صحة المصريين... وروشتة الجبلى (2)

سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 1914 - 2007 / 5 / 13 - 14:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

بعد تشخيصه الدقيق لـ "أمراض السياسة الصحية"، والذى تركز بالدرجة الأولى حول هزال نصيب الصحة من الموازنة العامة للدولة والهيكل البيروقراطى المشوه لوزارة الصحة واحتكار الوزارة لصلاحيات التشريع والرقابة وتقديم الخدمة الصحية، ناهيك عن العشوائية والفساد..
بعد هذا التشخيص الدقيق إلى حد بعيد.. تحدث الدكتور حاتم الجبلى – فى لقائه الساخن مع مجلس الأعمال المصرى الكندى برئاسة المهندس معتز رسلان – عن رؤيته لـ "روشتة العلاج" ، وكان حديثه هادئاً وبعيداً عن الشعارات وموثقا بالأرقام والجداول الزمنية بصورة غير معهودة فى كثير من التصريحات الحكومية التى تجعل من البحر طحينة وتحفل بالمبالغات والأماني الوردية المستحيلة التحقيق.
ولا أحد داعيا لذكر تفاصيل روشتة الجبلى، لأنه تم نشرها بالفعل فى العديد من الصحف فى الأيام الماضية ، ورغم إعجابي بالكثير من أبعاد هذه " الرؤية" المتكاملة التى يمتلكها الدكتور حاتم الجبلى فيما يتعلق بالسياسة الصحية فى مصر، فان هناك تخوفان أساسيان ، أو بالأحرى تحفظان جوهريان، إزاء هذه الرؤية .
التحفظ الأول هو ان استراتيجية التأمين الصحى الجديدة التى يتبناها يمكن ان تكون على حساب الفقراء ومحدودى الدخل وهؤلاء يشكلون الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب المصرى .
صحيح ان استراتيجية الجبلى لا تتجاهلهم بل تضمن لهم – نظرياً – الحصول على العلاج فى افضل المستشفيات أسوة بالقادرين طالما انهم مشتركين فى التأمين الصحى حسب قواعده الجديدة.
لكن حصولهم على هذه الخدمة الصحية يظل مرهونا بحصولهم على "شهادة فقر" من وزارة التضامن الاجتماعى، فإذا لم يحصلوا على هذه الشهادة فانهم يصبحون فى العراء بدون اى غطاء صحى او غير صحى.
وموضوع " شهادة الفقر" – كما اسميها – ليس موضوعاً سهلاً ، بل انه سيدخل بنا الى عقر دار البيروقراطية ودهاليز تعريفاتها للفقير ومحدود الدخل، على غرار تعريف العامل والفلاح ، وسيكون المحظوظ هو الذى سيحصل بطريقة أو أخرى على هذا "التصنيف" الذى يؤهله للحصول على الخدمات العلاجية للتأمين الصحى.
والى جانب هذه التعقيدات البيروقراطية وما ستشتمل عليه من فساد بالضرورة - لأن الفساد والبيروقراطية توأمان – تبقى هناك ميزانية وزارة التضامن الاجتماعى التى يجب ان تسدد فاتورة علاج الفقراء وغير القادرين. وهناك الكثير من الأسباب التى تجعلنا نتوقع بان هذه الميزانية لن تصل أبداً الى حد تغطية الاحتياجات الفعلية .. وهذا يعيدنا الىالمربع رقم واحد.
التحفظ الثانى .. هو ان السياسة الصحية ليست جزيرة منعزلة، فلا يمكن ان تكون هناك سياسة صحية ممتازة فى ظل سياسات عامة خائبة. ووزارة الصحة ليست مطلقة اليد فى تحديد وتنفيذ سياستها الصحية .. وانما هذه السياسة محكومة بأمور كثيرة خارج صلاحيات وزير الصحة. ليس فقط فيما يتعلق بأولويات تخصيص الموارد وتوزيع حصص الميزانية العامة للدولة، وانما أيضا من جوانب أخرى متعددة. خذ عندك مثلاً ان 20% فقط من المنتجات الغذائية هى التى تتوفر فيها المواصفات القياسية ، وبالتالى فان 80% من غذاء المصريين غير مضمون العواقب مما يمثل تهديداً خطيراً لصحتهم، وينطبق ذلك أيضا على المياه الملوثة، كما ينطبق على الألبان التى تؤكد المصادر الرسمية أن اكثر من 80% منها مغشوشة (رغم النفى المتكرر لأن تكون بودرة السيراميك أحد مكونات الغش) وبعيدا عن الغذاء والشراب فان الطرق المصرية يموت عليها رقم قياسى من المصريين اكبر بكثير من ضحايا كل الحروب، ويسقط فوق الإسفلت آلاف مؤلفة من المصابين الذين تنوء وزارة الصحة بمسئولية علاجهم 100%.
باختصار .. حتى لو كانت روشتة الدكتور الجبلى مثالية .. فانه ليس من الفطنة توقع إصلاح صحى دون سياسة متكاملة للإصلاح الشامل.

#سعد_هجرس (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات