|
الخيال المجنون
رحاب الهندي
الحوار المتمدن-العدد: 1911 - 2007 / 5 / 10 - 08:51
المحور:
العلاقات الجنسية والاسرية
من حكايا شهرزاد العصرية، إن هناك إمرأة مختلفة الكينونة منذ نعومة أظفارها، عاشت حياتها خيالاً واسعاً تهرب فيه من آلامها وواقعها المر يقول عنه علماء النفس “أحلام يقظة” وتقول هي عنه، إنه حياتها الحقيقية. في حياة غالبية النساء ثلاثة رجال، الأب، الأخ، الزوج، وبعض النساء يفتقدن لبعض هؤلاء الرجال كموت الأب أو عدم وجود أخ أو زوج، لكن هؤلاء الرجال هم أكثر إلتصاقاً بالمرأة فالأب هو المربي الأول وهو سبب وجودها بأمر الله، والأخ لصيق آخر تصادقه وتعده سنداً وحانيا ومتفهماً لضروريات حياتها وأحياناً مدافعاً عنها “وإن كان بعض الأخوة سبباً في مأساة المرأة” الرجل الثالث هو الزوج قد يكون حبيباً قبل الزواج أو مجرد رجل دفعته الأقدار إليها لتكون بين أحضانه تؤسس حياة جديدة فيها من رزق الله بنيناً وبناتاً. إذن الرجال في حياة المرأة مثلث حاد الزاويا وهي نقطة في المنتصف تلتقي مع كل منهم تحتاج إليهم إبنة أو أختاً أو زوجة تقترب منهم أو تبتعد عنهم حسب العلاقة العاطفية والإنسانية والروابط النفسية بينهم جميعاً.
لكن هدى تبدو في علاقتها مع الرجال الثلاثة مختلفة تماماً فهي تصف علاقتها بوالدها بالعلاقة الباهتة الممزوجة بالخوف أكثر من الحنان، وبالطاعة وتنفيذ الأوامر الجبرية أكثر من التفاهم والنقاش وإحساس دائم ينتابها بفقدان الأب رغم وجوده، لذاتعلقت بأستاذها في الجامعة كأب بديل تشعر معه بالحنان وتناقشه بأمور حياتها وتتفهم منه كيف عليها أن تتخذ بعض المواقف في حياتها المختلفة، أما بالنسبة للأخ فكان أخوها صديقاً وحانياً را‘ئعاً يقف بجانبها ويساندها ويهدهد أحزانها الدائمة فلم تأخذ من زملائها بديلاً عن أخيها، تتعامل معهم بأخوة ومحبة، لكن من دون أن يكونوا بديلاً لأخيها العطوف المحب! كان يعيش في خيالها رجل بدل الأب رغم وجود أستاذها تتخيل أباً كما تريد لا كما هو في الواقع، وترتمي على فراشها تحتضن وسادتها وهي تتخيل أباً من صنع خيالها وصوت والدها يأتيها صارخاً مهدداً بأن رأسها يجب أن يكسر لأن لها رأيا مخالفاً عن رأيه!! إذن الخيال كان لها نجدة ومهرباً من حياة الأب التي تفتقدها وتحاول أن تعوض إحساسها بفقدان أبيها الحقيقي بخيالها مع الأب الذي رسمته أحلامها وأسكنته في خيالها وداخلها! كان والدها يقول عنها إنه صبية متمردة مشاكسة لا تسمع الكلام، وإن ضحكاتها تخيفه وإعتدادها بنفسها قد يسبب لها المشاكل في الحياة الإجتماعية ولن يقبل بها رجل زوجة لهطالما تحاول التمرد والنقاش في أشياء يجب عليها أن لا تناقشها. وهي تزداد إختباءً وتشبثاً بوالدها الخيال تسأله فيجيبها تتدلل عليه فيغدق عليها الحب والحنان فتشعر بالراحة وهي تهرب من واقعها الحزين، أمها تحاول دوماً أن تكون وسيطاً لتهدئة خاطرها والإنصياع لأوامر والدها، وتقنعها أن تقبل بالعريس الذي إختاره الوالد. وأن تقتنع بأن تعيش الحياة كما يريدها فلا صداقات ولا زيارات ولا علاقات إ‘جتماعية، ولا قراءة، لأن هذه المتطلبات قد تسبب لها وله وللعائلة مشاكل هم في غنى عنها. كان والدها الخيالي يشجعها على القراءة يهمس لها أن تغوص في عالم نزار قباني، وغادة السمان، وجيمس جويس والعقاد وشكسبير وإبسن والجواهري والسياب والملائكة والبياتي وعبد الرحمن منيف، ومحمود درويش، وكان كل هؤلاء في نظر والدها الحقيقي أناساً يصدرون كلاماً يسبب المشاكل للعالم فقط!! في فترة العمل بعد التخرج حاولت أن تفك قيود والدها خاصة وهي إجتماعية، لكنه كان يطالبها بالزواج حتى يرتاح من مشاكستها، وحين تلجأ لوالدها الخيالي كان يقول لها لا تستعجلي الإختيار!! أنت رائعة وعليك أن تختاري رجلاً رائعاً!! وما بين الوالدين كانت تعيش عذاباً خاصاً لا يفهمه غيرها. لكنها وهي تبحث عن الرجل الرائع، تخيلته أيضاً، سكن في خيالها رجلاً بلا ملامح شخصية، لكنه كان شخصاً ذا ملامح خاصة لها بالذات، بدأت تتحدث معه تناقشه، وعاشت وهم الحب والخيال، أسكنته في داخلها حباً عجيباً غرائبياً ولم تتحدث عنه لأحد، حوارهما اللين قبل النوم حوار رجل وإمرأة عاشقين بنت معه بيتاً بسيطاً ذا ستائر زرق مرسومة على حوائط البيت إمتداد نهر أو شواطئ بحر، كانت تتخيل صدقا إنها تسمع ضحكاتهما، ومناغاتهما، وحتى غضبهما ومصالحتهما، وبعد أن تعيش الحلم الوردي تغمض عينيها وتستسلم للنوم!! حين كتب لها الله الزواج، تزوجت بعقلانية المرأة، مادام العريس المتقدم لزواجها يبدو رائعاً سيتفهم نفسيتها، لذا أخفت الحبيب الخيال وعاشت حياة الواقع مع زوج توقعت معه حياة مختلفة، وفجأة إكتشفت وجهاً آخر للزوج، وجهاً يكاد يشبه وجه والدها الحقيقي، فهو يريد أن يأمر وينهي، ويسكب عليها أخطاءه وأخطاءها ويرفض أي قرار لها حتى لو كانت فيه مصلحة حياتها وحياة أبنائها الذين كتبهم الله لها، وجدت نفسها وهي تغرق في الدموع أمام ذلك الصوت ويهمس لها يخفف من أحزانها، كان صوت حبيبها الخيال. ضمته بقوة، وتحدثت إليه طويلاً تشكو اليه حالها وحياتها التعسة، هدهد الحزن في داخلها وأسمعها ما كانت تريد أن تسمعه هدأت نفسها وأغمضت عينيها وإستسلمت للنوم. هربت من مشاكلها اليومية مع زوجها إلى خيال الحبيب الذي رسمته هي وأغدقت عليه كل الحب وشعرت أنه ملجأها الوحيد وهيامها وسندها، تهرب إليه دوماً قبل أن تنام وحين كثرت مشاكلها وجدته معها ليل نهار يلاصقها يخفف عنها، وأدركت تماماً إن هذا الحبيب هو الذي يخلصها من آلامها النفسية وأوجاعها حتى وهي بأحضان زوجها الذي تعيش معه تحت سقف بيت واحد، تستغرق في الهرب إليه في إحدى مشاكلها مع زوجها تتعلق به أكثر وصوت زوجها يصرخ.. أنت مجنونة!! بلا شك!!
#رحاب_الهندي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جواري زمن الحريه
-
وراء كل رجل مجنون امرأة
-
استراحه منتصف العمر
-
مريض النساء
-
الحب الألكتروني الموجع
-
اغتيال الرجال حبا
-
من يحكم من في وسائد الليل
-
لقاء الشيطان
-
جسد في اروقة التجاره
المزيد.....
-
جنوب إفريقيا... مصرع امرأة جراء فيضانات ضخمة (فيديو)
-
الجنسية السويسرية عبر الزواج: شروط صارمة وكلفة باهظة لمن يقي
...
-
السعودية.. توفير خدمة هي الأولى من نوعها للنساء في الحرم الم
...
-
وزيرة شئون المرأة الفلسطينية لـ«الشروق»: نواجه واقعا مأساويا
...
-
من بطلة إلى ملهمة: كيف غيرت إيمان خليف وجه الملاكمة النسائية
...
-
الشبكة السورية لحقوق الإنسان: 878 ضحية في الساحل السوري
-
في لبنان: جريمة قتل امرأة سبعينية في الشوف
-
شهادات مؤلمة: العنف الجنسي ضد الفلسطينيين في تقرير أممي
-
توغو: قوانين الإجهاض الصارمة تدفع النساء إلى المخاطر وتفاقم
...
-
كيف يمكن للمرأة العربية الاستثمار في الذات لتحقيق النجاح؟
المزيد.....
-
الجندر والجنسانية - جوديث بتلر
/ حسين القطان
-
بول ريكور: الجنس والمقدّس
/ فتحي المسكيني
-
المسألة الجنسية بالوطن العربي: محاولة للفهم
/ رشيد جرموني
-
الحب والزواج..
/ ايما جولدمان
-
جدلية الجنس - (الفصل الأوّل)
/ شولاميث فايرستون
-
حول الاجهاض
/ منصور حكمت
-
حول المعتقدات والسلوكيات الجنسية
/ صفاء طميش
-
ملوك الدعارة
/ إدريس ولد القابلة
-
الجنس الحضاري
/ المنصور جعفر
المزيد.....
|