|
لو كان اصبعي اسلامياً لعالجته *
حسن حمود الفرطوسي
الحوار المتمدن-العدد: 1930 - 2007 / 5 / 29 - 12:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بعد نصف قرن من الخراب المتواصل في العراق، لا بدّ من ايجاد علاج جديد لمداواة الأورام، لابدّ من فلسفة اخرى غير فلسفة البتر التي اكتسحت عقود سنواتنا الماضية حيث استشرى فيها سلوك البتر والاقصاء والتكفير .. لقد قام البعثيون بتجريم ما سواهم وبقرار رسمي مما سميّ بمجلس قيادة الثورة في بدايات الثمانينات، كما سبق وان أقدم الاسلاميون على تكفير سواهم من خلال الفتوى الشهيرة للمرجع الديني السيد محسن الحكيم " الشيوعية كفر والحاد " وكذلك المقولة الشهيرة للسيد محمد باقر الصدر " لو كان اصبعي بعثياً لقطعته " اذن فثقافة التكفير كانت هي الثقافة الرائجة والفلسفة الوحيدة المعمول بها من قبل جميع الكيانات السياسية التي كانت هي اقطاب الصراع على مدى سنوات طويلة دون ان تتعلم من العالم الية جديدة لفض تلك النزاعات . وبعد أكثر من اربع سنوات على ازالة نظام لا يعرف سوى اقصاء الآخر، فقد استأنف هذا " الآخر " والذي كان بالأمس في الضد من ممارسات النظام السابق القمعية، نفس سلوكيته ونفس ممارساته رغم وجود العامل الغربي أو الامريكي تحديداً على اعتباره عرّاب النموذج السياسي الحديث . ما الذي يحدث اليوم في العراق ؟ وما طبيعة هذا الصراع الدموي، هل هو صراع طائفي ؟ أم هو صراع سياسي ؟ ام صراع اجتماعي ؟ أم هي مؤامرة دبرها الاعداء ؟ ومن هم الأعداء ؟ للاجابة على هذه التساؤلات ولكي تكتشف ما يدور فانك تشعر بالحاجة الى أن ترتدي ناظوراً ليلياً، رغم وضوح المشهد العراقي بشكل فاضح . الذي يجري هو أن ثمة مقتول وثمة قاتل، أما المقتول وهذ ما يعرفه القاصي والداني، فهو شارع المتنبي وجسر الصرافية وسوق الشورجة وبائع الخضار والمتسوّق وصاحب المطعم وصاحب المقهى وسائق سيارة الاجرة والى آخر القائمة من المواطنين العزّل الأبرياء وهم خليط من الناحية الدينية والمذهبية . أما القاتل ( .... ) وهذا ما يحجم الكثير عن الاشارة اليه وتسميته بشكل واضح وصريح، لأن الاشارة الواضحة والافصاح عن ماهية القاتل تشكّل تهديداً خطيراً، بل تشكّل نسفاً لقدسية مزيفة تبرقعت بها حركات الاسلام السياسي لزمن طويل . فالحقيقة هي ان القاتل اما ان يكون تابعاً لأحد فصائل الاسلام السياسي السني " القاعدة ومشتقاتها من جيش عمر وجيش محمد والجيش الاسلامي وتنظيم دولة العراق الاسلامية وكتائب ثورة العشرين وجيش المجاهدين ومجلس شورى المجاهدين وهيئة علماء المسلمين وبقايا البعثيين السنة الخ ... " وغالباً ما يكون ارهاب ورصاص هذه الفصائل متوجهاً نحو المواطن الشيعي الاعزل البرئ " بائع الخضار وصاحب المقهى او المطعم او المكتبة الخ .. " أو أن يكون القاتل تابعاً الى أحد فصائل الاسلام السياسي الشيعي " جيش المهدي وقوات بدر وحزب الفضيلة وحزب الله وثأر الله وبقية الله وجند السماء الى آخر القائمة من جيوش الغيب والسماء بالاضافة الى بقايا البعثيين الشيعة " وغالباً ما يتوجه ارهاب ورصاص هذه الجيوش باتجاه المواطن السني الاعزل البرئ " بائع الخضار وصاحب المقهى والمطعم والمكتبة " ايضاً . ولم يحصل لحد هذه اللحظة أي اقتتال فيما بين تلك القوتين على الاطلاق وهذه هي استراتيجية الحفاظ على النوع وديمومة البقاء والتكاثر . هذا يعني اننا لو تأملنا المشهد بشكل حاذق وأشرنا الى ما يجري بشكل منصف وصادق وفق هذه المعادلة الواضحة والبسيطة، سنكتشف بان ليس هناك حرب طائفية بين شيعة وسنة أو بين عرب وكورد أو بين مسلمين ومسيحيين على الاطلاق . بل هناك قتل مجاني وحرب غير متكافئة بين قوى الاسلام السياسي " الشيعي والسني " من جهة وبين ابرياء عزّل من شيعة وسنة وبقية مكونات الشعب العراقي من جهة اخرى . هذه هي الحقيقة التي تجري على الأرض والتي لا يريد ان يعترف بها الكثير من العراقيين سواء كانوا مواطنين او سياسيين وحتى بعض المثقفين والكتاب الذين اصابتهم حمى التستّر الطائفي وتحولوا الى شهود زور ضد انفسهم . ولو عدنا الى الوراء قليلاً، أي الى أواخر الخمسينات من القرن الماضي وهي فترة انبثاق تيارات الاسلام السياسي على نحو عملي والخروج من الاطر النظرية التي اسس لها سيد قطب وابو الاعلى المودودي ونواب صفوي وغيرهم ، نجد أن ما يحصل اليوم من خراب ودمار يجعلنا نفهم سرّ تردد الامام ابو القاسم الخوئي وعدم قبوله بالطرح القائل بأن " آية الشورى " دليل على وجوب اقامة الحكم الاسلامي الذي طرحه عليه السيد محمد باقر الصدر .. حيث يذكر الكاتب الاسلامي صلاح الخرسان في كتابه " حزب الدعوة الاسلامية ، حقائق ووثائق، في الصفحة 96 عن لسان محمد باقر الصدر نفسه : ( يقول السيد محمد باقر الصدر : ذهبت الى السيد الخوئي وشرحت له وضع المجتمع وضرورة وجود دولة اسلامية وقلت له بغير وجود حزب منظم يتبنى مذهب اهل البيت ( ع ) ويعرض الاسلام الحقيقي الذي اتى به الرسول ( ص ) ، بغير هذا لا يمكن اقامة الدولة ، فاستبشر السيد الخوئي بذلك وقال : هذا هو الذي يجب أن يكون . وعندما ذكرت له _ والقول للسيد الصدر _ بأننا شكلنا هذا الحزب، فرح للغاية . بعد ذلك عرضت عليه الاسس وطلبت منه ابداء ملاحظاته عليها فاستلمها ووعد بذلك . وبعد اطلاع السيد الخوئي على الاسس ناقشها معه في جلسة اخرى ، فكانت له العديد من الملاحظات عليها من اهمها عدم قبوله بدلالة آية الشورى على الحكم الاسلامي وكذلك اشكاله على ما يتعلّق بموضوع المرتد الفطري والمرتد الملّي . حيث جاء في الاسس ان توبة المرتد الفطري تقبل في زمن الشبهة ، وهذا خلاف رأي باقي العلماء الذين كانوا يرون ان توبة المرتد الفطري لا تقبل وتقبل توبة المرتد الملّي الذي يسلم ثم يرتد ثم يسلم ، يقول السيد الصدر : فبدأت اناقش السيد الخوئي في اشكاله وكان النقاش ينصب حول ( الحاد الشيوعيين ) وهؤلاء حسب العرف السائد مرتدون فطريون لذا فلو اقمنا الدولة الاسلامية هل نعتقلهم، واذا شهد عليهم الشهود بالردة هل نقيم عليهم الحد ونقتلهم ، الحل غير عملي ( ( والكلام لا يزال للسيد الصدر ) ، بعد ذلك أخذ النقاش بين السيدين منحى فقهياً خلص فيه السيد الصدر الى اعتبار هذا الزمن زمن شبهة ( بالاصطلاح الفقهي ) فيما اذا اقيمت الدولة الاسلامية وبذلك تقبل توبة المرتد الفطري ، فوافق السيد الخوئي السيد الصدر فيما ذهب اليه من حكم شرعي ) وهنا لابدّ من الاشارة الى أن موافقة السيد الخوئي التي ذكرت في نهاية هذا النص هي على ما ذهب اليه السيد محمد باقر الصدر بقبول توبة المرتد الفطري في زمن الشبهة فقط وهي موافقة على مسألة فقهية وحسب وليس موافقة على أن دلالة آية الشورى توجب اقامة الحكم الاسلامي، فالامام الخوئي كان يدرك تماماً مدى خطورة هذا التوجه ويعلم أكثر من غيره بمدى الخراب الذي سيخلفه العمل الحزبي الذي يسعى الى تسييس الدين وجعله وسيلة لهدم الحياة بدل ان يكون وسيلة لبناء روح ووجدان الانسان، لذلك فقد سرّب بصمت وبحكمة عالية الى تلميذه المتحمس علامات عدم سرورة بهذا التوجة . والدليل على ذلك هو أن السيد محمد باقر الصدر نفسه قد تخلى فيما بعد عن هذا الطرح، بل انسحب من العمل الحزبي برمته كما يذكر الكاتب الخرسان في الصفحة 115 من نفس الكتاب : ( وبعد أن تعذر على السيد محمد باقر الصدر حلّ الاشكال الفقهي الذي اعتراه حول دلالة آية الشورى ، قطع الشك باليقين وقرر الانسحاب من حزب الدعوة الذي كان له دور اساسي في تأسيسه وشكّل أحد اعمدته الرئيسة ) الا أن كل تلك الحكمة ومراجعة الذات لم تنفع في كبح جماح تلك التيارات التي سرعان ما بدأت تتوالد وتتكاثر وتتنوع بشكل مرعب وانتشرت كالنار في الهشيم حتى وصل الامر الى ما وصل اليه العراق اليوم وما وصلت اليه المنطقة كلها، حتى اصيح العالم اجمع يقف عاجزاً امام هذا الخراب المتلاحق والمتصاعد وليس بوسعه ايقافه او الحد منه، بل ان المثير للسخرية هو ان حزب الدعوة نفسه وهو على سدة الحكم الآن يقف حائراً ازاء كل ذلك الكم من التيارات والظواهر التي خرجت من تحت معطفه . فما الذي يمكننا ان نفعله ؟ وما هو الحل ؟ هذا هو السؤال المحيّر الذي يطرح في كل يوم وفي كل حديث . ليس هنالك طرف أوحد يمتلك بيده مفتاح الحل، بل هناك ثلاثة اطراف لو اتفقوا على اجندة موحدة سيكون بامكانهم تخليص العراقيين من هذا الجحيم وهذه الاطراف هي، الوجود العسكري الامريكي كطرف اول حيث يقوم يتفعّيل حربه على القاعدة وكل الفصائل المنضوية معها في خانة الارهاب بشكل حقيقي .. والمؤسسة الدينية الشيعية كطرف ثان _ اقصد المؤسسة الدينية وليس الاحزاب الشيعية _ بحيث تقوم هذه المؤسسة بدعوة الناس بشكل واضح وصريح الى التخلي عن قوى الاسلام السياسي والتحزب الديني على اعتباره من اهم اسباب الخراب، أما الطرف الثالث فهو الحكومة العراقية التي عليها أن تمدّ الجسور مع القوى الوطنية الفاعلة والبناءة التي ستفرزها _ حتماً _ مرحلة التحرك العام والتوجه الاصلاحي . ولكن هذه الاطراف الثلاثة مبتلاة بعلل تمنعها من الاقدام على هذا الحل، فالطرف الامريكي مكبل باطماعه وأهداف سرية وعلاقات مشبوهة مع شركات نفط كبرى وشركات حماية ومخططات لا يعرفها حتى الشيطان نفسه، أما الطرف الثاني _ المؤسسة الدينية _ فهي مكبلة بضعوط الاجندة الثورية الايرانية والتي ستقف حائلا بكل تأكيد دون تنفيذ دورها الذي اشرنا اليه سالفاً . أما الطرف الثالث، أي الحكومة العراقية فهي مكبلة كذلك بالاحزاب والمليشيات والتكتلات الاسلامية التي هي جزء من المشكلة والتي لا يمكن ان تكون حلاً لها . اذن هناك ازدواجية في الخطاب لدى هذه الاطراف الثلاثة، هناك خطاب معلن يدعو الى الحوار والتسامح والسلم وفي داخله خطاب آخر يكبله بقوة ويمنعه من تنفيذ خطابه السلمي على ارض الواقع . ومن أجل تحرير الخطاب الأول من سطوة وتعسف الخطاب الثاني لم يبق امامنا سوى الحلول التي قد يظنها البعض بأنها حلول فنطازية، لكنها حتى لو كانت كذلك فانها ستنسجم - حتماً - مع وضع فنطازي كالذي يمر به العراق وهو الاعتماد على الطرف الأضعف في المعادلة وهو طرف النخب الثقافية والوطنية والليبرالية المستقلة في تبنّي عملية اصلاح ثقافي ممنهج تعتمد الحوار وتقبل الآخر وترسيخ سياسة المعالجات المنطقية والعملية بعيداً عن الحلول الثأرية والرعونة الطائفية والحزبية . ولابد من السعي الى تأسيس التجمعات والورش والملتقيات الثقافية، على النحو الذي أقامته النخب الثقافية العراقية مؤخرا في تأسيس المجلس العراقي للثقافة .. فالى الأمام يا ثقافة الحوار الحقيقي وغير المبطنة بخطاب مناقض .
كلمة اسلامي تعني المتحزب الى الاسلام السياسي وليس المسلم .. وعذرا على التنويه على شئ بديهي جدا
27- 5-2007
#حسن_حمود_الفرطوسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القديس المشاكس يقيم الصلاة على تخوم مدنه المقدسة
-
هوب ، هوب، طسّه .. صولاغ نايم بالقصر، ما ينسمع حسّه
-
دعوة مبكرة للتخلّي عن الهيكليات العسكرية الدينية
-
الرئيس الطالباني والفنان راسم الجميلي .. ماراثونات علي شيش
-
المشعل ... و 14 تموز المجيدة ... وصندوق ابي
-
نصل السكّين
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|