ميثم سلمان
كاتب
(Maitham Salman)
الحوار المتمدن-العدد: 1931 - 2007 / 5 / 30 - 04:24
المحور:
الادب والفن
إلى أختي الكبرى ساهرة التي هرستها النار وكنت آخر من يعلم..
سوف لن أعلق صورتك في غرفة الجلوس لتبقى صورتك عالقة في ذاكرتي .
صباحات
ذات صباح بغدادي وبعد الصلاة يودع عبد الله عائلته متوجها ل(مسطر) العمال , مكرراً وعوده لأطفاله بشراء ما يريدوه أنْ وافاه الحظ وحصل على فرصة عمل في هذا اليوم.
في ذات الصباح وبعد الصلاة يودع رجلاً بلا ملامح آدمية جماعة من الوجوه المكفهرة والملتحية بالعبوس والأحقاد متمنين له غداءً شهياً في السماء ونكحاً لا ينقطع مع أجمل الحوريات. في الصباح ذاته , وقبل أن انتهي من عملي الليلي كسائق تاكسي , طلبت مني زبونة هيفاء شقراء متوجهة لعملها في مستشفى جامعة ألبرتا الكندية أن أستل لها محطة من مذياع السيارة تبث أغاني صاخبة كي تطرد بقايا النعاس الذي يلاحق عينيها . وفي خضم بحثي ذاك قفز خبر عاجل عن تفجير انتحاري في ساحة للعمال وسط بغداد...
استنفرت كل خلايا جسدها الأبيض الرشيق لسماع الخبر, ثم سألتني بحيرة : لماذا يفجر هؤلاء الرجال أنفسهم وسط الحشود؟
- كي يصعدوا للجنة , حسب ما يقولوا !!
- أذا كان الأمر لتحقيق رغبة شخصية , فلماذا لا ينتحروا في الحدائق الخلفية لبيوتهم؟؟
- اعتقد أنهم لا يملكون حدائق على الإطلاق!!!
شـــــــك
عاث ونهش الشك في عقله كقملة وحشية. وفي نوبة شك حادة فصل رأسه بسكين . وأخذ يبحث عن قملة الشك بين ثنايا دماغه . بعد جهد عثر عليها ورماها بعيداُ عنه بزهو وانتشاء . فهدأت روحه وراح يخيط رأسه في موضعه أمام المرآة. استفاقت القملة من هول الصدمة ثم انقضت على رجل الكرسي الخشبية والتهمتها , تخلخل الكرسي واهتز, وكبرت هي قليلاً . ثم انتقلت للمنضدة الخشبية بعد ابتلاعها كامل الكرسي. و ضلت تقرض الخشب وتنمو وتسمن وتطول وتتعاظم , وهو منشغل بإعادة رأسه لمستقره.
تضخمت القملة ولامس رأسها السقف ولم يعد هناك شيئا تأكله. انتبه لوجودها أخيرا عندما سحبته بإطراف أصابعها من رأسه و سرطته كشعرية ترفه دفعة واحدة , ثم تجشأت.
العلقـــمي
أعماني دخان الغموض والتناقض المنبعث من التاريخ , وتعمقت هوة الخلاف بين من يقول أن المغول تمكنت من غزو بغداد بسبب فساد وضعف المستعصم بالله وبين من يدعي بسبب خيانة وزيره العلقمي , وغدت تلك الهوة كتنورٍ عملاق .
لملمت حيرتي صباح يومٍ ثلجي وعزمت أمري على مسائلة السفير المنغولي عن سر ما حدث في عام 1258. دخلت السفارة المنغولية في أوتاوا واستقبلني السفير بنفسه بابتسامة منغولية عريضة وقدم لي كوب من القهوة , وقلت له : لا اشرب قهوتك إلا بعد أن تجيبني على سؤالي . وبلهجة لا تخلو من حقد سألته: هل جدك هولاكو استعان بالوزير محمد بن العلقمي لغزو بغداد؟
افترشت ابتسامته أكثر وازدادت عرضاً لتتخللها أسنان بربرية بشعة , وانفجر بضحكة قبيحة وقال وهو يكركر:
- لا يشرفني نسب هذا اللعين الوحشي هولاكو كما اني يا بني لم اسمع بالعلقمي من قبل. لكن ما اعرفه هو أن تخلف الحكومات وقمعها لشعوبها يجعلها كجثة نتنة تجذب الغربان إليها .
لم افهم ما يقصد وكررت عليه سؤالي: هل حقاً أن العلقمي ساعد جدك هولاكو أم لا؟ هذا فقط ما يعنيني.
تصاعد ضحك السفير التتري وجلس على الأرض من شدة الضحك.
ملــــح
بينما كانت أمه منشغلة بأعداد الإفطار, أرسله أبوه لشراء بعض الملح من دكان الحي الذي يبقى فاتحاً لبعض الوقت بعد ساعة حظر التجوال, خصوصاً في هذه الأيام الرمضانية. مع اجتيازه( للدربونة) الثانية واجهه بعض الملثمين فأقفل راجعاً هرباً منهم. - قف ... من أنت ؟...ماذا تفعل في هذه الساعة؟ ... شيعي أنت أم سني؟...
- أنا عبد الله , ابحث عن ملحٍ , فمازال أهلي صائمين ينتظرون الملح لطعامهم ....
بقى أهله على صيامهم منتظرين عودة ابنهم بالملح , حتى بعد أن وجدوا جثته مطرزة بجروحٍ غائرة يطمها الملح.
تأريخ
أكتشف العلماء إمكانية العيش على المريخ , فاستهوى سكان الأرض فكرة العيش هناك , وسرعان ما تسابقوا لصنع المركبات الفضائية العملاقة لتقل كل السكان ومتعلقاتهم وجميع الحيوانات أيضا. ازدهرت الحياة على المريخ وظهر الماء الذي اخذ بالتزايد بشكل غير طبيعي والذي تحول إلى طوفان هائل دمر كل منْ على المريخ إلا سفينة تحمل من كل زوجين اثنين . بعد آلاف السنين ازدهرت الحياة على المريخ وأكتشف العلماء أمكانية العيش على الأرض, فاستهوى سكان المريخ فكرة العيش هناك.....
Homesick
ذات مرة جلستُ قرب دجلة وحلمتُ بالسفر بعيداً , رسمت مشهد غربتي وحنيني لأهلي . اشتد الحنين واشتد أكثر عندما تخيلت فراقي لدجلة حتى جف ريقي ورطبت جفوني , فأجهشت بالبكاء. عندما انتهيت من الحلم رفعت رأسي , تلفتُ يميناً وشمالاً , فوجئتُ بآلاف الرجال والنساء يقرفصون قرب النهر وغارقين بدموع الحنين . استغربت لبكائهم ورحلت.
لقـــاء
بعد خمسة وثلاثين عاماً من النفي رجع لمدينتهِ. توجه أولاً ، وقبل أن يلتقي بأي أحد ، صوب النهر الذي طالما أحتضن جلساته مع حبيبته التي لا يعرف ما حل بها بعد أن خطفها منه صاحب كرشٍ عظيم . جرت ذكرياته أمامه كنهرٍ جارف. تلاطمت الصور والوجوه والأحداث في رأسه : ترى أين هي الآن وماذا تفعل ؟ قبل أن يغادر النهر إلى بيته لمح جثة طافية على النهر يدفعها التيار . قلّبها لمعرفة هويتها ، ثم صرخ : آه.. من قتلك يا حبيبتي؟
وتتالت صرخاته : من قتلك يا أخي؟ …..يا صديقي….يا أبي ….؟؟؟
سمـــكة
رسم الأب نهراً بالألوان المائية ليعلم أبنه الأشياء ورسم في وسط النهر سمكة ، أندهش الطفل لروعتها وطلب من أبيه واحدة ليلعب بها ، فقال أبوه: السمك لا يطيق عالمنا هذا.
- أذن دعني أعيش هناك مع السمكة , في النهر.
-- لا يمكن ذلك , فيبدو أننا لا نحيا إلا في هكذا عالم.
بكى الطفل و سقطت دموعه على ورقة الرسم , ثم ساحت الألوان المائية وتلاشت السمكة.
جعجــــــــــعة
صار مشهوراً وكبيراً جداً, بحجم ديناصور, لكنه لم يخرج من نفقه الذي دخله منذ قديم الزمان. و لكثرة ما صفع الآخرين ,الميتين منهم والأحياء , تحولت يداه إلى لوحين خشبيين طويلين. حرك اللوحين دائرياً عكس عقارب الساعة كطاحونة هواء , و لم ينتج غير جعجعة تصم آذان العمال الفقراء الكادحين الذين طالما انتظروا الطحين.
رغبـــة
الكؤوس التي كرعها في الحانة حقنته بدفعة جرأة تكفي لتحقيق رغبة مجنونة كان يؤجلها دوماً. حذّرْتهُ من مجيء دورية الشرطة في تلك اللحظة . رد ساخراً: وهل سيعتقلونني لمجرد التبول على قطار لعين ؟ إنني أحقق رغبة بريئة ليس ألا !
ترجل زبوني المتهور من سيارتي وتوجه إلى القطار الذي يسحل عشرات الصهاريج المعبأة بالنفط .. أصبح قاب قوسين أو أدنى من القطار وبدأ يضخ بوله الممزوج بنشوة النجاح .
لم يعبأ بمجيء سيارة النجدة حتى عندما توجه شرطياها نحوه , وطلبا منه أبراز بطاقته الشخصية . أرتبك حين لم يعثر عليها في جيوبه . سحبه الشرطي هاماً باعتقاله ، لكن الشاب تملص من يديه وركض صوب القطار عازماً تسلقه. أمطره الشرطيان بوابل من رصا ص ثقب جسده وجسد الصهاريج فاختلط دمه بالنفط الذي اغرق المدينة. سقط الشاب تحت القطار. صرت أسمع تكسر عظام جمجمته وهي تُهرس بعجلات القطار قبل أن يحترق بالنفط الأحمر, متأملاً آخر جملة قالها لي .
خـــرافة
دفع السيد عمامته للوراء قلياً و مد لسانه ليلعق ثؤلولاً نابتاً في ظهر يد الصبي , فصلى الأب وسبحَ وترجمَ امتنانه بقبضة دنانير دسها تحت جبة السيد. تبخر الثؤلول بمحض الصدفة بعد عدة أيام , فذاع صيت السيد وكراماته بين ليلة وضحاها وحيكت حول لسانه الأساطير .
صار يتفنن بمد لسانه الأعجوبة ولحس علل المرضى الذين يجيئوه من أصقاع شتى حيث يمده حسب وجاهة المريض وما يدفعه من دنانير.
جاءه يوماً تاجر دفع له المال الوفير لقاء لحس علته , فمط السيد لسانه على طوله متأهباً للحس , لكنه أرجعَ لسانه إلى مكمنه عندما عرف أن علة المريض هي البواسير. حرن السيد وارتبك وفرَ مسبحته مراراً وحوقل وقرأ في كتابه وصلى لربه وتوسله أن يهديه إلى مخرج يجنبه لحس مؤخرة التاجر ومص دنانيره بذات الوقت.
صاح السيد: وجدتها,,, وجدتها والحمد لله.. وأردف: أن مرض من هذا النوع يعالج بالبصــاق وليس اللحس.
وجع مستفحل
أرجع معجوناً باللوعة ومضاعفاتها, معلناً الاندحار التام أمام كل ما يؤثث الشوارع من عربات فاخرة وكل أنواع النساء , لا احد يصغي ألي غير الجدار, لكنه صار يسخر مني في كل مرة أعاوده مبللاً بهزائمي وأستفهاماتي:
كم مساءً أنفق لتوثيق غربتي؟
كم حلماً يكفي لتلقيح الأشياء؟
هي خيبتي التي استقبل بها المساءات, بعد أن أتقيؤها أتلحفُ بالنوم عله ينسيني , وأفتتحُ يوماً آخراً بلا أسئلة وهزائم. في صباح ما قررت ختم حكاياتي المرهقة, فشرعت بالسكين عليها, وعندما برقت في عيني السكين تألمت لكوني سأهجرها, وسأعاني الحنين لتلك المساءات التي رافقني طويلاً , فهمست : هل حقاً ستفارقني تلك المساءات؟ لطالما داعبت أوراقي وغصت غرفتي بمقتنياتها, كلٌ يحتل مكانه , أراهم وأحييهم دوماً:
عم نساءً أيها الفراغ
عم أقل ما يكون أيها المحال
عم سيولاً أيها اليباس
عمي ألفة أيتها المكائد
عمي ورداً أيتها الأشواك
عمي رخاءً أيتها الساعات
عمي بذخاً أيتها اللذائذ
بعد أن مزقت كل مقتنيات مساءاتي أملاً بالخلاص من أوجاعها, نَمتْ في أحشائي لوعة الحنين لتلك المساءات.
قـــرعة
في هندسة كامنة في الشرود ومحذوفة من المناخ يقبع راجياً مزاج الحروف لاحتواء تشظي مخيلته المنشطرة إلى هيئتين بارعتين: الحلم والواقع.
اقترح على مخليته أن يوزع يومه على هيئتيها : ساعات النهار للواقع وساعات الليل للحلم. لكن هذه الهدنة لم تسعفه طويلاً حيث يومه لا يقننه أي قانون ؛ فظلامه يشتد سطوعاً من كثرة الحلم , ويوغل نهاره بالعتمة عندما يعمل الواقع بكل طاقته. وسرعان ما وجد مخليته بذات الفوضى , وهيئتيها تتقافزان أمامه بلا ضوابط. أعتمد القرعة كحل لهذه الفوضى وجزّء احتمالات يومه على ثلاث ورقات : الحلم والواقع وورقة تركها بيضاء . صباح كل يوم يسحب ورقة ويطلق لمخيلته العنان باعتماد الهيئة المكتوبة عليها, أما الورقة البيضاء فتعني أن يطلق العنان لمخيلته باختيار ما تراه مناسبا بلا رقابة منه. عاش ما تبقي من حياته بالقرعة ساحباً كل صباح الورقة البيضاء.
معلم التاريخ
أراد معلم التاريخ أن يوضح لطلابه معنى التاريخ فضرب رأسه بالسبورة معلناً:
التاريخ أوج الجنون.
وضرب رأسه ثانيةً :
التاريخ يتزامن بأوجاعنا وبتعاقب بالمصادفات .
وضرب ثالثاً:
التاريخ انفجار تلو انفجار.
وضرب......
التاريخ..........
كانت بقع الدم المرسومة على السبورة برأس معلم التاريخ تشكل صوراً متداخلة , كل طالبٍ يراها بهيئة مغايرة لما يراها الآخر. كانوا يرقبون ما يفعله المعلم بصمت و رعب , لكنهم هبوا كالمجانين لنهب ذاكرة المعلم عندما خرَ ساقطاً بعد أن انفلق رأسه وتبعثرت ذاكرته على السبورة.
كل واحد أخذ ما كان يراه في رأس معلم التاريخ , ورقص مبتهجاً بغنيمته , تاركاً المعلم غارقاً بدمه.
ذاكرة مفترضة
أشاروا المتطببون عليه أن يسجل أسماء الأشياء على قصاصات ورقية كعلاج لذاكرته المتعطلة عن أرشفة الأسماء بعد تلك الواقعة المشئومة التي حصلت له في سفوح الخرائب . استعان بما تبقى له من مفردات عسكرية ,هي حصيلة ما خرج به من الحرب , لتسمية الأشياء.
سمى حبيبته : إجازة دورية
سمى رجل الأمن السري: العدو
المرأة : أحلام الجنود
التلفزيون : بيانات عسكرية
الحقيقة: ضحايا الحرب
الحياة :جندي هارب
الوطن: ثكنة عسكرية
لون السماء: خاكي
الخوف: نجمة الآمر
الأمطار: قصف جوي
الاسم: 8-8-1988
اللذة :لا يوجد
الجنرال: جميع الأوراق
تكاثرت الأوراق بشكل هائل حتى ضاقت جيوبه بها ولم يعد بالإمكان استيعاب كل ما يدونه فأخذ يتخلص من الذي لا يحبه ويرغب بنسيانه, فمثلاً إنْ أراد التخلص من الخوف , مزق الورقة المدون فيها نجمة الآمر.
في أول مرة دخل فيها الحانة كرعَ كل ما بوسعه ولم يفهم ما قاله النادل من أن عليه دفع الثمن , فلا يوجد معنى للثمن في ذاكرته. افترش الأرض بأوراقه - ذاكرته بحثاً عن تلك المفردة .
ضربه النادل بقسوة على رقبته مهدداً إياه بتسليمه لأتباع الجنرال . رد عليه بثمالة:
تباً لجنرالك هذا , أنا استطيع الخلاص منه فجميع أوراقي هذه تسميه.
عندها قفز الجالسون في الحانة ليتهافتوا على تمزيق وحرق الأوراق بما فيهم النادل وهو ايضاً.
عــــراق
جمع كل كلمات الموت ومرادفاتها المكتوبة منذ قرون ؛ فككها إلى حروف, ووضعها في طاس كبير وصب عليها عصير الإنسان الأحمر وبدأ يعجن . لم تكفهِ العجينة إلا لصنع أربعة حروف كبيرة:
العين, الراء, الألف والقاف.
صوت الجثث
فتحَ المذياع فهب صوت يابس (عثر رجال الأمن على مئات الجثث ووو). نفخ ريحاً مغسولة بدموع الوجع والقرف, وأدار المؤشر لالتقاط محطة أخرى. استمر نفس الصوت اليابس(كما وسقط مئات القتلى جراء تفجير انتحاري ووو). أقفل المذياع لكن الصوت ظل يصدح(وتم اغتيال المئات من الأساتذة والطلبة ووو). قذف المذياع صوب الحائط ليتناثر إلى مئات الشظايا. أنبعث الصوت من الحائط أكثر غضباً (كما قصفت مئات الطائرات الأمريكية حفل زفاف وقتلت المئات من المدعوين ووو). هدم الحائط ومعه البيت؛ تصاعد الصوت مع الغبار (وأكد شهود عيان رؤيتهم مئات الرؤوس المحشوة في صناديق الفواكه ووو) .هرع يجري في الطرقات المكتظة بمئات الجثث هرباً من الصوت لكنه بقي يسمع ذات الصوت يرج المدينة (.. ورداً على ذلك سقطت مئات القذائف على البيوت وقتلت المئات من المواطنين ووو). شاهد مئات الجثث تتدلى من الأشجار وتتكدس في الجسور وأماكن العبادة والأسواق والمدارس ومحطات الوقود ووو, مع سماعه جلجلة ذات الصوت أ ينما ذهب. حاول الغطس في النهر للتخلص من الصوت لكنه لم يجد له متسعاً؛ فالنهر غاص بالجثث. أرتفع الصوت وأزداد جللاًً (..كما فجر انتحاري آخر نفسه وسط مئات الأطفال ووو). عثر على مسدس كاتم الصوت وأطلق المئات من الرصاص على الصوت اليابس، ولكن دون جدوى ؛ بل زاد ذلك من قوة الصوت (وانفجرت هنا في محطة الإذاعة سيارة مفخخة يقودها انتحاري وقتلتنا جميعاً ووو). ثبت المسدس على أذنه اليمنى ليكتم الصوت للأبد . لم يعد يسمعه بعد ذاك رغم ازدياد حدة الصوت الذي بقى يلعلع في المدينة.
دموع الحمام
تدخل الحمامة حاملة نمراَ أهوج. تنهار من شدة الإرهاق وتجهش بالبكاء وتلطم وتنحب , وتذرف دموعاَ غزيرة تغرق الجميع . يدور العالم في لجة ذاك القهر ويبكي ويتبلل بالدموع , وتعلو قهقهات النمر الأهوج . تموت الحمامة قهراَ وغرقاً بدموعها, ويزداد العالم بللاَ بالدموع ويغرق , لكنه لا يموت غرقاَ. تتصاعد ضحكات النمر , لكنه لا يموت من الضحك. فقط الحمامات تموت قهراَ وغرقاَ بالدموع.
كلمات صحيحة
سأم من فوضى اللغة وصرخ: إلامَ المسميات لا تعني ما تقول؟
لذا أخذ ورقة وقلماً وبدأ يعيد تسمية كل شيء. سمى عينيها( بحر), والعراق( ألم), والأديان( أغلال صدئة) , والسلام(حلم) , والحرب( تنين خرافي), والتاريخ (عمود صلد), وسمى نفسه(غريب) , لكنه لم يبدل أسم الله (الضارّ) .
تـــــأخير
في ذاك المساء الوردي الذي خر منه جدول من نبيذ خلاب , أهدتني كل مفاتنها على طبق من حرير. أوغلت كل ما نتأ مني في سحرها وسكرنا في حلم لذيذ . حتى الدبابير, التي غالباً ما تطن بإيقاع يشبه منبهات عملاقة في الصباحات , ما استطاعت دس دقاتها في أذنيّ , حيث بنيت جبلاً من الاسمنت ليعزلني عن صخب المنبه حارساً حلمي من الدبابير. صحوت وحيداً من سكرة ذاك الحلم , ووجدت ساعة المنبه منهكة بالصراخ , وكالعادة قفزت راكضاً إلى عملي .
كابوس
حلم بأن تكون له قوة خارقة ليطبق كل ما جاء في كتابه المقدس, من الجلد للجلد, وفر من حلمه مرعوبا مذعورا غارقا في بحر من دماء البشر الذين ذبحهم وفق شريعة كتابه.
حيـــاة
يستعين برائحة حبيبته التي تبعد عنه مسافات موغلة في التصحر والأمواس, لكنها تقترب من بكاءه هذه اللحظة جراء كثافة الحنين . تشخص هي متموجة بين ثنايا دخان سيجارته , هي التي تضم في طياتها حكايات الجنون , يستعيد هيأتها ليعادل لعنات العزلة ومغارزها النابتة في جسده الذي أهلكته الغربة.
في تلك الغرفة المهيأة للانزلاق من حافة جبل , تحفها القسوة من أربع جهات وخامسة تصدر من غربتهِ المتنامية كل ما كان الشتاء أكثر جدية.
أكتشف بعد تمحيص طويل في المرآة أن الفجر أزداد بزوغاً في شعره والشقوق أوغلت حدتها في سحنته.
قالت له تلك المتلفعة بالدخان : انه ذكرى بداية بكاءك , فاليوم هو6-12- 1997 .
فصرخ: ماذا حل بسنيني؟ من أبتلعها؟ مضت جل أعوامي بلا معنى و أخرى من الحنين, ما معنى هذا الضياع؟
حقـــيقة
سألني احد المارة في سوق البلدة عن الوقت , فأجبته بما أشارت به عقارب ساعتي رغم يقيني بعطلها الذي حول عقربيها لسلحفاتين مترهلتين, فهما دوماً متأخرتان عن أخواتهما من العقارب. في تلك اللحظة لمحت رجلاً آخراً يضبط إيقاع حركة عقارب ساعته على الرقم الذي قلته.
تركت من في السوق يغير الوقت استناداً لما أشارت أليه ساعتي. بعد عدة أيام ضبطت البلدة ساعتها على ذاك الوقت. سخرت كثيراً منهم وضحكت في سري لكوني الوحيد من يدرك حقيقة الوقت. انقلبت سخريتي مرارة حينما بدأت الحرب قبل أوانها , فلم يصدقني احد عندما اعترفت لهم بخطأ التوقيت. وعندما صرت رماداً في الحرب أيقنت أن حياتي كلها لم تحن بعد.
أكذوبة
طالما حلمت أن يكون لي جناحين, وعندما تحقق لي ذلك , طرت عالياً بلا بوصلة, فوجدت نفسي احلق فوق المحيط حيث لا ألمح أي ضفاف. بقيت هكذا حتى خارت قواي وسقطت في المحيط .
قمامة
ليلة أمس وعندما كنت احتسي خمرتي اقتحم الرئيس شاشة التلفزيون بظهوره الممل , وبدا لي كبرميل قمامة هذه المرة . كان جالساً يتلو خطابه المعهود بفمٍ يشبه فتحة برميل يتطاير منه الحديد والنار والوعيد والعقاب والغضب المزلزل ملطخين ببصاق عفن. كنت اسمعهَُ وارددُ ما قاله شاعرنا: أبول عليكم وأسكر,,,,
ورحت أبول منتشياً في قمامة المطبخ , ثم التفتُ خلفي فوجدت طابوراً من الناس يتدافع للتبول في ذات القمامة وكان بينهم جدي وجدتي وأبي وأمي وإخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي وأولادهم وأولاد أولادهم وووووو
أسماء الرئيس ...
ضبطوه يكتب على الجدران عبارة : رئيسنا مميت , متغطرس , جبار , ضار , متعالي , مهيمن ورقيب على كل شيء , .....
اعتقلوه بتهمة التهجم على الرئيس, لكنه أدعى في التحقيق بأنه يعتقد أن الرئيس هو بمثابة الله وعليه فهو يستحق أن نسميه بالأسماء الحسنى .
ميثم سلمان
[email protected]
#ميثم_سلمان (هاشتاغ)
Maitham_Salman#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟