|
حوار بين الشاعر علي الشباني وسلام إبراهيم
سلام إبراهيم
روائي
(Salam Ibrahim)
الحوار المتمدن-العدد: 1913 - 2007 / 5 / 12 - 07:08
المحور:
الادب والفن
هذا الحوار أجراه معي صديقي الشاعر الشعبي علي الشباني حينما زرت العراق ومدينتي الديوانية في شباط أذار 2004 بعد أكثر من عشرين عاما من الغياب الحوار نُشِرَ في جريدة الصباح العراقية وقتها لكن ما أستغربته هو قيام جريدة الأتجاه الآخر بإعادة نشره على صفحاتها وكأنني بعثت بالحوار لجريدة مشعان الجبوري وهذا ما لم يكن يخطر ببالي بالمطلق لذا فكرت بإعادة نشر الحوار على صفحات الحوار المتمدن فالأفكار فيه لا تزال حيوية تشير بعمق لمواضع جروحنا جروح العراقي الأبدية
نصوصي القادمة تضج بعالم العراقي المخبوء ورغباته التي لا يبوح بها لأحد لقاء مع الأديب سلام إبراهيم
:أجرى اللقاء
الشاعر علي الشباني
س1/بعد غربة وصراع مع الموت والقضية . كيف رأيت الوطن واقعاً ورؤيا؟
ما أن تجاوزت سيارة الأجرة نقطة الوليد الحدودية مع سوريا حتى وجدتني أمعن التحديق بامتداد الأفق المفتوح وبقايا أعمدة الكهرباء المسروقة ، تأملت ذلك الغبش الصافي بصمت تأملت ذلك المدى المفتوح .. بقايا الأمكنة المهجورة معسكرات ، نقاط تفتيش مهدمة ، وكنت اهتف في داخلي متسائلاً :-
عن ذلك السر سر لهفة قرابة خمسة وعشرون عاماً لهذا المدى الذي وجدته أليفاً . فاستغرقت مستمتعاً برؤية النخيل والأنهر ، وعندما جاوزت سيارة الأجرة مدينة الحله ، وأصبحت بمواجهة مدينة طفولتي وصباي الديوانية / سألني الصديق المهندس الفنان حسين هاتف عن شعوري تلك اللحظة فوجدتني أقول :- كأنني غادرتها صباحاً.
اكثر من عشرين عاماً توارت بغتةً . ذلك الصدع المسمى منفى كان قد اندمل ونحن نقترب من المدينة . لكن وجدت المكان غير المكان . ثمة مدينة غير هذي التي وجدتها ، مكتظة لاهثه ، مضطربة ، بوجود بشرها المتعوبه ، وفوضى الاسواق ، وذلك الركض والخوف من القادم الذي لا يزال يلوح بالعيون وبشره الوجوه ، بالجدران والتراب . وحده نهر المدينة وجدته حميماً يعرفني بمائة الدافق الذي غرقت فيه ثلاث مرات.
ويوما بعد اخر انفتحت المدينة الجديدة امامي ، فتلمست الوجوه القديمة ورأيت مصائر اولئك البشر الذين انعجنوا بدمي طول سنين الغربة ، وجوه ملأتها الغضون وعيون متعوبة حزينة ، وحده العناق الحار ، وشد الصدر للصدر والبكاء جعلني المس حنان بشر امكنه طفولتي وصباي ، المسه لمس قلب مجروح ضاع ربع قرن من عمره هباءً ، وعاد ليجد وجوه الاصدقاء الفتية قد شاخت وجدت الامكنة قد شاخت الوجوه شاخت.
ثمة منظمومة قيم كاملة تبدلت بالمعنى العميق ، وجدتني مثلاً بمواجهة مفاهيم من اقرب الناس اليّ ، من المفترض ان يكونوا فاعلين في الواقع الجديد يبررون حتى الرشوة والسرقة متحجبين بصعوبة الوضع زمن الحصار وكونها اموال دولة ، عدا ذلك اللهاث وراء الدينار . لهاث مكشوف لكن عندما يجري الحديث عن الثقافة والسياسة والقيم نجد نفس الشخص يلبس لباساً يناقض سلوكه . واقع وجدته ملتبساً الكل يتحدث عن الديمقراطية والصدق والعدالة ، والكل يجهل ويمارس عكسها والقلوب شاخت.
وحرارة العاطفة نفسها في العناق والود لكن ثمة كسر عميق الغور وجدته فاضحاً في كينونة العراقي في هذه الفترة الزمنية الفاصلة من تأريخ العراق.
س2:شاهدت المؤسسات الثقافية بأضطرابها وقلق مبدعيها ماذا تقول لهم بعد مقارنة التجربة بمثيلتها الغربية ، وهل لك راي ببعض مستويات الكتابة الادبية التي طالعتها اخيراً؟!
ليست المؤسسات الثقافية وحدها مضطربة ، فالعراق كله الان في مخاض ، مخاض حقيقي ، قوي سياسية وايدلوجيات مختلفة وبشر كانوا في عتمة زنزانه وجدوا انفسهم بغته احرار ، حتى انهم لا يعرفون كيف يتصرفون .. كيف يعقلون هذه الحرية المباغتة التي جلبتها قوة احتلال اجنبي خلصهم من ابن جلدتهم الدموي لكن من الضروري جداً الانتباه إلى حقيقة تكاد تغيب الان عن الجميع فيما يتعلق بالمؤسسة الثقافية ، وهنا اتحدث عن الشق الاداري من السؤال ، فالشخوص والكتاب والصحفيين الذين كانوا يعملون في مؤسسات سلطة القمع وصحفه هم انفسهم الان يعملون في الصحف الجديدة والكثيرة وجدتهم يلبسون بغتة ثوباً يضيق عليهم ، وهذه الظاهره بدت لي سائده في الحياة ايضاً فصدفة وجدتني في جلسة بمواجهة مفوض امن كان سجاني مرات عديدة طوال السبعينات وجدته مقاولاً يمدح العصر الديمقراطي الجديد. اجد في هذا المنحى تعطيلاً حقيقياً لمفهوم الديمقراطية والعراق الجديد . والحل الاداري المعقول يفترض ابعاد مثل هؤلاء من أي مركز اداري في المؤسسة الثقافية الجديدة. اما مقارنتها بمثيلتها الغربية ، ذلك سابق لأوانه الا انني اعيش في بلد (الدنمارك) رضع الديمقراطية لمواطنين قبل 225 سنة.
اما الشق الابداعي من المحور / فقبل الاجابة لابد من ذكر بديهية المبدع ، فأن يتبلور اديب شاعر ، قاص ، روائي يحتاج ذلك إلى تجربة عمر او جيل او حتى اجيال ، ومن هذا المنطلق فمن الصعوبة اطلاق حكم نهائي على ما ينشر الان ، فالانقلاب الدراماتيكي الذي حدث في 9 نيسان 2003 كان على المستوى السياسي مهولاً ، وادى إلى ولادة ذلك الكم الهائل من الاحزاب والحركات السياسية ، لكن على مستوى الادب لم يحدث شيء مطلقاً ، فالادباء كانوا انفسهم قبل وبعد ، وما تعود عليه الكاتب الواقع تحت وطأة الديكتاتورية ، خلق بنية تفكير ونمط سلوك وكتابه لها سماتها التي من العسير ان تتغير بين ليلة وضحاها ، لنأخذ مثلاً قصص لؤي حمزه عباس ، النمط الذي كان يكتبه قبل وبدأ يكتبه بعد له الخصائص نفسها ، اما ما يكتبه من كان بالامس يمدح ويكتب قصصاً ونصوصاً لصدام وسياسية كعبد الستار ناصر الذي قرات له عموداً في صفحة بغداد ويدعي فيه انه يكتب رواية عن الدكتاتورية ظاناً انه تحرر وغير نمط كتابته ، فالنص الذي يكتبه وامثاله نص له سمات وملامح نصهم الحربي والمنافق والذي لبس ثوباً وشعاراً جديداً.
لا تغيير لكن ومن خلال متابعتي الحثيثة لما تنشره الصحافة العراقية اليومية وجدت ثمة حركة كتابة شبابية لم تنضج ادواتها الفنية ورؤاها بعد فيها من بوادر الوضع الجديد الكثير ستتبلور لاحقاً لتخلق نصها المختلف عما نكتب به الان . هذه الحركة تحتاج إلى جيل وعناية نقديه كي تتميز وترسم لنا وللمستقبل ملامح العراق الجديد.
س3: رموزك شخصياتك القصصية الحميمة ، هل تبدلت ، هل تغير شيء في الذات العراقية الشعبية …هل ؟
يشكل البشر في المكان قيمة نصوصي كلها . بتعبير ادق لست متدلهاً في المكان كمكان أي كقيمة مطلقة . هذا ما وسم العديد من النصوص العراقية كنصوص محمد خضير بعد المملكة السوداء المعنية في الامكنة دون بشرها او بأدق زمنهم كما هو في كتابه (بصرياثا) . البشر في قيمتهم الحية ، النابضة ، وجودهم الفيزيقي ضمن تجربة عمري هم الذين يعطون للمكان في نصي سماته وكينونته . امتزجت لدي الامكنة بشخوصها في علاقة لا فكاك منها تجدها في نصوص جليه . قد يكون المنفي او الشعور بالاغتراب في المكان ذاته عاملاً بتحويل الشخوص إلى رموز في المخيلة والنص . قد يكون المنفى وطبيعة التجربة العنيفة التي خضتها بجسدي هي التي حدت بي إلى ترسيم اسماء شخوص وجدتهم لا زالوا احياء وكنت اظن اني سوف اموت دونهم في المنافي لكن من المهم الاشارة إلى ان النص الادبي هو حياة اخرى مختلفة ، متخيلة للحياة الواقعية ، فما ان تتحول التجربة إلى لغة وسرد ومناخ وبناء فني ، فمن السذاجة مقارنتها بالواقع ، وما جرى لذا اجدني مستغرباً للعديد من الاصدقاء والجيران والاحبة الذين وردت اسمائهم في نصوصي والذين استنكروا ذلك . اما كيف وجدتها بعد ربع قرن ؟ فذلك سؤال اعمق واشمل من الجواب عليه بأقتضاب لقاء صحفي الشخوص معجونه بدمي كما ذكرت ، وجدتها قد شاخت ، مختلفة ، محزونة مرتبكه قابلتني بذلك العنف العاطفي القديم عنف الفراق والمحبة ، عنف ارجف ، كياني ، الوجوه والشخوص نفسها حية ، قاومت وشاخت في محنة المحافظة على كيوننتها في الاحوال الجديدة التي رسمت البشر في غيابي وجدتهم مختلفين لكن بذات الحرارة وهم يأخذونني إلى صدورهم ، هم مشروع ذاكرتي وعمري ومدينتي ، نص سجلت قسمه الاول قبل عودتي ، وسوف استكمل التجربة معهم في الزمن الجديد .
س4:هنالك من يضع خطأ فاصلاً بين ثقافتين ، الداخل ، والخارج صف لنا سمات ادب المنفى ، وقد كنت كتبت عن هذا الموضوع المثير للجدل؟
قبل الدخول إلى هذا الموضوع المثير للجدل ، اود ان الاشارة إلى ان من عمد ويعمد إلى وضع حداً فاصلاً حسب صيغة سؤالك يتناسى اشياء جوهرية تتعلق بماهية الادب وعلاقته بالظرف المجتمعي والانسان ، يتناسى عمن تسبب في تلك الهجرات الكثيفة التي ابتدأت اواخر السبعينات وطوال الثمانينات والتسعينات .. اليس القمع الدموي والديكاتورية والحروب التي اشعلتها . لماذا هاجر اولئك الكتاب أليس لموقف يتعلق بالحرية ومحاولة المحافظة على الكرامة والضمير.
لنصيغ السؤال بشكل ادق يتناسب مع الادب (كونه مسعى جمالي) ومع المدخل الذي اشرت اليه وبذا يكون المحور اقرب إلى الادبية والنص والحياة من صيغة الداخل والخارج :- كيف كتب الكاتب العراقي عما جرى زمن الدكتاتور سواء اكان واقعاً تحت سلطة القمع او اضطر إلى العيش في المنفى ، وبأية طريقة عالج الواقع في نصوصه النثرية او الشعرية ، وهل تمكن من التعبير ورسم معالم كينونة العراقي المعذب في ذلك الزمن؟!
في البدء لابد من التمييز بين من يكتب بظرف حر ، ومن يكتب بظرف قامع ! .. فمن اضطر إلى الهرب سواء إلى دول الجوار ، او التحق بالمقاومة في كردستان وخاض تجربة مريره هددت وجودة الفيزيقي ، وجد نفسه في امكنة موحشة المنفى ، وخطره (كردستان) لكنه شعر بالحرية .. النصوص التي كتبها هؤلاء الكتاب (وهنا اعني الموهوب والمميز منهم ) وجدت من خلال تحليلي لها اقرب لعذاب الانسان العراقي المعاصر زمن الدكتاتور وكان قولهم الادبي صريحاً وعميقاً ومتطوراً من ناحية الاسلوب تيمه + بناء فني ) ساعدتهم في ذلك ظروف النفي والاطلاع والاحتكاك بثقافات البلدان التي حلوا فيها . واهم ما يميز النص العراقي المكتوب في المنفى كونه تناول العراقي المعاصر خلال الخمسين سنة الاخيرة الواقع تحت وطأة السلطات ، وكانت الحرب والجندي ، والمعتقل ، والارهاب ، تيم تناولتها تلك النصوص ، وقليلة جداً تلك النصوص التي عنت بالمنفى العراقي نصوص شاكر الانباري ، جنان جاسم حلاوي ، جبار ياسين ، كريم عبد، سلام عبود ، حمزه الحسن، علي عبد العال ، فاضل العزاوي ، غائب طعمه فرمان ، زهير الجزائري ، هيفاء زنكنة ، ونصوصي التي اصدرتها.
في المقابل وجد الكاتب العراقي ممن لم يستطع مغادرة العراق نفسه واقعاً تحت سلطة دموية سعت بشراسة لتوظيف النص الادبي لصالح سياستها الحربية والارهابية وهنا لا اتحدث عن كتاب ظهروا من رحم هذه السلطة وكانوا متحمسين لسياستها وكتبوا ركاماً هائلاً من النصوص التعبوية (السامة) للذوق والوعي ، عن صلابة الجندي والشهادة ومدرسة العريف ، وشهامة رجل الامن ، امثال جاسم الرصيف ، احمد خلف ـ وارد بدر سالم ، محمد مزيد ، عبد الخالق الركابي ، فهمي صالح ، علي لفته ، محمد حياوي ، والقائمة تطول … لا اتحدث عن هؤلاء ، بل اود الاشارة إلى تلك الاسماء التي كانت تعي وبشدة طبيعة النظام ، لكنها كتبت بانتهازية اما لكسب مصالح ماديه كما فعل عبد الستار ناصر ، او جبناً كناجح المعموري وحامد الهيتي ، … والعديد من الاسماء التي لا تحضرني الان ، هؤلاء ساهموا وبوعي في تسميم وعي المتلقى ، وكانت نصوصهم بائسة فنياً زيفت عذاب العراقي في زمنها.
ثمة كتاب قصة معدودين حاولوا ان يكتبوا عن تلك الظروف بطريقة ما ، فكتبوا نصوصاً مكتملة فنياً ، مهمة ، فيها اضافة للقصة العراقية والعربية لكنها تماهت بأقنعة التاريخ واللغة فبدا الانسان في هذه النصوص ينتمي لا مكنة التاريخ والماضي البعيد منه إلى العراقي المعاصر الذي كان يذبح في كل يوم ، في الزنزانة ،جبهة ، الحرب ، الشارع جوعاً زمن الحصار ، نصوص تحتاج إلى من يفك لغزها وكأن احجيه نصوص محمد خضير في رؤيا الخريف مثلاً ويبقى ان اشير إلى شجاعة المبدع المرحوم محمود جنداري في (مصاطب الالهة ) التي صدرت بعد وفاته والتي هجا في نصوصها تاريخ القمع الدموي مع اشارات واضحة للحاضر في بنية قصصية محكمة وجديدة التوصيف والخريطة التي ذكرتها بالاسماء هي الاقرب إلى صيرورة النص النثري العراقي خلال العشرين سنة الاخيرة ، في علاقته بالامكنة وبشرها ، بالدكتاتورية والمقاومة.
س5:ما هو المشروع الثقافي القادم لسلام ابراهيم القاص والروائي.. ؟
رغم تفرغي التام بأعتباري متقاعداً كمعوق حرب اجد ان فسحة ما تبقى من العمر والصحة لا تكفي لاتمام مشروعي الثقافي الفردي.
ففي المقام الاول لدي العديد من النصوص الروائية المنجزة ، وعلى وشك الانجاز لدي نص روائي - برازخ واخلية- من المفترض ان يصدر هذا العام عن دار الجمل –المانيا واكاد انجز نص روائي طويل – كل شيء ضدي – ولدي مخطوطه رواية كتبتها في موسكو عام 1991 – في حضرة شيخي الجليل – تحتاج إلى كتابة جديدة .. مع الاخذ بعين الاعتبار شدة بطئي في الكتابة . ولدى في المقام الثاني مشروع انطولوجيا ترصد نقداً وتحليلاً كل ما نشر من نصوص قصصية وروائية صدر خارج العراق خلال حكم الديكتاتورية ، أي إلى حد 9 نيسان 2003 انجزت نصفه تقريباً وسأحاول نشر ما انجزته في الصحافة العراقية ، كي يطلع القاريء والمهتم والادباء على ما كتب ادباء المنفى من نصوص ، وهنا اوجه النداء الوزارة الثقافة العراقية كي تعيد نشرها كي تتوفر باسعار زهيدة يتمكن القاريء من الحصول عليها ، ولدي مشروع اخر هو انجاز دراسة في القصيدة العامية العراقية منذ النشأة وحتى الوقت الحاضر انجزت اقساماً مهمة منه ، ومشاريع النصوص الجديدة تتولد في خضم اكتمال التجربة فعودتي للعراق مثلاً هي محرض لنص جديد انا مشروع مستمر حتى اخر نفس من جسدي ، واتمنى ان تسمح لي صحتي بانجاز ما احلم به من مشاريع.
س6:ماذا كنت تريد ان تقول للمثقف العراقي من خلال نصوصك القصصية والروائية ؟
الكتابة في البدء محض حاجة داخلية فما ان يشعر المبدع باغتراب شديد من محيطة حتى يلجأ إلى الورق في محاولة للتوازن والتفريغ هذا على الاقل ما لمسته من خلال تجربتي في خطواتي الاولى وانا اتلمس درب الكلمات ، والقصة لاحقاً ومع تبلور الوعي والنضج الفكري والفني حتى تتوجه الكتابة لكي تعبر عن موقف الكاتب من الوجود والمجتمع.
لم افكر لحظة وانا اكتب النص بالمثقف العراقي ، لكن ما كان يهمني هو البحث في متاهة النفوس والكلمات والاحاسيس ، في غور الانسان ، نفسي ، الآخر البحث وانا اجد الانسان في المجتمع مسحوقاً طفلاً في العائلة مراهقاً ، في علاقته مع المؤسسات فكتبت عن القمع والعنف كثيراً لأصل لاحقاً إلى تيمة اتابعها الان بدقة من خلال نصي الفني الا وهي منظومة القيم والاعراف والتقاليد في البيئة العراقية الصارمة والشكلية التي تحتاج إلى تعرية وفضح لذلك الازدواج الواسم شخصية العراقي في الممارسة ، فالعراقي يقول شيء ويبطن شيء .. يفعل عكس ما يقول ، في الاخلاق والذنب ليس ذنبه . ذنب تلك العلاقات الصارمة شكلاً في التعامل الظاهري ، المنفلته سراً أي في المخيلة ، ومحك النظرة للمرأة او بأدق علاقة الرجل بالمراة تكشف ذلك الازدواج الذي يعتبر في مدن الحضارة مرضاً نفسياً يحتاج إلى المعالجة. قيم شكلية صارمة = المجتمع . قيم قمع شاملة = السلطة السياسية . تاريخ دموي عنيف اشتهرت به بلاد ما بين النهرين خلاصة هذه المعادلات هو العراقي المعاصر . دون الحفر في هذي المنظومة الراسخة ، دون تسليط الضوء عليها دون وجل ، دون محاولة تهديمها من الداخل . فسوف لا ينشأ عراقي جديد متحرر ديمقراطي يحترم الاخر ونفسه . هذه خلفية النصوص الجديدة التي اكتبها فثمة غور في عمق هذا الكيان المشطور (قد اكون انا نموذجاً فريداً لذلك الكيان الشائه) والذي تخلص في الغرب بعد جلسات طويلة مع الطبيب النفسي. تلك الجلسات الشديدة الصراحة التي دلتني على بلسم يشفي من الازدواج لذا سوف تجد نصوصي القادمة تضج بعالم العراقي المخبوء ومخيلته ورغباته التي يسر بها لصديق خاص او حتى تلك التي لا يبوح بها لأي كائن.
س7:كيف ترى المستوى الابداعي للقصيدة الشعبية ، كونك من المتابعين لكتابها لدى الرواد ، وكيف ترى المستقبل بمعطيات الماضي لهذا النوع الكتابي ؟
لابد من التمييز بين نمطين في كتابة القصيدة العامية الاول : هو نمط الكتابة العفوية السائد بكثافة في الوسط الشعبي والمعتمد على الموهبة دون ثقافة ، ويتجلى هذا النمط بكتابة الموال والزهيري والقصائد العمودية الغزلية منها او الحسبنيه ، وهذا النمط شائع ومتداول في كل الازمنة أي في زمن الدكتاتور ، قبله ، وبعده .
النمط الثاني هو كتابة القصيدة العامية بمعايير جديدة تعني في اللغة والتجربة وتعتمد على رؤيا تستبطن الحاضر وطبيعة الصراع المجتمعي وتحمل رؤية فلسفية تحاول اثارة الاسئلة حول الوجود ، النضال ، الظلم ، المقاومة ، الشهادة ، الخذلان ، اليأس . هذا النمط سعى إلى تطوير اللغة المحكمية في اشكال وبنى قصائد جعلت من المدن لغة للقصيدة وارتكزت على منجز مظفر النواب الابداعي .. وهذا ما نجده في تجربة عزيز سماوي ، كاظم الرويعي ، شاكر سماوي ، علي الشباني ، طارق ياسين ، كاظم الركابي ، ذياب كزار (( ابو سرحان )) وهذا النمط بالتحديد سعت السلطة في اواسط السبعينات لوقف مسيرته ، ونجحت إلى حد ما ، لا سيما ان ابرز ممثلة اما وفاة الاجل كطارق ياسين ، او هاجر كعزيز سماوي، وذياب كزار ، صمت كعلي الشباني ، والشعر العامي تأثر كثيراً في التعويق المجتمعي زمن الحرب مع ايران ، واحتلال الكويت ثم الحصار ، لطبيعة الشعر العامي وخطورته كونه اكثر الانواع الكتابية قدرة على التحريض والاثارة مما جعل السلطة الدموية شديدة الحساسية من هذا النمط.
إذا تمكن الجيل الجديد (بعد زوال حكم الطاغية) من شعراء العامية الاعتكاز على المنجز الابداعي للنمط الثاني الذي اشرت اليه سيكون له شأن في تطوير لهجتنا العراقية الاقرب للفصحى لتحل كما حدث بأوربا مكان الفصحى القديمة الجامدة وما جهدي في انجاز مشروع كتاب عن القصيدة العامية الا مساهمة في التأسيس لهذا الجيل المأمول.
س8:كيف وجدت الاصدقاء ، الثقافة الحب ، الواقع ، كيف ؟
وجدت كل شيء في مخاض ، وخصوصاً فيما يتعلق بالثقافة فبعد ذلك الليل الطويل ، العنيف ، خرج العراقيون ليحاولوا من جديد استعادة ادميتهم المهدورة.
ثمة تنوع وافكار وقوى تتصارع ، اتمني ان تعي هذه القوى ان للانسان عقل ولسان فتعمد على استخدامها دون اليد والعنف كما فعلت الامم المتحضرة ، ان نتعلم كيف نصغي للأخر ونتأمل قوله دون انفعال.
وجدت اصدقائي على اختلاف مساراتهم حميمين ، شعرت وانا اعانقهم بدفء انساني سنين المنفى ووحشته ، ووجدتني اتأمل كينوتهم الجديدة ، فواحد كان معي نصيراً في كردستان تحول إلى مقاول ثري ، والاخر كان صديقاً حميماً وجدته متصوفاً ، شيخاً في الحوزة لكنه رافضاً للكل ويعيش حياة كفاف ، وجدت صديقاً يوازن في معادلات وامكنه من الصعوبة جداً الموازنة فيها.
وجدت بعض من النساء اللواتي احببتهم قبل اكثر من ثلاثين عاماً يسألن عني.
وجدت الامكنة غير امكنتي الاولى ، فكنت اسير فيها رائياً مدينتي الاولى المندثرة تحت الابنية الجديدة.
وجدت المدينة اكثر ضجيجاً اكثر فوضى ، اكثر لهاثاً، وجدت اكثريه رموز المدينة شعبية احياء لكنهم شاخوا وعلى وضعهم البشري وكأنني لم افارقهم كل ذلك الزمن وجدتني الخاسر الاكبر وكأنني كنت قد متُ كل سنين الغياب وقمت من القبر .. وذلك ما احسسته والكل عند العناق يتلمس جسدي ، وبعضهم يبكي وجدت ذاتي الضائعة بين اكثر الامكنة سلاماً وهدوءاً وجدتها في هذا الضجيج والغبار والوجوه اللاهثة المتعبة وانا اخرج كل صباح لاخترق سوق المدينة منطلقاً من محلتي حي العصري وحتى الجسر الحديدي القديم ، حيث كنت لدى عمي الحلاق مساعداً امارس كل يوم هذا الطقس وكأنني لم اغب … لم امت في زاوية من مدينة Roskilde الدنماركية.
#سلام_إبراهيم (هاشتاغ)
Salam_Ibrahim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قولبة شخصيات النص في أبعاد معدة سلفاً رواية أيناس لعلي جاس
...
-
أقواس المتاهة مجموعة عدنان حسين أحمد القصصية المغزى في النص
...
-
بنية روائية تؤسطر الوقائع وتدفعها إلى حافة الجنون قلعة محمد
...
-
المنفى هو منفى أبدي بعد مجيء الطير مجموعة إبراهيم أحمد القصص
...
-
بنية قصصية تبحث عن دلالتها بالرمز -ما يمكن فضحه عن علاقة أبي
...
-
كتاب يهجو الطغاة ويعرض لصريخ الضحايا مصاطب الآلهة مجموعة محم
...
-
مجلس جالية أم مجلس أحزاب الجالية؟!
-
المولود في المنفى كائن مكونٌ من الحكايات -أمسية صيفية-* مجم
...
-
المنفي ميت حي -البيت الأخضر - مجموعة عبد جعفر القصصية
-
قاب قوسين مني- مجموعة -هدية حسين- القصصية تصدع بنيان المجتمع
...
-
أصغي إلى رمادي لحميد العقابي الذات حينما تدمرها الطفولة والح
...
-
الكتابة والتجربة الكاتب النص الحياة5
-
الكتابة والتجربة الكاتب النص الحياة 5
-
ما بعد الحب رواية هدية حسين 1
-
ما بعد الحب رواية هدية حسين2
-
الحرب خربت كل شيء كم كانت السماء قريبة- رواية -بتول الخضيري-
-
الكتابة والتجربة الكاتب النص الحياة2
-
الكتابة والتجربة الكاتب النص الحياة3
-
الكتابة والتجربة الكاتب النص الحياة4
-
كتاب يهجو الطغاة ويعرض لصريخ الضحايا -مصاطب الآلهة- مجموعة -
...
المزيد.....
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
-
تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر
...
-
سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
-
-المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية
...
-
أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد
...
-
الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين
...
-
-لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
-
انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني
-
مهرجان الأفلام الوثائقية لـRT -زمن أبطالنا- ينطلق في صربيا ب
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|