|
التصعيد: تجريدة النظام المصري ضد بدو سيناء
مسعد ابو فجر
الحوار المتمدن-العدد: 1907 - 2007 / 5 / 6 - 05:08
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
لعل أول المؤشرات التي تطرحها ظاهرة توجيه فوهات المدافع، من قبل رجال حكومة مصر، نحو رؤوس المواطنين، والتي كان آخرها مقتل شابين من بدو سيناء، كانا في طريقيهما لشراء سيارة، هو أن العنف يواجه بالعنف، فقد كان رد البدو سريعا: - اعتصام على الحدود توالى لمدة خمسة أيام، قطع طريق قوات الطوارىء الدولية، مما تسبب في حرج شديد للنظام المصري. - إطلاق النار على احد الضباط كاد أن يودي به. وحين يصل الأمر، من قبل رجال حبيب العادلي، إلى حد التصويب في العنق، ولمّا يكون ضحايا هذا التصويب من بدو سيناء، وهم اضعف حلقات الشعب المصري، يستدعي العقل فورا فكرة "الحقرة" ، وهي فكرة تنبني على أساس أن المستهدفين "بدو" ، ولأنهم "بدو" فأنهم، وفقا لعقلية حبيب العادلي حقيرون، وبامكاننا، هكذا يقول رجال الأمن في عقولهم، أن نتدرب على توجيه فوهات مدافع الآر بي جي نحو رؤوسهم ، وكأننا في ميدان للتدريب على إطلاق النار، فقبل أن يحس أو يشعر بهم أحد من ساكني هذا العالم، نكون قد أتينا عليهم تماما. حين يتلبسك هذا الشعور لا تجد أمامك غير أن تخرج نظرية جرامشي من الدرج، تلك النظرية التي تكرس للمثقف العضوي الملتحم مع قضايا شعبه. رغم رفض كتاب ما بعد الحداثة لتلك النظرية، تحت دعوى، أظن أنها صحيحة إلى حد بعيد، أن الدور الأساسي للكاتب هو أن ينتج كتابة، وكتابة فحسب. ربما هذا كله أو بعضه كان يدور في راسي وأنا ذاهب لمشاركة، رجال قبائل سيناء، الذين اختاروا حافة الحدود المصرية الفلسطينية مكانا يعلنون فيه عن مطالبهم، تلك المطالب التي أشركوني في صياغتها: - تغيير بيان وزارة الداخلية، الذي زعم أن الشابين قتلا في تبادل لإطلاق النار على الحدود، وإصدار بيان يعيد وصف الحادثة، ويبين أنها إطلاق نار من طرف رجال الأمن، ويذكر أن مكانها الصحيح هو "مدخل المغارة" الذي يبعد حوالي 150 كم عن الحدود. - تحويل الضباط الذين أطلقوا النار إلى المحكمة فورا. - إطلاق سراح جميع المعتقلين من أبناء قبائل سيناء. ولما كنت أنا من يتقدم بهذه المطالب، التي أراها عادلة تماما، لأعضاء مجلس الشعب، الذين كانوا يفاوضون المعتصمين نيابة عن الحكومة، وذلك لكي يقدموها بدورهم للمسئولين الذين أرسلوهم. فقد كنت اعرف تماما، أن رجال حبيب العادلي سوف يضعوني في رؤوسهم، ولكني لم أكن أظن أن يصل بهم الأمر، أن يطاردوا والدي، وهو رجل بدوي مسن، صمد فوق أرضه، خمسة عشر عاما متوالية، هي عمر الاحتلال الإسرائيلي لسيناء، ولو لم يفعل غير ذلك الصمود، لكان كافيا لكي يعيش فوق أرضه بسلام. ولكن من قال أن في راس رجال حبيب العادلي عقل يفكر أو أحساس ينبض؟. سأكتفي بهذا الآن، ولن أتحدث عن مطاردتهم لي في مكان عملي، فهذه أفعال لا تعنيني، ولا أعطيها من رأسي أكثر مما أعطي لرجل قذر، حين أراه يتلهى بإدخال إصبعه في منخاره. اكتفيت بالاعتصام مع الرجال على الحدود، ولم أحضر الاجتماع الذي عقد بين رجال الحكومة ومشايخ القبائل ووجوهها في قرية المهدية، لتأكدي بأن الحكومة كانت تفاوض نفسها، فالفارق بين أولئك الوجهاء، وبين مفاوضيهم، هو فارق في الدرجة وليس في النوع. صحيح أنهم اتفقوا على مهلة 60 يوما، يتم خلالها الإفراج عن جميع المعتقلين وتحويل الضباط، الذين قتلوا الشابين، إلى المحكمة. ولكن الفريقين، وهما يتفاوضان، كانا يعلمان تماما أنها لم تكن غير وعود لتمضية الوقت. لأن الهدف الرئيسي من ذلك الاجتماع، وبالتالي تلك الوعود، لم يكن سوى تهدئة الأمور، إلى أن يمر عرس جمال مبارك، وقبله مؤتمر أحوال العراق، في مدينة شرم الشيخ، ومن ثم تبدأ التجريدة، لتأديب أولئك الأولاد الذين خرجوا على طاعة الفرعون.. ولكن الحكومة ووجهاء القبائل، وهم يفكرون بهذه الطريقة، نسوا أنهم بهذه اللعبة يقفزون فوق حقائق مهمة جدا، وهي أن المشاكل في سيناء تضخمت بحيث لم يعد في مقدور جهاز الأمن، بذهنية السحق التي يحملها في رأسه، أي قدرة للتعامل معها. فواحدة من أكثر المشاكل حساسية اليوم في سيناء، هي مشكلة أولئك الشباب الذين، طوال السنوات الماضية، ظل يتوالى صدور أحكام غيابية في حقهم، يؤكد الأهالي أنها في غالبيتها ملفقة، وهي أحكام بالسجن لمدد متفاوتة تبدأ بعشر سنوات، ولا تنتهي بخمس وعشرين. هؤلاء الأولاد كانوا ينجحون في التحايل على هذه الأحكام، مستخدمين آليات معقدة، واحدة من هذه الآليات، تعتمد شبكة علاقات ضخمة مع رجال الأمن، أما الآلية الأخرى، وهي الآلية الغالبة والأضمن من وجهة نظر الأولاد، ووفقا لمعطيات جغرافيا واقعهم، فهي آلية الهروب والكر والفر. آلية الهروب فسدت، ولم تعد مجدية بعد تطبيق سياسة توجيه مدفع الآر بي جي نحو الرؤوس وفي الرقاب. فلم يعد أمام هؤلاء الأولاد غير سياسة التصعيد، إذ تحدثهم نفوسهم، أنهم ربما وفق هذه السياسة ينجحوا في انتزاع أحكام ببراءتهم، أو يدفعوا بالجميع على المحك الخطر، بتصعيد قضية سيناء نحو آفاق دولية، كلنا يعلم بأن مصر في أشد الاستغناء عنها. وحتى لا نضع الأولاد في موضع أنا ومن بعدي الطوفان، ولأن هذه الحكومة لم تعد قادرة على تقديم حلول خلاقة لهذه المشكلة ولا لغيرها من المشاكل، ينبغي على منظمات المجتمع المدني الضغط نحو مراجعة هذه الأحكام، وإسقاط الملفق منها.
#مسعد_ابو_فجر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أصداء السيرة الذاتية
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|