|
الجماعة الشعبية .. ومفهوم الشرف
حامد أنور
الحوار المتمدن-العدد: 1912 - 2007 / 5 / 11 - 06:26
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
(محافظة الشرقية نموذجا) سيطرت المعتقدات والمفاهيم على سلوك المجتمع العربي في العصر الجاهلي فيما يتعلق بمفهوم الشرف الذى ارتبط بالأنثى/ البنت مما دفع الكثيرين قديماَ إلى التخلص من البنت على أساس الشرف، لأن البنت من وجهة نظرهم تجلب العار لأسرتها وقبيلتها نظراً لما تفرضه نزاعات القبائل على الماء والكلأ أو صراعاتها للسيطرة على طرق التجارة أو أخذاً للثأر من إغارة بعض القبائل على بعضها البعض مما يترتب عليه فى بعض الأحوال سبي النساء الأمر الذى يلحق بالقبيلة الخزي والمهانة، وقد توارثت المجتمعات العربية إلى العصر الحديث الكثير من هذه العادات والتقاليد الجاهلية، وقد جاء فى المجتمع المصري تفضيل الولد فى حال الميلاد على البنت من خلال النص الشعبي الذى تبنى الاحتفاء بميلاد الذكر/ الولد على البنت فى سياق رباعيات أنتجتها الجماعة الشعبية كما في: لما قالوا دا ولد(1) انشد ضهري وانسد وجابولى البيض مقشر وعليه سمن البلد
وعلى النقيض يأتي النص الشعبي المغاير ليعكس مدي كراهية البنت وعدم الرغبة فيها وتفضيل الولد عليها كما فى: بتيجي ليه يا صبيه(2) كان هوانا ف صبي إياك على الله يا صبيه تروحى تملي تغرقي
ولأن نتاج البنت فى حال زواجها لا يخضع فى النهاية إلى انتماء العصب مقارنة بالولد فقد اتبع العرب قديماً عملية الوأد للتخلص من البنت تحت مفهوم الشرف، وما زال ذلك متبعاً فى بعض المناطق فى حال ثبوت الإخلال بالشرف من جانب الفتاة والتفريط فى عذريتها. ويأتي السؤال "هل انتقلت هذه العادات والتقاليد والمعتقدات بالفعل- بوصفها رواسب ثقافية، أم انتقلت بين بعض القبائل العربية لتلقي بظلالها على النصوص الشعبية عندنا، وما مدي تأثير النص الرسمي على النصوص الشعبية، وهل تعد الأراجيز العربية نصوصا رسمية، أم أنها كانت بمثابة النص الشعبي فى تلك الحقب؟ إن بعض التماثلات الصياغية والمضمونية بين هذه النصوص التراثية والنصوص المأثورية التى نقوم بجمعها الآن، وما زالت تتردد بين أبناء الجماعة الشعبية، ولنتأمل – مثلا- تشابهاً، بل تطابقا بين هذين المثلين، أحدهما فصيح "دفن البنات من المكرمات"، والمثل الشعبي "موت البنات سترة" والمعنى الذى يشير إليه سطح النص هو تمنى موت البنات، وتحت هذا التفسير تتسق مقولات من قبيل أن الثقافة الشعبية تنظر للبنت وميلادها نظرة متدنية محتقرة إياها".(1) وقد ارتبط مفهوم الشرف دائماً فى معظم قري مصر بعذرية الفتاة كأساس للعفة واحترام واعتلاء قدر أسرتها، إذ تظل الأسرة تحيط البنت بالرعاية والتوجيه حفاظاً على نفسها إلى أن تأتى اللحظة (ليلة الدخلة) التى تعد بمثابة اكتمال المهمة التى يعيش من أجلها الأب والأسرة جميعاً للاطمئنان على ثمرة سنوات مضت لثبوت العفة والتباهي بحسن التربية. "وإذا قلنا إن المجتمع الأبوي يجعل من قيمة الشرف مكانة عالية جداً، فإنه أيضاً كنسق اجتماعي شائع ومجموعة من القيم التى تواجه سلوك الفرد داخله وتحمله المسئولية حماية هذه القيم."(2)، وتكشف النصوص المرتبطة بليلة الدخلة والصباحية مدي سيطرة المفاهيم التى تبنتها الجماعة الشعبية للوصول إلى المحطة التى تمثل جوهر الاحتفاء، ودعوة الأهل إلى الفخر والاعتزاز لما بدا من ثمرة تربيتهم، حيث يظل الأهل مرابضين فى بيت العريس بعد الدخول بالعروس فى انتظار الإعلان عن نصاعة شرف ابنتهم، ولا ينصرف الأهل إلا إذا خرج العريس معلنا عفة ابنتهم عندما يطل على الحاضرين وفى يده قطعة من القماش الأبيض فى حجم المنديل المحلاوي مخضبة بالدماء، عندها تنطلق الزغاريد والأغاني، وتتخاطف قطعة القماش (المحرمة) وتتناقل بين الأيدي فى دائرة رقص متواصل تتبعها أغنيات على هذا النحو:
يا حرة ورضيتي ليه؟(1) أنا حره وأمى حره غصبن عنى وانا أعمل إيه
والأغنية تؤكد على تمسك البنت بعفتها، ولولا شرعية ما أحله الله ورضي به الناس ما فرطت، هذا ما يؤكده النص على أنها مجبرة على هذا الفعل من واقع سنة الحياة وليس غواية أو شهوانية.
عروستنا يا جبنه طريه(2) يا وش السعد يا عسل الخليه عروستنا ما حد لمحها إلا العريس ميل وجدعها خد بوسه م الشفه جرحها خر الدم وبلْ الجلاَّبيه
يبرز النص البراءة التى تتسم بها الفتاة، ووصف جمالها وقدومها بوش السعد والعسل الناتج عن الخلية، كما يرتكز على جلاء عنصر العفة لعدم كشفها على أحد إلا هذا العريس الذى هو قسمتها، حتى عندما تطرق الجماعة الشعبية لعنصرالعفة جاء بتأدب حينما مال بها العريس فجرحها، ليتأكد ارتباط مفهوم الشرف بتلك اللحظة. يا بلحه يا مقمعه(3) شرفت ابوكى واخوكي وولاد عمامك لاربعه
وتتوالى النصوص المرتبطة بموضوع الشرف وقيمته التى لا تدانيها كنوز هذا العالم فى نظر الجماعة الشعبية، ومدي الحسرة التى تلحق بالحساد والمترقبين خيبة الأمل والعار. هاتوا دهب وبحتروه ف الأرضى(4) ما هوش شويه فى بياض العرضى ** هاتو دهب وبحتروه بالكيله(1) ما هوش شويه فى بياض الليله ** شوفوا شرف البنت الفلاحه(2) أحمر وزي التفاحه ** يا بحر روّق نغسل الشاشاتي(3) احنا اتنصفنا والعدوه تهاتى ** يا بحر روّق نغسل المناديلي(4) احنا اتنصفنا والعدوه تميلي ** يحيي ابوها يحيي(5) عاوج الطربوش على ناحيه يحي ابوها وعمته هوَّ اللى مشى كلمته يحيى ابوها وشنبه اللى محدش غلبه ** يا رب هاتوا فلحها على كمها(6) علشان يقولوا شريفه زى أمها ** يا رب هاتوا فلحها أبيض نضيف(7) علشان يقولوا فاطنه بنت الشريف ** قولو لابوها ان كان جعان يتعشى(1) روّْح يا بابا الدم بل الفرشه ** قولو لابوها خدناها خدناها(2) خدناها وضحكنا عليك يا بابا مدد رجليك ** روَّحو لابوها وانزلو له الخيمه(3) بنت الأكابر شرفتنا الليله ** يا مزوق يا طبق الورد(4) يا مزوق قولوا لابوها يدبح العجلين فى بياض العرض ** يا عبد أبوها طُل م العُليله(5) يا عبد أبوها ف البلادى ونادى بنت الأجاود شرفت لاسيادي
** أحمر يا بلحنا(6) إحنا اللى نجحنا **
مما سبق يتأكد لنا أن الجماعة الشعبية لا تزال تعتبر عذرية الأنثى/ البنت لها قدسيتها إذ تمثل أهم النقاط المتعلقة بالشرف، التى قد يصبح من أجلها الموت شرفاً مستباحاً من أجل الحياة الكريمة، وهذه النصوص التى جمعت من منطقة الشرقية تتميز بعذوبتها وبكارتها وخصوصيتها، التى يندر أن تتشابه فى مناطق أخري، لكن ما يميزها أيضاً أنها تنتمي إلى الأداء النسوي، فى محيط متنوع من المتلقين على المستوى الجنسى والعمري. "ومن هنا إلحاح الدعوة إلى درس ما تتواتره المرأة ذاتها فى مجتمعها الشعبي، تأسيساً على ما تقوم به من دور بارز فى بث ألوان من المأثور الشعبي تحفل بحشد من القيم والتصورات التى تبث صور الوعي للمحافظة على الأوضاع التقليدية السائدة فى مجتمعها".(1) كما أدعو المهتمين بجمع وتوثيق التراث الشعبي بتوجيه نشاطهم وطاقتتهم إلى منطقة الدلتا (شرق) لكونها منطقة بكر تتعرض لتجريف هائل من وسائل الإعلام المختلفة أطاحت بالعديد من قيمها وموروثها في انتظار من يقبض على ماتبقى منه قبل الفناء.
#حامد_أنور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لبنان: غارة مسيّرة إسرائيلية تودي بحياة صيادين على شاطئ صور
...
-
-لا تخافوا وكونوا صريحين-.. ميركل ترفع معنويات الساسة في مخا
...
-
-بلومبيرغ-: إدارة بايدن مقيدة في زيادة دعم كييف رغم رغبتها ا
...
-
متى تشكل حرقة المعدة خطورة؟
-
العراق يخشى التعرض لمصير لبنان
-
مقلوب الرهان على ATACMS وStorm Shadow
-
وزارة العدل الأمريكية والبنتاغون يدمران الأدلة التي تدينهما
...
-
لماذا تراجع زيلينسكي عن استعادة القرم بالقوة؟
-
ليندا مكمان مديرة مصارعة رشحها ترامب لوزارة التعليم
-
كيف يمكن إقناع بوتين بقضية أوكرانيا؟.. قائد الناتو الأسبق يب
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|