أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - مهدى بندق - حوارات مهدى بندق -4 -مع الناقد د.صلاح فضل - القسم الثاني















المزيد.....



حوارات مهدى بندق -4 -مع الناقد د.صلاح فضل - القسم الثاني


مهدى بندق

الحوار المتمدن-العدد: 1918 - 2007 / 5 / 17 - 10:55
المحور: مقابلات و حوارات
    


الحــوار
أود لو توجهت للدكتور صلاح فضل برغبة مني في أن يتقدم إلى قارئيه بسيال من أفكاره تجمع ما بين مشروعه النقدي من ناحية وبين الآفاق التي يطمح إلى الوصول بهذا المشروع إليها، سواء في عالم الفكر والنقد الأدبي والأدب عامة، أو فيما يخص الشأن العام الذي تتعرض له الفلسفة، وأترك له أن يتحدث بحريته في هذا السياق..
شكراً يا أستاذ مهدي، وتحية لإنجازك الجميل في تخليق الجزء الأول الذي أحسب أن الفضل فيه يعود إلى السؤال قبل أن يعود إلى الإجابة.. فيما يتصل بالمشروع النقدي الذي بدأته مبكراً، أظن أن منطلقاته كانت محكومة بالمناخ الذي نتنفسه في مصر في الخمسينيات والستينيات، حيث كان للفكر الإبداعي زهوة وللقيادة النقدية سطوة، وللمجتمع العربي في مصر حلم، ولرجال الثقافة فيه دور مؤثر. وكنت أطمح إلى أن أكون من هؤلاء الذين تربيت على أيديهم، ويمكن أن ألخص مثلي الأعلى النقدي فيما كان يجهزه لي أستاذان، أحدهما تتلمذت بشكل مباشر على يديه، وهو العالم المفكر الدكتور غنيمي هلال والآخر عشقته وتتبعت دروسه ومحاضراته في معهد الدراسات العربية بجوار كلية دار العلوم التي أدرس فيها، كي أتتلمذ على يديه مباشرة بعد أن قرأت وفتنت بطريقته في ممارسة النقد وطريقته في قيادة الفكر النقدي والثقافي والإبداعي، وهو الدكتور محمد مندور، كنت أتمنى أن أمزج بينهما في سبيكة واحدة لكي أظفر بالعالم من ناحية، وبالمفكر الفعال المؤثر في الحياة الثقافية بعد أن انحسر قليلاً تأثيره في الحياة السياسية بعد الثورة، وهو مندور.وكان من المفروض في .... .... لكن ظروفاً رسمية تتصل بالبعثات حولتني إلى دراستي في إسبانيا كارهاً، وكان الموضوع الذي أريد أن أتخصص فيه هو الذي يشغل المفكرين الأدباء في الستينيات، وهو موضوع الالتزام في الأدب، باعتباره مدار المعركة الساخنة الشهيرة بين رشاد رشدي، ومدرسة الفن للفن، وبين مندور ومدرسة الأدب الهادف والملتزم وتعميق الوعي بمسيرة التطور الاشتراكي في مصر. لن أتعرض بالتفصيل للدراسة الفرعية، لكنني أثناء هذه الدراسة تجلى لي أن هناك نقصاً فادحاً في وعينا النقدي وأن استمرار جيلي في تحمل المسؤولية يتطلب منه أن يتصدى لسد هذا النقص. كان النقاد الذين ننتمي إليهم مذهبياً هم النقاد الواقعيون يرددون كثيراً مصطلح الواقعية لكنهم لم يكونوا قد تعمقوا في تحديد أسسه الجمالية ولا مقتضياته الفنية ولا فلسفته العميقة المتجذرة في الثقافات الغربية. وكانت القسمة الشائعة في الإبداع الأدبي هي أن تتحمس إما للشكل وإما للمضمون. وكانت هذه الثنائية على وجه التحديد تقلقني شخصياً، فكنت أبحث لها عن حل. وفي سنوات الدراسة في إسبانيا في الستينيات وفي سنوات الاغتراب في أمريكا اللاتينية في مطلع السبعينيات، هالني أن العالم قد غير لغته النقدية وأن الثقافات الحية الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية قد أخذت تطرح مفاهيم ومقولات وتيارات نقدية جديدة لا عهد لنا بها، تمثلت على وجه التحديد في البنيوية بشعبيتها: البنيوية التوليدية عند لوكاتش وجولد مان والبنيوية اللغوية – ولا أسميها الشكلية- عند تلاميذ سوسير وجاكوب سون ومدرسة النقاد البنيويون بزعامة رولان بارت على وجه التحديد. أدركت أن هذا التغير في المنظور العلمي، في الحساسية، في المصطلح، لم يدخل إلى ثقافتنا العربية، فعكفت طيلة عقد السبعينيات – منذ بداية 1971، حتى 1977، أي سبع سنوات، أدرس خلالها هذين التيارين، وأنجزت في هذه الفترة كتابي: النظرية البنائية في النقد الأدبي ومنهج الواقعية في الإبداع الأدبي، وعمدت بشيء من القصدية ألا أقدم أحدهما على الآخر، لأنني لو طبعت كتاب الواقعية فسوف يتم تصنيفي على أنني من ذيول المسار المصري، ولن أتمتع بمصداقية أكاديمية، كنت أتميز وأعتزم الحفاظ عليها، وهي الاستقلال عن التبعية المذهبية والأيديولوجية، ولو نزلت بكتابي "نظرية البنائية" أولاً كان سينظر إلي أصدقائي الماركسيون واليساريون على أنني داعية للمذاهب الهدامة، المخربة، والشكلانية، طبعت الكتابين في الآن ذاته، أحدهما في الهيئة المصرية للكتاب والثاني في مطبعة الأنجلو، وأصدرتهما في نفس الشهر حتى أثبت لنفسي –لم يكن لي قراء حينئذ حتى أثبت لهم- لكن حتى أثبت لنفسي أولاً أنني أدخل مداخل علمية منهجية غير مذهبية ولا متعصبة، لكن المسألة بالنسبة لي لم تكن مجرد طرح النظريات الحديثة في النقد وتطعيم النقد العربي بها واستزراعها فيه. على أن ذلك كان استمراراً لما دأب على فعله كبار المفكرين في الأدب والنقد والثقافة العربية منذ رفاعة الطهطاوي حتى جيل طه حسين، حتى جيل أساتذتي المباشرين. كان هذا هو نهجهم دائماً، مع اختلاف في أنهم كانوا ينتقون بعض الأفكار، يتبنونها، لا يحرصون على توثيقها، لا يأتون بأسمائها الأكاديمية والعلمية، يقومون بتعريب مجملها وتوظيفه وتطعيم منظورهم ومنهجهم ولغتهم بحصادها الأخير. كان نهجي إذن في هذا الاستحضار للمنجزات النظرية في الفكر النقدي المعاصر متفقاً تماما في تقديري واستمرارا لما كان يفعله دائما كبار الأساتذة من المفكرين والنقاد العرب في مصر أو غيرها. مضت السنوات الأخيرة من هذا العقد السابع وأدركت أن مصر كانت تعاني حينئذ من الخراب الثقافي نتيجة لهجرة كثير من المثقفين بعد توقيع اتفاقية كاب ديفد واغلاق معظم الصحف والمجلات المتخصصة الفكرية والادبية، وعانيت مع زملائي عذاب أن نكتب شيئاً فلا نجد صفحة بيضاء في مجلة أو صحيفة ترحب بما نكتب، ونبتت في مطلع سنة 1980 فكرة مجلة فصول، واجتمعنا: د.عز الدين إسماعيل، والصديق د. جابر عصفور وأنا لتخطيط مشروع فصول على اعتبار أنها مجلة نقد متخصص... صناعة ثقيلة –كما كنا نسميها- وخططنا لها وأصدرنا أعدادها الأولى، وكان الفضل في ذلك يعود إلى الشاعر الصديق صلاح عبد الصبور رئيس هيئة الكتاب حينئذ، وبصدور العدد الأول من مجلة فصول، أنا شخصياً أعتقد أن تجربتي النقدية بدأت تأخذ مساراً جديداً لا يتمثل في تقديم النظريات الغربية وتطعيم الفكر النقدي العربي بها وإنما يبدأ في تجريبها على محك الاختبار العملي وتطبيقها نقدياً على الإبداع العربي على وجه التحديد. كان الباب الذي أنشأته في المجلة وبدأت الكتابة فيه، بعنوان: تجربة قرائية، كان المقال الأول الذي صدر في العدد الأول لي هو :تطبيق أفكار البنيوية على مشاعر كان ممنوعاً من التداول والنشر في هذه الأثناء في مصر، وهو أمل دنقل، بمقال إنتاج الدلالة في أدب أمل الذي صدر في مجلة فصول، بدأت مرحلة من النقد التطبيقي الذي يضع الأفكار النظرية موضع الاختبار، وفي هذا الاختبار –كما ثبت لي بعد ذلك- حيث لم أكن واعياً حينها بما يحدث تتم عملية توطين النظرية، اختيار العناصر المهمة فيها هو صناعة مركب جديد منها يتم بالتفاعل مع عملية الإبداع ذاته؛ حيث يتم تعديل كثير من العناصر مع اتساق أساسها المعرفي والفلسفي لكي تلتحم بالتجربة الثقافية الممتزجة والمتجذرة في التراث العربي ووعينا بمكوناته الأساسية من ناحية، والمتفاعلة مع طبيعة الإبداع العربي الحديث الذي يبلور رؤية المبدعين لمواقعهم بأعمق معاني التعبير فكرياً وجمالياً. هذه العملية كانت هي المختبر الذي تتشكل عبره أدواتي النقدية، وطوال عقد الثمانينيات تابعت إصدار مجموعة الكتب النظرية في نظرية الأدب وفي الأدب المقارن؛ حيث صدر لي بعد ذلك: "علم الاسلوب. مبادئه وإجراءاته" و " تأثير الثقافة الإسلامية في الكوميديا الإلهية لدانتي" في الأدب المقارن، جنباً إلى جنب مع مجموعة من الأبحاث التجريبية في الإبداع الشعري القديم والحديث، في الإبداع الروائي لجيل الرواد وللشباب، حيث أقوم بتجريب كثير من معطيات مناهج البنيوية وما تولد منها وبعدها من مناهج سسيولوجية ومناهج تتصل بالقراءة، حتى جاءت التسعينات فأصدرت كتابي النظري الأساسي الرابع وهو بلاغة الخطاب وعلم النص. وعند هذه الفترة تبينت أن ما تحتاج إليه ثقافتنا النقدية ليس تقديم النظريات الغربية كما هي لن هذا يمكن أن تقوم به الترجمة، حيث لا تحتاج إلى تركيب عناصرها المختلفة، وإنما المضي قدماً في هذا التوطين، ابتداع هذا الدواء المركب الجديد الذي يأخذ العناصر الفاعلة من التيارات النقدية الغربية، ويمزجها بما يبقى من رحيق التراث، ويعرضها على محك الإبداع ويعيد صياغة جهازه المفاهيمي ورؤيته لهذا الإبداع في ضوء هذا الدواء المركب الجديد الذي يمكن أن تلصق عليه اسم دواء ينتمي إلى النظريات الغربية الجاهزة.
أتصور أن نظرية عبد القاهر الجرجاني في النقد تتصل بإبداع سوسير، وإن كان سوسير لم يطلع على هذا الانجاز، إلا أن العقل البشري يعمل بشكل متوازي إذا كنت توافقني على ذلك..
نعم، ولكني دائماً كنت حريصاً على شيء ربما لا يشاركني فيه الكثيرون من زملائي ورفاق الدرب، وهو إدراك أهمية الانتباه إلى أن الأسس المعرفية للنظريات المحدثة تعتمد على منطلقات تختلف جذرياً عن الأسس الأيديولوجية المعرفية للإنجازات النقدية القديمة، بمعنى أنني –في الوقت الذي كان فيه كمال أبو ديب مثلاً وحتى محمد مندور من قبله يشيرون إلى حداثة عبد القاهر- كنت أدرك أن عبد القاهر ينطلق من تفكير غيبي لاهوتي يستهدف إثبات إعجاز القرآن بالدرجة الأولى، وهذا الفكر اللاهوتي الغيبي يختلف عن الأساس العلمي التجريبي الذي تعتمد عليه منجزات الألفية ومنها نظريات دي سوسير، فكنت أعاند في ألا تأخذني نوبة الحماس لعناصر معينة في الثقافة العربية لكي أطنطن بسبقها وبأهميتها، لأنني أدرك الاختلاف الجذري للسياقات المختلفة. وهذا الاختلاف في السياقات لا يسمح لنا إلا بملاحظة التشابهات فقط، لكن هذه التشابهات جزئية ومحدودة، ولا قيمة لها في نهاية الأمر، لأنها لم تنتج ولم يكن لها أن تنتج في العصور القديمة نتائجها العلمية والمعرفية التي تصنعها في العصور الحديثة..
هذا صحيح، ولكن ألا ترى معي أن العودة إلى ما يسمى بالأصل ليست محاولة حداثية بكل المقاييس لأنها تعتمد على فكرة غيبية أيضاً، وميتافيزيقية تزعم أن هناك أصلاً للثقافة العربية وأصلاً للثقافة اليونانية.. الخ، ما لنا وللأصول؟..
لا، أنا أحسب أن الاستئناس بالأصول يشبع شيئاً في حسنا القومي، لكن هذا الاستئناس بالأصول لا ينبغي أن يجعل الأمور تلتبس أمامنا في أن نغرق أو نفرق تفريقاً حاسماً بين عصرين، عصر العلم وعصر ما قبل العلم، ولذلك فأي خلط بين منتجات هذين العصرين يتجاوز مجرد الاستئناس ويؤدي إلى ضبابية الرؤية، ويؤدي إلى تمثل التاريخ الكوني على غير وجهه الحقيقي لنشبع نزعة الزهو القومي لدينا، ويترتب على ذلك نتيجة في غاية الخطورة، هي: إذا كنا نملك قديماً ما وصل إليه المحدثون حديثاً، فلماذا يبقى وضعنا الرث، المتخلف، القبيح اليوم، وينطلق ركبهم؟! ولا يساعدنا هذا اللبس على فهم التطور الحضاري على حقيقته.
هذا يذكرني بما يفعله زغلول النجار مثلا ً..
بمستوياته المختلفة.. أدركت بعد تقديمي للبنيوية التوليدية والأسلوبية بتياراتها المختلفة، والتطبيقات المتباينة لذلك أن الفكر النقدي العالمي تجاوز هذه المرحلة البنيوية عن طريق التيارات السيميائية (السميولوجية) من ناحية، ومذاهب القراءة والتأويل وعلم النص من ناحية ثانية. لكن حدث أن صدر في هذه الأثناء الكتاب الذي أشرف عليه الصديقان: د.سيزا قاسم ود. نصر حامد أبو زيد، وهو "العلامات والسيموطيقا" فتركت مشروعي الذي كنت أعده لتقديم كتاب "سيمولوجيا نظري" وآثرت أن أقدم منظومة من الدراسات التطبيقية التي تستهدف جوب آفاق تستكشف كيف يمكن لهذه النظريات ما بعد البنيوية أن تسهم في تعميق وعينا العلمي والفني والتقني بمنتجنا الابداعي في الشعر وفي القص على السواء، ومن هنا جاء كتاب "شفرات النص" لكي يقدم اجتيازات متعددة في مناطق تراثية وأخرى حداثية من منظور سيمولوجي، ولكي يبرهن على أن هذه الأجهزة النقدية المحدثة لا تقتصر جدواها اذا احسنا توظيفها وتكييفها وإشرابها لروح ثقافتنا، لا تقتصر على أنها تجدد خطابنا النقدي ووعينا الابداعي، ولكنها كفيلة بأن تعيد لنا قدرتنا على اكتشاف ذاتنا وماضينا وإبداعنا بأضواء لم يكن من الممكن أن نلقيها عليها بغير هذه الأدوات المنهجية الجديدة. وعندما جاء عقد التسعينيات، وطبقاً لنوع من التطور الداخلي الذي يرفض الوقوف عند مرحلة معينة، أو التجمد عند نظرية بعينها، ويحاول احتضان مجمل المنجزات الفكرية والتقنية في الفكر النقدي الإنساني وتغذية النقد العربي بها بطريقة إعادة التفكير التي أشرت إليها، لكني خيل لي في مطلع التسعينيات أن من الضروري إعادة رسم خارطة الإبداع العربي في الشعر والسرد على السواء بمنظور جديد غير تاريخي، فجعلت أطرح على نفسي سؤالاً –مثلاً- إذا كان الجيل السابق علينا قد قسم الشعر إلى رومانسيين وواقعيين ورمزيين وغير ذلك من المذاهب التي انتهت في هذه العقود الأخيرة، والتي كانت تعتمد على أيديولوجيات يلتقي فيها المبدع مع الناقد: رومانسية أيديولوجية: مبدع يتمذهب بها، والناقد يطبق مبادئها، الواقعية أيديولوجية: المبدع يتمذهب بها، والناقد يحاسبه عليها، الرمزية كذلك والسريالية لا غير ذلك.. لكن في البنيوية وما بعدها انتقل النقد من المذهب إلى المنهج، من الأدلجة إلى العلم بقدر الإمكان، بقدر ما تطيقه الأمور الإنسانية من العلمية، وتوجت ذلك أبحاث علم النص؛ فكيف لنا أن نعيد قراءة تاريخنا القريب إبداعياً؟ عندئذ شرعت في مشروع جديد يحاول أن يؤسس لتركيبة نظرية جديدة في الشعر وفي السرد، ويقيس عليها الإبداع العربي، وأظن أن هذا المشروع كان طموحاً، لأنه يعني عدم الرضا بالمنظومات الغربية الجاهزة ومحاولة تصنيع متواضعة لإطار نظري ومنهجي ينبثق ويتسع للإبداعي العربي، ينبثق منه ويتسع له. وأحسب أن كتابي "أساليب السرد في الرواية العربية" ومن قبله كتاب "أساليب الشعرية المعاصرة" هما التجلي الواضح لهذا النزوع، لهذا الطور الجديد في مشروعي النقدي، لأن السؤال الذي كان مطروحاً: لماذا التغريب المستمر؟ لماذا الاستعارة؟ لأن الاستعارة هي منطق النمو والتطور والتهجين هو سبيل التوليد دائماً، والعلم لا يعرف القوميات، والمناهج لا يمكن أن تنحصر في ثقافات أو لغات بعينها، لأنها إنسانية، ومع كل ذلك فإن طبيعة النفس الخاص، الروح المميز، الطابع القومي للغة والثقافة، كل ذلك يتطلب معالجة النظرية في ضوء المنجزات الإنسانية المنبثقة من هذا الإبداع ذاته..
بما يعطيها شيئاً من اللون المحلي؟..
من المحلية التي هي في الوقت ذاته إضافة إلى التراث الإنساني.
ألا ترى أن ذلك يعيدنا إلى الرومانسية بشكل أو بآخر؟..
لا، ما دام يتكئ على منظور علمي، لا يمكن أن يقع في الرومانسية الخيالية الفانتزية لأنه يتكئ على رؤية علمية ومنهجية محددة، طرحت سؤالاً:"ما هو الشعري؟" وهذا سؤال في منتهى الخطورة، وقد تعددت الإجابات عليه في كل الثقافات، في ضوء منجزات نظريات البنيوية وما بعدها ونظريات التواصل وكل ما أسفرت عنه العلوم المحدثة التي قاربت المادة الشعرية، ثم كتبت موجزاً لنظرية في الشعر، لم أتكئ فيها على مصدر واحد، وإنما استقيتها من كل ما كتب عن الشعرية في اللغات المختلفة، بتركيب أتحمل وزره، وأسأل عنه.
في هذا الصدد، قلت في تحولات الشعرية العربية إن التواصل الجماعي حل محل الوظيفة القديمة للشعر التي هي الإعلام. وهذا صحيح بغير شك، لكن الوظيفة ليست هي كل الكائن، فالكائن هو مجموع وظائفه إضافة إلا ما لا يُرى وما لا يـُـحس. قد يسمى روبرت ميرتون هذا الجانب بالوظيفة، بالوظيفة الكامنة. ويدرجه تالكوت بارسونز ضمن متطلبات الوظيفة، ألا تتفق معي في أن هذا العنصر الكامن هو ما ينبغي للشعر أن يـُعنى به، أن يكتشفه، أن يحاول التعبير عنه، ولو كان هذا هو المطلوب الشعري على الحقيقة، فهل يمكن أن يظل الموروث الشعري ذا قيمة جمالية حقيقية يمكن أن نتواصل معها الآن؟
هذه مداخلة جيدة، وتتيح لي فرصة التوسع قليلاً في شرح طبيعة الإطار النظري الذي تعرضت له، بالفعل الوظيفة ليست هي الكائن، لأن النظرية في تقديري لابد أن تجيب على ثلاثة أسئلة؛ لنتحدث عن نظرية الشعر، السؤال الأول هو سؤال الماهية: ما هو الشعر؟ مم يتكون؟ وسوف تجد كل التيارات السابقة على البنيوية تقدم إجابات لا تقوى على مواجهة النقد، ابتداء من البنيوية فحسب بدأت الإجابات الصائبة عن طبيعة البناء اللغوي التخييلي الشعري، البُنى اللغوية التخييلية للشعر، وهذه البنى تحل جدلية الشكل والمضمون، تلغيها طبعاً، وهذا انجاز أساسي، لكن السؤال الثاني في أية نظرية هو شبكة علاقاتها بالمنتج فرداً وجماعة، بالمتلقي، بالتراث، بالمستقبل، هذا هو السؤال الثاني الذي يحدد البعد العلائقي لأية نظرية. السؤال الثالث هو سؤال المستويات، إذا لم تتسع النظرية لتحديد العناصر التقنية الداخلة في التركيب الشعري وما يترتب عليها من تحديد لمستويات التعبير الشعري، فهي غير قادرة على احتضان الظاهرة في مجملها، بمعنى: على أي أساس نستطيع تصنيف الإنتاج الشعري، وعملية التصنيف أساسية، لا لما يترتب عليها من تحديد القيمة، بل لما تنبني عليه من تحديد المستوى، يأتي السؤال الرابع والأخير تتويجاً لسؤال الماهية وسؤال العلاقات وسؤال المستويات وسؤال الوظائف المتجددة في كل عصر.. في ضوء هذا المفهوم المركب، الذي حاولت أن أبني من خلاله ما أطلقت عليه نظراتي الشعرية أو سلم الشعرية كما كتبت في مقدمة كتاب أساليب الشعر وكما أقول أنا المذنب فيه والمسؤل عنه؛ إذ لم يسبق لأحد أن سبقني إليه، يمكن أن نطرح مسألة الشعر العربي القديم وكيف كانت الوظيفة الإعلامية سرعان ما مات بانقضاء مناسبته، ولم يبقى إلا الشعر الذي استطاع أن يوازي بين الوظيفتين: الإعلامية والجمالية، والذي استطاع أن يحتفظ بأعلى درجة من مستويات التقنية، وهذا هو الشعر الذي خلد والذي استوعبه ضمير اللغة وضمير الثقافة وتناقلته الأجيال، لأن ما هيمن عليه لم يكن الوظيفة الإعلامية؛ فنحن لا نقرأ شعر المتنبي لنعرف منه أخبار سيف الدولة والأوضاع السياسية في مصر، ولا موقف الخليفة في بغداد، فكل ذلك يطرحه المؤرخون، وقد أصبح لا يعنينا، بل هذه الأسماء التي كانت تبرز باعتبارها بؤرة الاهتمام في عصرها القديم توارت تماماً، وأصبح ما يبقى من شعر المتنبي هو تلك الماهية المتمثلة في تركيبته، في علائقه، في وظائفه الجمالية، في مستواه التقني الرفيع.
بقى أن أشير إلى مرحلة أخيرة وهي رابعة المراحل: المرحلة النظرية المباشرة التي بدأت بها إلى المرحلة التي تمزج بين النظرية والتطبيق إلى المرحلة التي تستخلص من الإبداع العربي عناصره النظرية المتوافقة والمتكئة على المنجز الإنساني، إلى المرحلة الرابعة التي أجدها ضرورية، فبدونها لا يمكن أن تكتمل تجربة نقدية أو تتخذ مسارها الطبيعي، وهي التفرغ لمراقبة الواقع الإبداعي والقيام بوظيفة – لا أقول الموجة فهذه كلمة سيئة- وإنما القارئ له (أي للواقع الإبداعي) لديك حصيلة نظرية وممارسة عملية تكفي لكي تشرع في قراءة واقعك الإبداعي وتشرع في وضع علاماته، وتشرع في شيء أهم وأخطر من كل ذلك، وهو أن تستعيد الدور الذي كان يقوم به نقاد الأجيال السابقة علينا عبر نقدهم للأدب وقيادة الفكر والثقافة في المسارات التقدمية الصحيحة. وهذه المرحلة التي أتيح لي فيها أن أكتب في الصحف اليومية، بدلاً من المجلات المتخصصة التي كنت أقتصر عليها أو محبوساً فيها في الفترة السابقة، أو مجلدات الكتب التي كنت سجينها في الفترة الأسبق.. هذه الكتابة في الصحف السيارة أستشعر أنها تلقي علىّ مسؤولية فادحة، لأنها تمثل تحدياً كيف يمكن أن تتخذ من النماذج المختارة التي تنتقيها من الإبداع العربي المعاصر وسيلة لتأسيس تيار يتبلور في منظومة من القيم تجد أنها ضرورية لتوجيه مسار الثقافة والفكر في الفترة الراهنة التي تعيشها؛ عندئذ تبلور لدىّ وعي حاد وشقىّ وممض بأن هذه المنظومة لا يمكن أن تغفل ثلاثية الحرية، العلم، الإبداع. فأصبح معياري في اختيار النصوص وقراءتها واكتشاف جمالياتها وبلورة دلالاتها.
حديثك المطول هذا يكاد يصادر على مطلوبي الذي هو محاولة من جانبي لقراءة مشروعك النقدي بوعيي أنا، وبقصد إعادة بناءه بواسطتي، بواسطتك، بواسطة ثالث غيرنا، ومع ذلك فأنا أصر على مشروعي الخاص في الحوار مستعيداً ما نشر في العدد الماضي من هذه المجلة؛ حيث قلت لي مداعباً إنني أحب التجريح، والحق أنني مهتم بالتفكيك، وأنا حين أقرأ صلاح فضل باعتباره نصاً فكريا ونقدياً متصلاً فإنني في ذات الوقت أجدني - بقصد ما يسمى بالثوابت - ساعياً للكشف عن تبعثر منطوقات هذا النص "الصلاحي" وتناقضات خطابه، فعلي سبيل المثال فأنت تحدثت عن الأيديولوجيا الدينية باعتبارها واقعاً، والواقع –كما يذهب اليمين الهيجلي- لابد من الاعتراف به والعمل بمقتضاه؛ فكيف يتصل هذا القول مع دعوتك في كتابك "مناهج النقد المعاصر" إلى ضرورة الانعتاق من الأيديولوجيا والتحول من الخضوع لها إلى الارتباط بمنظومة العلوم الإنسانية بحسبانها وعـياً علميــاً مقابــل الـــوعـي الزائـــف Pseudo consciousness الـــذي تمثله الأيديولوجية؟
بالضبط. أنت تعطيني فرصة ذهبية لتوضح فكرتي الأساسية في هذا الجانب. ليس معنى أنني لا أخضع للأيديولوجية أنني أنكر وجودها في الواقع –لأن حياتنا سلسلة من الصدامات الأيديولوجية للعوالم الصغرى والكبرى لكل منا. كل مثقف كيان أيديولوجي، له أهدافه، له ما يتصور أنه رسالة حياتيه، له أزماته، له حلوله، له فترات ضياع، له فترات استعادة وعيه، اكتشاف زيفه وتحولاته.. الخ. كل جماعة –بالتالي- لها مثل ذلك، لكن ما أصر عليه هو ألا أدرس الأيديولوجية بأيديولجية، وإنما بمنهج علمي يكشفها، ستقول لي أن العلم لا يخلو من أيديولوجيا، ولكن نسبة الأيديولوجية في العلم أشبه بنسبة السموم في الطعام.. لا يخلو طعام من سموم، لكنها لا تصل إلى الدرجة التي يتحول فيها الطعام من غذاء إلى سم، إذن ما أحرص عليه هو: الأدب كله ظواهر أيديولوجية لأنه كله ظواهر إنسانية تحاكي تعقد حياة الإنسان، تجذر رؤاه، تعدد أبعاده. لكن أدوات ومناهج ووسائل تحليل ذلك الأدب لابد أن تلجأ إلى العلم وتبرأ ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً من الأيديولوجية، فلكي أقيم الظاهرة الدينية، فلن أستطيع رؤيتها بحجمها الصحيح إذا كنت بداخلها، سأراها الكون كله؛ لكي أقيم الظاهرة الماركسية (وهذان هما قطبا الأيديولوجية) مهما تعرضت للنقد من داخلها وللتجدد لا أستطيع أن أقيمها من داخلها بشكل موضوعي، لابد من اخذ المسافة العلمية من أية ظاهرة كي أستطيع تحليلها موضوعياً؛ وهذا هو الإنجاز الحقيقي لتيارات البنيوية وما بعدها في النقد الأدبي وهذا ما أطبقه في الفكر العام فلسفياً وإبداعياً منطلقاً من مبادئي النقدية.
في هذا الصدد أيضاً أستطيع أن أتقدم بسؤال أو بمداخلة، أقول فيها انك أبديت في كتابك المشار إليه آنفاً "مناهج النقد الأدبي" انتقادات لمصطلح "رؤية العالم" الذي نحته لوسيان جولدمان في كتابه "الإله الخفي" رغم اعترافك في هذا الكتاب بخصوبة هذا المنهج، فقد انتقدت فيه أنه يقيم تناظراً بين ظواهر غير متجانسة: الحياة الاجتماعية من ناحية ، والأعمال الأدبية من ناحية أخرى، هل أنت تنكر أن الظاهرة السوسيولوجية والظاهرة الأدبية يربط بينهما وسيط مشترك هو اللغة، وهذا كلام علمي بحيث نرى العمل الأدبي بما هو نسق لغوي بمثابة خلية حية في الجسد الاجتماعي، بقدر ما تتجلى الظواهر الاجتماعية لغوياً في تضاعيف العمل الأدبي وذلك باعتبار أن الظواهر الاجتماعية لا تكون كذلك إلا لأنها تستخدم اللغة وبغير اللغة فإن أية ظاهرة هي محض طبيعية مثلما يحدث في عالم الحيوان والحشرات، وأنا لا أعني باللغة مجرد علامات التواصل، بل الإنتاج الدلالىّ المعرفىّ وحفظه وتوريثه للأجيال، وهو ما لا ينطبق إلا على اللغات الإنسانية.
أتفق معك إلى حد كبير فيما أشرحه في هذه المداخلة، بل أذهب إلى أبعد من ذلك، وهو أننا في بعض الدراسات النقدية التطبيقية التي وضعت فيها الجهاز المفاهيمىّ للبنيوية التوليدية موضع التطبيق، وقرأت أعمالاً إبداعية في ضوئها، وصلت إلى مثل هذه النتيجة عملياً –من الأعمال الإبداعية ذاتها- لكن ما كنت أشير إليه في كتابي وهو بالمناسبة مجموعة محاضرات ألقيتها على طلاب الدراسات العليا وحاولت أن أحيي بها تقاليد أستاذي وشيخي د. محمد مندور – ما كنت أشير إليه في هذا الكتاب هو أن كثيراً من التطبيقات المتعسفة المتسرعة لمصطلح رؤية العالم تقرن الظواهر الجمالية بالظواهر الاجتماعية بدون مراعاة الوسيط اللغوي.
لم يفعل هذا جولد مان..
بالتأكيد، لقد كان جولد مان بالغ الذكاء وبالغ الدقة في عرضه الناضج لنظرياته وفي تطبيقاته اللاحقة عليها، ابتداء ً من "الإله الخفي" إلي ما كان أطروحته للدكتوراه إلى الكتابات التي لم يتح له إتمامها نتيجة لاختطافه برحيله المبكر، حيث كنا نأمل من إنتاجه المزيد.. لكن تعرضت نظرية جولد مان – على أيدي كثير من المفكرين الغربيين من أنصاره – إلى نقد خاصة فيما يتصل بكفائتها في إبراز المنظومات الكبرى للوعي الاجتماعي وكفاءتها في تحديد مستويات الإبداع الأدبي التي كان يرى أنها أكثر تمثيلاً للضمير الجماعي من كل الدراسات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتخصصة، ولم يصل نضج المنهج بعد جولد مان إلى المرحلة التي يمكن فيها استخلاص مقومات جمالية مناظرة للمقومات الاجتماعية ومرتبطة بها، على أن ذلك الارتباط ذاته لا يمكن أن يخضع لآلية ميكانيكية لأنه في نهاية الأمر سوف يذوب بعد ذلك في تحليل عمليات استجابة القراء، كما أن تطور النقد بعد البنيوية التوليدية لدى بعض المتعمقين في تطبيق مبادئ النقد الثقافي وليس بعض السطحيين الذين يركزون على الظواهر الاجتماعية البحتة وإغفال الجوانب الجمالية والتقنية؛ أثبت أن هذا المنظور ما زال بحاجة إلى "التماس" مع الإبداعات الإنسانية في ثقافات مختلفة لإفراز منظومته وأجهزته التقنية التي تستطيع أن تجيب على سؤال القيمة الفنية الموازي لسؤال القيمة الاجتماعية.
فهل من أجل هذا رفضت فكرة إخضاع رسالة الغفران للبنية القصصية من حيث خلوها من المنطق السببي القصصي، مؤكداً على أن الرسالة تعد نموذجاً لغوياً بالدرجة الأولى، ولكن ألا ترى أن تعبير النموذج اللغوي فضفاض بأكثر مما هو محدد لطبيعة النص؟ وإذا صادقنا على خلو رسالة الغفران من المنطق السببي، ألا يقودنا هذا إلى تعزيز مبدأ السببية بينما تتجه الفيزياء الحديثة ووراءها الفلسفة إلى ما هو أوسع من إخضاع العالم والكون –وبالتالي العمل الأدبي- إلى حتمية تقوم على الضرورة دون أي اعتبار لما يمكن تسميته بالحرية؟
الواقع أنك ذهبت بعيداً في تفسير إشارتي إلى رسالة الغفران، وهذه كما أذكر وردت في مقدمة الطبعة الثانية من كتاب "نظرية البنائية" عام 1980، وكانت بصدد التعليق على ما صدر حينئذ من كتب استخدمت مصطلح البنية، وكان كتاب الصديق التونسي حسن الواد قد صدر بعنوان "البنية القصصية في رسالة الغفران" وعندما تصفحت هذا الكتاب وجدته لا يدرك مصطلح البنية، ويتلمسه في رسالة الغفران دون أن يعثر على بنيتها المنبثقة منها، لم يوفق لذلك في تقديري، ومن هنا وجهت نقدي إلى توظيف مصطلح البنية عند حسين الواد في رسالة الغفران، لكن عندما فرغت في كتابات لاحقة لتأمل رسالة الغفران في ذاتها، لا من منظور مقارن، بل من منظور نقدىّ حداثىّ، وصلت إلى نتيجة مغايرة وهي أنها ليست مجرد بنية لغوية وإنما هي نموذج فذ لما أطلقت عليه: حرية التخيل التي تقاوم تزمت التعصب الديني في العصور الوسطى والذي ما زلنا نعاني منه حتى اليوم، لأننا عندما نقرأ ما وراء سطور رسالة الغفران: بنيتها العميقة إذا صح هذا التعبير، فسنجد أنها عمل في غاية الذكاء؛ فقد درج ابن القارح الذي بنيت رسالة الغفران على لسانه، على تكفير وتخطئة كبار الشعراء والصوفية ومفكري الإسلام في القرن الرابع الهجري، وأراد المعرىُّ أن يقارعه الحجة بالحجة والمنطق بالمنطق، وكان المعرىّ يمثل الذاكرة الحية للثقافة العربية الإسلامية والقاموس المحيط بكل كنوزها اللغوية؛ فابتكر حيلة الرحلة إلى العالم الآخر، إلى الجنة ليقابل على وجه التحديد –في الجنة- الشعراء من الجاهليين والإسلاميين ويسكنهم وحدهم هذه الجنة. وجعل بطل هذه الرحلة ابن القارح ذاته لكي يوقعه في سلسلة من المآزق التي ينتهي إليها فكرُه الضيق، ولكي يكشف عن عمق أحكامه القيمية وعن كيفية أن الاعتماد على هذه النصوص الدينية والسلفية ذاتها وتأويلها يمكن أن يكون منفذاً فذاً لممارسة أعلى درجات حرية التخيل مع عدم انتهاك أية قاعدة من القواعد الشرعية وعدم الخروج على منطوق أي نص من النصوص الدينية، هنا يلعب أبو العلاء لعبة مزدوجة في غاية الخطورة، لا يواجه ابن القارح على الصعيد الفكري المباشر ولا على الصعيد الفلسفي لأنه حينئذ سيضطر إلى الدفاع عن الزنادقة والشعراء والمفكرين، وسيكون في موقف ضعيف تسهل إدانته، فهو يجره إلى أرض الخيال الإبداعي وتوليد المفارقات من النصوص الدينية ذاتها لكي يوقعه في النتيجة التي ينتهي إليها، وهي أن الغفران هو الباب الواسع ، والرحمة هي الطريق الذهبي للمفهوم الحقيقي للدين.
اسمح لي أن انتقل بك إلى موضع آخر في هذا الحوار فأقول: لقد بدا لي أنك في كتابك "نظرية البنائية" تنحاز إلى دي سوسير، سواء فيما أسس له من ثبات قاعدي في الأسس في كتابه "دروس في علم اللغة العام" أو ليفي ستراوس في كتابه "العرق والتاريخ" لدرجة أنك لم تتعاطف لا مع الوجودية ولا مع الماركسية في معركتهما بالضد على البنيوية، وحتى محاولة ألتوسير لتجديد الماركسية أراك لا زلت تنظر إليها نظرة الشك، أيعود ذلك إلى شغفك الأصولىّ بفكرة الثبات ولو كان نسبياً؟..
أريد أن أعترف لك بشيئين في هذا الصدد، أولاً أنه عند محاولتي لتقديم منظور البنيوية للعلوم الإنسانية بمختلف فروعها: التاريخ والاجتماع والانثروبولوجيا واللغة والفلسفة ، قبل أن أدخل إلى شرح معالم الفكر البنيوي في الأدب والنقد، كنت بذلك أختط طريقاً غير مسبوق لدى النقاد العرب الذين يبدأون من النصوص الأدبية ، ويغفلون الخلفيات الفكرية والفلسفية والعلمية المرتبطة بمنظومة العلوم الإنسانية. وكان هذا بالنسبة لي شاقاً، كنت أريد في تلك الأثناء أن أقدم انضج تجليات الفكر البنيوي كما استطعت أن أتمثلها حينئذ؛ وقد تمثلتها بوضوح عند ليفي ستروس وعند جاكوبسون، ثم قرأت ما يتصل بألتوسير وما كتبه فوكو فوجدت أن مجمل نتائجهم لا تصب في تنمية الفكر النقدي الذي أهدف إلى تأسيسه، الفكر المتصل بالنقد الأدبي، فكان السؤال المحدد لاختياراتي دائماً أن منطلقي يذهب إلى إضاءة منطقة الأدب والفكر النقدي؛ فلآخذ من منظومة العلوم الإنسانية ومن كبار المفكرين ما يعينني على إقامة التصورات التي تضيء وتشرح وتوضح الأسس الفكرية للأدب وللنقد. من هنا كانت انحيازاتي المختلفة مؤثراً حفر هذا الطريق بأظافري ، دون أن تكون له سابقة فيما قرأت واطلعت عليه من كتب البنيوية في تلك الآونة. وأحب أن أنبه إلى أن كتاب "نظرية البنائية" لا يتبع نموذجاً غربياً على الإطلاق وإنما صممت أنا نموذجه، وأحسب أن معظم الذين كتبوا عن البنيوية بعد ذلك آثروا طريقاً سهلاً آخر، وهو أن يكتبوا عن البنيويين، عن الأشخاص.. كل الفصول وكتاب "رامان سلان"، وكتاب عصر البنيوية الذي ترجمه الصديق د. جابر عصفور والكتابات الأخرى تكتب عن أشخاص، لكن كنت أنا في السبعينات أشق طريقاً غير معبد، وهو أن أكتب عن الأفكار وعن تاريخ الأفكار ومنظوماتها، وكيفية تشكلها، لا عن منظومات الأشخاص؛ وكان هذا أمراً عسيراً للغاية. أما الاعتراف الثاني الذي سأبوح لك به فهو أنني كتبت "نظرية البنائية" مرتين: المرة الأولى مزقت أصولها لأنني لم أكن أيضاً راضياً عنه، لكنني خشيت ألا استطيع كتابته مرة ثالثة، فأبقيت عليه واعتبرته مسودة ينبغي أن أعود إليها بالتشذيب. والمفارقة الطريفة أنه لم يبق لدي هذه المسودة ولم أعد إلى كتابته مرة أخرى، وأيقنت أنني لو فعلت ذلك لقضيت حياتي كلها في إعادة كتابته.
هل من أجل هذا لو أنك لو عدت إلى هذه المرحلة التي تقوم فيها بكتابة هذا الكتاب مرة أخرى، إذن سيبدو هذا السؤال موازياً لذلك الفكر؟
بالضبط وسأكتشف من نقاط الضعف وعدم الاستواء والنضج عشرات المواضع الأخرى التي تحتاج إلى مراجعة. ولعل منظومة الكتابات النظرية الأخرى ليست في جملتها إلا تصويباً وتنقيحاً لهذا الكتاب الأول.
وهذا ما أريد أن أشدك إليه لنفكر فيه معاً، فيما لو أنك أعطيت كما نسأل الله –طول العمر لتفعل هذا.. هناك شيء مسكوت عنه في هذا الكتاب، وأنا أظن أنه ميشيل فوكو، مع التسليم بأن الكتاب كان مخصصاً لدراسة النقد الأدبي البنيوي مما قصر الحديث على فرديناندي سوسير وستروس وجاكوبسون وبارت فضلاً عن سارتر وجولد مان وغيرهم من اللغويين ونقاد الأدب بوجه خاص، فمن هنا يبدو أن السكوت عن ميشيل فوكو يتسق مع هيكلية البحث، إلا أنني أرى أن النقد الأدبي بما هو مدخل إلى النقد الثقافي العام الذي هو يكاد يحل محل الفلسفة التأملية، لابد أن يغرينا بدراسة ميشيل فوكو بالذات لأنه في تقديري أعظم تلامذة ماركس، فهو الفيلسوف الذي هجر الميدان التقليدىّ للتأمل وانطلق إلى بنية المجتمع التحتية، يدرس اقتصادياتها وهوامشها الإنتاجية كالسجن مثلاً والجنون والمرض بغرض اثبات العلاقة الوطيدة بين المعرفة والسلطة ، كشفاً عن أساليب الأخيرة في طمس حقائق الصراع الطبقىّ ، واستخدام كل ما يمكن استخدامه أيديولوجياً في إجازة استغلال الطبقات الحاكمة للقوة؛ وهذا يعيدنا إلى الحوار الذي بدأناه في العدد الماضي: استغلال الطبقات الحاكمة لقوى الجماهير الغافلة ذات الوعي الميت، ولأن تلك الجماهير تعد أيضاً من مستهلكي الأدب، فلقد صار منطقياً أن يتصل النقد الأدبي بفوكو كما سبق واتصل بماركس، حتى لو لم يتصل فوكو نفسه بالنقد الأدبي بطريقة مباشرة؛ ولهذا فأنا أود أن استمع إلى رأيك في نقطة التنصل هذه، باعتبارك أيضاً ناقداً غير تقليدىّ ، بل ناقداً ومفكراً حداثياً أصيلاً....
أنا أظن أنك لامست وتراً دقيقاً وحساساً في هذا السؤال، وقد تعجب من الأسباب التي جعلتني لا أتعرض لفوكو في كتاب نظرية البنائية.. السبب الأول أنني كنت في الوقت ذاته أنجز كتاب الواقعية كما سبق أن أشرت، وفي كتاب الواقعية بحثت في الماركسية ابتداء من جدلية هيجل إلى مبادئ ماركس، لينين، مبادئ الواقعية الاشتراكية، والواقعية النقدية ، ثم توقفت باستفاضة عند تجربة لوكاتش في جماليات الماركسية ، وشرحتُ مبادئ الانعكاس والنموذج وكل ما يرتبط بالفكر الماركسىّ عندما تحول إلى فكر جمالي ، ثم تجاوزت ذلك إلى ما نجم عن هذه الاتجاهات عند جولد مان وعند المدرسة الايطالية على وجه التحديد ، وعند التيارات المرتبطة بالماركسية وعند ألتوسير، واعتبرت أن هذا الكتاب يحتوي على مجمل أصول الفكر الماركسىّ ، منذ أصوله الأولى إلى تجلياته المعاصرة؛ ووجدت في هذه الأثناء أن فكر فوكو كان يبدو لي عسيراً، لابد أن أعترف بذلك لأنني لم أكن أقرأه في أصوله الفرنسية بل في ترجماته الإسبانية، ربما كان القصور في الترجمة. لم أستطع في هذه الآونة تمثل أهميته بالنسبة لتطوير جماليات النقد الماركس لأنه يتعلق بنقد البنى الاجتماعية والتاريخية، لكنه لا يتعرض في قليل أو كثير للنقد الأدبي. وأنا كنت محكوماً بالهدف الأساسي وهو أنني أكتب في النقد الأدبي، عندما خصصت الكتاب الثاني للنظريات البنيوية لم يكن فوكو على الإطلاق يصف في مصاف البنيويين المؤسسين أمثال ستروس أو جاكوبسون أو لاكان، وفي الاتجاه المقابل – ما بعد الماركسي- هذا الاتجاه الذي دخل في صراع مع البنيوية بمنطق أيديولوجي مطور، ولم يكن من همي أيضاً أن أعرضه.
لكنك في بحثك عن العنصر المهيمن في أولاد حارتنا تحديداً وكذلك في خماسية مدن الملح، فضلاً عن رواية "الآن.. هنا" استطعت أن توضح لنا كيف يتعجل العمل الأدبي ميلاد المجتمع الحداثي الديموقراطي العادل، وكيف أنه لا ينتظر نضج الظروف الموضوعية بل يحاول أن يستبقه على الأقل بالتبشير، وهذا ما فعله نجيب محفوظ بشخصية "عرفة"، وأنا أود أن أستمع إليك ، وأنت تعمل على حل هذه المعادلة التي تذكرنا بمعركة لينين مع كاوتسكي عشية ثورة 1917، الظروف الموضوعية التي لم تنضج، والشرط الذاتي موجود.
أنا أحسب أن هذا جزء أساسي في وظيفة الأدباء، أن يكونوا مبشرين وطليعيين، وان يكتشفوا في رؤاهم الصورة التي يجب أن يجنح إليها الحاضر لصناعة المستقبل. وأظن أن الأدب الذي يخلو من هذا العرق ميت وفاقد الفعالية ، ولعل هذا بعض ما احتفظ به من خيط رفيع يذكرني بشكل أقل حدة بدعوى البطل الإيجابي التي كان يتغنى بها الماركسيون، أنا أظن أن الحلم بصورة العالم لا ينبغي أن ينطفئ ، لأنه من وظائف الفن الجوهرية وأن الفنان الذي يفقد هذا الحلم لا يغني لمجتمعه حتى يتبصر طريقه إلى الحرية والتقدم بأنضج الوسائل وأدهاها وليس بأكثرها مباشرة ، لأنه سيسقط حينئذ، فالفنان الذي يفعل ذلك لن يجد استجابة من مجتمعه ولن يسهم في صناعة تاريخه. وشعوبنا التي تعاني من التخلف والجهل والغيبوبة ليس لها إلا أن تعتمد على بصيرة مبدعيها كي تتلمس طريقها إلى الحرية والتقدم.
في نهاية هذا الحوار المثمر الرائع أرجو أن يتسع صدرك لهذه المداخلة الأخيرة.. حاولت مجلة تحديات ثقافية خلال أعوامها الستة الماضية أن تساهم بجهد في إنتاج معرفة علمية بالفكر الحداثي وبالأدب والفن المتصلين بالفاعلين الاجتماعيين، وفي نفس الوقت مارست قدر إمكانها النقد الذاتي أولاً بأول.. فبقى أن يبادرها كبار المفكرين بالنقد الذي يصحح الأخطاء ويدفع بالمسيرة إلى الأمام؛ فماذا يقول لنا صلاح فضل بهذا الصدد من واقع تجربته الرائدة في رئاسة تحرير عديد من المجالات الكبرى؟
لابد لي أن أشهد بأن تحديات ثقافية تقف في وجه تيارات العبثية واللاجدوى وفقدان البوصلة، السائدة في كثير من مجلاتنا وصحفنا، وأشهد أنها تتلبس أحياناً بروح دون كيشوتية (بالمعنى الإيجابي طبعاً) تثير إشفاقي ومحبتي معاً. ومع أنني لا أزعم قراءة كل مواد أعدادها السابقة مع أنها تتفصل عليّ بإتاحة فرصة هذه المتابعة، إلا أن ما قرأته منها وما تتركه في نفسي من أثر يجعلها جديرة بأن أقدم لها تحية صادقة لأنها ليست صوتاً في البرية بل أنها صوت رشيد يمضي في الاتجاه الصحيح، فقط أتمنى لها أن تتخفف قليلاً من مصطلحها الفلسفي لتكون أقرب إلى لغة الثقافة المستساغة أعداداً من الشباب يؤرقني أنهم ما زالوا بعيدين عن الثقافة الجادة، ففي الوقت الذي تحقق فيه تحديات ثقافية دائرة انتشار أوسع، خاصة بين أوساط الشباب من طلاب الجامعة سأهنئها بأنها تحقق منجزاً عظيماً هي جديرة به.
.
.


مصطلحات وردت بالحوار


بنيوية : Structuralism اتجاه نقدي وفلسفي يقوم على النظر للأشياء باعتبارها ظواهر متماسكة، لا تكتسب معناها إلا بانتماء أجزاءها إلى الكل الضام.
بنيوية توليدية : Generative Structuralism منهـج جدلي Dialectical يقــوم عـلى أن أي تأمل في العلوم الإنسانية لابد وان ينطلق من المواضعات الاجتماعية، بيد أن هذا التأمل من شانه أن يغير الحياة الاجتماعية بما يحدثه من تقدم معرفي بها.
بنيوية لغوية : Linguistical Structuralism هـي البــداية التـي ظـــهرت بهــــا البنيوية كمذهب نقدي ثم اتجاه فلسفي عام إذ يرى هذا الاتجاه أن اللغة نظام قبلي Aproiri، بينما يمثل الكلام التحقق العيني لهذا النظام. فاللغة نسق اجتماعي مستقل عن الأفراد، وبذلك يمثل هيكلة السلطة، وعليه فإن القوى الاجتماعية المهيمنة تتخذ من هذه البنية وسيلة لنشر أيديولوجيتها، زاعمة أن هذه الأيديولوجيا تعكس نظاماً طبيعياً وليس مجرد اختيار ثقافي، اصطناعي Artificial.
أيديولوجيا : Ideology وعي جماعة معينة على صعيد الفكر لفهم العالم، وتحديد مركزها فيه، وعلى صعيد العمل، تستخدم الأيديولوجيا لتحقيق مصالح الجماعة، وهي تختلف عن العلم بكون الوظيفة العملية فيها متغلبة على الوظيفة المعرفية، وبهذا تكون سبيلاً لتزييف الواقع، وتبريرا ً لما هو قائم بتخييل محاسنه، وإخفاء عيوبه.



#مهدى_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوارات مهدى بندق - 3 - مع الناقد الأدبىّ د. صلاح فضل
- حوارات مهدى بندق -2 - مع السيد ياسين
- والدولة أيضاً محاصرة في مصر
- حوارات مهدي بندق - 1 - مع جابر عصفور
- البلطة والسنبلة -5- المصريون واشارات الخروج من الحصار
- ريا وسكينة بين صلاح عيسى وميشيل فوكوه
- البرهان الثقافي على المسألة الإقتصادية
- قصيدة أُقَلِّبُ الإسكندرية على أجنابها
- تفسير غير تآمري للتعديلات الدستورية المصرية
- إضراب عن الماء
- الإخوان -المسلمين- وغيرهم ثقافة مُحاصَرة ومحاصِرة
- * المدربون
- *قصيدة الكمائن
- مصر وثقافة الحصار
- البلطة والسنبلة - هل المريون عرب
- ثقافة الإرهاب تمهد لضرب الوحدة الوطنية
- *نورا العربية لا تغادر بيت الدمية
- *الطابع المزدوج للثقافتين الأوروبية والعربية
- *الشعر يمحو باليد الأخرى
- إعدام الشاعر عماد الدين النسيمي


المزيد.....




- أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن ...
- -سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا ...
- -الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل ...
- صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
- هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ ...
- بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
- مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ ...
- الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم ...
- البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
- قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - مهدى بندق - حوارات مهدى بندق -4 -مع الناقد د.صلاح فضل - القسم الثاني