فدوى أحمد التكموتي
شاعرة و كاتبة
الحوار المتمدن-العدد: 1934 - 2007 / 6 / 2 - 10:17
المحور:
الادب والفن
سخطي على الحياة , لعنتي على المادة , ثورتي على ذاتي , على مولدي , على وجودي , على كل شيء يرتبط بي , ماذا لو أن المادة انصهرت في الروح ؟ ماذا لو أن المادة كانت روحا هي الأخرى ؟ ماذا لو أ، المادة رفضت أن تكون مادة ؟ ماذا وماذا وماذا ؟ ؟ ؟
ألا يوجد تقييم لأي مخلوق في الوجود إلا عن طريق المادة , اللعنة عليها , هي السبب في كل شيء رذئ قي هذا الوجود , أبحث عن السرمدي , عن المثل , فلم أجد شيئا غير المادة , ولما وجدت نورا ضئيلا آتيا من فضاء بعيد عن الوجود , أمسكته بنواجدي ولما اقترب وبدأ يظهر كنور ساطع , ظهرت المادة الملازمة لهذه الحياة اللعينة , فانقلب النور إلى نار , أحرقت الوجود كله , رغم أنه شعلة قنبلة تنفجر في وجه أي مخلوق في الوجود وفي أي لحظة , سخطي على المادة أكثر من أي سخط عرفه الوجود , حتى أن إلاه النيل عند المصريين القدامى , وإلاه الشمس عند البابليين , وإلاه عشروت عند اليونانيين , وحتى إلاه المخلوقات التي تدين بثلاث ديانات * اليهودية , المسيحية , الإسلام * لما لعن الخالق إبليس كانت لعنته لأنه رفض السجود لأدم , حتى هذه اللعنة أسخرها لكل شيء مادي , وماعدا الله أن أكون قد تساويت والخالق , لكني ألعن المادة , ألعن المادة , ألعن المادة , هي السبب في كل شيء , هي السبب في عدم وجود الأخلاق , هي السبب في عدم وجود الفضيلة , هي السبب في عدم وجود المحبة الروحية , هي السبب في عدم وجود الإنسانية , لو كانت المادة بجميع مقاييسها وبجميع صنوفها وتلاوينها لمحوتها من الوجود , بدءا من مادتي * جسدي * إلى المواد الأخرى , آه لو تدري أيتها الحياة كم أكره المادة , آه لو تدري يا زمن أنني لو كانت لي الجرأة لتخلصت من المادة , آه يا عقلي لو لم أكن أخاف من العقاب السرمدي لكنت سحقت أول مادة وهي جسدي , أكل شيء في هذا الوجود يقاس بالمادة ؟ أكل شيء لكي يتحقق لابد من المادة ؟ هل المادة مقرونة بالوجود وبالموجود ؟ لست أدري .... فتالله مجروحة هذه المادة لما صرخت وقالت :
ممذبوح القلب جراحه
لكمات الزمان حياته
ضربة تروح وأخرى تأتي
من رصاصة قنص الحياة ناره
يتلذذ بالدم المسفوح في عروقه
وكأنه ليث زمانه في غاباته
آه , من لوعة الحب الضائع
ومن عطش سنين العمر التائه
صرخات مدفونة في أجواف ذاته
وقولة الآهات ... تعيش في أكنافه
تحيى ... وتعيش ... وتثور ...
في حنايا نفسه
وكلما قال كفى لا أريد هذه الحياة
كان القدر صفعة توقده ...
من سطور كتبها في كلمات
لو تدري يا نفسي ... لو أن الأمر بيدي
ما كنت أتيت لهذه الحياة
كنت اخترت العدم
رغم أني أحس وأعيش في العدم
أسفي على حياتي كلها ندم
وكلمات الآهات مكونات ذاتي
تترجى ... وتتوسل ...
العدم ... العدم ...
ليتني كنت عدم
في المادة كنت عدم
وفي الروح كنت عدم
جبان أنا والموت كنت داركه
خوفا من السرمدي عقابه
تلاشت الدنيا وحساباتها معي
واندثرت ذاتي وانكسر قلبي قي
آه , ثم آه , ثم آه لو تدري يا نفسي
تمنيت لو أن القدر عجل نهايتي
كنت حينها سعدت بمولدي
في العالم السرمدي
بكيت حتى الجفون ثارت
والدموع انخارت وجفت
وعيني انتفخت وانغلقت
فقالوا كفى ...هذا لن يجدي يا فتى
إذا كنت والموت مدرك
فلا تتعجل فربما يأتي اليوم أو غدا
لكن عليك أن تكون أقوى
من ضربات الزمن ... هذا الأفعى
لسعاته سم هالك
ولكنك بإرادتك جعلته
تحدي مقنع
لنفسك ولذاتك
وللزمن وضارباته
كم تمنيت أن يطول الليل وأنام
وحتى النوم ليس لي وليس ملكي
أرق يلازمني
سهر يحادثني
وغضب يسكنني
آه , لو تدري يا ذاتي
لو كان الأمر بيدي
لاخترت نهايتي
فيا قدر عجل موتي
هذا ما قاله المحب , الباحث عن الحب السرمدي , في عالم الماديات , بعد بحثه القوي والدائم عن المحبوب , وجده , وأخيرا وجده , أمله , وحلمه في درب مليء بالتناقضات , أخذه من أرض الواقع وحلق به إلى أسمى علو في فضاء الوجود , ملأ حياته , رأى ذاته في ذاته , ولم يعرف الحب طريقا إلا هو , كم تردد في إصدار الحكم النهائي على مشاعره و التي تأرجحت بين الخيال والواقع , وبين الوهم والطموح للقا ئه , جعله يكسر قيد البحث ويصرخ ويقول , وجدته , وأخيرا وجدته , كانا المحبان في عالم الماديات لم يصدقا أمرهما , حلقت بهما سفينة الحب إلى العالم السرمدي , حيث كل شيء هناك جميل , وهادئ , وهادف , وصادق .... وفردوس الخيال يجمعهما , انخارت قواهما , تلاحمت عواطفهما , وصرخ كلماتهما في الحب السرمدي , انغلقت جميع أبواب الحياة , وعاشا في لحظات تسمو عن الحياة , فقال الباحث عن الهوى المندثر , أريدك هكذا , بدون أي شيء , ولا يهمني كل من وما يوجد في الدنيا , رد عليه الباحث الآخر عن الهوى الحلم , آه , لو كنت تأتي في زمن مضى لكانت أشياء غيرت مسرى حياتي , أيقظت في نقسي شبح الشباب , فيا ليتك لم توقظه , أجابه المحب , حب الروح أبقى من حب الجسد , وما الشباب إلا شباب النفس ورقعتها , والقلب وما حوى , والعقل وما صفى , والروح وما تحيى , أعرف أنك تقاوم هذا الحب الذي أستيقظ بيننا ولم نكن نعد له حسبانا يتلى على أرقة الحياة الدنيا , أجابه المحب الآخر وهو يتأوه بآهات الزمن القاسي , كفى تعذيب نفسك ونفسي , فرد عليه بعنف , بل كفى من قسوة هذا الزمان , لم يعرف الحب اليوم غلا حب الجسد , أما معك أنت فحبك حب الروح , يتألم المحب الآخر من شدة لوعة حبه , قاوم ثم قاوم لكنه انهار في النهاية , فصرخ وقال : لم أكن أنا البارح ولم أكن أنا اليوم , شخص آخر امتلكني , نعم أحببتك بجنون , لكن ... لو تدري ما انا عليه ... حبك جعلني أسكن عشا في واقعي وقصرا ومفتاحه بين يديك , حبك جعل ليلي نهار دائم , وجعل نهاري سؤل-ال حائر , حبك نار أحرقت ذاتي أحرقتني وأحرقتك ... أنت قمر مضيء للحياة , وأنا الحياة أكلت مني ثلاث أرباعها , ماذا تنتظر وتنتظر , قال له : ما من أحد منا صنع هذا الهوى , وليس لأحد منا يد في نسجه حتى أصبح قميصا يجمعنا , أحبك وما عرفت الحب إلا من صمتك الذي كنت أسمعه , وتنهيد آهاتك وأنت تتردد , وصرخة أطلقتها وأنت مالك إرادتك قلتها أحبك ثم أحبك , لا تقول هذا , فأنا أحببتك .... رجع السكون بينهما وكأن القدر الذي جمعهما قي نسج قميص الهوى هو ذاته الذي يصنع الآن خيوط فراقهما , فجأة قال المحب الآخر , آه لو تدري , لو كنت تأتي في الزمن الماضي لكان ... لقد أكل الدهر حياتي , ولدي آلاف الكلمات والكلمات تنتظرني وتترقب مني الكثير الكثير , بنات أفكاري تسيطر علي , فأنا لست ملك نفسي , إني ملك الكلمات والأفكار , أرجوك وأتوسل إليك , ارحم ضعفي أمامك بكل المقاييس , ارحم حياتي وما أكل الدهر مني , ارحمني ... ومن قال لك لأن الدهر لم يأكل حياتي أنا أيضا , إذا كان الرازي وابن سيتا ضليعان في الطب والرياضيات , فكانا عليهما لأن يقوما بحساب عمري الذي كان قبل ولادتي وولادة من وضعتني حتى أتيت إلى هذا الوجود , عفوا , ما الدهر سوى آكل أناسه , من أول نطفة إلى آخر قطرة صرخة يتلفظها المخلوق في نهايته , وكم لي من الكلمات وبنات أفكاري تسيطر علي , وتهزني هزا , وتضربني كالإعصار بين دفوف التناقضات ومع ذلك فأنا ملك نفسي , رغم أني لست ملكها وحدها , لأرجوك , وأتوسل إليك , أن ترحم ضعفي , ضعفي في حبي لك , وترحم حياتي التي ما عرفت الحب إلا وأنت صانعه لها , ملكت الفؤاد وما حوى , وكل خلية من دمي تقول لك كفى , كفاني من غدر الزمان لي ... ارحمني ارحمني يا حب عمري يا حياتي ...
ربما نكون غير المحبين الآخرين , نكون حبا آخر , نكون حبا أبويا أرفع من أي حب في الوجود , نعم أحببتك , حب الروح قبل الجسد , أحببتك الحب الطبيعي الذي يجمع المرأة بالرجل , ولكن هذا لن يجدي فأنا أحبك الآن حب الأبوة , فما أرفعها ...
أحبك حب الأخ لأخته التي يصونها من الشوائب , وحب الرجل الشهم الرفيع المضحي المثالي في عالم تلاشت فيه المثاليات , وأحبك حب الحبيب للحبيب الذي طمح وحلم في إيجاد الحب , ويترقب الحبيب في أي مكان حل وارتحل , وأحبك حب العاشق للعاشق عندما تمتزج ذواتهما وتلتحم عواطفهما وتذوب في بحر الهوى , فلا يستطيع أحدا منهما أن ينسلخ عن الآخر , وأحبك حب الزوج لزوجه , لامتلاك الروح والجسد معا , فلماذا إذن هذا العذاب , عذاب لي ولك , تحرمني من حبك وتحرم نفسك من حبك لي , يا أيها الزمان كفاك قسوة علينا , أنا وحب عمري الذي ما عرفت في حياتي إلا حبه هو وحده ولن يكون لغيره ...
أتوسلك وأترجاك أن نبقى على حب الأبوة , أرجوك ... ارحم نفسك ونفسي ... ارحم عذابنا ... ارحم حياتنا ... فما بقيت في حياتي أكثر مما ذهب ... ارحمني ...
لك ما أردت يا حب عمري , وأوافقك في كل شيء قلته وطلبته مني , ولن أناقشك أو أجادلك فيه , لكني أترجاك وهذا آخر رجائي وطلبي أن تظل مظلة تبادل بنات الأفكار بيننا ... ولا تنقطع لأن بها موتي ونهايتي وانهياري , وسخطي على وجودي برمته .... ونزلت الدموع لكلا المحبين العاشقين اللذان جمعهما القدر بدون ميعاد وهو ذاته فرقهما ....
مقاومة عنيفة بين كلا المحبين , أخرجهما القدر هو ذاته الذي جمعهما بين أكناف العالم السرمدي إلى أن فرقهما إلى عالم الواقع , هذا الزمن الذي جمعهما يا لمفارقته هو ذاته يفرق بينهما ولكن الحب الذي بينهما مطلق أبدي سرمدي بوجودهما , ولكن لا يمكن الجزم نهائيا في هذا الحكم , فهو قابل للطعن لدى محكمة نقض الزمن .... فمتى إذن ينظر في القضية ... ومتى يصدر حكمه فيها ...
والبقية تأتي ... مع الزمن
يتبع
ملحوظة : القصة لم تنته بعد , وأبطالها أمام مجلس النقض الآن , فانتظروا مني , متى قام قاضي الزمن و أصدر حكمه , وهيئة دفاعهما , سهر و أرق الليالي , والدموع السيالة على جدران قصص الهوى المندثر , والحب الروحي قبل الجسد ,وهيئة الدفاع العام * الزمن* , انتظروني فالقصة ما زالت لم ينظر في أمرها من طرف مجلس النقض * الزمن*.
#فدوى_أحمد_التكموتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟