|
بعد أن فشل في العثور علي حلم وردي واحد يرفع الرأس، محمد الكفراوي: الشعر آلة لهدم الجسد
نائل الطوخي
الحوار المتمدن-العدد: 1908 - 2007 / 5 / 7 - 12:13
المحور:
مقابلات و حوارات
من الصعب قراءة ديوان الشاعر محمد الكفراوي الأول حلم وردي يرفع الرأس والصادر عن دار شرقيات من دون التفكير في سؤال أساسي: وماذا لو كانت أعضاء جسدنا غير مرتبة بالشكل التي هي عليه؟ الجسد تيمة رئيسية في الديوان، وهو جسد مشوه في الغالب. يستخدم الكفراوي في ديوانه الأول تقنيات وحيل كثيرة مثل الكابوس والتواطؤ علي الشر لتحقيق الجسد الخاص للديوان، ويبدو أنه نجح في هذا إلي حد كبير. كان لنا معه هذا الحوار حول تجربته في الديوان وتجربته الشعرية بشكل عام.
هذا هو ديوانك الأول. وهو يبدو أكثر تطورا بكثير مما لو كان مجرد عمل أول. هل يمكن أن تحدثنا قليلا عن تجربتك الشعرية السابقة علي هذا الديوان؟ بدأت بكتابة الشعر العمودي والتفعيلة غير أنني بدءا من فترة معينة شعرت أن هناك خطأ ما وأن الشعر لا يقتصر بالضرورة علي مدارس الشعر الجاهلي والإسلامي التي كنا ندرسها في كلية دار العلوم. كنت قد بدأت اطلع علي تجارب وديع سعادة وأنسي الحاج وحلمي سالم ومحمد فريد أبو سعدة. كذلك تأثرت للغاية بتجربة مجلة الكتابة الأخري. شعرت أن الشعر طالما احتوي علي صنعة التفعيلة فهو لن يوصل ما بروحك بشكل نقي. قبل هذا كنت أعتقد أن الشعر هو مجرد أداة تعبير عن المعاني السامية والتي قد تكون تعليمية أو ما شابه ذلك، مثلش قصيدة كتبتها عن لبنان وفلسطين وفيروز، كتبتها علي هيئة ثماني نقلات للشطرنج، تلك اللعبة التي كنت ماهرا فيها وكنت مقيدا في الاتحاد المصري لها. بعد ذلك بدأت أعتقد أن الشعر هو آلة هدامة. علي الشعر أن يهدم ما هو كائن ليس بشرط الإتيان بشيء جديد ولكن مجرد التشكيك في الموجودات يفتح العقل أمام آفاقه الأوسع. عندما بدأت أكتب قصيدة النثر كان كل المتاح وقتها هو قصيدة الجسد وقصيدة اليومي والذاتي. لم تستهوني وقتها كثيرا هذه الفكرة ولا التنازل عن القضايا الكبري. الآن أعتقد أن الشعر لم يعد محتاجا للاثنين، سواء القضايا الكبري أو التفاصيل اليومية الذاتية، وإنما إلي الدمج بين الأفكار الفلسفية والتجارب الشخصية لصالح تطهير الذات من الشوائب التي علقت بها نتيجة تواجدها في العالم. الشعر هو أداتي للحرب ضد العالم. علي طول قصائد الديوان نفاجأ بحالات من المسوخ أو الأجساد البشرية المدمرة؟ ماذا كان هدفك من وراء هذا؟ أنا أري أن الجسد ليس تكملة للروح وإنما هو نقيض للروح فلكي ترتقي بروحك لابد من تدمير الجسد. لذلك أركز علي الجسد كموضوع للتدمير. في إحدي القصائد أتحدث عن سمية جسدي، أي أنه مسمم، كذلك هناك قصيدة فيها بعض الدعابة عن رجل لا يستطيع شتيمة حبيبته لأنها أكلت فمه في قبلة سابقة بينهما. أو الطفل الذي أخذ يعض ثدي أمه حتي سال دما عقابا علي ضربها له؟ بالضبط. كانت لي تجربة تقترب من هذا حكاها لي أخي عندما كبرت. كنت أرضع من أمي وأنا أبكي فاضطرت لضربي حتي أتوقف عن البكاء، هنا توقفت عن الرضاعة منها وبخخت كل اللبن الذي رضعته في وجهها كنوع من الانتقام. في قصيدة قربان الميلاد أعدت ترتيب أعضاء الجسد. اعتقدت لفترة أن أعضاء الجسد بالترتيب الذي هي عليه قد تكون سببا لتعاسة الإنسان، وربما يكون الإنسان أسعد حالا لو تغير ترتيبها. أنا مثلا أنزعج من الضوضاء جدا، بينما أذني لا تستطيع أخذ أجازة علي سبيل المثال، ولذلك فكرت في قطعها في القصيدة. أنا أسعي لتدمير الجسد كمحاولة للحط منه لصالح الإعلاء من قيمة الروح باعتبارها هي القادرة علي التعامل مع أي عالم آخر. أعتقد أن تشوه هذا العالم الذي نعيشه ينعكس علي الجسد فيشوهه. ولكنك تشوه الجسد لا العالم؟ بالطبع. لأنه هو ما أملكه. هناك كذلك حالة مسخية بالفطرة إذا جاز التعبير في أشخاص الديوان. هم مسوخ قبل أن تمتد إليهم يد الشاعر لتدمر أجسادهم؟ في رأيي ان جميع البشر هم مسوخ، كل علي طريقته ووفقا لتشوهات روحه الخاصة، فالحالة المسخية التي أطرحها في القصائد هي حالة داخلية نفسية روحية وان كانت قد تجسدت عمليا وماديا في بعض القصائد فهي تمثل ذروة التجلي للتشوهات الروحية الكامنة في البشر، حيث هم مسوخ بالفطرة وقليلون منهم من يستطيعون أن يقاوموا هذه الحالة المسخية ليصلوا إلي جوهر إنسانيتهم. والنوستالجيا. هناك قصائد فيها لحظات حنين إلي الماضي في القرية. ألم يقلقك هذا، ألم تشعر به مخالفا لجو الديوان بشكل عام؟ لا أنكر أنه كان في قصيدتي رجوع للماضي. كان تمرغ الأطفال بالتراب مشهدا مؤثرا بالنسبة لي. عنونت قصيدتي عن هذا المشهد ب أيام كان التراب يشبع بمعني أن أي شيء يشبع الإنسان، وهذا علي النقيض من المدينة التي تحوي ضجة رهيبة تجعل أي قروي يشعر بالرعب منها. كتبت عن العلاقة بين الإسفلت والتراب، وهي تيمة قد تكون بسيطة أو مباشرة ولكنها جزء حميم جدا من روحي، وتمثل فكرة مهمة جدا في مقتبل حياتي وهي الرعب الذي أحسسته تجاه المدينة. مع هذا، فبالطبع عالم القرية هو عالم قاس بالنسبة للأطفال. ولكن هذه القسوة لا تكون بغرض تعذيبهم وإنما تربيتهم. تحدثت أنا مثلا في إحدي قصائدي عن صفعة الأب التي كانت كفيلة بصنع رجل. هناك كذلك حالة من الشر تنتج في كل قصيدة، وهو شر يتم التواطؤ عليه بين شخصيات القصائد كلها؟ فكرة الشر طرحتها باعتبارها وسيلة للتقية. الشر الذي أطرحه يساوي الضعف. شخصيات القصائد تسمي سلوكها شرا لكي تحمي نفسها من العالم. آخر كلمة في الديوان هي أنه صار في جسدي متسع للشر، أي أن هناك سعي إلي إعلان هذا الشر. البرود كذلك شكل من أشكال مقاومة الأذي مع ادعاء الشر، هناك الشخص الذي يرد علي المرأة وهي تقول له أنها تحبه بكلمة : طيب. وفي قصيدة متحف الشمع أحكي عن الوجود البشري حيث تجمد البشر في أماكنهم. هذا الجمود شعرت أنا به في قصدة ظاهرة حين تحكي عن الأشخاص السّمّكيين؟ في هذه القصيدة كنت أحقق تصورا طريفا موجودا عندي منذ طفولتي وهو أن الإنسان أصله سمكة، حيث الإنسان يعوم في الهواء. أستغرب كثيرا في أثناء سيري في الشارع من تحريكي ليدي ذهابا وإيابا، وأقول أن هذا ربما يكون عوما، هنا أيضا أدين الخوف الإنساني من البحر الذي هو معادل للموت. هناك لمحات ساخرة كثيرة في الديوان، ألم يخلق لك هذا المزيج بين الجو الكابوسي وبين روح الدعابة مشكلة في كيفية التعامل معه؟ قال بودلير أنه يجب علي كل شخص أن يستعيد حقه الأساسي وهو حقه في التناقض. فكرت في كتابة قصيدة سوداء مع لمحة سخرية، حتي لو أتي هذا التناقض علي حساب الجو السوداوي للقصيدة. لا أنكر أن الكابوسية مسيطرة علي كل قصائدي فأنا غير متفاءل بالمرة وان كنت استخدمت ألفاظا وتعابير فيها قدر من الدعابة أو المزحة في بعض الأحيان فهذا بغرض إضفاء نوع من الكوميديا السوداء علي القصائد. كان هذا وسيلة لمكافحة الكابوسية والتشاؤم المسيطرين عليٌ طوال الوقت واللذين انطبعا علي العديد من قصائد الديوان. عموما هذه الحالة تعبر عن روحي بكل أمانة والتنازل عنها أو التقليل منها هو في رأيي تزييف للروح لذلك لا أستطيع التقليل منها لمسايرة السائد، فلكل شاعر سماته الخاصة التي يعبر عنها كيفما يشاء واعتقد أن هذه الكابوسية سمة أصيلة في روحي. ولكن بالنسبة للدعابة فموقعها يأتي دوما في نهاية القصيدة، بما يجعلها أشبه بإفيه؟ حسنا. لا أنكر أن فكرة تفجير القنبلة/ الإفيه في آخر القصيدة ، بحيث تصبح القصيدة مثيرة للدهشة، هي من أثر بداياتي في الشعر العمودي والتفعيلي. في قصيدة حتي لا تبدو وكأنها مذبحة هناك خطاب مباشر بالمعني السياسي، هناك إدانة لسلبية المثقفين الذين يقفون ووجوههم للحائط وظهرهم لكل الأحداث الدامية في العالم؟ كنت أدين سلبية المثقفين، حيث هناك فئة من البشر هم المثقفون ومن يملكون أهدافا أخري قد يكونون سلبيين. لا يجب أن تكون هناك طلقات نارية بينما هم غير مكترثين. لم تقلقني المباشرة لأن القصيدة تمثل قضية، هناك قصائد عدة لو حاولت تفسيرها فلن تجد إلا المباشرة، الشعر في رأيي لا يفسر ولا يشرح، كان هذا واحد من أسباب تخلي عن القصيدة العمودية حيث تتدخل الصنعة فيه فتضطر لشرحها بينما قصيدة النثر نص غير قابل للتفسير. هنا يكمن جمالها. ألا تري معي أن من غير المعتاد أن يبدأ الشاعر طباعة ديوانه الأول في إحدي الدور النشر الخاصة لا في سلسلة من سلاسل الحكومة؟ في عام 2000 تقدمت بديواني الأول لسلسلة إبداعات بهيئة قصور الثقافة إلا انني لم احصل علي رد المسئولين عن السلسلة بينما سمعت من بعض اصدقائي أن الديوان رفض لما يتضمنه من قصائد تتناول (تابو الدين) وبعد أن يئست من النشر الحكومي توجهت للنشر الخاص الذي يفرض أيضا شروطا علي المبدع. الناشر مثلا ناقش معي كل كلمة في الديوان واعترض علي بعض الكلمات والجمل باعتبارها عامية وليست فصحي مثل كلمة (الصلع)، إلا انه في النهاية اقتنع بوجهة نظري في أحيان كثيرة لأنني حاولت الدمج بين اللغة الفصحي واللهجة المحكية. ومن هذه التجربة أستطيع أن أقول إن الناشر الخاص أكثر فائدة للمبدع وأكثر احتراما من الناشر الحكومي.
#نائل_الطوخي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معنى أن يكون الكاتب يهوديا
-
النوبة بين التوطين والتطوير: عودة الجنوبي إلى أرضه
-
أوروبا .. ولاية عثمانية
-
صنع الله إبراهيم: أحلم بالكتابة عن الجنس
-
المدير الجديد لمعهد جوتة بالقاهرة، هايكو سيفرس: غياب الماضي
...
-
في بينالي الشارقة: تضميد الواقع بيد وخدشه بالأخرى
-
مسعد أبو فجر ورواية البدو: الديكتاتورية أسوأ من الاحتلال
-
يوميات الكتاب في أبو ظبي
-
في مديح العنصرية: النقاء المطلق لكراهية الآخر
-
لمسة من عالم ميت
-
جاليري آرت اللوا: محاولة لاختراق مركزية وسط البلد
-
الاحداث الكاملة لفيلم روح شاكيد الاسرائيلي
-
قضية الأسرى المصريين: جنون الذبح الإسرائيلي
-
فيلم بوفور بعد فوزه في مهرجان برلين: العقدة الإسرائيلية من ل
...
-
معرض القدس الدولي للكتاب.. بين علامتي تنصيص
-
عادل جندي في كتابه:-الحرية في الأسر-.. العجز عن تأويل العالم
-
الشاعر بني تسيبار: البلدوزر سلاح ضيوف القدس غير المهذبين
-
الفنان الفرنسي ستيفان أويه: هكذا جعلت مارسيل بروست صورا وفرا
...
-
محمد اركون: لا يمكن الربط بين الدين و الديمقراطية
-
أمريكا اللاتينية: الخيار الغائب في معادلة الشرق والغرب
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|