أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - إدريس ولد القابلة - مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة 3 - الليلة الأولى بمخفر الشرطة















المزيد.....

مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة 3 - الليلة الأولى بمخفر الشرطة


إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)


الحوار المتمدن-العدد: 589 - 2003 / 9 / 12 - 02:50
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


نقش على جدران الزنازين


 قضيت الليلة الأولى بمخفر الشرطة بالخميسات، بزنزانة ضيقة مظلمة ومبتلة على الدوام من جراء جريان صنبور معطل. في اليوم الموالي صباحا شاهدت من كوة باب الزنزانة أحد الجلادين، قصير القامة ذميم الوجه، ملامحه لا تبعث على الارتياح بتاتا، آتيا بحقيبتين...حبال. يلقي بمحتواهما على الأرض..حبال .أسلاك. ...قماش وسياط " العصبة " في ساحة المخفر على مرأى عيون ثلة من البشر، ضيوف كوميسارية الخميسات ذلك اليوم...أخرجوني من الزنزانة وأوقفوني في الصف الأول لمعاينة المنظر المرهب عندما هم الجلاد بمناداة أول ضحاياه.

 صفعة وركلة..." لا تريد أن تتكلم ...سوف ترى...آنذاك حضر أحد المفتشين...شاب أنيق..أظن أنه المنصوري حارس مرمى الاتحاد الزموري للخميسات آنذاك..اقترب مني قائلا للجلاد:" هذا لا، ارجعوه إلى السيلون ".

 وتابعت مشهد التعذيب من كوة باب الزنزانة الحديدي السميك...إنه كان آنذاك مشهدا يوميا لفرقة الاستنطاق بكوميسارية الخميسات. كانت خطة للترهيب والتخويف لا يفلت منها أحد، ما عدا القليل، أصحاب التدخلات والتدويرات. ما زالت عبارات الجلاد، قصير القامة ذميم الوجه، لاصقة بذاكرتي بالحرف الواحد:" الحفلة غادي تبدا..من الأحسن لي عندوا ما يقول خصوا يقولو وإلا غادي يرجع عندي باش نكرمو مزيان.."

 ...في حدود الساعة العاشرة من ذلك اليوم المشؤوم حضر أحد الضباط واقترب من الزنزانة وأمر الشرطي بفتح الباب...كبل يدي بالأصفاد ووضع عصابة سوداء على عيني وقادني إلى مكان لا أعلمه..إلى ذلك الحين يمكن وصف المعاملة التي عوملت بها بالقسوة والإهانة والدوس على الكرامة والسب السخيف وليس بالتعذيب رغم بعض الصفعات والدفعات هنا وهناك.

 علاوة على عصابة العينين ألبسوني جلبابا فضفاضا فأحكموا قبه" على رأسي ثم أودعوني بالمقعد الخلفي لسيارة بين شخصين ، فانطلقت مسرعة لا أعرف إلى أين؟


 بدأت تراودني أسئلة كثيرة. كيف وصلوا إلي ؟ عبر رفاق القنيطرة أو رفاق الرباط أو رفاق الدار البيضاء ؟..وإلى أين أنا منقاد؟ ....هل هو اعتقال أم اختطاف ؟

 


من " بيجي " القنيطرة إلى درب مولاي الشريف.


 أخرجوني من زنزانة مخفر الشرطة بالخميسات وألبسوني جلبابا صوفيا بعد أن عصبوا عيني وقيدوني، ثم أحكموا القب على رأسي وأودعوني سيارة صغيرة بين شخصين ضخمي البنية وكان عمري آنذاك 22 سنة.

 بعد مدة من السير ، بين الساعتين والساعتين والنصف توقفت السيارة وسمعت السائق يتكلم مع أحد المارة سائلا إياه عن " البيجي " في تلك اللحظة بالذات وصلت إلى أنفي رائحة مألوفة لدي، كنت أشمها منذ طفولتي ، إنها رائحة نهر سبو ، فعلمت أنني بالقنيطرة. قال السائق لذلك الشخص:
 " أجي ما تخافش..ابغينا نسولوك".

 لاشك أن ذلك الشخص تملكه الرعب عندما أبصرني بين الشخصين الضخمين مغطى الرأي لا أكاد أبان، ولا محالة أنه تعرف على راكبي السيارة وأيقن أنهم من أصحاب الحال،  لأن أغلب رجال الحال ببلادنا لاسيما آنذاك، كانت سيماهم على وجوههم، فهم لا يستطيعون إخفاء صفتهم رغم أنهم ينعتون بالبوليس السري.

 توقفت السيارة ولاحظت أن معاملة رجال الحال صارت أكثر خشونة..ربما كان أحد المسؤولين واقفا وأرادوا إظهار " حنة يدهم" وأنهم قائمون بالمطلوب وزيادة. كنا على عتبة مقر " البيجي " الكائن بشارع الاستقلال ، والذي هو حاليا بناية مخصصة لعيادة الدكتور السلجماسي وشقق للسكن، وهي مفارقة غريبة ....إن المكان الذي يستعمله الآن الدكتور للتخفيف عن آلام البشر كان بالأمس فضاء للتعذيب وإلحاق الأذى بهم...إنه مكان تلطخ أكثر من مرة بدماء المعتقلين في عهد الكوميسير الغنيمي والكوميسير الطرفاوي وزبانيتهما...وأشهر الجلادين آنذاك كان ملقبا " بالوحش" وكان لا يفقه إلا في التعذيب والرفس والركل...وقيل إنه كان مقاوما، وفعلا قاوم ضربا وتعذيبا وتنكيلا في المعتقلين الذين قضوا آنذاك مدة " بالبيجي" قبل نقلهم إلى درب مولاي الشريف...وإذا لم تخني الذاكرة فإنه كان ضمن فرقة الضابط جسوس آنذاك، وأجمع المعتقلون السياسيون، ضيوف " البيجي" على وصفه بالمتجهم النظرة تبدو عليه إمارات البغاء والغلظة.

 أدخلوني على الضابط جسوس وهو محاط بزبانيته ومن ضمنهم " الوحش"، كان الضابط النحيل بامتياز يبدو لي كأنه قطعة من الحجرة الصماء الباردة الملامح لولا " شطحات " " الوحش" الذي ينط هنا وهناك لينتهي به الأمر إلى قلع معطفه وشمر على ساعديه، وما هي إلا لحظة حتى دارت الأسئلة سريعة متلاحقة اسمك..سنك...مهنتك...عنوانك....سوابقك...اخلع الحزام ورابطة الحذاء...اقلع النظارة...اعترضت على خلع النظارة لأنها كانت بالنسبة لي ضرورية..فهجم علي " الوحش" لكما وصفعا قائلا:" هذا راسو سخون...إنه لا يدري ماذا ينتظره ؟

 لم أعد أذكر بالضبط المدة التي قضيتها ضيفا عند " البيجي «، لكنها كانت كلها حافلة بحصص التعذيب ولاسيما في القسط الأخير من الليل.

 وجاء اليوم الموعود...نادوا علينا في الصباح وأخرجونا إلى الساحة أمام الزنازين، كبلوا أيدينا وساقونا نحو سيارة، داخلها كان يجلس اثنان من " السيمي " قرب الباب الخلفي...كنا عشرة ونيف...عصبوا أعيينا وانطلق المحرك نحو المجهول...حالة سيئة من الخوف كانت تركبنا..كنا نجلس القرفصاء صفر الوجوه ناكسي الرؤوس.

 قبل أن يضعوا " البانضة " على عيني رأيت عناصر " السيمي " وهم ينظرون إلينا نظرة مليئة بالشفقة والرثاء العميق لأنهم كانوا يعلمون علم اليقين " أين نحن ذاهبون " ويعرفون حق المعرفة أن درب مولاي الشريف هو فضاء للعذاب والتنكيل، ولعل هذه آثار الشفقة في قلوب بعضهم رغم التظاهر بالتحجر الشديد والقسوة التي كانوا يتعاملون بها معنا.

 كنا مكدسين في السيارة كتلة واحدة يوحدنا الأم والإرهاب الشديد الموجه ضدنا..بعد برهة من الصمت ، عندما انطلقت السيارة نطق أحد  السيمي " لإلقاء التحذير الأول والأخير : من يفتح شفتيه بكلمة سيكون مصيره الضرب دون رحمة ولا شفقة .
 وبعد حوالي ساعتين ونيف من السير، انطلقت خلالها السيارة مخترقة مدينة القنيطرة ثم سلا فالرباط...تقف تارة وتسرع أخرى...لا محالة أن أناسا شاهدونا لكن دون أن يعلموا أن السيارة الموبوءة تحمل في جوفها منكوبين مختطفين مقتادين إلى حيث لا يدرون..لا هم ولا ذويهم.

 وقفت السيارة. في تلك اللحظة تجمد الزمن في ذهني من الخوف...أمرونا بالوقوف فلك أكد أسمع إلا صدى الخطوات وصوت الأصفاد التي تكبل الأيدي..نزلنا الواحد تلو الآخر ونحن نتعثر..صعدنا أدراجا معدودة وبمجرد ولوجنا الباب أوقفونا الواحد جنب الآخر ووجوهنا إلى الحائط..وبدأ الصراخ والسباب والأوامر والأوامر المضادة والتهديدات والوعيد...وصلنا إلى درب مولاي الشريف.




#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)       Driss_Ould_El_Kabla#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة الثانية - من الخميسات إلى ا ...
- نقش على جدران الزنازين مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة الأو ...
- - مجرد إطلالة على فكر الدكتور -المهدي المنجرة
- وقفات على أرض الواقع المغربي
- الفقر وما أدراك ما الفقر ببلادي !
- رأي في الحركات الإسلامية بالمغرب
- المواطنة و الديموقراطية
- المحاكمة العادلة المعايير المتعارف عليها دوليا
- الـصحـافـة وتـطـورهـا - لـمـحـة خـاطـفـة
- أمية الأمس ليست هي أمية اليوم
- وقفات على أرض الواقع المغربي
- إشكالية الماء في العالم
- العروبة و الإسلام
- تاريخ الإرهاب ضد الصحافة المغربية
- الثورة المعلوماتية و الاتصالية : تعميق الهوة بين التقدم و ال ...
- الجنس....المال ....العاطفة أساليب الموساد في تجنيد عملائها
- المقاطعة ….والمصالح الإسرائيلية ببلادنا
- منظومة الرواتب والأجور إلى متى هذا الحيف ؟
- العلاقات الإنسانية
- الإصـلاح الاقـتـصـادي ومـدلـولـه


المزيد.....




- الأونروا: النظام المدني في غزة دمر تماما
- عاصفة انتقادات إسرائيلية أمريكية للجنائية الدولية بعد مذكرتي ...
- غوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
- سلامي: قرار المحكمة الجنائية اعتبار قادة الاحتلال مجرمي حرب ...
- أزمة المياه تعمق معاناة النازحين بمدينة خان يونس
- جوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
- العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا بشكل رسمي
- مقرر أممي: قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت تاري ...
- جنوب السودان: سماع دوي إطلاق نار في جوبا وسط أنباء عن محاولة ...
- الأمم المتحدة تحذر من توقف إمدادات الغذاء في غزة


المزيد.....

- ١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران / جعفر الشمري
- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - إدريس ولد القابلة - مذكرات الاعتقال السياسي - الحلقة 3 - الليلة الأولى بمخفر الشرطة