|
تاريخ الأمازيغ المنسي: دهيا الأمازيغية: رفضت الخضوع لأطماع الفاتحين العرب، فسموها غيضا بحارقة البيوت ورموها بامتهان الشعوذة وشككوا في أصلها
عبداللطيف هسوف
الحوار المتمدن-العدد: 1908 - 2007 / 5 / 7 - 10:27
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
بعد موت الزعيم كسيلة، قامت بجبال الأوراس شوكة ملكة اسمها دهيا البربرية (Dahiya) الملقبة بالكاهنة. يقول ابن خلدون: كانت زنانة أعظم قبائل البربر وأكثرها جموعاً وبطوناً وكان موطن جراوة منهم بجبل أوراس وهم ولد كراو بن الديرت بن جانا. وكانت رياستهم للكاهنة دهيا بنت تابنة بن نيقان بن باورا بن مصكسري بن أفرد بن وصيلا بن جراو. . وقد تنازعت الأقوام اسم هذه الزعيمة الشجاعة، لحد أن بعض الكتاب اليهود سموها ديبورا وهو اسم يهودي معروف أو كهينا نسبة إلى اسم الكوهن، أما الكتاب العرب فسيلصقون بها جميع الصفات المحطة بالإنسان بسبب مواجهتها للفاتحين المسلمين وعدم قبولها بالتسليم في أراضي البربر لصالح هؤلاء الغزاة القادمون من الشرق. ويضيف ابن خلدون: قال هاني بن بكور الضريسي: ملكت عليهم (أي دهيا) خمساً وثلاثين سنة وعاشت مائة وسبعاً وعشرين سنة. وكان قتل عقبة بن نافع في البسيط قبلة جبل أوراس بإغرائها برابرة تهودا عليه وكان المسلمون يعرفون ذلك منها. فلما انقضى جمع البربر وقتل كسيلة زحفوا إلى هذه الكاهنة بمعتصمها من جبل أوراس وقد ضوي إليها بنو يفرن ومن كان بإفريقية من قبائل زناتة وسائر البتر فلقيتهم بالبسيط أمام جبلها. وانهزم المسلمون واتبعت آثارهم في جموعها حتى أخرجتهم من إفريقية. . دهيا خلفت كسيلة البربري بعد موته في زعامة البربر الأحرار. دهيا، فارسة البربر التي لم يأت بمثلها زمان، كانت تركب فرسا وتسعى بين القوم من طنجة إلى طرابلس، تحمل السلاح لتدافع عن أرض أجدادها إمازيغن... دهيا كانت تتنبأ بالغيب وسط قومها البربر الرافضين لسلطة الغزاة العرب. دهيا واجهت الفتح الإسلامي بعد أن ملكت جبال الأوراس وتزعمت أمر دولتها بقبضة من حديد. كانت امرأة قوية الشكيمة، تولت زمام الحكم بحكمة وحزم قل نظيرهما في التاريخ. نعم، بعد مقتل كسيلة كبير قبيلة أوربة الأمازيغية على يد الفاتحين المسلمين، زحف هؤلاء إلى مملكتها، وكانت قبائل أمازيغية كثيرة ساندتها في مقاومة الغزو الإسلامي أهمها قبائل بنو يفرن. وقد صمدت في وجه جيوش المسلمين وتمكنت من هزمهم وطاردتهم إلى أن أخرجتهم من إفريقية، أي تونس الحالية. ومما تداوله بعض الكتاب العرب عن دهيا لتشويه صورتها أنها كانت تمارس السحر والشعوذة، ويزعمون أنها قتلت والدها الملك واثنين من إخوتها لتستولي على الحكم. وهناك من يقول إنها تهودت قبل دخول الإسلام، كما روج عنها أنها تكره البربر البرنس كرها شديدا، وكانت ترسل جيوشها من حين لآخر لإبادتهم، وإبادة غيرها من النساء الزعيمات في بلاد البربر الشاسعة. وكل هذا تحميض للكلام، لما رأى العرب عندها من قوة وشجاعة وما كان يخصها به البربر الرجال من احترام بلغ أوجه حين جعلوها ملكة عليهم. وقد جاء في كتاب تاريخ ابن خلدون أن حسان بن النعمان الذي أرسله الأمويون على رأس مجموعة من الجنود، قال: دلوني على أعظم من بقي من ملوك إفريقية، فدلوه على دهيا. وقد اجتمع حولها البربر بعد قتل كسيلة، فسأل أهل إفريقية عنها فعظموا محلها وقالوا له: إن قتلتها لم تختلف البربر بعدها عليك. فسار إليها، فلما قاربها هدمت حصن بغاية ظناً منها أنه يريد الحصن، فلم يعرج حسان على ذلك وسار إليها، فالتقوا على نهر نيني واقتتلوا أشد قتال رآه الناس واستبسلت دهيا أيما استبسال، فانهزم المسلمون وقتل منهم خلق كثير، وأسر جماعة كثيرة أطلقتهم الكاهنة سوى خالد بن يزيد القيسي، الذي اتخذته ولداً بعد أن أرضعته من حليب ثديها. وقد أورد ابن الرفيق وصفا عجيبا تبناه المؤرخون بعده، وبدون أدنى اعتراض، قال: "وأن الكاهنة قالت لخالد: "ما رأيت في الرجال أجمل منك، ولا أشجع، وأنا أريد أن أرضعك، فتكون أخا لولدي"، فقال لها وكيف يكون ذلك، وقد ذهب الرضاع منك، فقالت: "إنا جماعة البربر لنا رضاع إذا فعلناه تتوارث به، فعمدت إلى دقيق الشعير، فتلته بزيت، وجعلته على ثدييها، ودعت ولديها، وقالت لهما كلا معه على ثديي، وقالت لهم: إنكم قد صرتم إخوة". أرسل حسان بكتاب يحمله رسول منه سراً إلى خالد بن يزيد القيسي لما كان عند الملكة دهيا يستعلم منه الأمور، فكتب إليه خالد جوابه في رقعة يعرفه تفرق البربر ويأمره بالسرعة، وجعل الرقعة في رغيف، وعاد الرسول، فخرجت الملكة دهيا ناشرةً شعرها تولول وتقول: ذهب ملكهم فيما يأكل الناس يا أهل بربر . فطلب الرسول فلم يوجد، فوصل إلى حسان وقد احترق الكتاب بالنار، فعاد إلى خالد وكتب إليه بما كتب أولاً وأودعه قربوس السرج. فسار حسان، فلما علمت ملكة البربر بمسيره إليها، قالت: إن العرب يريدون البلاد والذهب والفضة، ونحن إنما نريد المزارع والمراعي، ولا أرى إلا أن أخرب إفريقيا حتى ييأسوا منها. وفرقت أصحابها ليخربوا البلاد، فخربوها وهدموا الحصون. ومن ثم يصفها المتطفلون على الكتابة والعنصريون بحارقة البيوت دون معرفة ملابسات ذلك. ومن المؤسف له أن يردد البعض أن حرق الزعيمة العسكرية الثائرة دهيا لبيوت البربر ومزارعهم كان ينبع من تسلطها وطغيانها وتعسفها اتجاه قومها، محاولين بذلك الترويج بأن الملوك والملكات الذين عرفهم الأمازيغ، ملوك التخريب وليس ملوك الإعمار. مع أن ما ينسبه هؤلاء من تخريب" إلى الملكة دهيا كان في الحقيقة جزء من خطة حربية ضد الغزاة العرب، أي خطة سياسة الأرض المحروقة، والتي لجأت إليها ونفذتها لما علمت أن العرب جاءوا من أجل الاستيلاء على خيرات شمال أفريقيا. علمت الملكة دهيا أن المد والزحف الإسلامي لن يقف عند تخريب الأراضي وتيقنت أن الأمر أكبر من ذلك. وإن ذلك لواضح عندما سألت أبنائها: ماذا ترون في السماء؟ قالوا: نرى سحابا أحمرا. فقالت: بل هذا وهج خيول العرب. علمت بفطنتها أن العرب لم ولن يتوقفوا إلا بعد أن يبيدوا هذه الثورة من الوجود وأنهم وجدوا فيها ثورة تقوم على رأسها امرأة شجاعة، وهذا ما استفز العرب فلقد رأوها تمنع أمراً أو تعيقهم عن امتلاك أرض البربر. ثم أحضرت ولديها وخالد بن يزيد القيسي أخوهم في الرضاع وقالت لهم: إنني مقتولة لا محالة فامضوا إلى حسان وخذوا لأنفسكم منه أماناً، فإنني أرى أن أحد ولدي سينصر به المسلمون. فساروا إليه وبقوا معه. انتظر حسّان بن النعمان، الذي كان يتولى قيادة جيوش الغزو الإسلامي، ثم هاجمها مجدداً بعدما أُرسلت إليه الإمدادات العسكرية. التقى الجمعان واقتتلا واشتد القتال وكثر القتل حتى ظن الناس أنه الفناء، ثم انتصر المسلمون وانهزم البربر وقتلوا قتلاً ذريعاً، وانهزمت ملكة البربر دهيا، ثم أدركت فقتلت عام 74هـ. هل صدقت نبوءة دهيا الأمازيغية بانتصار المسلمين على يد أحد أبنائها؟ ربما يكون ابنها الأكبر هو المقصود أو تقصد بابنها رجل من البربر والسلام، فالمعروف أن ابنيها تقدما جيوش المسلمين بعد أن عفا عنهما بن النعمان إثر أسرهما واعتبارهما موالي. قادا الجيوش ليفتحا البلاد ويخضعا الثائرين من بزنطيين وبربر متمردين. ولربما يكون طارق بن زياد هو من يجسد نبوءة دهيا البربرية عندما سار من طنجة إلى الأندلس على رأس جيش يقدر بمئات الآلاف أغلبهم بربر. وهكذا نشر المسلمون الإسلام في بلاد البربر على يد البربر أنفسهم، كما عوضت اللغة العربية اللغتين اللاتنية والإغريقية من طرابلس إلى طنجة، لكن اللغة الأمازيغية، كما تقاليد البربر، ظلت قائمة إلى اليوم. في مقطع مسرحي من مؤلفه حرب الألفيتين ( La guerre de deux mille ans)، يقول الكاتب الجزائري كاتب ياسين: تقول دهيا للبربر البدويين: "يدعونني الكاهنة، وأنتم البربر، مثلما كان الرومان يلقبون أجدادنا برابرة. نحن في هذه الأرض نحارب البربرية. على أية حال، وداعا يا تجار العبيد، سأترك التاريخ في قلب أطفالي وأحفادي، وسأترك الأمازيغية في قلب شمال إفريقيا .
#عبداللطيف_هسوف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تاريخ الأمازيغ المنسي: دهيا الأمازيغية: سموها حارقة البيوت و
...
-
تاريخ الأمازيغ المنسي: كسيلة البربري: مقاوم الغزو العربي لبل
...
-
تاريخ الأمازيغ المنسي: تينهينان الفيلالية: ملكة الطوارق، ناص
...
-
تاريخ الأمازيغ المنسي: سبتيميوس سفيروس: الأمازيغي الذي حكم ر
...
-
تاريخ الأمازيغ المنسي: جوبا الثاني ملك الموريين المفكر العال
...
-
تاريخ الأمازيغ المنسي: بوكوس الأول: حاكم موريتانيا الطنجية
-
تاريخ الأمازيغ المنسي: سيفاكس الثائر: الماسولي حاكم المغرب ا
...
-
إهداء لرئيس عنصري حاقد يتجاهل تاريخ بلاده - تاريخ الأمازيغ ا
...
-
تاريخ الأمازيغ المنسي: أكليد يوغرتا (هانيبعل الأمازيغ): روما
...
-
تاريخ الأمازيغ المنسي: أكليد يوغرتا (هنيبعل الأمازيغ): روما،
...
-
تاريخ الأمازيغ المنسي: الملك مسينيسا النوميدي: أفريقيا للأفر
...
-
مكانة الأمازيغ باعتبار النص الديني: صحيحا كان أم مزعوما؟
-
لوكيوس أبوليوس ... مثقف أمازيغي... قراءة في رواية الحمار الذ
...
-
لوكيوس أبوليوس ... حياة وأعمال مثقف أمازيغي لفترة ما قبل الإ
...
-
نعرات الانفصال في العالم العربي الإسلامي: تقرير المصير داخل
...
-
دانييل شرويتر يكتب عن اليهود والأمازيغ المغاربة: اليهود ببلا
...
-
دانييل شرويتر يكتب عن اليهود والأمازيغ المغاربة: يهود تمزغوا
...
-
اليسار المغربي: من معارضة النظام الحاكم إلى الشيخوخة المبكرة
...
-
قصص قصيرة جدا لنماذج بشرية عادية جدا
-
جل بعينيك...وبفكرك
المزيد.....
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|