فدوى أحمد التكموتي
شاعرة و كاتبة
الحوار المتمدن-العدد: 1932 - 2007 / 5 / 31 - 09:59
المحور:
الادب والفن
رعشة يد ثائرة , ودمعة عين مختفية سائحة , ورجفة فؤاد صارخة , تلازمني عندما يكون الغضب صديقي و رفيقي , وكأنني وهالمت ظلان , وإيليا وذاتي متسائلان عن الوجود , ونزار وقلبي عشيقان يبحثان عن الحب الأسطوري , والحكيم وقلمي سخريتي للحياة لكاتب مسرحيتها وممثلها ومخرجها , وشوقي وشعري المنثور حينا وذو القافية والبحر حينا آخر يبحثان عن الشطر الواحد تلو الواحد في القصيد , وعبد الوهاب وأغنية النجوى هزت وتهز فؤادي , ورعشة يدي , ودمعة عيني , تبحث عن السرمدي في بلاد الوجود المقدر , هكذا كتبت لما انتهيت من قصة * الدعوة مفتوحة * , راودتني فكرة جنونية , بل كنت كذلك لما استدعيت عظماء الأدب العربي إلى بيتي بل إلى غرفتي , هاته الغرفة , ملجئي , وحدتي , غربتي , داخل نفسي , باحثة عن شيء ضائع ربما يكون الزمن الجميل ... أو الأدب الرفيع ... أو ربما يكون بحثا عن نفسي داخل نفسي , الآن وأنا أكتب هذه السطور , وقلمي الحبر بيدي كأني أريد كسره بكثرة ما استحضرتني بنات أفكاري في اللجوء إلى الزمن الجميل والتوسل به , وأغاني العشق المندثر , سلاسة الأسلوب , وجمالية التصوير الشعري الفني , مع تناغم آلات السجع والبديع والطباق في كلمات جبران , أو حتى في تساؤلات فلسفية وجودية لإيليا .... أبحث عن ماذا ؟! لا أدري ؟!, استيقظت فكرة كانت تحت أنقاض رف من رفوف مكتبتي عن الحياة * الهوى والعشق * بين أطلال الماضي , وبين رقصات صراع أطباق الفضائيات , متسائلة أيكون الماضي ماض بكل شيء مضى , وأن الحاضر حاضر بكل شيء دنى , أم الذي يبحث عنه كأن عليه أن يفتش على أصداف الشعر القديم في بحر الحياة المنسية , أم أن يلازمه الصمت ... أم يرض بواقع كسر هموم العشاق باللهو والمجون ... هكذا جاءت الفكرة ... بدأت أتفحص بين رفوف مكتبتي , آخذة حينا المعلقات العشر , وحينا ديوان الشوقيات , وحينا آخر دواوين نزار , لا أدري عن ماذا أبحث, ربما فكرة تأتيني عندما أتفحص هذه الكتب , وتأتي بعدها المقدمة تنسال من الجسد وتخرج كالروح لتعلو إلى بارئها , لا أدري عن ماذا أبحث ,حتى وجدتني آخذة قلمي الحبر الأسود بين يدي وبدأ يكتب :
كانت جميلة
كانت رائعة
ولكنني أنتظر ما أريد , وأنت تعلمين ما هو لي ولن أنتظر طويلا , أحتاجك حورية تسبح في مياه المحيطات ... فأنا لن أتغير ... هذا أنا ... ولكن معك إن لي لون آخر , مميز وخاص بي , لقد فضحت ما بداخلي وقلبي لك , وهذا ما لم أفعله مع أحد , عجبا , لا أعلم ما أكتب , وما أفعله الآن , ولماذا هذا مني ...؟!
لقد أحببتها ... صانتني... أوفت لي ... كانت لي ... كانت حرة ... كانت مغرية ... كانت حلما ... ولكن هذا الحلم مات ومنذ ذلك الوقت وأنا أحتقر النساء جميعا ... لقد أصبت بمرض الحسد ولا أدري كيف أشفى منه ... هذا بعد موت إيفا ...
أنا من قتلها ... ولكن كيف... بسبب حبي لها ... وبكل غباء قتلتها ...
عجبا لماذا أنت
لماذا أنت
لا بل اريد
وماذا أريد لا أعلم
ربما إيفا اخرى
إمرأة اخرى
حب حقيقي آخر
لا أدري
وكأنني أرى هذه التساؤلات المبهمة , الحائرة , التائهة , والمصرة على عدم التغيير , تبحث عن شيء , ربما عن قصة جديدة , مثيرة , جريئة , وربما من لا يأخذ كله لا يترك جله , وربما عشق عنقود حبة زمرد في الفضاء يراد الوصول إليها وبعد أخذها ترمى في سلة المهملات ... وربما تغيير لما هو روتيني ممل في الحياة ... وربما البحث عن الذات ... لا أدري ...
لما كانت إيفا هذه المرأة التي ذكرتني بحب الحكيم , الفرنسية , الرشيقة , المثيرة , الخفيفة الظل , الشقراء البشرة , أحبها الحكيم وبكثرة حبه لها لم يصلها , ولم تنسج خيوط الحياة اللقاء المستمر معها , هي الأخرى ماتت , ومنذ ذلك الوقت والحكيم عازف عن حب إمرأة , أي كانت ... أدخلها في محراب حبه وأغلق جميع الأبواب عليها , وحتى طقوس عبادة الذات كانت له شيء آخر ... هكذا كانت إيفا للحكيم , عندما وصل إلى باريس واكترى غرفة في فندق بسيط , ومن ثم عرفها , ولم يعرف سواها من النسوة , هكذا كانت إيفا ... تشاركه الهموم ... تقاسمه الأفكار ... وتنسج معه موسيقى أغاني باتريسيا ... كانت ملهمته في جميع ما كتب في فرنسا ... لكن أكانت إيفا هي نفسها التي صانت حلمها ... أكانت هي الراوية لعطش نهر انخارت مياهه في أجواف التراب ... أكانت ملهمة ذاك العاشق في نسج رحيق العمر وبلورته وإخراجه للوجود ... أكانت طبيعية الطبع ... أكانت جميلة أم تتجمل... لا أدري ....
قتلها ... ولكن كيف ... بسبب حبه لها قتلها ... وبكل غباء قتلها ...
هكذا قالها العاشق في عالم الفضائيات , الحائر , المتسائل , أتسائل ألدرجة الحب الأقصى يقتل الحبيب الحبيب , ربما للغيرة , وربما لسوء تصرف أو كلمة تلفظ بها يقتل المحب الحبيب , ربما يكون الجواب في ثنايا نفسه , وربما في عشقه لحبة زمرد في الفضاء الذي رأى فيها تعويضا لحبه الضائع , ولكن أيكون هذا الحب والعشق الأخير لهذه الزمردة فقط تعويضا لا أقل ولا أكثر , حينها قال :
لا بل أريد ...!
وماذا أريد لا أعلم ...!
استحضرني هنا تساؤل إيليا عن الوجود وعن الموجود , يتساءل هل الوجود سابق عن الموجود , ونظرية الجبر والاختيار عند الأشاعرة والمعتزلة التي تساءلت هل الموجودات مسيرة أم مخيرة ... ؟! وماذا تريد هذه الموجودات ... ؟! هذا السؤال كذلك تائه لم أجد له جواب في بنات أفكاري ...
ربما إيفا أخرى
إمرأة أخرى
حب حقيقي آخر
لا أدري ...!
ساقتني هذه الكلمات إلى جبران حينما أحب المرأة بكلما فيها من ضعف ... من قوة ... من إثارة ... من جرأة ... من انكسار ... من انهزام ... من ثورة ... من غضب ... من تمرد ... من حب جنوني ... حينما أحبت سلمى كرامة فتى ابن صديق والدها حبا جنونيا لم تشأ يد القدر أن تجمعهما إلا أن الشرائع البشرية التي تتخذ ترجمانا للوجود جمعتها مع من يسكب بعطاياه لوالدها بالمال والذهب , وكأنها بضاعة في سوق نخاسة البشر الفوز بها لمن يدفع أكثر,بنت هذه الشرائع بأيدي عبيد الحياة حاجزا مانعا بينها وبين حبيبها , فكانت النهاية موت سلمى بين أحضان ابنها الجنين الذي ما صار طفلا حتى صار ترابا , هنا دفنت قصتها وحبيبها , الذي رفضت شرائع الوجود الجمع بينهما في الحياة , مترقبة الالتحام المطلق والكلي بين ذواتهما وروحيهما في ما بعد الحياة.
وكأنني بهذه الكلمات أرى نزار يتجول هنا وهناك باحثا عن جوابا لهذه الأسئلة الشاردة , الضائعة , التائهة , لهذا العاشق , الدائم التساؤل , والباحث عن الجواب , فأرسل له قصيدة نسج لها خيوطها في أروقة دواخل الذات العاشقة المتسائلة والباحثة الجواب عنها في قصيدة * قارئة الفنجان * , لتقول له :
فحبيبة قلبك يا ... ولدي
نائمة في قصر مرصود
والقصر كبير يا ولدي
وكلاب تحرسه ... وجنود
مقدورك ... أن تمشي أبدا
في الحب ... على حد الخنجر
وتظل وحيدا كالأصداف
وتظل حزينا كالصفصاف
مقدورك أن تمضي أبدا
في بحر الحب بغير قلوع
وتحب ... ملايين المرات ...
وترجع كالملك المخلوع ....
هنا شعرت بحاجة إليها ... إيفا
بكيت غيظا ... ولكن أين هي ... لقد ذهبت دون أن تترك لي أملا للقائها ...
أيكون البحث عن المرأة العشيقة والحبيبة والزوجة والصديقة محير لهذه الدرجة , أيكون البحث عن الحب الحقيقي السامي , السرمدي تائها في أغصان شجر الخيزران وسط فضائيات تهز العالم كله , أيكون هذا كله بحث عن الذات وسط الذات نفسها , أم أنه سراب وحلم ووهم ....
هنا شعرت بك ... كيف لا أعلم ...
وكأن ريحا جاءت زحزحتني من مكاني رافعة بي إلى عالم الخلود , في الوجود ولاوجود , أحسست أني و الشعور ظلي, قطب يجرني إلى عالم المشاعر والأحاسيس الجميلة , وأغاني العشق المندثر في عالم الماديات والانسلاخ منه إلى عالم الروحانيات , حيث تجري ... أحلامي في غيها تمضي ... إلى حيث البعيد البعيد ... وقطب يجرني إلى واقعية العالم المادي ويحذرني من أخذ أقراص النوم , حيث الأرق زائري في كل ليلة من ليالي حياتي , إلى عالم الدماء في البصرة ... وبغداد ...وقرارات مجلس الأمن ... ودار فور ... كل هذا لا أعلم له جوابا ... لكني قلت مع ذاتي :
الحب في ذاتي
والعشق من مكوناتي
والبحث عن الحبيب السرمدي ... حلمي
والوصول إليه ... طموحي
بكيت غيظا ... على وجودي
وأسفي على مجيئي للحياة
لو سألوني وخيروني
.... عن الحياة ...
لقلت واخترت
أن أكون عدما
ولكن القدر تدخل
وقال ... ولادتك كتبت ...
... على جدران الحياة ...
ونزلت ... وأنا غاضبة
وقلت مادمت ... هنا ...
... في الحياة ...
لابد أن أكون شيئا ...
في لا شيء ....
والحب في دربي ...
والعشق للحبيب السرمدي ...
مطلبي ...
والبحث عنه ... استكمال وجودي
لكني أبقى مع ذلك ...
رهينة بكبريائي
فهل يا ترى كل التساؤلات التي أوردها فكري لها جواب في عالم أرفض أن أكون منتمية إليه , ويا ليتنى كنت و عنترة العبسي وابن الملوح عصري , كل هذا كان في لحظة تأمل مع الذات , في غرفتي مع ذاتي .
#فدوى_أحمد_التكموتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟