أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - خالد سليمان القرعان - في صراعات القوى العظمى والاحادية النسبية















المزيد.....


في صراعات القوى العظمى والاحادية النسبية


خالد سليمان القرعان

الحوار المتمدن-العدد: 1937 - 2007 / 6 / 5 - 10:51
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    



القوة مثل الطبيعة تكره الفراغ، فهي في تاريخ العالم السياسي تبدو كالشخص الدائم السيطرة أو الساعي لتحقيق ذلك، إنها اليوم الولايات المتحدة، منذ قرن مضى كانت المملكة المتحدة، وقبل ذلك كانت فرنسا وأسبانيا، الخ.
المؤرخ التاريخي الألماني الشهير في القرن (19) (ليوبولد فون رانك) صاحب دراسة فن الحكم يصف التاريخ الحديث لأوروبا بأنه نضال متواصل من أجل السيادة، وهو الدور الذي من خلاله يمكن تحقيق التوازن فى هذا الصراع المتواصل.

تأثير الاقتصاد على الدبلوماسية يؤكد على مبدأ أن التاريخ عبارة عن صراع بين القوى المتنافسة. ففي أكثر أعماله مبيعاً سنة 1987 (صعود وهبوط القوى العظمى: التغيير الاقتصادي والصراع العسكري من سنة 1500 إلى سنة 2000) أكد بول كيندي المؤرخ بجامعة ييل أنه مثل كل الإمبراطوريات السابقة، فالقوتان العظمتان روسيا والولايات المتحدة تتعرضان ضمنياً للتوسع، ولكن أماكنهما ومراكزهما سوف تغتصب. وأكد أن صعود قوى أخرى مثل الصين واليابان لم يتعد أن تكونا قوى معوقة.

فى كتابه سنة 2001 (مأساة سياسات القوى العظمى) حدث أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو جون ميرشيمر وصف كيندي بأن القوى المنافسة فشلت فى المواجهة، فبعد بقاء التحدي الألماني والياباني أكد أن الولايات المتحدة عليها أن تجمع قواها لمواجهة صعود القوى الجديدة.
فصعود الصين يعد من أكبر المخاطر التقليدية على الولايات المتحدة فى مطلع القرن الحادي والعشرين، والولايات المتحدة لديها مصلحة أكيدة فى حدوث تباطؤ فى نمو الاقتصاد الصيني خلال السنوات القادمة، كما أن الصين لا تمثل بمفردها تهديداً للولايات المتحدة فالاتحاد الأوروبي يعد هو الآخر منافساً قوياً. القوة ليست احتكاراً طبيعياً فالنضال والصراع من أجل السيادة يعتبران عملية دائمة وعالمية، فالأحادية التي عرفت من خلال بعض المحللين عقب انهيار الاتحاد السوفيتي لا يعنى أنها أنهت هذا الصراع وذلك لسبب بسيط هو أن التاريخ يكره القوى المفرطة. فأجلاً أو عاجلاً فإن المتحدين سوف يظهرون وحتماً سنعود مرة أخرى لعالم متعدد الأقطاب والقوى.
وهذا ما نلحظه الان في سياسات بوتين الامنية بعد ان اعترض على سياسات البنتاغون الدفاعية في اوروبا

ولكن ماذا لو أن كل هذه النظريات خاطئة؟ ماذا لو أن العالم يتجه لفترة من انعدام الهيمنة؟ ماذا لو أنه بدلاً من توازن القوى أصبح هناك غياب للقوة؟
مثل هذه الحالة لم يعرفها التاريخ فعلى الرغم من أن المؤرخين فى الماضي كانوا مشتغلين بإنجازات القوى العظمى - سواء كانت حضارات، إمبراطوريات أو دولاً - إلا أنهم لم تكن لديهم نظرة متكاملة عن فترات غياب القوة.
بصراحة، خبرة العالم بالنسبة لفترات غياب القوة ليست مشجعة على الإطلاق، وأي فرد لا يحب الهيمنة الأمريكية لابد أن يضع فى اعتباره أنه بدلاً من عصر متعدد الأقطاب المتنافسة، فإن عصراً بلا قوة مهيمنة يعد هو البديل الحقيقي للهيمنة والسيادة الأمريكية.
المطالبون بالعرش

لماذا بزغ أو ظهر فراغ القوة مبكراً فى القرن الحادي والعشرين؟ الأسباب ليس من الصعب تخيلها:-
على الرغم من أن قوة الولايات المتحدة تبدو واضحة وخاصة فى النواحي الاقتصادية والثقافية والعسكرية، إلا أن الولايات المتحدة رغم ذلك تعانى من ثلاثة عوامل عجز هيكلية سوف تحد من استمرارها وتأثيرها والقيام بدورها الإمبريالي الظاهري في العالم.
- العامل الأول هو زيادة اعتماد الدولة على رؤوس الأموال الأجنبية وذلك لتمويل الزيادة المفرطة فى الاستهلاك الخاص والعام. فمن الصعب تذكر أي إمبراطورية سابقة استطاعت الاستمرار لمدة طويلة بعد أن اعتادت على الاعتماد على الخارج.
- العامل الثاني يتصل بمستويات الجنود والقوات، فالولايات المتحدة لديها إمكانيات بشرية هائلة، ولكنها رغم ذلك لا تستطيع أن تستغل ذلك الاستغلال الأمثل لتعزيز طموحاتها فى الهيمنة بإيجاد مستعمرات حقيقية. فى نفس الوقت فإن انتشار قواتها يتسم بالضعف وذلك نتيجة لتدخلها القوى والكبير فى أفغانستان والعراق.
- أخيراً: والأكثر خطورة هو أن الولايات المتحدة تعانى مما يمكن تسميته فى أحسن الأحوال عجزاً فى الاهتمام والإدراك، فمؤسساتها الجمهورية وعاداتها السياسية تصعب من إمكانية تأسيس إجماع طويل الأمد حول أحد مشروعات بناء الدولة. ومع استثناءات بسيطة، فمعظم تدخلات الولايات المتحدة فى القرن الماضي كانت قصيرة الأجل، فالقوات الأمريكية بقيت فى ألمانيا الغربية، اليابان، وكوريا الجنوبية لسنوات، ولم تبق طويلاً فى الفلبين والدومينكان. الاتجاه الحالي في الولايات المتحدة يؤكد أن الرأي العام ليس لديه استعداد للتضحية بالدماء والأموال فى المجال الخارجي أكثر مما حدث أثناء حرب فيتنام.

أوروبا القديمة أصبحت أكثر شيخوخة: أولئك الذين يحلمون بأن الاتحاد الأوروبي سوف يصبح قوة منافسة للقوة المفرطة للولايات المتحدة من المؤكد أنهم مازالوا فى ثبات. فالتأثير الذي أحدثه توسيع الاتحاد الأوروبي هذا العام لا يعد إنجازاً أو تقدماً، وكذلك توحيد العملة للدول الأثني عشرة الأوروبية بقدر ما هو تأثير ديموجرافي صادر حق الاتحاد الأوروبي في التأثير القوى والمهم على المستوى الدولي، فمعدل الخصوبة قد انخفض وزاد متوسط الأعمار. فمجتمعات أوروبا الغربية من الممكن فى أقل من 50 سنة أن تمثل متوسط الأعمار دون 40 سنة (معدل الإعالة) (عدد الأفراد دون سن العمل بالنسبة لعدد المواطنين العاملين) مما يعنى زيادة معدلات التقاعد، وبالفعل أوروبا القديمة سوف تكون أكثر شيخوخة.
والأوروبيون رغم ذلك يواجهون خياراً شديد القسوة، بين أمركة اقتصادهم من خلال فتح حدودهم لمزيد من الهجرات بما يصاحبها من التغيرات الثقافية، أو تحويل اتحادهم إلى مجتمع متصاعد، وهذا كله فى ظل رغبة الدول الأوروبية فى لعب دور هام وخاصة فى السياسة الأمنية والخارجية بشكل فردى.


المراقبون المتفائلون للصين يصرون على أن المعجزة الاقتصادية التي حدثت في العقد الماضي سوف تبقى، وأنه مع استمرار النمو الاقتصادي في الصين فإنه فى خلال 30 أو 40 سنة سوف يتفوق ويتجاوز الناتج المحلى الصيني نظيره في الولايات المتحدة.
ومع ذلك ليس من الواضح أن القواعد الطبيعية لظهور الأسواق تتوقف لمصلحة بكين أولاً التناقض الأساسي يظهر بين كل من اقتصاد السوق الحر القائم بصفة حتمية على الملكية الخاصة وحكم القانون، واحتكار الشيوعية للسلطة والتي ينتج عنها الفساد وعام وجود الشفافية المالية والنقدية والمؤسسية.
وكما هو شائع فيما يعرف باقتصاديات (النمور الأسيوية) فإن إنتاج تلك الدول يزيد عن الاستهلاك المحلى حيث يعتمد الاقتصاد بصورة أساسية على الصادرات.
بالفعل لا أحد يعلم المدى الحقيقي للمشكلة في القطاع المصرفي المحلى الصيني. وعلى البنوك الغربية التي تتجه لشراء الديون لإنشاء فروع لهم فى الصين عليهم جميعاً أن يتذكروا أن هذه الاستراتيجية قد تم تجريبها من قبل، فمنذ قرن مضى وفى فترة سياسة الباب المفتوح عندما تدخلت الولايات المتحدة والمصانع والشركات الأوروبية فى الصين وجدوا استثماراتهم قد تلاشت ما بين اضطراب الحرب والثورة.

أما الآن فهناك آمال بأن تتفوق التنمية فى الصين عما هو موجود فى الولايات المتحدة ولكن كل هذه الأماني قد انتهت فالأزمات المالية الصينية لها تأثير كبير على العالم خاصة بعد أن يدرك المستثمرون الأجانب فى الصين مدى الصعوبة فى سحب أموالهم وإعادتها لبلادهم.
والسؤال هنا بعد كل ذلك كيف يمكن للفرد أن يعيد بناء مصنع للصلب مثلاً؟
تجزئة الحضارة الإسلامية
فى المجتمعات الإسلامية هناك ارتفاع فى معدلات المواليد بما يعادل الضعف فى الدول الأوروبية، الدول الإسلامية فى شمال أفريقيا والشرق الأوسط لديهم تصميم قوى على الضغط على الولايات المتحدة وأوروبا.

فعلى سبيل المثال بحلول عام 2050 سوف يتجاوز عدد سكان اليمن نظيره فى روسيا (وذلك وفق توقعات الأمم المتحدة فى ظل معدلات الخصوبة).
وهناك حتماً إما تحسن كبير فى الأداء الاقتصادي لدول الشرق الأوسط أو هجرات كبيرة وقوية من العالم الإسلامى لأوروبا. ولكن هناك سياسة استعمارية ماكرة فى المدن الأوروبية خاصة فى مناطق مثل مرسيليا بفرنسا - حيث يسكن عدد كبير من سكان شمال أفريقيا، أحياء بأكملها وهو ما ينذر بوجود تهديد جديد لأوروبا (Eurabia).
وفى الحقيقة فإن العالم الإسلامى منقسم بدرجة كبيرة، فهو ليس انقساماً تقليدياً بين السنة والشيعة ولكنه انقسام بين المسلمين الراغبين فى تحقيق التعايش السلمي مع الغرب (الرغبة الجامحة لدى الحكومة التركية فى الانضمام للاتحاد الأوروبي)، وأولئك الذين يتسمون بالنزعة الثورية الإسلامية البلشفية مثل تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن.

استفتاءات الرأي العام من المغرب لباكستان تظهر وجود درجة عالية من العداء للولايات المتحدة ولكنه لا يصل لدرجة الإجماع. فى أوروبا هناك أقلية تعبر عن تعاطفها مع المنظمات الاسلامية . ونحن حتى الآن بعيدون عما يسمى بصراع الحضارات، وإن كانت قضية الخلافة الجديدة من الممكن أن تطرح مخاطر جيوبوليتيكية على الولايات المتحدة وحلفائها.
باختصار فإن كل أنماط الهيمنة التقليدية فى القرن الحادي والعشرين - الولايات المتحدة، أوروبا، والصين - يبدو أنها تحمل بداخلها بذور الضعف. ويبقى الإسلام لينشر القوة فى العالم وينقصه موارد القوة العظمى.

نفترض فى أسوأ السيناريوهات فشل المحافظين الجدد فى الولايات المتحدة فى مهمتهم فى العراق، وانتهاء مشروع إدارة بوش لنشر الديمقراطية فى الشرق الأوسط وانسحابه بطريقة مخزية، والتحول من إمبراطورية إلى نظام استعماري في أقل من عامين.
كما نفترض أيضاً عدم وجود قوى متنافسة لديها الطموح الكافي لملء الفراغ الناتج عن ذلك، ليس فقط فى العراق ولكن أيضاً فى أفغانستان، البلقان، وهايتي . والسؤال هو كيف يبدو مستقبل القطبية على هذا النحو؟
عرف التاريخ فترات قليلة جداً خلت من وجود قوة هادفة للقيام بدور عالمي أو على الأقل دور إقليمي مهيمن. ومن أقرب تلك الفترات فى التاريخ الحديث كانت فى العشرينيات عندما انسحبت الولايات المتحدة من مشروع الديمقراطية والأمن العالمي الذي اقترحه الرئيس ودروويلسون والذي كان متركزاً بالأساس على عصبة الأمم.
وقد كان هناك فراغ حقيقي في القوة في منطقة وسط وشرق أوروبا بعد انهيار أسرة رومانوف، هينربرج، هو هونزليرن، والإمبراطورية العثمانية ولكن لم يدم ذلك طويلاً. فلقد قامت الإمبراطوريات الغربية القديمة بإدارة بقايا الإمبراطورية العثمانية فى الشرق الأوسط، وقامت البلشفية الشيوعية بإعادة تجميع بقايا الإمبراطورية القيصرية بحلول عام 1922.

لابد على الفرد أن يعود أكثر للتاريخ لإيجاد فترة حقيقية تميزت بالقطبية، ويمكن أن نعود فى الحقيقة إلى القرنين التاسع والعاشر الميلاديين. فى هذه الحقبة تراجعت بقايا الإمبراطورية الرومانية - روما وبيزنطة - وانقسمت قيـادة الغــرب بين البابا الذي يتزعم العالـــم المسيحـي، وورثة شارلمـان (Charlemagne) والذي قسمت إمبراطوريته ذات العمر القصير بمقتضى اتفاقية فيدرين فى عام 843، ولم تظهر مطالب معقولة خلال تلك الفترة حتى الإمبراطور أوتو الذي توج عام 962.
ظهرت الخلافة العباسية التي أسسها أبو العباس عام 750 وقد فقدت هذه الخلافة ذروتها وقوتها بحلول عام 900 وانهارت فى منتصف القرن العاشر. فى الصين أيضاً تدهورت قوة الإمبراطورية بين أمراء وحكام تانج وسونج فكلتا الإمبراطوريتين كانت لهما عاصمتين رائعتين - بغداد وتسانج - ولكن لم يكن لأي منهما أي طموح للتوسع.

وقد أدى ضعف هذه الإمبراطوريات إلى السماح للتحالفات الصغيرة بالظهور. فعندما تحولت قبيلة فازار إلى اليهودية عام 740 قام أميرهم باحتلال منطقة أوراسيا الخالية الواقعة ما بين البحر الأسود وبحر قزوين. وفى كييف وبعيداً عن أيدي البيزنطيين قامت (أولجا) الوصية على العرش بتأسيس مستقبل الإمبراطورية الروسية عندما تحولت إلى الكنيسة الأرثوذوكسية عام 957.
أفريقيا أيضاً كانت لها إمبراطورية صغيرة فى غانا، أيضاً أمريكا الوسطى كانت تمتلك حضارة المايان. من هذا كله نجد أن الاتصال بين تلك التحالفات كان قليلاً أو غير موجود، ولذلك فهذا الوضع كان مناقضاً للعولمة. فقد كان هناك عالم يخضع لحضارات تتسم بالانطوائية والعزلة.
السمة الأساسية لهذا العصر كانت متمثلة فى عدم وجود سياسات علمانية حيث كانت التساؤلات الدينية تطرح العديد من الاضطرابات وبالفعل كانت المؤسسات الدينية تقوم بدور هام فى وضع الأجندة السياسية. ففي القرن الحادي عشر شعر البابا بالقدرة الكافية لقهر الإمبراطور الروماني هنرى الخامس وذلك أثناء المعركة التي كانت قائمة بينهم حول أحقية تعيين الأساقفة، وقد أدت التعاليم الكنسية الجديدة إلى تكوين قوة كبيرة للعالم المسيحي المتمثل في البابا، وهو أول أمر لتركيز السلطة الدينية فى يد البابا.

وقد كان هناك وضع شبيه بذلك فى العالم الإسلامى، ولعل هذا المناخ يفسر لنا لماذا انتهت هذه الفترة بظهور أول حرب دينية مقدسة عرفت بالحروب الصليبية. وقد شنت أول حملة عن طريق الكنيسة الأوروبية سنة 1095.
على الرغم من ذلك كانت مظاهر صدام الحضارات تلك مجرد مثال آخر على قابلية العالم نحو القطبية، حيث كانت هناك الهجمات والغارات العسكرية على المراكز الحضرية. فقد هاجم الفايكنج بصورة متكررة مدن غرب أوروبا فى القرن التاسع، نانت فى 842، وإشبلية فى 844.
أيضاً نهبت بيزنطة فى 860 من خلال غارات الروس، والتي شكلت النواة الأساسية لمستقبل روسيا، فهذه القبائل المتوحشة والعنيفة لم يكن لديها رحمة وكانت بمثابة البحر الثائر الذي يدمر كل شئ ولا يستثنى أي شئ. وقد كانت هذه الأوضاع أهم ما يميز العصر الفوضوي.
ومن المثير للدهشة أن المستقبل يمكن فى إقامة وحدات صغيرة سياسية تتمكن من الدفاع عن نفسها حيث نجد أن جمهورية فينسيا أو بريطانيا العظمى (عصر ألفريد) تعد أول أشكال الدولة فى تاريخ أوروبا حيث وجدت سنة 866.


يمكن للفرد أن يتخيل انعزال وانسحاب الأطراف المؤسسة للقوة فى العالم - الولايات المتحدة، الصين، أوروبا - عن القيام بدورهم المؤثر فى المجال الإقليمي ولكن ماذا عن نمو مطالب القوى والهياكل التي أسست تحت قيادة الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية؟
مثل الأمم المتحدة، صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، فكل قوة من هذه القوى تعتبر نفسها بمثابة كيان وتجمع، فهل طموح هذه القوى لإيجاد وتمثيل حكومة دولية يختلف بصورة أساسية عن روح العصور المظلمة.

فكل الإمبراطوريات التي ادعت قدرتها على القيام بدور عالمي ومحوري لم تفلح فى القيام بذلك. إن تغيير القوة والسلطة بصورة تصاعدية لصالح المؤسسات الدولية وبصورة تنازلية ضد هيمنة الدولة، وسيطرتها على وسائل العنف، وانهيار قدرتها على التحكم فى وسائل الاتصال أدى إلى دخول البشرية لعصر يمكن وصفه بأنه نهاية لعصر التكامل.

أن التدفق الحر للمعلومات ووسائل الإنتاج يزيد ويقوى المؤسسات فوق القومية أو متعددة الجنسيات والمنظمات غير الحكومية، فإن حرية تدفق التكنولوجيا المدمرة يقوى كلاً من المنظمات الإجرامية والخلايا الإرهابية واجهزة النظم العربية المستبدة . هذه النظم من الممكن أن تحدث أثراً كبيراً وتظهر أينما تريد من هامبورج إلى غزة. وبالتناقض مع إرادة المجتمع الدولي
سنجد إمبراطوريات ضعيفة ومحاولات لإحياء الأديان، وهذا بالطبع يقدم لنا خبرة العصور المظلمة حيث العالم بدون قوة موحدة ومهيمنة ومسيطرة، والمشكلة هنا بالطبع أن هذا العصر المظلم يعد أكثر خطورة من العصور المظلمة فى القرن التاسع.

حيث هناك زيادة فى عدد السكان - 20 مرة أكثر - فالتكنولوجيا تلعب دوراً فى نقل أو زيادة الإنتاج. فالمجتمعات فى الوقت الحاضر تعتمد ليس فقط على الماء العذب أو النقى والمحاصيل، ولكن أيضاً تهتم بأشياء أخرى مثل إمدادات الوقود والتي من المعروف أنها محدودة. أيضاً التكنولوجيا لها دور مدمر، ولهذا فالآن من الممكن ليس فقط نهب المدينة ولكن محوها وطمسها نهائياً.
منذ عقدين من الزمان استطاعت العولمة - تكامل العالم فى إطار الأسواق والمنتجات والعمال ورؤوس الأموال - أن ترفع من مستويات المعيشة فى العالم فيما عدا الدول التي انعزلت عن هذه العملية من خلال الاستبداد الموجود فى النظم الحاكمة أو من خلال الحروب الأهلية.
إن مقاومة أو القضاء على العولمة - العصر المظلم الجديد - من الممكن أن يؤدى إلى الحصار الاقتصادي أو الكساد، فالولايات المتحدة الأمريكية مثلاً حاولت أن تحمى نفسها بعد أحداث 11 سبتمبر المدمرة، وقد ظهر ذلك فى بعض المدن الأمريكية مثل هيوستن أو شيكاغو حيث تحولت إلى مجتمع أقل انفتاحاً أو أقل استقبالاً للأجانب الراغبين فى العمل والزيارة وإتمام بعض الأعمال. الإسلاميون والمتسللون من الاتحاد الأوروبي أصبحوا أمراً واقعاً حيث يقوموا بنقل التوترات عبر الأطلسي حول الشرق الأوسط إلى هذه المنطقة. أما بالنسبة للصين فإن الانهيار الاقتصادي بها سوف يدفع بالنظام الشيوعي إلى أزمة مما يؤدى إلى هروب المستثمرين الأجانب، حتى لا يغامروا بأموالهم.

من أسوأ الآثار المترتبة على العصر المظلم تتمثل فى ضعف القوى الكبرى، فالموانئ الكبيرة والغنية المعروفة فى الاقتصاد العالمي - من نيويورك إلى روتردام إلى شنغهاى - سوف تصبح هدفاً لعمليات السلب والقرصنة. مع سهولة قيام الإرهابيين بإرباك حرية البحار، واستهداف ناقلات البترول، وحاملات الطائرات وخطوط الملاحة. بينما تركز الدول الغربية بطريقة مهووسة على تأمين مطاراتها، وفى نفس الوقت سوف تحدث الحروب النووية المحدودة آثاراً مدمرة تبدأ من شبه الجزيرة الكورية وحتى كشمير وربما تنتهي بصورة مدمرة فى الشرق الأوسط أيضاً فى ظل هذا العصر سوف تعانى أفريقيا من الأمراض الوبائية كالطاعون والملاريا، أما فى أمريكا اللاتينية فسوف يجد المواطنون الفقراء اليائسون عزاءهم فى تعاليم المسيحية القادمة من الولايات المتحدة.


ولهذه الأسباب فإن مبدأ عدم القطبية فى العالم لابد أن يبعث فينا الخوف أكثر مما يبعثه الخوف فى ورثه شارلمان، بمعنى أن مبدأ عدم القطبية الآن وما يدور حوله من تساؤلات ربما يحمل بداخله، مخاطر وصعوبات أكثر من التي كانت موجودة فى العصور الماضية.
ولذلك فإن انسحاب الولايات المتحدة من القيام بدورها لا يعنى أننا سندخل فى عصر من التعددية المتجانسة، أو حتى العودة إلى عصر توازن القوى الجيد. فلابد أن تحذر وتتمهل فيما ترغب فيه، فبديل الأحادية ليس التعددية على الإطلاق. إن عدم القطبية سيؤدى إلى وجود فراغ عالمي في السلطة. وسوف تستفيد قوى جديدة أكثر خطورة من القوى العظمى المتنافسة، من هذا الانعدام فى النظام العالمي غير الجديد على الإطلاق مثل دول اقليم الشرق الاوسط ، الدولة العبرية ، نظام الاستبداد في الاردن ولبنان ومصر وكذلك تركيا أي ما يمكن تسميته بالمحور الدائري لامريكا .



#خالد_سليمان_القرعان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرب الامريكية في العراق والتحول السياسي
- الولايات المتحدة الامريكية وتعزيزاتها العسكرية في العراق وال ...
- استراتيجية الولايات المتحدة والقرن الافريقي
- معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية
- فرسان مالطا الى أين
- البعد الامني بين الاتحاد الاوروبي وأمريكا
- دور ايران في الخطر الاقليمي على المنطقة العربية
- الصراعات الايدولوجية والتوجه الامريكي من اجل السيطرة على الع ...
- مدخل ودراسة موضوعية : في حرب الولايات المتحدة الامريكية على ...
- دولة أسرائيل الى أين
- استراتيجية عربية وفقا لقرارات قمة بيروت العربية العاتية
- لماذا تتمسك أمريكا بالعراق
- مبادرات عربية غير لازمة
- الصراع العربي الامريكي والاتجاه الفكري
- مدخل ودراسة في الحضارة العربية الاسلامية
- جزيرة هيكل وصهينة الاسلام
- بين الاستعمار الغربي والاستعمار الحديث
- الادارة الامريكية وخيارات الانظمة العربية المجاورة للعراق
- - المرتكز العقائدي في منطلقات الاستراتيجية الاسلاميه
- الملكية والعقد الأجتماعي في الفكر السياسي


المزيد.....




- دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك ...
- مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
- بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن ...
- ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
- بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
- لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
- المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة ...
- بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
- مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن ...
- إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - خالد سليمان القرعان - في صراعات القوى العظمى والاحادية النسبية