ابراهيم جابر ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 1935 - 2007 / 6 / 3 - 06:41
المحور:
الادب والفن
العمر في النهاية ليس أكثر من غرفة انتظار ; قد تكون أكبر... أصغر... أضيق.. مما يشتهي الجالسون ; لكن منطق الإقامة في هذه الغرفة ; المنطق الذي تم التراضي عليه قبل دخولها ; هو أن واحدا منا سيخرج في كل لحظة، بل إن سربين منتظمين سيبقيان يتقابلان على العتبة ; اؤلئك الذين يندفعون داخلين وهم يتضاحكون ويضجون بالعنفوان الصبي.... واؤلئك الذين يُجرّون من ياقاتهم الى خارج المبنى بالكامل !
في كل عام ثمة يوم يدعو للبهجة ; حين أتذكر كيف حظيت بالدخول الى هنا، كيف ظفرت بالفرصة النادرة !
لكن اليوم ذاته يثير القلق !! فهو يذكرني بالاتفاقية التي ارتضيتها ; سأخرج حتماً لأتيح لمشتركٍ جديد الانخراط في لعبة البهجة !
تراودني أحياناً رغبة عارمة، أو هو حُلمٌ شَجّي : أن أكتشف عِليّة خفيّة في سقف الغرفة تستطيع أن تخفيني.. !
لطالما أحببت حلمي هذا، وبقيت أحدق في تفاصيله،وفي السقف الأزرق الرائق، مُتعجّباً : هل من المعقول أن هذه الغرفة الهائلة الأرجاء جداً ستعدم الحيلة لو أرادت أن تستضيفني لسنوات أخرى ؟
واحتجت وقتاً طويلاً لكي أفهم : الحلم الشجيّ يراود كل سكان الغرفة، والسقف الأزرق كان نهباً لملايين العيون التي تُقلّبه بفزع ; بحثاً عن عِليّة خفيّة !
أنهض في الصباح منهك المخيلة ; ذلك أني شقيت في الليلة الماضية : كنتُ أرتب دَرجاً في الخيال.. أو أقترح جبالاً بعيدة... أو أني ابتنيت بيتاً ذا لون مخاتل، المهم في المسألة ان أرتب حيلةً مناسبة للهروب من الغرفة عند تفقد الأعمار !!
في العاشرة : كنتُ أنام وأترك عمري مرمياً باهمال ( مع حذاء الرياضة المهترىء) عند باب البيت، ما كنتُ أخشى عليه !
في العشرين : أتذكر كنتُ أغار من حكمة يدعيها الاربعينيون، ومن الأمراض المهمة، ومن تجاعيد الرقبة، التي كانت تميز أساتذة الجامعة فتجلب اهتمام الطالبات !
في الخامسة والعشرين : صرتُ أريد أن أكون أكثر تجهماً ; يلزمني بعض الشيب إذاً، وبعض الصرامة، ما زال لدي الكثير من الوقت !
في الثلاثين : تحديداً في اليوم الأول مباشرة بعد الثلاثين، توجّستُ !!
في الخامسة والثلاثين : كنتُ تأكدتُ خلال السنوات الخمس الماضية أن أمراً ما يُبيّت ضدي !!
الأربعين : تفتح كفّيك مستسلماً للريح... ها إني أدور في الغرفة كالفراشة المفزوعة ; ولا شمعةٌ خفيفة الضوء أُحمّلها دمي!.
#ابراهيم_جابر_ابراهيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟