|
ألوعي بالتاريخ
جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 1917 - 2007 / 5 / 16 - 05:57
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
منذ بدأالخليقة والوعي بالتاريخ ظل ردحا طويلا من الزمن وهو مختصر فقط على أخبار الآلهة وأول من كان لهم وعي بالتاريخ هم السومريون والبابليون والآشوريون وتبعهم بذلك العبرانيون ومن ثم اليونانيون. وكان التاريخ بالنسبة لهم هو الأساطير التي تتحدث بداية عن خلق العالم والكون وكيف بدأت عملية الخلق بفعل الرحم ثم بفعل الكلمة وإنتقلت أسطورة الطوفان من ألأدب ألبابلي إلى ألأدب الديني العبراني وأنتقلت معها من ثم كثير من الحكايات السومرية إلى ألأدب الديني ألسامي مثل ايضا قصة :صبر أيوب وكذلك تأثرت ألتوراة بقصص من ألأدب الفرعوني المصري القديم مثل قصة :يوسف وإخوته وقد عرف الجوهري ألتاريخ :من أنه تعريف ألوقت , وهذا ألتعريف مازال حتى اليوم يلقى قبولا واسعا وفعلا أول ما بدأ ألتاريخ بدأ بكتابة تاريخ بداية نشأة ألخلق, وبما أن التاريخ ألشرقي ألبابلي والسومري وألآشوري قد دثر مع ألزمن ونسيت أللغة ألمكتوبة به فلهذه ألأسباب حلت ألأساطير أليونانية محل ألأساطير البابلية ألشرقية وكان غياب ألأدب الشرقي البابلي قد أعطى فرصة ضخمة للآداب اليونانية وألرومانية بألظهور مدة طويلة من ألزمن قبل بداية عصر الحديد وألزجاج وبزوغ عصر الإيمان إلى نهاية العصور الوسطى وحتى بداية عصر النهظة في أوروبا . وقد حل ألأدب اليوناني وكتابة ألتاريخ محل الأدب ألبابلي وكان الوعي بالتاريخ يكتب أولا على شكل أشعار لذلك كان الشعر وألأدب سابق على ظهور المدونات التاريخية وسرد ألأخبار . وبما أن هذا النوع من ألأدب كان مختصرا على بداية الخلق فقد أثر هذا الموضوع على المرحلة الثانية من كتابة التاريخ والتي كانت تعني بشكل مباشر بالملوك والنبلاء ألذين يحكمون بسلطة دينية إرتضاها لهم الخالق لذلك إعتقد كتاب المرحلة الثانية من التاريخ :من أن هؤلاء الشخصيات منزهة عن الخطأ وهم بذلك ملائكة تمشي على ألأرض. وكانت أول حرب طاحنة بين هذا النوع من التاريخ كانت قد بدأت بين اليونان الوثنية الديمقراطية وبين الأوتقراطية ألأمبريالية الفارسية وإنتهت ألمعركة أخيرا بإنتصار الديمقراطية اليونانية الوثنية على الأوتقراطية الأمبريالية الفارسية وهذا دفع بمؤرخ كبير مثل هيرودوت بأن يفتخر بهذا الإنتصار المحقق . على أن هذا الإنتصار لم يستمر طويلا فبعد هذا التاريخ بأقل من 200عام ظهرت المسيحية وعادت ألأمور إلى طبيعتها وبدأت ألنظرةإ لى ألديمقراطية تتراجع بفضل تقدم ألفكر ألأوتقراطي الديني مرة ثانية وقد إنتقمت ألمسيحية الصاعدة منذ بدأ التاريخ الميلادي للفكر الأوتقراطي ولنفسها وبدأ المؤرخون يزدرون من ذكر الفلسفة اليونانية العظيمة في طرحها بإعتبارها عملا من عمل الشيطان وعادت القوالب الجديدة بثوب قديم تتقدم على الفكر الحر مما ساهم ردحا طويلا من ألزمن في قمع وإعاقة كتابة التاريخ بشكل علمي تمحيصي وبمناهج تغيب العقل والتفكير الحر المنطقي وألإستقرائي
وهذه المسألة عملت على إهانة أشعار هومر وكتابات توكوتيدس اليوناني ولم يعد الوعي بالتاريخ إلا مجرد نظرة جاهزة وكل شيء مكتوب ومعلوم ولكل شيء كتاب ولكل متاب أجل ولكل أجل قدر محتوم وهذا ألأمر جعل البشرية في إحباط مستمر وعلى فكرة كان من المفترض والمتوقع أن تقوم المسيحية بتحرير الجانب الإنساني من ألعبيد والناس إلا أنها زادت من إستعبادهم ولم يعد هنالك تمييز بين عبيد ألرب وعبيد القيصر فقد أصبح القياصرة بعد إيمانهم بالمسيحية شركاء للرب في فرض القوانين التي تعزز عبودية الناس للقيصر الروماني والرب . وعاد الناس إلى حياة القدر المحتوم ولم يعد أحد من البشر يستطيع أن يخرج عن المحتوم قراءة وكتابة وحياة وسلوك عملي ونظري وانهزم الفكر الديمقراطي ولم يعد للناس أهمية تذكر فالأهمية هي : لخلفا ء الرب على ألأرض الذي يتصوره كثير من الحكام أنه الصورة طبق ألأصلية عنهم . ورسموا للرب والله صورة تتناسب مع مطامعهم في حب السيطرة والديكتاتورية والإنتهازية وتضييع الفرص على المبدعين الحقيقيين واستفاد من هذه النظرة والصورة كثير من المؤمنين وخسر الديمقراطيون الديمقراطية نفسها كما خسروا أنفسهم وضاعت هيبة العلم وفرصة تغيير العقول واستبدال الأفكار وحل الجمود والسكون محل الحركة وسيطر السكون على حركة الدوران في المحاولات الفكرية وقمع الأدب الديني الأدب الأنساني وحلت كتابات ....محل كتابات الشعراء وبات من المستحيل الإستمتاع بما تبعثه النفس ألشاعرة من دوافع وعواطف وجدانية وتراجعت الأفكار الحرة وحلت محلها الأفكار الجاهزة وسدت طرق المؤسسات المدنية وفتح محلها مؤسسات ثيوقراطية .
إن تعريف التاريخ ليس مجرد هراء فتعريفات التاريخ تأتي علميا مطابقة لأرض الواقع الذي يكتب به كل تعريف لكلمة التاريخ ففي الوقت الذي كان به تعريف التاريخ بألكلمة اليونانية الأصل والتي تعني : ISTORIA كان في ذلك الوقت خلط كبير بين الأسطورة التي تعني :قصة فكلا الكلمتين تعنيان أن هنالك سرد ورواية وقصة ,ولم يدلل أي إستخدام للكلمتين أن المعنى هو : الخرافة فهنالك تصديق للتاريخ بكل ما به من أهواء وخرافات وهذه ميزة ميزت عصر الإيمان الذي يجعل الإنسان يصدق كل شيء فالإيمان يجعل المتدينين مصدقين لكل شيء وحتى العصر الحاضر مازال غالبية المتدينين لا يميزون ولا يمحصون الحقائق وهذا جعل من أساتذة جامعات متخصصين بالتاريخ رافضين لفكرة تكذيب بعض الحقائق وهذا الأمر كان قد تسبب بأزمة إجتماعية ودعاية هدامة ومغرضة لمفكر إجتماعي وأدبي مثل طه حسين حين تشكك بصحة الأدب الجاهلي ,وكانت فكرة طه حسين بسيطة جدا وهي تنطلق من المواصفات المذكورة في الأدب لبعض الأدباء والتي تنم عن أخلاق سامية عالية لسلوكهم في العصر الجاهلي والتي يبدو لطه حسين أن هذه ألأفكار والسلوكيات لا تأتي إلامن داخل مجتمع إسلامي . وكذلك الأدبيات والقصائد الجاهلية حيث كانت معانيها ألأدبية تحتوي على مواصفات مجتمع إسلامي وليس جاهلي.
وليس هذا موضوعنا ولكن المهم في الموضوع أن العقلية الإيمانية ترفض كل ألرفض التشكيك بالتاريخ وهنا تقع العقلية الإيمانية في خلط كبير بين النصوص الدينية المقدسة وبين النصوص غير المقدسة ومن المفترض أن لايقع التاريخ في دائرة التقديس فالتقديس يجب أن لايكون في مثل تلك الحالة إلا لما هو مقدس على الإطلاق
إن أي مجتمع لا يعي أفراده بالتاريخ وعيا حقيقيا ومقنعا سيقعون حتما تحت رحمة كتاب الحجب والرقيا الدينية والخرافة والإنتهازيين من مستغلين والمستخفين بعقول الناس ومن الملاحظ جدا أن أًصحاب تلك الخرافات يثرون ثراءا فاحشا على حساب الغلابة والمساكين لما يكسبونه من كتابة الحجب الدينية والرقيا . وصدق من قال :من لا يقرأ التاريخ جيدا يبقى طفلا إلى ألأبد. وصدق من قال :التاريخ له وجوده القائم وهو أكبر وأوسع من ألتاريخ ألمكتوب
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانسان ألذي يحيا وألإنسان ألذي يعيش
-
حياة ألناس
-
تحديد النسل 2
-
التاريخ والحكمة والتزوير
-
لغة ألمجتمع ألمدني ألحديث
-
رسالة الى ابي
-
تحرير العبيد
-
القيم الأجتماعية وتفسير الظواهر
-
الزكاة كلمة غير عربية
-
الكفار والمجانين
-
العقاد من قمة رأسه الى أخمص قدميه
-
جهاد علاونه ليس كافرا
-
المجتمع العربي مجتمع الحظ والصدفة
-
عباس محمود العقاد
-
عباس محمود العقاد:من قمة رأسه الى أخمص قدميه
-
سيد درويش
-
المجتمع العربي مجتمع غير سوي
-
التكفير عن خطايا الرأسمالية
-
أم كلثوم وهيفا وهبي
-
مؤسسات المجتمع المدني 1
المزيد.....
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
-
نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا
...
-
-لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف
...
-
كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|