محمد دلومي
الحوار المتمدن-العدد: 1938 - 2007 / 6 / 6 - 05:44
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
في الوقت الذي كانت الطائرات الإسرائيلية تقنبل المطارات السرية المصرية كان الجنرالات العرب وأصحاب النجوم والنياشين يتباهون في حفلاتهم بأنهم سيقضون على إسرائيل في ستة أشهر وسيلقون بها إلى البحر ’ هذا ما كان يكرره المشير عبد الحكيم عامر في كل حفلاته التي يقيمها رفقة زوجه برلنتي عبد الحميد على ضيوفه وكي أكون دقيقا على ضيفاته اللأتي جال بهن أكثر المناطق العسكرية سرية وأكثر ها حساسية التي كانت محرمة حتى على كبار الضباط , وبعد الكارثة اكتشفت مصر أنها باعت نفسها لجاسوسات وجواسيس الحفلات الراقصة , والمفارقة العجيبة المضحكة المبكية أن إسرائيل شلت مصر ومعها العرب ليس في ستة أشهر بل في ستة أيام لتسوي الجيش العربي والكرامة العربية بالارض . لسنا هنا بصدد دراسة أسباب الهزيمة النكراء وسموها نكسة كأن الذي حدث مجرد كبوة لا غير , ولازالت البهدلة التي سميت نكسة تلاحقنا إلى اليوم . قامت حرب حزيران من أجل استعادة الأرض العربية وفلسطين إلى أهلها وإذا بها تصير وبالا علينا لتضيع الأرض ومعها القدس والشرف والعرض , ورغم هذا لم نتعلم مما حدث بل تمادى الأعراب في غيهم وفي استمرار الهروب إلى الأمام دون حساب للمستقبل ولا تخطيط , كانت الأولويات عند الهزيمة هو كيفية المحافظة على العروش والسلطة لأطول مدة ممكنة , ثم يأتي التخطيط لإعادة عذرية العرب في حرب أخرى تحفظ ما بقي من ماء الوجه . لم تنتصر إسرائيل لأنها قوية بل انتصرت لأنها تدرس جيدا خطواتها ولها برنامج قائم منذ قرون طويلة تستعمل معه سياسة الخطوة خطوة , وكلما نجحت في مرحلة معينة انتقلت إلى مرحلة أخرى أشد تعقيدا وحساسية , لكن إسرائيل تعرف جيدا كيف تنسل من بين التعقيدات والمستجدات بدقة فائقة , إسرائيل التي من المفروض أن تكون قد زالت سنة 1967 صارت اليوم هي المحور الذي يدور حوله العالم كله وهي التي تصنع السياسات وتسير الأنظمة ولا تخفى عنها شاردة ولا واردة إلا كان لها بها علم خاصة ما يدور في العالم العربي .. من حرب 48 وقصة الأسلحة الفاسدة وصولا إلى حرب 67 في ذروة القومية والعرب ينحدرون إلى الهاوية بوتيرة تشبه كرة الثلج التي كلما انحدرت زاد ثقلها وزادت سرعتها المجنونة , وحقيقة الأمر لم يحطم العرب إلا أحلام العنصرية القومية , والثقة المفرطة في النفس دون تحضير أو دراسة جيدة للخصم ولازلت لا أفهم هل كان العرب على يقين أنهم سيهزمون اسرائيل في 6 أشهر وضباط الدرجة الأولى من الجنرالات والحاشية يتقاسمون أدوار الرقص في الحفلات الماجنة في قصورهم على ضفاف النيل ويقرعون كؤوس النصر على نخب انتصار سمي نكسة أصبح بعدها كارثة لازالت تبعتها إلى اليوم ...؟ وحدهم العرب بارعون في صناعة الأكاذيب ليس على العالم بل على شعوبهم حينما يحولون هزيمة نكراء وبهدلة سوداء إلى مجرد نكسة , ضياع كل فلسطين بضفتها الغربية والقدس والجولان صار نكسة ولأعتبر نفسي غبي ولا أفهم لأني مواطن عربي فهمي في سياسة الحكم تحت درجة الصفر لكن رغم هذا لي سؤال بريء إن كان كل الذي حدث نكسة فكيف هي الهزيمة عند أعرابنا ..؟ النكسة البسيطة التي تسببت فيها عظة إسرائيل صارت اليوم استسلاما وتحالفا مع إسرائيل واتفاقيات مبرمة بينها وبين مصر التي قادت الأمة العربية إلى الهاوية ولازالت تحاول قيادتها وتسليمها إلى المسلخ اليهودي والأمريكي تحت بهدلة كبرى اسمها السلام مقابل الأوهام . خارج الحرب وخارج البهدلة وبعيدا عن النكسة أسوق لكم حادثة وقعت قبل أيام قليلة في اليابان حيث ورد في وسائل الإعلام أن وزير الفلاحة أو التجارة الياباني انتحر بسبب رشاوى وتقصير في أداء المهام , أي والله انتحر دون ان نعرف ما وصلت إليه لجنة التحقيق اليابانية ربما لأن التهمة جاءت أكبر من نكسة 67 على الوزير الياباني فلم يحتملها أو انه إنسان نزيه فلم يشأن أن يتهم بتهم مثل هذه فاختار طريق الساموراي على أن يحمل تهمة تمس بسمعته , أما الأسياد عندنا أخذونا إلى الهاوية وضيعوا أوطانا بكاملها ورموا شعب فلسطين الذي استأمنهم على وطنه وعلى شرفه إلى الشتات وهاهم اليوم يتاجرون بقضيته وقضية العراق والعرب كلهم من منطلق أنم الأدرى بمصلحة الشعوب . ماذا لو حدثت (النكسة) العربية في اليابان ..؟ الأكيد أن دولة اليابان ستنقرض بشعبها وساستها لأن الكل سينتحر بشرف ولا يهم بعدها حكم التاريخ , لو انتحر ساستنا خلال نكستهم التي نكست رؤوسنا إلى الأرض إلى اليوم لحفظ لهم التاريخ جميلا لن تنساه لهم الشعوب أبدا , فالرجال الأحرار يختارون الموت بصمت على أن يقبلوا بهزيمة ويسمونها نكسة لتصبح نكته عند الغرب وإسرائيل , رغم مضي 40 عاما على بهدلة العرب في عقر دارهم لازلنا نكرر نفس الأخطاء ونجتر نفس الخطابات ونفس الشعارات لكن بتغير شامل قدره 180 درجة , بمعنى, أن الحكام العرب كانوا بالأمس ينادون بالحرب من أجل الشعوب العربية ومن أجل فلسطين ’ولازالت نفسها تلك الشعارات لكن بالمقلوب ينادون بالسلام مع اسرائيل من اجل الشعوب العربية ومن أجل فلسطين .. العرب حاربوا وهادنوا واستسلموا وفاوضوا وقدموا مبادرات وقدموا تنازلات وأشهدوا العالم على نيتهم الصادقة وعلى خيبتاتهم المتلاحقة وعلى بهدلتهم المزمنة وأبدا إسرائيل لم تهتم ولم تحقق شرطا واحدا من شروط السلام ولا هي مستعدة لسماع مقترحات الجامعة العربية ولا هي مستعدة لتسليم الجولان للأسد المنتخب بأربع تسعات ولا هي مستعدة لوقف قمع الفلسطينيين تحت بصر أسود حماس وكواسر فتح المتقاتلين من أجل سلطة غير موجودة أصلا ومن أجل حكم على ارض محتلة . اليوم يحتفل العرب كما احتفلوا ذات يوم من حزيران على وقع الخطب النارية التي كانت تصرح بها إذاعات الأنظمة التي مفادها أن جيوشنا البواسل أسقطوا للعدو طائراته وأسروا جيشه وأن إسرائيل قاب قوسين أو أدنى من الانتحار على أسوار عكا وترمى الى الأبد في البحر لتستيقظ شعوبنا العربية المنتشية بالنصر عرب بلا جيش وفلسطين بلا قدس وسوريا بلا جولان وعلى إسرائيل ابتلعت كل الأحلام في ستة أيام , وانتظرت الشعوب انتحار حكامها أو اعتذارا واعتزالا للحكم وترك المجال لنخبة جديدة تضطلع بمسئولياتها وترد الشرف المهدور لكنها نفس الوجوه لازالت جاثمة على الصدور تتغنى بالسلام مثلما تغنت أمس بالحرب , كنا سنقبل بالهزيمة ولو على مضض وابقاءالحال على ما هو عليه منذ بهدلتهم التي يسمونها نكسة لو بقي العرب في حدودهم وفي عروشهم دون عقد اتفاق مع العدو على دماء وأشلاء الشعب الفلسطيني لكن أن تكون وجوه الذين قادونا إلى الهاوية بعد أربعون عاما بهذه الوقاحة فذلك هو العجب العجاب وتلك هي البهدلة الحقيقية التي لازال التاريخ المسكين حائرا في كيفية تسجيلها في مدوناته .
#محمد_دلومي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟