أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم تايه - عصفور آب














المزيد.....

عصفور آب


هاشم تايه

الحوار المتمدن-العدد: 1940 - 2007 / 6 / 8 - 06:19
المحور: الادب والفن
    


جلبتْه قطراتُ الماء المتساقطة قطرة بعد قطرة إلى هذا المكان الذي لم يقدّر خطورته جيداً على الرغم من تمتّعه باحتراس فطري لا مثيل له، وبتحفّز يقظ يجعلانه قادراً على الإفلات والنجاة حتى من أعقد الفخاخ...
أحسّستُ بالإغراء الذي وقع تحت تأثيره، إغراء القطرات اللاعبة بعطشه الحارق، يحسّ بها تتكوّن في رحم الحنفية التي تشبه طيراً من نحاس، ويرى براعمها الفضيّة تبزغ من الفم النحاسيّ فتلتمع، وتنتفخ ثم يقطعها مقصّ الهواء لتسقط على خرسانة الحوض المربع وتتحطّم مع تحطّمها شهوتُهُ قبل أن تبتلعها حفرة الحوض وتضيع في مياه البالوعات..
لبث ذائباً في قيظ الظهيرة على حافّة مظلّة الصفيح التي تحمي دكان أبي من الشمس يحترق بحرمانه من القطرات التي تولد تحته وسرعان ما تغيب... كانت رقبتهُ تلتوي إلى الأعلى، ورجلاه تهتزان، ويضطرب وراءه ذيلُهُ كلّما اخترق قلبَهُ هواءُ العصافير وهي تسرع خاطفة إلى الظلّ فراراً من لهيب الظهيرة، وكأنّها، في تلك اللحظة، أبصرت آب يصعد إلى الشمس وينفخها بريح قلبه المشتعل، ويطلق غبار نارها...
خفّت الحركة في السوق، بانصراف المتسوّقين إلى دورهم وانتهز أصحابُ الدكاكين وباعة الخضار والفاكهة، الفرصة، فأقبلوا على الطعام محتمين من الشمس بقبعات من الزنابيل، تحت الظلال الخفيفة التي صنعتها لهم أقفاص الخضار، وكارتونات صناديق التعليب... وأثقل طعامُ الظهيرة رؤوس معظم الباعة فارتختْ دماؤهم في قيلولة يقِظَة تحومُ حولها دوّاماتُ الذّباب، وفترَ كلُّ شيء إلاّ روحُ آب المشتعل بين الأرض والسماء...
أوشك أن يلتحق بسرب عصافير خطف فوقه، وضاعف عذابه، لكنّ القطرة التي طلعت من عين الحنفيّة مثل دمعة ناتئة أمسكت بجناحيْه وأمالت جسده إليها بعدما ترنّحت بدفقة هواء حارّة... التصقْتُ بدعامة الدكان التي تسند الحنفيّة وكمنتُ بحيث لا يراني، وحين ارتمى على قطرته منقضّاً كانت قد تخلّتْ عنه ونزلت في الحوض، ولم يجد أمامه، وقد خُذِل تماماً، إلاّ أن يوغل منقاره في ظلام الفتحة المدوّرة، باعثة القطرات العزيزة، ليصطاد قطرته في رحمها، وبحركة سريعة لا يستطيع أن يحسب حسابها، عادةً، الواقعُ تحت سطوة الإغراء أطلقتُ يدي عليه بخفّة، وانتزعتُهُ من الحنفيّة بمنقار مبلول، وريش مرتعش، ليرى الوجه الذي يخافه، وجه الصيّاد...
شعرتُ بدفء ريشه يكسو يدي التي اصطادتْه بمهارة، وخفتُ أن يتفتّت قلبه وهو يضرب بقوة راحتي، فخفّفتُ من ضغطتي عنه قليلاً رافعاً منقاره بسبّابتي لأتفادى عضّاته...
بقيتُ فترة طويلة أقصُّ على أترابي حكاية بطولتي، وأعتبر تغلّبي على عصفورٍ فائقِ الحذر بمجرد يد فارغة، أوّل أعمالي العظيمة التي أفتخر بها...
سقطتْ من فم الحنفيّة المربوطة قطراتٌ أخريات فالتقطهنَّ منقارُ البالوعة الجارف، من دون أن يرَى عصفوري التماعاتهنّ...
كان مثل قطعة حيّة من زمن ساخن قبضتْ عليها يدي...
ملْتُ بجذعي إلى الوراء، ومددْتُ ذراعي إلى أقصى ما أستطيع، ومثلما يفعل رامي رمح، قذفتُ بصيدي إلى السماء الفائرة، وتابعتْ عيني المعروقة بغبار الشمس ، العصفور الذي اخترق اللّهب السّماويّ، وغاص فيه بجناحيْن مطوييْن، حتّى إذا استهلك دفعتي تماماً، أطلق جناحيه، وراح يطير........



#هاشم_تايه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معرض أطفال العراق في حفل زواج
- الشعراء العراقيّون يغزون أمريكا
- كيسُ القُبَل
- نُزهة قاتلة
- على مفرق الحجر
- سياحة عمياء
- بعيداً عن الوحل خذني
- حوار مع الفنان العراقي هاشم تايه
- ميثولوجيا عراقية
- مصالحة في الهواء الطلق
- ذُعْر لا يقوى على حمله الهاتف
- كلاسيك
- المربد ... الصوت والصدى
- ضيف الحجر
- أجراس
- من أجل أمّي
- مَنْ يحلب القيثارة السومريّة في لندن ؟
- كولاج الألم
- لا أذودُ الطّيرَ عن شَجَرٍ
- صنائع الصحفي


المزيد.....




- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...
- -هاري-الأمير المفقود-.. وثائقي جديد يثير الجدل قبل عرضه في أ ...
- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم تايه - عصفور آب