|
العولمة .. إنزلاق عن مسار التاريخ
فؤاد النمري
الحوار المتمدن-العدد: 1924 - 2007 / 5 / 23 - 12:00
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
المفهوم الأولي للعولمة يشترط بداية أن يكون العالم من لون واحد أو طبيعة واحدة ولكي يكون العالم هكذا يستلزم أن يكون الإتحاد السوفياتي وكل المعسكر الإشتراكي قد تحلل وزال من على الساحة العالمية وأن المعسكر الرأسمالي قد إنفلش وتمدد حتى غطى العالم بأجمعه. في مواجهة مثل هذه الصورة يقوم السؤال التالي.. هل لنظام الإنتاج الرأسمالي القدرة على مثل هذا الإنفلاش والتمدد ليغطي العالم بأجمعه؟ التكوين الهيكلي للنظام الرأسمالي يحول دون مثل هذا الإنفلاش. فدائرة الإنتاج التي يعمل فيها النظام الرأسمالي تتكون من نصفي حلقة مختلفتين في الطبيعة والوظيفة وإن متكاملتين، نصف للإنتاج والنصف الآخر للإستهلاك. محرك الإنتاج في النصف الأول هو الربح لا غير والربح لا يتحقق إلاّ بتحقيق فائض في الإنتاج؛ وفائض الإنتاج من شأنه أن يعطل عملية الإنتاج ويخنقها غرقاً في فيض الإنتاج إذا لم يتم تصريف هذا الفائض إلى الخارج والخارج هو نصف الحلقة الآخر. مثل ذلك مثل حياة العائلة في البيت حيث تستحيل عليها الحياة إذا لم يتم ربط البيت بمصارف تخرج من خلالها مختلف الفضلات التي يطرحها أفراد العائلة. القائلون بالعولمة على أنها تقدم على المسار الطبيعي للتاريخ وأنها التطور المتقدم للنظام الرأسمالي يريدوننا أن نتصور صورة لا يمكن تصويرها، يريدوننا أن نوافق على أن النظام الرأسمالي قد غير من طبيعته التي انفطر عليها وأخذ يدور في حلقة واحدة متكاملة ومن ذات الطبيعة وليست من نصفين كما كان الحال. وهذا إنما هذر ما قال به إلاّ أهل برج بابل. كيف لنا أن نتصور جميع البلدان في العالم قد أخذت بنظام الإنتاج الرأسمالي وأن فائض الإنتاج في كل منها يستهلك في الداخل ؟! لو كان ثمة قدرة على استهلاكه لما كان فائضاً في الأصل وحين لا يكون فائضاً فذلك يعني بالضرورة أن الرأسماليين في البلد المعني كانوا قد تطوعوا للإنتاج دون مقابل وبدون أرباح، وهذا لا يتم حتى من قبل الآلهة التي تعد بالحياة الأبدية مقابل عبادتها فقط. ورب من يقول من هؤلاء القائلين بالعولمة أن فائض الإنتاج في بلد ما يمكن تصريفه في بلد آخر يحتاجه. مثل هؤلاء مثل من يتخيل أن البيوت يمكن أن تتبادل المصارف فيصرف كل بيت فضلاته على البيت المجاور !! ـ ولا غرو فمثل هذا التبادل بالمصارف مرسوم في مخططات منظمة التجارة العالمية وتعمل على تحقيقه من خلال إلغاء الحماية الجمركية. مشكلة هؤلاء الناس هي أنهم يتحاشون النظر في المرآة لأنهم يعرفون بشاعة وجوههم سلفاً ولا يريدون أن يتحققوا من هذه الحقيقة المرّة، إنهم يرفضون الإعتراف بأسوأ مساوئ النظام الرأسمالي. فتحقق فائض إنتاج في بلدٍ ما يعني بالضرورة أن شعب ذلك البلد لم يعد لديه أدنى قدرة على استهلاك أدنى زيادة عمّا استهلك فكيف يفكر عاقل أن يورّد إليه فائض إنتاج بلدٍ آخر؟! النظام الرأسمالي نظام خلوي بطبيعته، بنيته كما بنية الخلية لها نواة وهي المركز أو المتروبول ولها محيط وهو الدول المستعمرة والتابعة. إنه لا يحتمل أي تغيير بنيوي. ولد النظام الرأسمالي نظاماً عالمياً إذ أن حيويته تقتضي تجاوز الحدود القومية وذلك لكي يوفر محيطاً حيوياً للنواة أو المركز. والقول بأن العالم قد غدا بقوام واحد هو القوام الرأسمالي، وهو ما يوصف بالعولمة، هو كمن يقول بأن ثمة خلية من قوام واحد أي بلا نواة وبلا محيط، الخلية التي يستحيل وجودها !! ويجب ألاّ يغيب عن الذهن أيضاً أن التوسع الرأسمالي (Capitalist Expansion) وهو من الخصائص الحيوية للنظام الرأسمالي التي لا يستغني عنها إلاّ بالفناء تقتضيه بالضرورة توسيع المحيط أي زيادة عدد المستعمرات والبلدان التابعة كلما تنامى حتى ضاق به المحيط، وهذا لا يتحقق إلاّ بالحرب التي غالباً ما تكون عالمية تنتهي بإعادة تقسيم المستعمرات بين مراكز الرأسمالية المختلفة وهو ما تسبب في الحربين العالميتين الأولى 1914 والثانية 1939. فيما قبل الحرب العالمية الثانية كان العالم، باستثناء الإتحاد السوفياتي، ينقسم إلى ستة خلايا رأسمالية إمبريالية هي اليابان وألمانيا وإيطاليا التي شكلت دول المحور الفاشي ثم بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة التي شكلت دول التحالف الديموقراطي. أما بعد الحرب وهزيمة دول المحور فلم يبقَ سوى دول التحالف ومنها الولايات المتحدة تلتهم الخليتين الأخريين بريطانيا وفرنسا. بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي والمعسكر الإشتراكي لأسباب داخلية محضة، لم يعد ظاهراً للعيان سوى الولايات المتحدة. أمام هذه الصورة يختلف القائلون بالعولمة إختلافاً جذرياً في رؤية الصورة فمنهم من يقول بالعولمة الأمريكية، أي أن العالم قد إندمج في محيط واحد حول مركز وحيد هو أمريكا، وآخرون يقولون بأنه لم يعد في العالم ما هو محيط وما هو مركز حيث لم يعد الإنتاج الرأسمالي حكراً على مركز بعينه بل توزع في كل أركان الأرض التي اكتست بلون واحد هو اللون الرأسمالي. ثمة قصر نظر معيب تماماً في رؤية كل من الفريقين، والعيب ناجم عن جهل أو تجاهل الفريقين لكيمياء نظام الإنتاج الرأسمالي. فالقائلون بالعولمة الأمريكية، أي أن العالم تمحور حول مركز رأسمالي إمبريالي وحيد هو الولايات المتحدة يفوتهم حقائق كثيرة أهمها: 1. كيما يكون المركز الرأسمالي مركزاً لا بدّ أن يتحقق فيه فائض إنتاج. 2. يتوجب تصدير فائض الإنتاج إلى بلدان المحيط 3. يتم مبادلة فائض الإنتاج بمواد قليلة التصنيع متدنية الكلفة مثل المواد الخام. 4. يتسارع نمو الإنتاج الرأسمالي دون توقف في المركز وما يرافقه من إتساع الطبقة العاملة. 5. تزايد الوفرة المالية والتوظيفات في الصناعة. لا يتوفر أي شرط من هذه الشروط الخمسة في الولايات المتحدة اليوم حيث يقصر مجمل الإنتاج فيها عن مجمل الإستهلاك بحوالي ثلاثة آلاف ملياراً من الدولارات، وهي تستورد أكثر مما تصدر ويحقق ميزانها التجاري عجزاً سنوياً يزيد عن سبعمائة ملياراً أي ملياري دولاراً يومياً وتتكون مستورداتها، باستثناء النفط، من بضائع كاملة التصنيع. وتنوء الولايات المتحدة اليوم بعبء دين بتجاوز الأربعين ألف ملياراً من الدولارات وهو ما يساوي أربعة أمثال مجمل إنتاجها القومي وهي أعلى نسبة مديونية في العالم. وتراجع الإنتاج الرأسمالي فيها حتى وصلت نسبته إلى الإنتاج القومي أدنى نسبة بين دول العالم المتقدمة وتدنت إلى 17,5% فقط. أما الفريق الآخر القائل بذات القوام الرأسمالي يغطي كل أصقاع الكرة الأرضية فهو ليس أقل ضلالة من الفريق الأول. فالنظام الرأسمالي إنطلق أصلاً من قاعدة اللاتكافؤ في التنمية بين مختلف البلدان والدول. فالدولة التي تأخذ بنمط الإنتاج الرأسمالي تعتمد على أدوات إنتاج متطورة تعمل بالطاقة المركزة كالفحم الحجري أو النفط أو الكهرباء وعلى تشغيل كل طاقة العمل البشري المتوفرة(Manpower) وهو ما يعطي إنتاجاً بالجملة (Mass Production) وبالتالي فائضاً في الإنتاج. كي يستمر هذا النمط في الإنتاج لا بدّ من وجود دولة أخرى لا تعتمد مثل هذه الوسائل في الإنتاج، الوسائل الرأسمالية، فيكون لديها عجز في الإنتاج واستعداد لامتصاص مثل هذا الفائض المتحقق باستمرار. وبتكبير الصورة يظهر جلياً أن عالمية الرأسمالية (Capitalism Universality) تتحقق فقط عبر إنقسام العالم إلى شطرين متكاملين بالضرورة وليسا متكافئين: شطر رأسمالي يغتني باستمرار ويتطور بسرعة، وشطر آخر ليس رأسمالياً يزداد فقراً ولا يتطور؛ العلاقة بينهما كعلاقة الذئب بالحمل إذ يموت الذئب إذا لم يفترس الحمل. القائلون بمثل هذا الطراز من العولمة، بعالم كله ذئاب وبدون حملان، إنما هم يسيئون تفسير ظاهرة بدأت تتشكل في سماء العالم منذ بداية الربع الأخير من القرن الماضي تتعلق برحيل الشركات الرأسمالية الكبرى من مراكز الرأسمالية الكلاسيكية إلى الأطراف المحيطية التي بمجموعها هي بلدان العالم الثالث غير النامية (Underdeveloped) فما وجد هؤلاء العولميون تفسيراً سهلاً لمثل هذه الظاهرة الفريدة سوى الرسملة، رسملة محيطات المراكز الرأسمالية ليصبح العالم كله عالماً ًلارأسمالياً خاصة وأن النظام الإشتراكي كان قد إنهار ليس كمركز قوى عالمية مناقضة بل كنظام إنتاج قبل ذلك. الإقتصاد السياسي لا ينزرع على سطح تربة المجتمعات كي يسهل توصيفه وصفاً حقيقياً وكاملاً بنظرة سطحية، بل تنغرس بذوره عميقاً في التربة وتورق فوقها وتثمر الثمار التي لا يمكن التنبوء بها قبل معرفة البذور المزروعة. رحيل شركة بريطانية إلى المغرب مثلاً لا يجعل الإقتصاد المغربي إقتصاداً رأسمالياً حتى ولا رحيل مائة شركة بريطانية، تماماً كما أن إنتقال عائلة إنجليزية للعيش في المغرب لا يجعل الشعب المغربي شعباً إنجليزياً. نظام الإنتاج لا يتبدل كما تتبدل الجنسية بقرار مختوم لكنه يولد وينمو ببطئ شديد ولا يصل سن البلوغ قبل إنقضاء قرن طويل أو أكثر. حملت إنجلترا بجنين الرأسمالية لقرن ونصف القرن وهو ما يسميه علماء الإقتصاد الميركانتايلية (Mercantilism) ولم تنفك فرنسا من إسار الإقطاع إلاّ بعد زهاء قرن من الثورة الصناعية وزهاء نصف قرن من الثورة الفرنسية البورجوازية عام 1789. لا تتحول المجتمعات المتخلفة إلى مجتمعات رأسمالية إلاّ من خلال ثورة إجتماعية تطيح بالعادات والتقاليد والثقافات والمفاهيم القائمة كما ببنية العائلة المتحجرة قبل أن تطيح بوسائل الإنتاج اللارأسمالية القديمة. رحيل الشركات الرأسمالية المتقدمة من المركز الرأسمالي إلى المحيط المتخلف لا يقدح شرارة في مثل هذه الثورة الإجتماعية. إنتقال رؤوس الأموال من المركز إلى المحيط لا يؤهل المحيط لأن يقفز عن مرحلة التراكم الرأسمالي (Capital Accumulation) الذي يأخذ في تطور المجتمعات دور الكيمياء العضوية الجوهري في تطور الجسم الحي. إذاً بماذا تُفسّر ظاهرة هجرة الشركات الرأسمالية من المراكز إلى المحيطات ؟؟ لم يؤسس نظام الإنتاج الرأسمالي لأعنف صراع طبقي ظهر في تاريخ المجتمعات البشرية فقط بل أسس أيضاً لأقوى تعاون بين أبناء المجتمع الواحد. فالتعاون بين عمال المؤسسة الصناعية الواحدة يصل حد التوحد الذي في كثير من الأوجه أقوى تماسكاً من توحد أعضاء الأسرة الواحدة. وثمة أشكال أخرى من التعاون بين فئات وشرائح المجتمع الرأسمالي مثل التعاون بين الرأسمالي مالك أدوات الإنتاج من جهة والعاملين لديه من جهة أخرى، والتعاون بين منتجي السلع ومنتجي الخدمات وبين الدولة والمجتمع وبين القوى العسكرية والقوى المدنية. نشير إلى كل هذه الأشكال من التعاون كي ندرك بواعث النظام الرأسمالي إلى تأسيس الفضاءات القومية في العالم. صرخة الولادة التي أطلقها الوليد الرأسمالي جاءت صرخة قومية نادت أول ما نادت به حماية السوق وإقامة الحدود الجمركية التي عينت بالتالي الحدود القومية القائمة اليوم؛ ثم نادت بالطبع ببناء الدولة القومية بأجهزتها العسكرية المختلفة لحراسة السوق بحدودها الجمركية وتأمين حرية الحركة اللازمة لدورة الإنتاج والنواحي الأمنية الأخرى. ليس من شك في إستجابة الأمة لمثل هذه النداءات طالما أنها رأت في وسيلة الإنتاج الجديدة، الرأسمالية، تسهيلات ملموسة في وسائل عيشها وتطورها في مختلف الميادين. التناقض الكامن في التركيب العضوي للوليد الجديد، الرأسمالية، يتمثل بطبيعته القومية من جهة وطبيعته العالمية من جهة أخرى؛ يترعرع بملامح قومية بارزة وحين يشتد عوده تتبدل ملامحه لتغدو عالمية (International) مجنداً قوميته لغزو قوميات أخرى وراء الحدود. نظام الإنتاج الرأسمالي هو النظام الوحيد الذي لا ينمو ويتطور إلاً بوحدة النقيضين، القومية (National) والعالمية (International). من المعلوم في قوانين التطور أن وحدة النقائض ليست أبدية فطالما أن لها بداية فلا بدّ أن يكون لها نهاية أيضاً. تطور النظام الرأسمالي حاملاً لهذا التناقض تطوراً لا نظير له في التاريخ الإجتماعي وحمل البشرية جمعاء من عصور التخلف المادي والروحي إلى عصر يتسم بالوفرة في سبل العيش وبالوعي الشامل في مختلف ميادين الثقافة والعلوم. وفرة الإنتاج من جهة والوعي المتميز من جهة أخرى هما ما جلب النظام الرأسمالي إلى حتفه. في العام 1971 وصل النظام الرأسمالي إلى نهايته حيث أمسكت بخناقه أزمة قاتلة تمثلت بانسداد دورة الإنتاج الخاصة به إنسداداً تاماً وكان ذلك بسبب حركة التحرر الوطني العالمية 1946 ـ 1972 التي انبثقت من نتائج الحرب العالمية الثانية إذ استطاعت جميع الدول المستعمرة والتابعة من تحقيق الإستقلال الوطني والشروع في بناء إقتصادها الوطني المستقل الذي لا يرتبط بأي رباط بمراكز الرأسمالية. وتجلت تلك الأزمة القاتلة بخروج الولايات المتحدة 1971 من معاهدة بريتنوود القاضية بالغطاء الذهبي للعملة الوطنية، وبإعلان الأمم المتحدة 1972 حول تصفية الإستعمار من جميع أنحاء العالم، وباجتماع الدول الصناعية الخمس الكبرى، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان، في باريس 1974 للتشاور حول معالجة الأزمة. لم تجد مراكز الرأسمالية الخمس الكبرى من منفذ للأزمة القاتلة وإنسداد الدورة الحيوية للإنتاج الرأسمالي سوى ضخ سيل عارم من الدولارات المتكدسة في خزائنها وفي بحيرتي البترودولار واليورودولار في مجرى الدائرة بقصد تسليكه. لقد برهن هذا العلاج الشيطاني على أنه سم قاتل أودى بأنظمة العوالم الثلاث القائمة آنذاك الرأسمالي والإشتراكي والوطني المستقل. لدى انعقاد مؤتمر الخمسة الكبار كان مجمل ديون العالم ومنذ قيام النظام الرأسمالي لا يتجاوز 72 ملياراًً من الدولارات لكنه في السنوات الخمس التالية 1975 ـ 1980 تضاعف حجم الدين بمتوالية هندسية 144، 288، 576، 1152، 2304 ملياراً من الدولارات. مثل هذا السيل الجارف من الأموال لم يسلّك مجرى دورة الإنتاج الرأسمالي بل أكثر من ذلك، لقد فجّره فلم يعد يعيد ما دخله إلى مخرجه. طفا العالم فوق بحيرة من الأموال ودخل مرحلة جديدة في تاريخه الإجتماعي هي مرحلة الإستهلاكية (Consumerism)، المرحلة التي اكتسبت هذه التسمية لأن الفرد فيها أخذ يستهلك أكثر مما ينتج. نظام الإستهلاكية له سيماؤه وكيمياؤه الخاصتين وهو يتعارض تماماً مع كل أنظمة الإنتاج التي كانت سائدة فيما قبل عام 1975. وخير دليل على مثل هذا التعارض هو حالة الإقتصاد الأميركي اليوم وقد كان أضخم وأغنى إقتصاد في العالم حيث تستدين الولايات المتحدة الأميركية يومياً ما بين 2 ـ 5 مليار دولاراً من أجل أن يحافظ الأميركيون على مستوى معاشهم الحالي. ولذات السبب غيّر الأميركيون طبيعة الدولة لديهم فاستبدلوا الدولة الرأسمالية بدولة الرفاه (Welfare State) البارعة في الإستدانة والوقع في عجز سنوي في الإنتاج خلافاً للدولة الرأسمالية البارعة في التوفير وتحقيق فائض سنوي في الإنتاج. دولة الرفاه قامت في مختلف بلدان العالم بغض النظر عن مستوى الإنتاج فيها باستثناء عدد قليل من دول جنوب شرق آسيا ومنها الصين التي تزود العالم بمعظم إحتياجاته من السلع إعتماداً على استنزاف طاقة العمل البشري الهائلة لديها. لنا أن نذكر هنا المؤتمر الذي إنعقد في لندن عام 1999 بين بل كلنتون/الولايات المتحدة وتوني بلير/ بريطانيا وليونيل جوسبان/فرنسا وجيرهارد شرويدر/ألمانيا وأعلن المجتمعون بعد يومين من المباحثات أنهم إنما كانوا يتباحثون في رسم الطريق الثالث (Third Road) أي الطريق اللارأسمالية واللاإشتراكية. السؤال الذي من شأنه أن يفحم ويخرس القائلين بالعولمة الرأسمالية هو.. لماذا يتباحث زعماء الدول الرأسمالية الكلاسيكية الكبرى حول رسم الطريق الثالث اللارأسمالية إذا ما كانت العولمة التي يتوهمونها عولمة رأسمالية؟؟ هل هؤلاء القادة بحاجة لأن يكذبوا على شعوبهم ؟؟ وبافتراض أنهم يكذبون أفلا يعني ذلك أن شعوبهم كانت قد قررت نبذ الرأسمالية وسلوك طريقاً أخرى لارأسمالية ؟؟ لا مفر أمام العولميين من الإعتراف بأن الدول الرأسمالية سابقاً قد تحولت إلى اللارأسمالية، إلى الإستهلاكية وقامت فيها دولة الرفاه المنشغلة فقط بتلبية إحتياجات مواطنيها من السلع والخدمات. في المجتمع الإستهلاكي ودولة الرفاه مناخ طارد لنظام الإنتاج الرأسمالي لما يفرض عليه من ضرائب باهظة وارتفاع في الأجور وغلاء في الخدمات. تبعاً لهذا بتنا نرى رحيل الشركات الرأسمالية من المراكز إلى الأطراف، الظاهرة التي يسيء تفسيرها العولميون فيصفونها بالعولمة الرأسمالية وبالبعث الرأسمالي في حين أنها لا تدل في الواقع إلاّ على إنحلال الرأسمالية وانهيارها. لئن كان ثمة من عولمة فإنما هي عولمة الإستهلاكية التي لا يمكن لها أن تشكل بحال من الأحوال نظاماً إجتماعياً قابلاً للحياة.
#فؤاد_النمري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نمورٌ أم جراءٌ أسيوية?
-
التاريخ.. يتصل وينفصل
-
من الفوضى الخلاقة إلى الشرق الأوسط الجديد
-
العولمة.. رحلة خارج التاريخ
-
إعلان رامبوييه .. أخطر إنقلاب في التاريخ وهو أساس النظام الد
...
-
اكذوبة إقتصاد المعرفة مرة أخرى
-
إقتصاد السوق صيحة مشبوهة
-
اليسار الغدّار
-
القوى المطلقة للماركسية
المزيد.....
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
-
إعلام: الجنود الأوكرانيون مستعدون لتقديم تنازلات إقليمية لوق
...
-
مصر.. حبس الداعية محمد أبو بكر وغرامة للإعلامية ميار الببلاو
...
-
وسائل إعلام: هوكشتاين هدد إسرائيل بانهاء جهود الوساطة
-
شهيدان بجنين والاحتلال يقتحم عدة بلدات بالضفة
-
فيديو اشتعال النيران في طائرة ركاب روسية بمطار تركي
المزيد.....
-
النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف
...
/ زهير الخويلدي
-
قضايا جيوستراتيجية
/ مرزوق الحلالي
-
ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال
...
/ حسين عجيب
-
الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر )
/ حسين عجيب
-
التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي
...
/ محمود الصباغ
-
هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل
/ حسين عجيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع
/ عادل عبدالله
-
الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية
/ زهير الخويلدي
-
ما المقصود بفلسفة الذهن؟
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|