نبال شمس
الحوار المتمدن-العدد: 1932 - 2007 / 5 / 31 - 10:04
المحور:
الادب والفن
اليها: هي, مكملتي, توحدي ودائرتي
الطريق طويل, والطابق السابع ما زال بعيدا, لكن النور الخارجي يلفني. والخلاص اقرب من نفسي المرمية خلف جسدي البعيد.
وصلت بعد رحلة عناء, وصلنا بعد وعثاء السفر. ووصلت لأجد نفسي في قوقعة كبيره حالكة السواد. وكل شيء بعيد, ابعد من نظراتي ألمسحوقه, والخلاص الذي بلغته ما هو سوى حلم وردي, اثمل عقلي وفصل روحي عني جسديا.
وعدت أدراجي أسير كالأعمى الذي يرى, ورجعت إلى غربتي سالا ً نفسي خلف الظلام. وعدت أنظر نظرة المحروم إلى الأمل البعيد والخلاص الأبعد من الشمس, والكمال الذي أردت بلوغه. هذا حلمي باختصار, حلمي البسيط الذي رأيته مرارا في ليلي وتوحدي.
حاجتي للبكاء كبيرة وحاجتي لامي أكبر, حاجتي للكلام الذي لا أجيده كحاجة ارض الخريف للمطر.الأشواك تكبر أمامي وتتشابك كشبكة صياد, فهل سأعبر الشوك وأعبر محنتي؟ حتى العودة أصبحت صعبة, فالهواء المحنى بدمائي ستأتي من خلاله الغربان لترتشف من أحمره.
أصارع طوق الشوك والألم , أصارع كل شيء وعيون دانا حولي , والدماء تقطر من فمي , فصدقوا عندما قالوا أني مخلوق عديم التمييز بين الخطر وخطورته.
صراع مؤلم داخل طوق الشوك, ألم أقل أن صراعاتي كلها صراعات وانهزام؟ أصارع الحلم وأصارع الواقع , أصارع الشوك وأنا هنا في حجرتي الباردة, أكتب روايتي عن نفسي المغموسة بالألم , أشم رائحة التوحد بين ستائر الغرفة, لكني متوحد ومنعزل ومغلق ولا أحدى يستطيع فهمي, تماما مثلي, ذلك الذي لا يستطيع فهم نفسه. حاولت الاستنجاد بعيون دانا المحلقة فوقي , لكن كيف ستساعدني عيونها المحلقة في الأعلى؟ ماذا ستقدم لي بعد أن قررت ترك روحي وترك تلك الفصائل التي أنا منها؟ فكم أريد أن أكون أنسانا عاديا لساعة واحدة, فهل لي أن أمارس ما أريد لساعة واحدة فقط؟
لماذا الروح التي أريدها قاطنة في الطابق السابع؟ أنا أعرف أن الآلاف من الأطفال ولدوا هناك لكني الوحيد خرجت محملا بنفس تختلف اختلافا كليا عن النفوس العادية.
هكذا كانت ولادتي طوق شوك وأسوار عالية, فصراعي مع الأشواك هو إصرار على الصمود, فهل للأشواك الحق أن تنبت حول جهاتي الست وتميت هذا الجسد؟
دوائر دانا من كلس ورصاص, ودائرتي من شوك. دانا تستطيع رسم ذئب وتصوير العالم بلونه وأنيابه, وأنا أستطيع فقط أن ارقب دانا وهي ترسم وحيدة ومتوحدة. هدوءها يشبه هدوئي وتوحدها يشبه توحدي .
دانا يا دانا
نفسي يا نفسي
عمري يا عمري
يا توحدي ودائرتي
مناجاتي وصمتي
يا عيون دانا
وصرخات دانا
هل أنت حقا مثلي؟
هل يوجد من هم مثلي؟
دانا أذكرك لأنك مكملتي
أذكرك لأني أحبك
سأكون دائرة من دوائرك
وستكونين لي طوقا آخر
دعي ذئبك يكسر حلقاتنا
ودعيني أتوحد فيك وبك
فنحن بارعان
بالتوحد ورسم الدوائر.
كيف سأعبّر لك عن حبي, وكيف ستعبّرين أنت, فالعالم قاس يا عمري قاس لا يفهم مرضنا, لا يفهم الإنسان الذي في داخلنا, نحن ولدنا لنبقى كيف ولدنا, فلا تقلقي من سخريتهم ، ليس ثمةَ من أحدٍ يخلدنا في كتاب أو على ورقة سوى أمهاتنا المجروحات والمصدومات بولادتنا, سوى أمهاتنا الجميلات القلقات من أجلنا. أمهاتنا يا دانا اللواتي يفهمن قسوة العالم علينا وكيف سيحاربن ذلك العالم. أمهاتنا الباكيات, المسّلمات والمتأملات في نفوسنا.
آه يا دانا
يا وجه القمر غير
المكتمل
يا وجه القمر المنسي
يا عمري ويا قلبي
يا حاجتي للهواء كحاجتي لك
آه يا دانا ما أقسى عذاب الواقع وما أقسى وقع ولادتي على أهلي, وما أقسى ما نمر به... ألم أقل لك أن حياتي صراعات كحياتك أنت.
هل ترينني الآن عابرا إلى عيونك المفتوحة, انتظريني ودوائرك في الطابق السابع, سوف ترينني متجسدا روحا أريدها, وسأخرجك من عالمك وسجنك, وسأطرد الإنسان الذي في داخلك.
هل تذكرين يا قلبي عندما لعبتنا المرشدة لعبة التمييز البصري,, فأستهوتك الأشكال المعقدة وغير المفهومة, وأنا استهوتني الأشكال الهندسية فهل تفهمين ذلك؟
أذكر ضحكتك العالية وإشاراتك غير المفهومة, صراخك وبسمتك وفرحتك, كأنك وجدت شيئا ثمينا غاليا ونحن لا نعرف قيمة الأشياء.
أشواكي ذكرتني بأشكالك المعقدة, لأنها تعبيرٌ عن ذاتك المبهمة , تعبيرٌ عن أناي وأنآك الذي لا بد أن يتحرر يوما.
أشكالك المبهمة يا دانا ذكرتني بورطتي وصراعاتي التي تشبه صراعاتك, هل حياتنا ستبقى أطواقا ً ؟ هل حياتنا ستبقى دوائرَ مغلقة ؟
هل سيأتي يوم ٌ ونغرس فيه الياسمين وننثر عبيره في العالم؟ حتى أحلامنا البسيطة مطوقه يا دانا, مطوقه يا حبيبتي مطوقه كعتمة الغرفة بين الحيطان.
هل ترين الدرج العالي؟ هل أنت معي على الدرج الآن؟هل سنصل للطابق السابع؟ فهل هذا الدرج يؤدي للطابق السابع؟هل ترين دمائي تسيل عليه وطبعات أقدامي على أرض المكان. إنها حيفا يا دانا. حيفا الحدائق وحيفا البحر والميناء فهل أحدثك عن حيفا وشوارعها؟ هل أحدثك عن الطريق المؤدية للعيادات والأخصائيين, هذا ما استطيع أن أحدثك عنه يا دانا, فحديثي عن الازهار صعب, وحديثي عن الحب يحبس داخلي, وأنت من يراه يا دانا يا وجه القمر والأقمار. تلك الشوارع التي عبرتها أنا وأمي مرارا, نبحث عن حبة سحرية تشفيني وتعيدني بشراً سويا ً , تلك الشوارع التي صرخت فيها وعلى أرصفتها عندما كانت تجتاحني الثورات, ثورات الغضب.تلك الشوارع التي حاولت أمي بها أن تغريني مرارا خلال عبورنا فيها بلعبة أو علبة ألوان أو كراسة رسم ، لكني يا وجه القمر لا اعرف قيمة الألعاب وقيمة الألوان. في تلك الشوارع كنت أرى عيون أمي المتعبة, أثناء قيادتها للسيارة, شاردة وسارحة ومفكرة, أحيانا كنت أراها سعيدة لأسباب لم تذكرها لي, لكني لا أتذكر منها شيئا, فتفكيري أثناء رحلتي الأسبوعية في تلك الشوارع, كان كبقية العودة إلى البيت.
آه من حيفا وجمال حيفا وقباحة حيفا, أريد أن أحدثك يا قلبي عن حقب جميلة مررت بها, لكني لا أجيد الحديث عن الجمال وعن الحب وعن الازهار, أريد أن أحدثك عن حديقة التماثيل والكرمل الفرنسي وقبة عباس, لكني أراها دوائر من هواء وعيون أناس غرباء وأجساد مارة. أريدُ أن أحدثك عن أحراش الكرمل التي لم تجذبني أبدا, فالأحراش يراها الناس جميله, وأنا أراها مخيفة ومظلمة. أريد أن أحدثك عن البناء الكبير بناء الجامعة, لكنه كان يرعبني يا دانا, كنت أراه يوميا يسقط من على سفح الكرمل.
آه من الأشياء ومن الأطواق ومن الألم ومن الذكريات. أما زلت هنا بجانبي؟ أما زالت عيونك وشفتاك معي؟ ضحكتك وصرختك وأقلامك وشهقتك وذئابك يا حلوة ليست بحلوة. أنظري إلى قطرات دمي التي هي أيضا حلقات حمراء على الأرض, حلقات متوحدة فيها روح الوحدة. حلقات متكورة كدموع أمي وأمالها المطوقة بأني سأشفى يوما ما وأكون عاديا مثلها ومثل والدي ومثل باقي الأطفال.
خرجت قبل قليل من رحم الشوك يا دانا, بعد صراعات عنيفة وساعات طويلة هناك, ففي لحظات معينة أردت البقاء هناك وفي لحظات أخرى أردت الخروج, فدمائي التي نزفت هي كينونتي, فلو بقيت ربما كنت عاديا يا وجه القمر والأقمار. هل يولد الإنسان من شوك أم يولد من رحم امرأة, وأنا يا دانا ولدت من رحم امرأة جميله ومتكاملة, فكيف جمعت الطبيعة بين رحمها وبين الشوك؟ هل الرحم الذي يلد طفلا متوحدا يعود ليلد أطفالا عاديين؟ لكنها الطبيعة يا حبيبتي, الطبيعة التي هي أنثى مثلك, ومثل أمي ومثل أمك. الطبيعة التي تحمل القبح والجمال, والسكون والثورات. الحياة والموت. الطبيعة هي امرأة تحمل التناقضات. تلد الثلج الأبيض كرضيع غافٍ وتلد العاصفة كثورات غضبي وغضبك... صرخاتك وصرخاتي. الطبيعة التي تلد الشوك والتي تلد الزهر.الطبيعة هي امرأة ذات رحم يتسع للعالم كله.
يا الهي..
هل نحن من شوك وهم من زهر؟
هل نحن من قبح وهم من جمال؟
أعرف يا حبي أن من القبح تولد حاجتنا للجمال, ومن الشوك تولد حاجتنا للزهر. افرحي يا دانا افرحي يا نور الكون الناقص, فنحن نواة الجمال ونواة الزهر.
#نبال_شمس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟