منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي أصبحت العولمة، كمفهوم وتوجه جديد للرأسمالية، مثار نقاشٍ وخلافٍ بين الباحثين والمحللين. فكل ظاهرةٍ جديدة تخلق في بداية انطلاقها مثل هذا الخلاف في النظرة والموقف. فقد أثارت الإمبريالية، كمرحلة من تطور الرأسمالية، في بداية انطلاقها الكثير من التساؤلات والمواقف في بداية القرن العشرين. وقد دفعت البشرية في حربين عالميتين والعديد من الحروب المحلية( نتاج تحول الرأسمالية إلى المرحلة الإمبريالية) أكثر من 100 مليون من أبنائها على مذبح اقتسام العالم من قبل طغم رأس المال ومحاولة الخروج من أزماته لكي تعي حجم الكارثة التي ولدها تحول الرأسمالية إلى المرحلة الإمبريالية.
تأتي العولمة مرحلةً جديدةً من الرأسمالية ترمي من خلالها المراكز الرأسمالية إلى استكمال الهيمنة الاقتصادية، والسياسية، والثقافية على العالم، وهي تأتي كحاجة للتراكم والتمركز الكبير لرأس المال من جهة. وخروج من الأزمة التي تضرب المراكز الرأسمالية، ومنها بشكل خاص المركز القائد للرأسمالية في واشنطن من جهة أخرى، مستغلةً الخلل في التوازنات الدولية الذي سبّبه انهيار الأنظمة التي كانت قائمةً في الاتحاد السوفييتي وبلدان أوروبا الشرقية.
إن الجانب الاقتصادي في العولمة الرأسمالية، والمتمّثل في مذهب الليبرالية الجديدة المتوحشة، هو الذراع الضارب في العولمة. هذا المذهب القائم على أسس فتح الأسواق والحدود أمام حركة رأس المال بحرية كاملة وخارج أي رقابة من قبل الدولة، وتحجيم القطاع العام، ونشر الخصخصة، وإنهاء دور الدولة في تقديم الخدمات لمواطنيها.
وتلعب المؤسسات الرأسمالية الدولية والمسيطر عليها من قبل المراكز الرأسمالية والشركات المتعددة الجنسيات (صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة النجارة العالمية) دور الأداة في تحقيق مذهب الليبرالية الجديدة وفرضها على جميع شعوب ودول العالم، وهذا ما يجعل الدول النامية خاضعة إلى قرارات سياسية أكثر منها اقتصاديةً تتخذها هذه المؤسسات.
كما أن النزعات العسكرية والحرب وتقزيم الديمقراطية وتدمير المكتسبات التي حققتها الشعوب في القرن الماضي والنزوع نحو العنصرية والفاشية..الخ أصبحت من الملامح الملازمة للعولمة الرأسمالية المتوحشة.
إن عقداً من السنوات على انطلاقة العولمة الرأسمالية وما سبّبته من خراب ومآسٍ ليس للطبقات العاملة والمفقَرة والمهَّمشة بل لشعوب ودول يجعلنا نعتقد أن البشرية لن تحتاج إلى دفع الضريبة التي تم دفعها إبان صعود الإمبريالية حتى تكتشف حجم المآسي والويلات التي يمكن إن يسببها هجوم الرأسمالية المعولمة إن لم يتم كبحها وإن لم يتم مواجهة الرأسمالية كنظام أصبح يهدد الوجود الإنساني والطبيعة بفعل شراهة ووحشية رأس المال الساعي إلى مركزة ثروات البشرية والطبيعة في قبضة حفنة من الأفراد (يملك 385 فرداً من المليارديرات ثروة تزيد عما يملكه 45 % من السكان الأكثر فقراً في العالم).
ونحن نؤكد أننا لسنا دعاة انغلاق أو انعزال وبناء أسوار بيننا وبين العالم المحيط بنا، بل نؤمن بأن التقدم الذي أحرزته البشرية ومجموع المعارف والعلوم التي أنتجتها خلال رحلتها الطويلة ما هو إلا نتاج للتفاعل والتبادل بين الأمم والشعوب والحضارات وليس نتاجاً للهيمنة والاحتواء والتذويب القسري الذي تحاول الرأسمالية المعولمة فعله اليوم.
لسنا دعاة انغلاقٍ لأن العولمة التي نناهض ليست تلك التي تزيل الحواجز بين الأمم والشعوب وتسمح بحرية نقل الأفكار والمعلومات والأشخاص والتمتع بفوائد الثورة التكنولوجية.
• إن العولمة التي نناهض هي الهجوم المتوحش لليبرالية الجديدة التي أخذت طريقها منذ نهاية القرن الماضي, والتي تعني الحرية المطلقة لحركة رؤوس الأموال المتمركزة في يد حفنة من الشـركات العملاقة المتعددة الجنسيات والمؤسسات المالية الدولية التي تعمل في خدمتها والتي لا هدف لها إلا الربح على حساب الإنسان وحقوقه وكرامته وعلى حساب البيئة التي نعيش فيها والـتي أصبح الحفاظ عليها مسؤوليةً جماعيةً لكافة سكان الأرض.
• إن العولمة التي نناهض هي الخطاب الليبرالي الجديد الذي بث خدعة نهاية التاريخ وختامــه وأوهام السلام والرفاه والأمن، والاستقرار، والازدهار الاقتصادي الذي سيعم العالم بعد سيطرة الليبرالية الجديدة عليه. في الوقت الذي لم تتوقـف فيـه الحروب لحظةً واحدةً منذ أن أطلق هذا الخطاب. وتزداد النزاعات تأججاً,وتخلق نزاعات جديدة بدءاً بحرب الخليج الثانية التي دشنت عصر العولمة, مروراً بحرب البلقان وأفغانستان وفلـسطين واحتلال العراق وانتهاءً بالحرب المفتوحة على"الإرهاب" التي تطلق من واشنطن في محاولة لإخضاع العالم لسياستها وبناء إمبراطورية رأس المال.
• إن العولمة التي نناهض هي الخطاب العنصري لمنظّري العولمة( صراع الحضارات) وإذكاء النزعات الدينية والعرقية، والسياسة الاستفرادية والقمعية والإرهابية للولايات المتحدة الأمريكية التي تقف على رأس النظام الإمبراطوري الجديد (العولمة)، مستغلةً سطوتها العسكرية، والاقتصادية، والسياسية لتجعل من مصالحها الخاصة(بالقوة) مصالح أساسيةً للعالم، وعلى البشرية القبول بها وإلاّ فإن على الرافضين أن يتحملوا سياسة البطش والتدمير والحصار.
• إن العولمة التي نناهض هي سياسة الإنفاق العسكري والتسلح المجنون للإدارة الأمريكية. وسيطرة المجمّع الصناعي- العسكري على مقدرات العالم(قدّر جورج بوش، أمام الكونغرس، كلفة الحرب على العراق بالنسبة للخزينة الأمريكية بثمانين مليار دولار. ووفق صندوق الأمم المتحدة للتنمية ومنظمة رعاية الطفولة والأمومة اليونيسيف، فإن هذا المبلغ يعادل بالضبط المبلغ السنوي اللازم على المستوى العالمي لتأمين وصول جميع الناس إلى مياه الشرب، والتعليم الأساسي، والرعاية الصحية الأولية، والغذاء المناسب والعناية بالأمومة والصحة الجنسية لدى كل النساء) في الوقت الذي يعيش فيـه نصف سكان الأرض تحت خط الفقر (وفقاً لتقرير منظمة العمل الدولي)، ويموت40 ألف طفل يومياً. بسبب الأمراض وسوء التغذية، ويفقد ملايين العاملين فرص عملهم نتاج السياسة الوحشية لصندوق النقد الدولي، وتثقل كاهل بلدان الجنوب بالديون نتاج قرنين من النهب الاستعماري واللاتكافؤ في العلاقات التجارية.
• إن العولمة التي نناهض هي «اللامساواة الاقتصادية والاجتماعية التي تفكّك مجتمعاتنا وثقافتنا وحقوقنا، وتعمل على التضحية بالتعددية البيولوجية وبالهواء والماء والغابات والأرض والبحار» من أجل زيادة أرباح حفنة من الرأسماليين.
• إن العولمة التي نناهض هي«تحويل الحرب من قبل الإدارة الأمريكية وحلفائها إلى شيء عادي وطبيعي يحلّ كل أنواع النزاعات. هذه الحرب التي أصبحت في ظل العولمة مكوناً بنيوياً ودائماً لهيمنة إمبراطورية تستخدم القوة العسكرية العارية للسيطرة على الشعوب والثروات الاستراتيجية(النفط) من أجل تأبيد هيمنتها الاقتصادية على العالم».
من أجل حركةٍ عالميةٍ معاديةٍ للعولمة الرأسمالية
لم تترك الشعوب لطغم رأس المال العالمي الوقت الكثير لتنفيذ سياستها الوحشية. فقد انطلقت منذ أواخر القرن الماضي حركة عالمية مناهضة للعولمة الرأسمالية، ومن أجل عولمة إنسانية بديلة، شكل الانتصار المذهل الذي حققته في سياتل 1999 ضد منظمة التجارة العالمية نقطة انطلاقٍ لحركة مئات الآلاف في جنوى والمليون متظاهر في فلورنسا عام2000 وصولاً إلى العشرة ملايين الذين خرجوا ضد الحرب على العراق في 15شباط 2003 مروراً بمؤتمرات بورتو اليجري الثلاثة التي حددت الأهداف العامة للحركة وطبيعة وآليات نشاطها.
هذه الانطلاقة العالمية الواعدة التي نعتبر نشاطنا جزءاً منها تؤسس لعالم أفضل ممكن ويجب العمل على بنائه.
إن الحركة العالمية المناهضة للعولمة ، كما جاء في بيان بورتو اليجري، «ذات إطار مفتوح وراديكالي وديمقراطي وتعددي وأممي ونسوى ومعاد للتمييز وللرأسمالية، وهي تضم بين صفوفها كافة الحركات الاجتماعية بشرط استقلالية هذه الحركات عن الحكومات والأحزاب السياسية» وهي «تلتزم بمناهضة العولمة الليبرالية الجديدة والحرب والعنصرية ونظام الطوائف والفقر والبطريركية وكل أشكال التمييز والإقصاء، سواء أكانت اقتصادية أم أثنية أم اجتماعية أم سياسية أم ثقافية أم على أساس النوع والجنس».
وأهدافها هي «السلام والتعاون الدولي من اجل مجتمع الكفاية، الذي يلبي حاجات السكان في الغذاء والسكن والصحة والتعليم والمعلومة والماء والطاقة والمواصلات وحقوق الإنسان».
إن حركتنا (ناشطو مناهضة العولمة في سورية) تسعى لأن تكون جزءً من الحركة العالمية المناهضة للعولمة. وتسعى من خلال التنسيق والتعاون مع الحركات العربية المناهضة للعولمة لخلق شبكة عربية مناهضة للعولمة كجزء من الحركة العالمية المناهضة للعولمة.
إن العولمة الرأسمالية بأبعادها الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، والعسكرية تركت تأثيرات سلبية متفاوتة على مناطق وشعوب وأمم العالم، وقد برز التأثير السلبي للعولمة الرأسمالية بوجهها العسكري على منطقتنا العربية منذ انطلاقتها الأولى في أوائل التسعينيات من خلال حرب الخليج الثانية (بل يمكن اعتبار حرب الخليج الثانية بداية هجوم العولمة الرأسمالية). وتحاول اليوم "الإمبراطورية الجديدة" في واشنطن إعادة رسم الخارطة الجيوسياسية لمنطقتنا بما يتوافق مع الاحتياجات الأمريكية- الإسرائيلية واستكمال ما بدأته من خلال احتلال العراق وتصفية القضية الفلسطينية.كون الكيان الصهيوني يحتل وظيفةً أساسيةً في "الإمبراطورية الجديدة".
إن التأثيرات العولمية لليبرالية الجديدة بوجهها الاقتصادي لم تظهر على ساحتنا السورية حتى الآن بشكل واضح وفاقع، ولكن يمكن لنا أن نلمس بدايات للسياسة الليبرالية الجديدة من خلال البدء في خصخصة التعليم الجامعي، وخصخصة خجولة للقطاع الصحي، وبعض قطاعات الخدمات (الهاتف النقال)، وتراجع الخدمات التي تقدمها الدولة وخاصة على صعيد التعليم والصحة والتشغيل إضافة إلى تنفيذ بعض وصفات صندوق النقد الدولي.
لذلك، فأن مهامنا تتمّثل في :
1- مناهضة الحروب الإمبريالية في أي منطقة من العالم، والنضال من أجل إلغاء ديون العالم الثالث وخلق علاقات اقتصادية متكافئة بين الدول تأخذ بعين الاعتبار قروناً من النهب الاستعماري لشعوب العالم الثالث، وتأسيس العلاقات الدولية على حق الدول والشعوب بتقرير مصيرها بنفسها.
2- توضح في العقد الأخير من مسار العولمة الرأسمالية أن هناك اتجاهاًَ قوياً لتقزيم الديمقراطية وتهميشها والتضييق على الحريات، ليس على صعيد العلاقات الدولية وإنما في إطار الدولة القومية، مرة تحت حجج مكافحة الإرهاب، وأخرى تحت شعار إن الحرية والديمقراطية يمكن أن تكونا متعارضتين، إذا ما قررت الأغلبية أن تتدخل في الحق المطلق لأصحاب رأس المال بالتصرف كما يحلو لهم بملكياتهم. لذا فإننا سنسعى من اجل ديمقراطية تشاركية في العلاقات الدولية والمجتمع تتيح للمواطنين المشاركة في تقرير حياتهم مراقبة وتخطيطاً.
3- إن الاحتلال الأمريكي للعراق هو مشروع يهدف إلى إعادة صياغة المنطقة وفقاً للاحتياجات الأمريكية- الإسرائيلية من جهة، ومحاولة للهيمنة الأمريكية على العالم من خلال السيطرة على نفط المنطقة من جهة أخرى. لذا فإن العمل من اجل إنهاء هذا الاحتلال وهزيمة المشروع الأمريكي هو واجب وطني وقومي وأممي لنشاطنا.
4- يلعب الكيان الصهيوني في فلسطين اليوم دوراً وظيفياً في مشروع الإمبراطورية الأمريكية. لذا فإن مقاومة المشاريع الإسرائيلية ودعم ومساندة كفاح الشعب الفلسطيني من اجل حقه في العودة وتقرير المصير يشكل جزءًً أساسيا من نشاطنا.
5- مناهضة تطبيق وصفات الليبرالية الجديدة من قبل الحكومة السورية، ومنها بشكل خاص وصفات صندوق النقد الدولي سواء على صعيد الخصخصة أو تهميش دور الدولة في الرعاية الاجتماعية للمواطنين. والعمل من اجل أن تكفل الدولة للمواطن الحق في التعليم الأساسي والرعاية الصحية والسكن والماء والكهرباء والمعلومة وحقوق الإنسان.
6- مناهضة كافة أشكال التمييز وبشكل خاص منها:
• التمييز الجنسي بين الرجل والمرأة ودعم الحركة النسوية من اجل إلغاء كافة أشكال التمييز التي شرعتها القوانين أو فرضها المجتمع من مخلفات المجتمع ألبطريركي.
• التمييز القومي والعمل من اجل إعطاء الأقليات القومية في سورية حقوقها الثقافية وحل مشكلة الأكراد المجردين من الجنسية.
باعتبارنا حركةً اجتماعيةً علنيةً وسلميةً تهدف إلى تعبئة القوى الاجتماعية المتضررة من العولمة الرأسمالية، فإن مناهضة العولمة ومرتكزاتها المحلية لا يمكن أن تحقق فعالية حقيقية إلا في مناخ من الديمقراطية والحريات للشعب. لذا فإن العمل من اجل تحقيق الديمقراطية وإطلاق الحريات هو جزءً من نشاطنا وعملنا.
آليات العمل:
1- إصدار نشرة الكترونية تهدف إلى:
• نشر الوعي بالمخاطر التي تحملها العولمة بكافة وجوهها على الصعد الثلاثة: العالمي والعربي والوطني.
• الكشف عن السياسات الليبرالية الجديدة للحكومة السورية. وتعبئة القوى الاجتماعية من اجل مواجهتها.
• العمل من أجل طرح بدائل للسياسة الليبرالية الجديدة. بدائل توفر الحياة الكريمة للفئات العاملة والمفقرة والمهمشة (والتي تشكل أكثر من 60% من السكان) وبخاصة الشباب والنساء.
2- عقد الندوات والمحاضرات والحوارات بهدف استكمال عمل النشرة وتوسيع المشاركة في تحديد آليات العمل ومضامينه.
3- القيام بكل أشكال النشاط الجماهيري العلني والسلمي (التظاهر، والاعتصام،وتوزيع البيانات ...الخ) لتحقيق المهام السابقة.
4- يتشكل الناشطون في مجموعات تعمل على التنسيق فيما بينها، ويتم العمل من اجل إيجاد مجموعات متخصصة في نشاطها.
تموز/2003
البديل