أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمر جزائري - لحظة تأمل














المزيد.....

لحظة تأمل


سمر جزائري

الحوار المتمدن-العدد: 1916 - 2007 / 5 / 15 - 12:55
المحور: الادب والفن
    


"أشعر ببعض الالم في معدتي " قالها بصوتٍ عالٍ اراد ان يُسمع المه كيما يرحل عنه لبعض الوقت . كان خجولاً وكريماً في انٍ معاً فكيف للكريم السخي ان يطرد ضيفه ؟ كان يعتبر الالم ضيفاً ثقيلاً لكنه لايجرأ على قول ذلك امامه ..ولآنه خجول فتراه يرحب به دوماً وان لم يفعل يأتيه الالم كزائرِ ليلٍ مخيف ينظر اليه شزراً فلا يدعه يستمتع بهدوء الليل وروعة نسيمه العليل الذي يحدث حفيفاً خفيفاً لوريقات الاشجار التي زرعت منذ سنين طويلة حول بيت طفولته العتيق والذي مازال متمسك به رغم موت والداه الرائعان اللذان جعلا منه شاباً يتميز بتفكير حر ,, قادر على التعبير عن ارائه. فهو مثلاً لم يجدد اثاث منزله فكل شي فيه له ذكرى جميلة واهمية تذكر,, فتلك المكتبة المليئة بأعظم ملاحم و روايات ( همنغواي وتولستوي وهيغو ودوستويفسكي وهوميروس وماركيز) واجمل اشعار ( السياب والجواهري والملائكة وغوته ودانتي و الخيام) . وتلك اللوحات الفنية الرائعة التي تعود الى عصر النهضة الاوروبية لآشهر فنانيها ( انجيلو وبرنيني وغاليليو ) والتي حلمت والدته باقتنائها فلم تستطع ان تجعل من حلمها هذا واقعاً ملموساً , لوضعهم الاقتصادي ودخلهم البسيط الذي لا يسمح لها أن تفكر بذلك لا ان تحلم به, لكنها كانت من الجرأة والتصميم اللذان جعلاها تسرح بخيالها بعيداً حيث تلك العصور الفنية الساحرة وتحلم بأبطال وفرسان عصر المنحوتات الرائعة والاساطير القديمة فقامت محاولة منها رسم بعض اللوحات بنفسها وتعليقها على جدران المنزل اليتيمة,, إلا انها فشلت برسم اي لوحة بأعترافها هي غير اسفة على ذلك لآنها تعلمت منهم الكثير فابصرت "المعنى" الحقيقي ولا معنى للتقليد إلا "التقليد". أصرت على ان ترسم لوحتها هي. " لقد كانت والدتي عبقرية حقا" قال يحدث نفسه بشيء من الفخر والاعتزاز. وتحقيقاً لحلمها ورغبتها إشترى لها ماتمنت ان تقتنيه يوما وتمنى لو انها مازالت على قيد الحياة ليرى في عينيها الغبطة والسرور. جال ببصره نحو تلك اللوحات الكثيرة التي ملأ والده بها الجدران والتي كانت مثار توتر خفي بين ابويه فلطالما كانت امه تتسائل ان كان فيها سر مدفون لم يكشف النقاب عنه بعد؟
ظل واقف غير بعيد عنها,, راح يحدق بها ,, اخذ نفسا عميقا وراح يتقدم خطوة ثم اخرى نحوها,, تلك المعلقة بهدوء صاخب على الحائط , كم كانت غريبة ,, دوائر وخطوط مشوشة راح يتأملها بحب واضح وهو يستذكر حديثا قديما يتجدد في كل مرة تقع عيناه عليها دار منذ اكثر من عشر سنوات بينه وبين امه !!
قالت له: انها محاولة بني ,, مجرد محاولة هل تثير شفقتك ؟
__ و ماكل هذه الخطوط ؟
انها خطوط متفرقة ,, كتلك التي نخطها لمسيرة حياتنا, وتلك التي في باطن اليدين, او تلك التي رسمها الدهر على وجهي. قد تبدو رسمت بشكل عشوائي, خطوط كثيرة لامعنى لها ,, انما هناك خط بالكاد تكتشفه وسط هذا الكم الهائل من الفوضى والتشوش الذي يلف الازمنة والامكنة
__ وهذا الخط يحتاج للكثير من الوقت لايجاده ؟
بل لايتطلب إلا لحظات من السكينة والهدوء والتأمل وسط هذا الضجيج البشري المتداخل
__ انها غريبة ومدهشة في انٍ معاً ياامي ؟
ذلك ان المرء مجبول على الافتتان بكل مايثير دهشته او حيرته , فالغرابة تثير الدهشة والاهتمام معا إلا اذا كانت تفتقر الى التأمل والتفكير ,ليس كل غريب يثير الاهتمام, فعندما تكون الغرابة يكون الصراع الذي يثير النفس اكثر من السكينة. خطوط هذه اللوحة ودوائرها التي تبدو للحظة رسمت بشكل عشوائي هي صراع البشر في الخارج ونوازعهم الداخلية, انها رمز الشجار المستمر والهدوء المستقر
فجأة بدا وكأن هموم الدنيا القت على كاهله عندما انتابه الالم من جديد .. عندها عاد من رحلة الاستذكار الجميلة.
ما الذي يعتريني ! ماهذه الافكار الوحشية التي تفترسني ؟ هل الفكرة وحش مفترس ؟ هذه الافكار التي تتزاحم في رأسي
تحاربني على مدى عصور واجيال ,, كأنها تريد الثأر ؟ قال ذلك وقد تسمرت عيناه على اللوحة وعلى ذلك " الخط " بالتحديد. اخيرا اكتشفه بلحظة هدوء واحدة وتأمل في اعماق النفس , ذلك الخط الفاصل بين الحياة والموت ,, ذلك الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال,, ذلك الخط الذي بحث عنه طويلا لم يجده إلا في لحظة سكينة واحدة كما اخبرته والدته
صرخ عاليا اراد ان يصل صوته الى مسامع امه التي ترقد بسلام قرب عرش الاله
"أمي .. ان العقول المحاكة بغشاء كثيف غير قادرة على تأمل ما في الحياة من السعادة ومافي السعادة من المحبة والطهر والصفاء ,, وان القلوب عاجزة عن ابصار المعنى ورؤية ظل الله ,, وان العيون محدقة الى اللاشيء وتاركة خلفها الحقيقة التي لا تدرك إلا في لحظات الصمت والسكون ". ثــم ...
تطلٌع بعيداً نحو السماء , رأى نوراً يفيض بالعتمة,, نظر الى الدنيا فأنكشفت له بنور يملأ الافق فأدرك ان العالم مليء بالمعاني
وان المه لم يكن يوماً في معدته بل كان في رأسه الذي سيرقد هذه الليلة على الوسادة وهو يترنم بأناشيد الفكر و الروح.



#سمر_جزائري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمر جزائري - لحظة تأمل