستاذ الابله اعصابه.انهيار حاد ومفاجئ يسري في نسوغ عظامه.تجرؤ التلميذين على رسم رسوم مماثلة لنموذجه على السبورة .اثار حفيظته وغيضه.خاطبهم هذه المرة برنة حنونة طالبا منهم:
اخرجوا دفاتركم.وارسموا خربشات كيفما شئتم.ابدعوا كل افكاركم كما ترونها لا كما علمتكم اياها.اياكم ان ترسموا مثلي.ضعوا ابداعاتكم في قوالب فنية متميزة.لكم كامل الحرية في ان تخربشوا.فاليوم يوم الخربشة بامتياز
اخرج التلاميذ دفاترهم وهم في حركة دائبة.يجوبون اروقة الصفوف.كل يريد ان يطلع على انتاج اصدقائه.حشرجة الاوراق مع الاقلام خلقت سكينة ما في دواخل نفسه.استراح وراح يقول في دروب اعماقه:ما اجمل الخربشة فهي وجود من نوع خاص



#دريسي_مولاي_عبد_الرحمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النقد عند هيجل1
- نجيب محفوظ.الاحتفاء والتجاوز التاريخي
- اسطورة الحب
- السياسة.المرأة.الحب.اية علاقة
- رحلة صوفية
- زيارة خاصة
- مأساة
- الفكر اليومي العربي ومازقه التاريخي
- في حضرة الرائحة
- مونولوج داخلي


المزيد.....




- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...
- بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو ...
- سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دريسي مولاي عبد الرحمان - هوس الخربشة