أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - علي جرادات - الطغيان الأمريكي....مصاعب وإنتكاسات















المزيد.....

الطغيان الأمريكي....مصاعب وإنتكاسات


علي جرادات

الحوار المتمدن-العدد: 1911 - 2007 / 5 / 10 - 09:07
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    



"نهاية التاريخ"، هكذا وصف فوكوياما إنتصارَ النظام الرأسمالي في الحرب الباردة، بل "قفزةً كبرى للوراءِ" في مسارهِ ردَّ خصومُ الخطاب الأيدولوجي الليبرالي (الإشتراكيون الماركسيون تحديداً). و"كل نظامٍ يعيش مأزقه بأن ينتج حفارَ قبره". هكذا كان هيغل قد حسم السجال طبقا لفهمهِ الجدلي للتطور التاريخي الذي يرى أن التاريخ لا يسير متسقاً وسائراً للأمام دوماً، ومِن دون تعرجات وإلتواءات.
بعيداً عن هذا السجال الأيدولوجي الذي لا أرومُ الخوض أو إبداء الرأي فيه، فإن إنهيار الإتـحاد السوفييتي، وتفرُّد الولايات المتحدة كقطبٍ أوحد في السياسة الدولية لم يؤدِ إلى توقفِ صراع القوى على النفوذ في العالم والسيطرة عليه، ذلك لأن هذا الصراع يعكس حصيلة تفاقم التناقضات الموضوعية المحتدمة في قلب المجتمع الكوني؛ ولأنه صراع بين نُظُمِ السيطرةِ والإخضاع مِن جهة وحركات التحرر الاجتماعي والوطني مِن جهة ثانية، ولأنه، وإنْ تمظهر في صراعٍ بين دول ومعسكرات دولية، فإنه في الواقع والجوهر يعكس صراعاً بين قوى وطبقات اجتماعية يتفاقم ويتعمق باستمرار، ويتخذ طابعا عالميا متعمقاً بإضطراد بالضبط بسبب "التدويل" المضطرِد و"العولمة" المتزايدة للنظام الرأسمالي المهيمن، وهو صراع تاريخي لا يتوقف، ولكنه يتخذ أشكالاً مختلفة في كل مرحلة، وينطوي على تعرجات وإلتوءات تتجلى على شكل هزائم وإنتصارات لأطراف الصراع في كل مرحلة، وذلك تبعاً للشروط التاريخية الملموسة لنمو وتطور القوى الاجتماعية المنخرطة فيه وللتغيرات في نسبة القوى، وليس وفقاً لقوالب "أيدولوجية" مفترضة سلفاً.
كذلك، فإنه، وبصرف النظر عن ذاك السجال الأيدولوجي الذي لن ينتهي على أية حال، فإن الثابت أن إنهيار الإتحاد السوفييتي، وإنتصار القطب الأمريكي في الحرب الباردة، وتسيُّده كقطب أوحد في السياسة والعلاقات والمؤسسات الدولية، لم يؤدِ في الواقع إلى عالمٍ أكثر أمناً وإستقراراً ورخاءً، بل قاد إلى الفوضى والإضطراب والركود في كثير مِن مناطق العالم، وأفضى إلى إنفلاتِ غرائزِ السيطرةِ والهيمنةِ والنهبِ الأمريكي مِن عقالها، وأدى بالنتيجة إلى تفجير أشرس الحروب العدوانية المدمرة، وخلق أبشع أشكال المجاعة والبؤس والمافيا وتجارة الجنس والبطالة والفقر وحرمان العديد مِن الشعوب مِن حقها في الإستقلال والحرية والتنمية، وفَرَضَ التبعية والتخلف الحضاري والاجتماعي على شعوب بأكملها على نحو غير مسبوق منذ عقود.
وفيما سلف يتجلى الرياء والنفاق والخداع وإزدواجية المعايير في إدعاءات الخطاب الأمريكي الليبرالي حول مباديء الديموقراطية وحقوق الإنسان والشرعية الدولية التي يجري رفعها إلى إلى مرتبة المباديء المطلقة والمقدسة حين تخدم مصالح رأس المال الاحتكاري المعولم وهيمنته بالصيغة الأمريكية، ويجري التغاضي عنها ودوْسها حين تتعارض مع هذه المصالح. وفي هذا تربة خصبة وأحضان دافئة لتنامي حركات التحرر وتفجرها في كافة أنحاء العالم بأشكال مختلفة بالمعنيين الاجتماعي والوطني.
طالت المنطقة العربية وشعوبها، ومنطقة الشرق أوسط عموما، والشعبين الفلسطيني والعراقي أكثر مِن غيرهما، القِسطَ الأكبر مِن ويلات سيادة القطب الأمريكي الواحد وحروبه تحت ساترِ نشرِ الديموقراطية وحقوق الإنسان وصون الشرعية الدولية، وكان ذاك أمراً مفهوماً، ولا غرابة فيه البتة، فالمنطقة العربية ذات موقع جغرافي إستراتيجي وتحتوي خزاناً هائلا مِن "الكنز" النفطي وغيره مِن الثروات الطبيعية، ناهيك عن إبتلائها منذ منتصف القرن المنصرم بوجود إسرائيل المطلوب ضمان تفوقها على كافة الصعد، وبكل السبل والوسائل، على ما عداها مِن قوى المنطقة ودولها، فهي الحارس الشريك في عملية النهب الأمريكي المتواصل لمقدرات أمة العرب ولجم نهوض شعوبها وتوحدها وإفلات نُظمها مِن مفاعيل التبعية والتجزئة التي إختطتها إتفاقية "سايكس-بيكو" مطلع القرن المنصرم، وسَهِرَت إسرائيل بمثابرة وعنف على إستبقائها وتعميقها منذ نشأتها وحتى يومها هذا.
خلافاً لأحلامِ الإستراتيجية الأمريكية الإمبراطورية، وعلى عكس مخططات "المحافظين الجدد" الحمقاء بقيادة بوش تحديدا، فإن لوحة الصراع على المستوى الدولي، تزكي ما أسلفنا وتشي به، فإنهيار الإتحاد السوفييتي كقطبٍ مواجهٍ للقطب الأمريكي، لم يمنع التاريخ مِن البرهنة على عبقريته، فالرياح التحررية تجتاح أهم بلدان "الحديقة الخلفية للولايات المتحدة" القارة اللاتينية: في البرازيل وهي أكبر بلدان القارة وسابع دولة صناعية في العالم، وفي فنزويلا بزعامة كرزمية وخامس دولة نفطية في العالم، وصمود كوبا بدورٍ فاعلٍ في القارة اللاتينية، ناهيك عن مدٍ تحرري في عدد مِن ولايات الهند ومشروع تنموي (معجزة اقتصادية بتعابير الأمم المتحدة) في الصين يحصد معدلات نمو للدخل القومي بين 10-12% سنوياً، ومنجزات في فيتنام، وإرادة تحدٍ للإدارة الأمريكية في كوريا الديموقراطية، ولملمة صفوف في عدد مِن جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق، وإلتقاط أنفاس في إسبانيا وإيطاليا وبلجيكا، وضمان خط سير للأمام في جنوب أفريقيا، زيمبابوي، ناميبيا، الكونغو، وإمتصاص ضغط في السودان، وفي هذا تتجلى عبقرية التاريخ ومكره بتوصيف هيغل مُكتشف موضوعية الجدل الذي يشير إلى أن كل شيء ينطوي على نقيضه، والعربدة الأمريكية ليست إستثناءً.
لكن، وحتى لا تكون قراءة راهن الصراع على المستوى الدولي، قراءة أحادية الجانب ترى أشجاراً ولا ترى الغابة أو العكس، فإن مِن بين 216 إحتكار عالمي هناك أكثر مِن نصفها وأقواها أمريكية إتحدت في إمبراطورية عالمية متحالفة مع النظام الأمريكي الذي يقود البلد الأقوى اقتصاديا وتكنولوجيا بإنتاج سنوي يناهز 5 تريليون وقوة عسكرية طاغية قادرة على احتلال البر والبحر وشن الحروب خارج نطاقها الإقليمي في أية بقعة مِن العالم، وإعلامٍ يبرمج الوعي البشري بما يشكل 90% مِن الخَبَر في وكالات الأنباء ومساحات واسعة مِن برامج التلفزة بما للفضائيات مِن أهمية....
رغم ذلك تعاني الإستراتيجية الأمريكية وأحلامها الإمبراطورية مِن إنتكاسات ومصاعب، فهي تغرق في رمال العراق اللاهبة، وغير مسيطرة في أفغانستان، وتفلت زمام الأمور في القارة اللاتينية مِن يدها، وتلقت ضربة في لبنان جنبته أن يكون بداية مشوار بناء "شرق أوسط جديد" كما أعلنت رايس بحماسة في بداية العدوان الإسرائيلي عليه في تموز العام الماضي، وتتنامى مديونية المحافظين الجدد سنوياً بمئات المليارات وهي تناهز اليوم التريليونات، فيما تصعد قوة الصين بميزان تجاري رابح مع أمريكا ناهز 80 مليار دولار عام 2006، وهذا حال اليابان، أما روسيا فتضمد جراحها وتستعيد بعض كرامتها ووزنها واستقرارها الاقتصادي وقد سقطت محاولات أمريكا لمحوطتها وجعلها دولة نامية، بل وتجرأ بوتين على التصريح بمواقف متحدية للعربدة الأمريكية ذكَّرت بخطاب مرحلة الحرب الباردة والنظام الدولي "ثنائي القطبية".
أما إيران فهي لا تخفي توجهاتها الاستقلالية وتشبثها بملفها النووي كشوكة مزعجة لأمريكا وإسرائيل، وفيما كانت تقديرات بوش الإنقضاض عليها بعد العراق، سارت الرياح بإتجاه معاكس، فباتت إيران تمتلك أوراق رابحة في العراق وترسانة عسكرية رادعة يصل مداها المدن الإسرائيلية التي فرَّ أكثر مِن مليون نسمة منها جنوباً بفعل صواريخ المقاومة اللبنانية.
اللوحة الدولية جد معقدة، وهي ليس طوع بنان إدارة بوش، رغم ما تملكه مِن عناصر قوة وهيمنة على السياسة والقرارات والمؤسسات الدولية، مثلما أن هذه اللوحة غنية بالتناقضات التي تزيح عنها السكون، أخذاً بالحسبان أن إيقاع العصر سريع وعصي على التحكم.
ولمَن شاء تلخيص راهن الصراع الدولي على النفوذ في العالم والسيطرة عليه، وتوقع ما يمكن أن يؤول إليه، فإن بالمقدور القول: إن لوحة التناقضات الدولية معقدة ومتشابكة ومتداخلة. والصراع بفعلها وعلى إيقاعها محتدم، وحصيلته لن تكون في إتجاه واحد أو طوع بنان إدارة بوش بصورة كلية، وهذا ما يتيح لحركات التحرر متسعاً مِن التنفس، إنما بعيداً عن توقعِ نهاية سريعة لحقبة نظام القطب الأمريكي الواحد الذي بعربدته وطغيانه وعدم مراعاته للحد الأدنى مِن مصالح الآخرين، إنما يزيد مِن مفاعيل إنتاج حفار قبره كنظام باغٍ، ويسرِّع وتائرها.



#علي_جرادات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أين فينوغراد العرب؟!!!
- إتجاه الإنفجار المرتقب
- القصف العسكري والسياسي الإسرائيلي عن بُعد
- تقتحم القلعة من داخلها
- حتى لو لم أكن فلسطينيا
- الاتفعيل بالتعديل
- رأفة بالأسرى وعائلاتهم
- الموقف الإسرائيلي بين المظهر والجوهر
- ما أضيق السجن لولا فسحة الأمل
- الأمن بين السياسة والجغرافيا
- واشنطن تعلم ما لا نعلم!!!
- التفعيل بالتعديل
- أزمة فكر ونظام
- مكر التاريخ أشد مِن مكر رايس
- لا تَدَعوا الجرح يبرأ على صديد!!!
- التجويف آلية للإجهاض
- أقمة نوم أم يقظة؟
- يتربصون بغزة
- التجويف كآلية للإجهاض
- ويبقى سؤال ما العمل قائما


المزيد.....




- شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب ...
- خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
- وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا ...
- جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
- زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
- كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
- مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
- ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
- مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
- جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - علي جرادات - الطغيان الأمريكي....مصاعب وإنتكاسات