|
مراثي الحكّاء بين الجب والشرفة
عبدالعزيز نايل
الحوار المتمدن-العدد: 1926 - 2007 / 5 / 25 - 10:34
المحور:
الادب والفن
لابد وأن يتخلى الحكّاءُ عن كوب الشاي الساخن ليسكبَه على جَمْعٍ من كلاب الشارع التي تََبْركُ فوق كلبٍ رماديٍ يراه لأولَِ مرةٍ تحت شرفته وما كان إشفاق الحكّاء على هذا الكلب إلاّ كُرهاً في التََجََبُر ، عشرةٌ على واحد , ولا يُرى منه لونٌ ولا شكلٌ , فقد اختفى بين أرجلهم وأنيابهم ولا يدل عليه سوى دمِه الذي انتثر على أفواههم فتكشفه مصابيح الليل الباهتة لامعا على أنوفها وأنيابها . رأى واحداً من العشرة ينسَلُّ من بينهم، فظنه الرئيسََ , يشير بانسحابه إلى الاكتفاء بما صنعوه تأديباً وعضاً وتََجََبُراً ، فأعاد كوبََ الشاي الساخن ووضعه ثانية على سور الشرفة ، وما لبث أن تبين له أن ما تصوره انسحابا عن المشاركة في الانتقام المسعور ، لم يكن إلاّ نوعٌ جديدٌ من التحريض، فرآه يدور حول ساحةِ المعركةِ مستعرضاً قطعةً من أذن الكلب الرمادي وكأنه يُحَرّضُ على انتزاعِ ما تبقى من جسدِ الغريب . انتفض الحكّاء في شرفته وهو يقاوم أو يدفعُ تسعةََ أفواه مسلحةً بالأنياب الحادة عن جسده فانطلقت صرختُه في الهزيع الأخير من الليل ، أولاد الكلب اقتطعوا أذني وأنيابُ أولادِ الزنا تُغرَسُ في لحمي ثم امتدت يده تقبض على كوب الشاي الساخن ، لتسكبه باحتراف على أجسادها ، فتفرقت الكلاب في كل اتجاه وهي تنبحُ نُباحاً حادا متقطعاً من شدة الألم ، فامتلأ الحكّاءُ بنشوةٍٍ دفعتْ به لأن يقذفَ تلك الكلبةََ بالكوب الفارغ فقد رآها بعينيه وهي تغرر بهذا الغريب حين أتت به من أطراف الحي إلى شارعها وقد أسلمت له مؤخرتَها كلَّ ليلة من الليالي الفائتة وما إن يقضى منها وطره حتى يستدير ذاهبا في اتجاه الحي الذي جاء منه إلاّ ويراها الحكّاءُ من شرفته وكأنها في تدللِها إليه تستحلفه ألاّ يمضي ، فلماذا رآها في هذه الليلة وقد تركته ليتفرق دمُه في أفواه عشاقها , هذا ما جعل الحكّاء يقفز فرحا حين أصابها بالكوب الفارغ الثقيل في رأسها فتسقط على الأرض ثم تنهض لتسقط ثانية وقد استمرت محاولاتُها في النهوض فما قويت، فاستسلمت خامدة ترسل أصواتها هنا وهناك معلنة عن ألآمها التي لا تحتمل، دهش الحكّاء من خسة أبيها وأمها وقد تركاها نازفةً ليهربا مع من هرب وقد تقدمهم هذا الكلب الذي ما زال قابضا بأنيابه على قطعةٍ من أذن الحكّاء وما زال الحكّاء يتابعه , فلعله يلقى بها أو يتركها حتى يتسنى للحكّاءِ استرجاعها , وما انتبه لِما أحدثه من ضجة وضجيجٍ , فقد استيقظ سكانُ الشارع , وتفتحت "البلكونات " والشبابيك وامتلأت بعيون ترقبه وهو يتوعد هذه الكلبة بالتلويح تارة وبالسباب تارة أخرى وبالبصق عليها وهي ممددةٌ تحت شرفته مدثرةٌ في عجزها ، لا يعلنُ عنها إلاّ صوتُ أنينِها مصاحباً الحكّاءَ في ثورته وكأنه يقرأ من كتابٍٍٍٍٍٍٍ ، تاريخ خِسَّتِها وخسّةِ أبيها وأعمامها وخالاتها وخسّةٍ تَفَرَدَ بها موطُنها وجيرانُها وكيف كان المسافرون لا يشربون من مياه النيل التي تجري في زمام قريتها خوف الابتلاء بالخسّةِ , ولم تهدأ ثورته إلاّ عندما طغى على صوته وصوت أنينها همهماتٌ ولغطٌ امتلأتْ به الشبابيك والبلكونات حوله، فراح يسير في شرفته من أقصاها إلى أقصاها ومازال واضعاً يدَه على الأذن المقطوعة، وتَرْقُبُ عيناه دهشةً على أوجه المتفرجين وقد امتلأت بهم نوافذ الحي كلهِ وبينما يسيرُ رائحاً غادياً في شرفته وقد عَلا صوتُه فأسمع أبعدَ نافذةٍ في الحي زعق يقول : أيها السادةُ رجاءً لا تأخذكم بها شفقة يقولها ثم يتدلي بنصفه الأعلى من شرفته ليبصقَ على تلك الكلبةِ التي لم يعد صوت أنينها مسموعا الآن ثم قال : فإن كنت قد أصبتُها في رأسِها قدامكم ، فلأنها ظلت تراودني عن نفسها فجئتُها من أقصى الجنوب ، سلوها يوم تشبثتْ بي وهي تبكي حين رَغِبتُ في العودةِ إلى موطني فأنْسَتني أن أمّي نذرتني للطرق الواسعة ونذرتني كي الملم ضوءَ الشمسِ في أباريق الفخار ثم اتركها تتبخر ضوءاً وحرارةً على عتبات دورنا الطينية في ليالي الشتاء الباردة ، أنسيت معها أنني لست لامرأة، بل للطريق وللراحلين أتشبث في الوحل الذي على أقدامهم فأعيده معهم إلى حيث يلد الطين في بلادي أناسا من اللهب الأخضر فَتُقَبِِِِلُنَا الأرضُ وهي تدور شاديةً بألحانها في جيب جلبابي الواسع... لم يقوى الحكّاء على الإكمال فترجل عن ظهر حكايته ، بعد أن فشل في مقاومة العبرات وهي تجثم فوق الكلمات تخنقها في قيعان الحلق ، فقد اختنقتْ حكايتُه في قانون السرد المحكم ، كان لزاما كي يقوى على الإكمال أن يسلم هذا الجزءَ من حكايته للشاعر الذي يتشقق عنه جِلدُ الحكّاءِِ فيهدهد عجز الحكّاء ثم يتوجه للجمهور فيقول لهم ،
أرجوكم لا تأخذكم شفقة لا تغلقوا بابا أو شباكا فإذا ما أنهيت دفاعي .. يمكنكم أن تختاروا مابين الإشفاق عليها أو الرجم .... فإن اخترتم رجماً ... أرجوكم ألاّ تُرجم فجرائي ما زالوا في قبضة أيديها ( أتسوّلُ مَنْ يتطوع أن يخبر أولادي ثم تمكن أن يعرفني في أشواقِ صغاري لا يصنعُ إلا أن يتركَ باسمي قُبْلَتَهُ لا يخبر بنتي الكبرى فأنا أتشككُ في صحتها النفسية فإن كانت سالمةً فأنا أتشككُ في صدقِ بنوتها .......!!!!!!!) كتبي أيضا ما زالت في حوزتها هذى الكلبةُ لم تأبه ... واحتجزت كلَّ ملابسي الشتوية لم تتعفف واستلبت آخرَ أغطيتي ....لتُهَرِّبُها في بيت صديقتها .. ثم ابتسمت قائلة حان الوقت لتقضي شِتاءَك عُرياناً ورأيتم كيف اقتطعت لأبيها من أذُنَي وأعطته وعدا أعطت للأم بأن تُعطي لها في يوم قلبي لتمضغه نياً وكذلك وعدت خَالَتَها أن أتشرد بين البر وبين البحر.... .....................................................
عشرون سنةً مرّت قبل العشرين وأكثر من ذلك ألقت بي عربات قطار ...في زخم القاهرة فإذا بي وأنا فوق السطح اسكن في غرفتي مُلِئتْ أوراقا وأرائك مما يُعطي النخلُ ومياهُ جارية .. تحضرها صاحبةُ البيت لدجاجاتٍ وخروفٍ فإذا ما حلّ الليلُ يمتلئُ السطح بفئران تشرب وفِراشٌ آخر في غرفتيَّ .. من سعف النخل يتشاركُ قسوتَه كلٌ من .. سقراط .. أرسطو .. والسيابْ أحيانا أُخْرِجُ بعض المحتويات .. فتتسع الغرفة استعدادا .. أن نشرف بمجيء السيد: سيد درويش في هذى الأيامْ كان بقلبي متسعٌ أن تبحر فيه الأرضُ بسبع طباق وسماواتٌ تتنزلٌ .. تمليني بأخبار ....... ما كنت لأمشي على قَدميّ أتذكّرُ أجنحتي أتذكّرُ كنتُ بُراقاً ... استبقُ الخيلَ واستبقُ السياراتِ أهبطُ في الليل أتَفَقَدُ في مملكتي العريانين ... الجوعى ولا أحملُ فيما أحمل خبزاً بل لأشَارِكَ مملكتي الأحزانَ ... وأبكي ....... لم يشغلني أبداً إنْ كنتُ بلا خبزٍ .. وبلا دُخَّان لم يشغلني أنْ يُكتَبَ اسمي في صفحات الصحف اليومية فاسمي مكتوبٌ بدفاترِ كلِ البقالين أيضا وأُوقِعُ في صفحتي المخصوصة يوميا فأنا أتقاضى ما أحتاج إليه من البقالين .. وما غضبوا مني مهما تأجل ديني والرفّاءُ يمازحني يوميا هل فُرِجَتْ أم ما زالت مظلمةً ومتى سَتَكُفُ أيا رجلاً عن ترقيعِ ثيابك فأمازحه أيضا رَقِّعْ ., رَقِّعْ .. لا أخجل تاريخُ بلادي " مرقـوعٌ " ومُرَقَّع وثقافتُنا مُرَقَّعَةٌ .. "مرقوعة " رَقَّعَها الخلفاءُ .. الفقهاءُ .. السفهاءُ .. العلماءُ .. السوقة وعلاقات الناس مزيفة وموشاةٌ بالرُقَع المكشوفة لا تخجل .. ان تضع الرقعة فوق قميصي .. ظاهرة ملحوظة أشرفُ من إن تَرَفَع ثوبَ الوالي فتفاجئُك .. الرقُّعُ المدسوسةْ جدْ لي شخصاً في كل المحروسةْ ... متباهٍ .. فتحايلْ أن تَقلبَ ثوبَه ليس اقل من العشرة رُقَعٍ مخبوءة رَقِّع.. رَقِّع.. لا تخجل وتعمدْ أن تبدو الرقعةُ فوق قميصي كفاجرةٍ لا تخجل من عهر عهرُ المرأةِ هَيّن والأسوأ منه ... ولا يخجلنا عهرٌ يتبخترُ مختالاً في كلِ مراجعِنا .......... ............... ثم الفوال يناديني في كل صباح ... في سَبَتِي يلقى بخمسةِ أرغفة وكذلك في صحن السلة ، طبقا من فولٍ بالزيت الحار كان يحوّجه بطحينته الحمراء .. ثم ويلقي بجانبه ليمونة وصديقاتٌ في مدرستي يحضرن غداءً يوميا وعشائيّ دوماً عند صديقٍ فاطمةٌ زوجته تُكرمني بما هو مطبوخٌ فإذا ما عدتُ إلى الغرفةِ ينهرُني العقادُ على التأخير .... فأمازحه هلا فَرَغت من معركة عميد الأدب العربي .. لتحتج عليّ فيردد خلفي .. عميدُ الأدب العربي .. يتركني فأغني أغنية انتهر بها أزمنة ..تغتالُ اللندي وأنام فلا أحلُم ذاك لأني لم أعرف فرقاً بين الحلم وبين اليقظة لكني تمنيت على الله وقلتُ ليس جميلا أن يبقى آدمُ وحده سمع الله لمن طلب .............. فأسكنني بيتا ببولاق الدكرور واستنبتَ من هذا الضلع الأعوج في صدري امرأة لتكون نظيري لا أعلو عليها ولا تعلو فإذا امرأةٌ من لحم ودمٍ ... تَمْثلُ قدامي قلت لها .. لست أميراً قالت أعرفْ ... قلت لها رأسي أصلع ... لوني قاتم أحدُ رجالاتِ الثورةِ والحرية حين أحبتني قريبتُه .. قال لها ... كيف تحبين الأصلع في نفس الوقت يطالبني ... من اجل الناس جميعا ... سنموت وأيدينا على المدفع لم تهتم .. قلت لها
أتعشى أحيانا بالماء ..ولا أنسى ضرورة أن يتبقى منه لدجاجات الجارة لا تعنيني الجارة .... بل يتحجر هذا الماء بحلقي لو نظرت فيه دجاجتُها العطشى
وأصول عائلتي جرجرهم عمرو بن العاص وما عَرفوا القمحَ الأبيضَ إلاّ في مصر
وكذلك لا أهوى أن أعملَ في عملين ... ساعاتٌ سبعةْ تكفينا وزيادة فإذا لم تكف .... أيقنت بأن الدولة تسرقني ... فتوافقنا
يعجبني أيضا أن أبقى في القاعِ ولستُ طموحاً فأجبتُ على دهشتِها كلُ طموحٍ إلاّ في معرفةٍ يصنعُ محتالاً ... أو "أوباشا" يُلقون بأنفسهم في طرق السادة فإذا ما صرتُ من السادةِ ...ذلك يعني أني قد احْتَلْتُ على أنصبةِ الغير ولأني أعشقُ ملحَ الأرضِ رعاعَ الناسِ فجميع الناسُ عرايا يجيئون ولأن الناسُ عرايا يموتون فلماذا سيدتي نتميز في ال.. ما.. بين
وكذلك ليس الأقوى هو الأرقى إلاّ عند القِرَدَة أتحبين السير على أربع فانتفضت .. قالت .. بل إنسان فوق اثنين
اعتدل الحكّاءُ..... أشار يقول للشاعر همساً ... لا تنسى تأصيل خيانتِها ..فاصطبغ الوجه الآخر للشاعرِ بالحمرة .. وعلا صوتُه في شرفته ..يقول
حين رأتني أتَعَجَلُ أن أقتنصَ النهدين راحت تصنعُ قيمتها هربت تتخبأ بين الأشجار تساومني وضعت سعراً للنهدين وسعراً للعينين وسعراً للأرداف وسعراً للوركين فتحدد مهرُ المرأة حسب جمال العينين .. النهدين .. الفخذين .. الردفين قلتُ لها .. لن أدفعَ حتى لا أصبحُ نخاساً أو تأتيني كجارية ما إنْ ادفع للعينين أو النهدين أو الردفين ستكونين سبيه أيّما امرأة قَبِِلتْ فِلساً كي تتعرى ..... سأصنفها في النسوان بغية حتى وإن صاحبها الطبلُ وصاحبها المزمارُ سُئَلتْ... قالت لم يدفعْ شيئاً فاختصمت أماً وأباً واختصمتْ خالتها قاطعها النخاسون ... فكانت حُجَتهم كيف سيستمتعُ بالمرأةِ مجاناً سُئِلتْ .. ما معنى أن يعشقكِ إذا لم يدفعْ قلت فإن كانت عاشقةً ... هل تدفع ... هل تدفع ... !!!!!!!!
فامتثلتْ للأرقىَ .... وتقافزنا نظيرين في طرق الجنة يكتمل البدر فتهذي ..في النوم تقول كيف استمتع بي مجانا !!!!
اختنق البدر ...فغابت واتخذت من دوني حجاباً تأكل من تلك الشجرة فانتفضت في دمها كل الشهوات إلى الخلد واقترحت أن نلعبَ العابَ الناس الدود أو ليست هي العاب الناس الدوووون !!! قالت لا .. بل هي العاب الناس الدووووووووووود هي العاب مفتوحة ليس بها ممنوع أو محدود أومأتُ فقالت أغمضْ عينيك .. لتتركني أتخبأُ في أشجار التوت أغمضتُ ... فألقتْ كتبي وكتاباتي كي تفسح للألعاب .. كما قالت في اللعبة شرط ٌ... أن تتبعني بعد قليل تتغيرُ أدواري ألقت بي في قاع الجبِ ..... وقالت تُلتَقطُ ببعض السيارة وسوف تُباعُ كما في اللعبة قلت تعالي .. قالت لا توجد في اللعُبة أنثى وإن حاولتَ خروجاً منها فلن تقوى .......... .............................................
فتدخل الحكّاء حين رأى الشاعر يهوي إلى قاع الجب ... قال : فاستصرخها الشاعر ... من قاع الجب ، فاشرأبت عيونكم من النوافذ والبلكونات والشبابيك تبحثُ عنه .. لم يظهر منه سوى كفيه تتشبث بخيوط الضوء التي تتسرب من مصباح الكهرباء الكبير بجوار شرفتنا .. وهي ضعيفة لا تقوى على حمله , فهي ليست كخيوط الشمس ..لذا فأنا أتحامل أن أمسك بالكفين لصاحبنا .. ساعده هتاف الجمهورِ به أن يخرجه من قاع الجب .. راح ينظفه من تلك الأتربة العالقة على ملبسه وجبهته , وبقايا حشرات ميتة على جسده , أسنده على سور الشرفة ساعة أن بدأ يتجشأ صدأ وصديدا تراكم في جوفه عشرين سنة في قاع الجب , أقعي في ركن من أركان الشرفة ,يشكر للجمهور وللحكّاء، قال : سأكمل ما ليس في مقدرة الحكّاء روايته ،لا تكفي روايته للأحداث لأن تجتث الإشفاق عليها لديكم، وهي مضرجة في دمها ، وأعتذر عن ضعف أساليبي، يجعل عذري مقبولا أني لم اكتب حرفا وأنا معها , عشرون سنة في الجب، تصطنع الحشرات برأسي أعشاشا وكهوفاً، وكذلك اذكر ساعة أن ألقتني في قاع الجب ، انفلتت ضاحكة ,كانت سبابتها تتراقص فوق فوهة الجب ، فتخبئ عني قرصَ الشمس ، فتذَكِرُني يوم انتفضت تتوعدني بأن تفترش تراب الأرضِ على شفتي ، مِن وقع ضحكتها انفلتت ريحٌ صرصر عاتيةٍ صانعةً دواماتٍ تحملني إلى قاع الأرض حيث بحيرات النار وانهار الكبريت فرآني من يحرس بواباتِ النهر ،راح يفتش في قلبي فابتسم وأخرجني من بين ذراعيّ الريح ، ثم سَيَّجني بدموع ليُطَفئَ من حولي النار ، وعلى مركبة من زبدٍ باردٍ يستودعني ، فرأيت جبال البازلت تتشقق أمام مركبة الزبد وهي صاعدة للأعلى ثم رست في قاع الجب ثانية ، نظرتُ فإذا نفسُ المرأة واقفةٌ فانطفأت ضحكتُها وأشارت فاختلقت من طين الأرض ذئابا بوجوهٍ .. فرأيت ذئابا تحمل وجه أبيها و رأيت وجه أمها مرتكزا على جسد العقرب وثعابين اختلقت تشبه خالتها والأعمام وثعالب تحمل وجه أقاربها وجها وجها ، تدلف من فوهة حقيبتها مخلوقات بفم كالأنبوب تطاردني في قاع الجب، عشرون سنة تقتات الحشرات بقاع الجب على رأسي ، فقد التهمت هذى الحشرات ، إدراجَ ذاكرتي ولذا أعتذر عن الإكمال فما يتبقى من الأحداث هو سرد أولى به الحكّاءُ ، بل يبدو كأني مجبور أن أتنحى ، ذاك لأني أشعر بالجبِّ يصّاعدُ حولي ، قال الحكّاءُ ..... فأخْبِرتُ بأن
المرأة صنعت أسوارا بيني وبين بلادي ، ثم امتصت كلَّ دم يشبهني من شريان القلب بأولادي ،" تبزقه " في إبريق كانت تحمله دوما ، وكنتُ أسائلُها عنه فتقول : توارثناه عن جدتي الأولى حواء ، فتنبهتُ لهذا الإبريق المستنسخْ، والموجود بحقائب بعضِ النسوة ، فعرفت لماذا بعض النسوةِ يحملن حقائبَ تحوي جيوبا سرية ، أنذرتُ المرأة بالنار ، ونذرتُ ما يتبقى من العمر لأجمع في غرفتي دروعا وبنادقَ ، وفي كل مساء كنت أقوم بتمثيل المشهد للتمثيل بها على جذع النخلة في بلدي ، فيضحك مني شركائي في المنفى ، حيث كان" يسوع" معي منفيا وكذلك" بوذا "، وابن عربي ، كان " كريشنا " يتردد في بعض الأيام علينا ، كانوا أجسادا وبلا أذرع ، إلاّ أني مَعْنِيٌ بمحاربة الهواء الذي يمور حولي ، فربما كان بعضٌ منه قد لامس هذى المرأةَ أو استنشَقَتْ منه أو أنّه يحمل من فمها الزفير ،فصرت لا استنشق الهواء إلاّ بعد أن أتشمّمه فأنا أحفظ رائحتها ، وكثيرا من المرات اختلط عليّ الأمرُ فكدت أموت مختنقا مرددا " بيدي لا برائحتها " فيشتدُ بي الغيظ فينفخُ في رِئتَيّ" يسوع وبوذا" وابن عربي هواء فإن التَأم القلبُ بعد تشققه يصرخ " ايلي " ايلي " والآن أنا اسمع صوتاً من قاع الجب هنا يستصرخني ... لا تتركني .. لا تتركني ...نظر الحكّاء تحت قدميه ، ووجد شاعره مكبلا بخيوط العنكبوت في قاع الجب ِّ، فتمنى لو أن الناس ، تتقافز من كل محيط حوله ، فيقوى على أن يخرجه ثم ومعهم يهدم هذا الجبّ ، لم يقوى على الإبطاء ، وهو يسمع لا تتركني مغلفةٌ بطنين الحشرات وهى تلعق في عقل الشاعر ، فغاصت يده مُغامرةً في قاع الجب ِّ، ليرفعه ، كان ثقيلا جسد الشاعر ، ويدُ الحكّاء واهنة لم تقوى أن تحفظ توازنه فوق سور الشرفة فسقطا سويا ، شهق الناس في الشرفات والنوافذ شهقةً حين رأوا سقوطهما من فوق الشرفة ، صارت شهقة كلِ الجيران هواءً فتجّمع صار بساطا يتهادي بهما ناحية الأرض فاستقر الجسدان في جسد واحد بجوار الكلبة التي ابتلعت عـواءها ،حين رأتْ الكلبةُ الحكّاءَ وصاحبَه على " الأسفلت " ، فانفجرت فيها العافية ، لتقفَ على الأربع ثابتةً ، تطاولتْ رقبتُها للأعلى ثم عـوت عـواء الذئاب ، فأنبتتْ الأرضُ كلاباً تتأتى من كل فج عميق ، تتقدم نابحة من فرح حولها وهي تَغرِسُ أنيابها في صدره ، تنتزع القلبَ منه ولم يزل نابضا حتى وهو في فمها ، ثم جرت إلى أمها ،حاملة قلب الشاعر ألقته على قدميها ، جلست الأم على الأربع، تَشمّمته كثيرا ، امْتَنّتْ الأم كثيرا لابنتها ،ثم راحت تمضغه ثم تتفل أليافه ، ساعتها لم تكن مفاجأةٌ أن يَرى الحكّاءُ هذا الكلبُ الذي كان يحمل بين فكيه قطعة اقتطعها من أذن الحكّاء قديما وهو يلقى بها أيضا قُدام الأم ،مهراً لابنتها التي تعوي الآن عواء الفرح !!! شهق الناس في الشرفات والنوافذ شَهقةً حين رأوا الحكّاءَ يصنع للشاعر مقبرة في صدره ، صارت شهقةُ كل الجيران هواءً فتجّمع صار بساطا يتهادى حاملا الحكّاء إلى شرفته وعيناه معلقة بالقلب الشاعر في فمها وهي تمضغه ثم تتفل أليافه ....!!!!
عبد العزيز نايل 17/5/2007 التجمع الخامس –القاهرة الجديدة بلوك (........)
#عبدالعزيز_نايل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|