محمد بن سعيد الفطيسي
الحوار المتمدن-العدد: 1906 - 2007 / 5 / 5 - 11:23
المحور:
القضية الفلسطينية
في محاولات ليست بجديدة من قبل الحكومة الإسرائيلية إلى تحويل الأرض الفلسطينية إلى ارض تفتقر إلى ابسط مقومات البقاء بداية من ضرب الاقتصاد الفلسطيني وذلك بخنق القطاعات الرئيسية فيه كالقطاع الزراعي والصناعي وذلك عن طريق تبوير الأراضي الزراعية وإغلاق الأسواق الإسرائيلية أمام المنتجات الزراعية الفلسطينية والسيطرة على الاستثمار والتمويل وذلك بتقليص القاعدة التمويلية للصناعات الرئيسية وزيادة فرض الضرائب وغيرها وليس انتهاء بسلب الشعب الفلسطيني ابسط حقوقه الإنسانية والوطنية , وهذا ما تثبته التوجهات الإسرائيلية منذ النكبة ومرورا بمختلف الحكومات الإسرائيلية المتوالية وحتى عامنا هذا وذلك من خلال خطة رئيس الحكومة اولمرت والتي تهدف إلى رسم خارطة " الدولة " الإسرائيلية النهائية دون مراعاة لما قد يكون من نتائج سلبية خطيرة على الشعب الفلسطيني وعلى مختلف جوانب الحياة الفلسطينية وخصوصا المخاوف من عودة إحياء ظاهرة التهجير الجماعي أو ما يسمى " بالترانسفير " حسب الفكر الصهيوني في قطاعي غزة والضفة وغيرها الكثير مما قد يترتب على خطة فك الارتباط من جانب واحد , وتطبيق شريعة القوة فوق القانون بذلك التوجه الأحادي والبعيد عن خطة خارطة الطريق التي اقرها الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي سابقا .
والغريب في الأمر هو المواقف الاميريكية من هذه الخطة , ففي الوقت الذي تدعو فيه الولايات المتحدة الاميريكية الحكومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني إلى نبذ العنف والإرهاب والتحول نحو السلام والمساهمة في تشكيل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية على أسس قانونية وإنسانية وسيادية واحدة , نشاهدها تسير طواعية خلف الابتزازات الإسرائيلية لحقوق الشعب الفلسطيني وذلك من خلال مواقفها المحابية للحكومة الإسرائيلية , واتهاماتها المتواصلة لحكومة حماس بأنها العقبة الرئيسية للسلام , والدليل على ذلك هو ( الصمت ) الاميريكي على هذه الخطة الغير قانونية ولا إنسانية والتي تنتهك صراحة جميع الاتفاقات الدولية التي رعتها الولايات المتحدة الاميريكية نفسها ودعت إلى المحافظة عليها كاتفاقيات أوسلو وخطة خارطة الطريق وغيرها , ونتبين ذلك من خلال تصريحات الرئيس الاميريكي جورج بوش حيث قال في الاجتماع الذي عقده مع الرئيس الإسرائيلي اولمرت يوم الثلاثاء الموافق 23/3/2006 , في البيت الأبيض : ( اليوم رئيس الوزراء أطلعني على بعض أفكاره , وأستطيع أن أصفها بأنها أفكار جريئة ) وهو ما يمكن أن نسميه في العلاقات الدولية السياسية ( الضوء الأخضر ) لمواصلة العمل الإسرائيلي أحادي الجانب في هذا الخصوص , مع التوضيح بان الرئيس الاميريكي جورج بوش قال لاحقا لاولمرت :- بان أفضل طريقة لخدمة السلام هي التوصل لاتفاق سلام نهائي عبر التفاوض وأن اى اتفاقية تتعلق بالوضع النهائي لا يمكن تحقيقها سوى على أساس ثنائي , بالرغم الانتقادات الدولية لهذه الخطة , مع العلم أن هذه الخطة تمس وتضر قطاع غزة والضفة الغربية بشكل مباشر , وهو ما سنوضحه لاحقا.
وقد تباينت تلك الانتقادات ما بين معارض بشكل قطعي ومتخوف من عواقبها الوخيمة , وكان على رأس من عارض تلك الخطة الأمم المتحدة على لسان إبراهيم غامبرى وكيل السكرتير العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية أمام مجلس الأمن الدولي في اجتماعه الشهري المخصص لمراجعة الموقف في الشرق الأوسط حيث قال :- أن الخطوات الأحادية لا يمكنها ببساطة حل قضايا مثل الحدود بين دولة إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية والتي لا بد أن يتم التوافق عليها ثنائيا .
وقبل أن نحاول تحليل الأبعاد الخفية في " ابتداع " خطة اولمرت الأحادية الجانب وقراءة ما بين السطور في تلك الخطة لابد أولا من أن نفهم بعض النقاط التي ستوصلنا إلى فهم أعمق لمحتوى تلك الخطة وأبعادها المستقبلية , وأول تلك النقاط هو فهم الخارطة الجغرافية الفلسطينية لقطاعي غزة والضفة وما هي كينونة هاذين القطاعين , " حيث تبلغ مساحة ارض فلسطين التاريخية 26.300 كم مربع وحسب قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947 جرى تخصيص 14.500 كم مربع للدولة اليهودية بنسبة 55.1 % من إجمالي الأرض و 11.800 كم مربع للدولة الفلسطينية بنسبة 44.9 % وعلى اثر إعلان إسرائيل والحروب العربية – الإسرائيلية عام 1948 احتلت إسرائيل مساحات إضافية من تلك الأراضي التي كانت مخصصة للدولة الفلسطينية وبقي للفلسطينيين الضفة والقطاع ويشكلان معا 6.15 كم مربع أو ما يوازي نحو 23 % من إجمالي مساحة فلسطين التاريخية أو نحو نصف المساحة المخصصة للدولة الفلسطينية بموجب قرار التقسيم " , وفي نهاية المطاف حتى تلك المساحة البسيطة – أي – قطاعي غزة والضفة الغربية لم تسلم من الاحتلال بسبب ما تدعيه الحكومة الإسرائيلية بالضرورات الأمنية وغيرها من الأعذار الواهية والتي لا يقصد منها سوى تضييق الخناق على ما تبقى من أراضي السلطة الفلسطينية , وضرب الحائط بمختلف القرارات الأممية والاتفاقات الدولية في هذا الشأن .
أما عن نسبة السكان في الضفة الغربية فقد بلغ حسب إحصائيات عام 2002 إلى 2.049.000 نسمة وفي قطاع غزة إلى 1.317.000 مع ارتفاع واضح في نسبة المواليد رغم ظروف الاحتلال مقارنة بنسبة المواليد المنخفضة لدى اليهود رغم التشجيع الذي تقوم به الحكومة في هذا الاتجاه , فعلى سبيل المثال فقد ارتفعت نسبة السكان من 15 سنة حتى اقل من 65 سنة في الضفة الغربية لتصل في عام 1997 إلى 51.7 % من السكان , وفي قطاع غزة إلى 46.9% مقارنتا بما نسبته 26.7 % لدى يهود إسرائيل حسب إحصائيات العام نفسه والصادرة عن مراكز الرصد والإحصاء الديموغرافي في إسرائيل , أما بالنسبة لارتفاع نسبة المواليد العرب في إسرائيل وهي ما تخيف الحكومة الإسرائيلية وتحسب لها ألف حساب فقد بدا بالارتفاع بمعدلات متقاربة جدا من نسبة المواليد اليهود فوصلت في عام 1997 إلى 37.3 في الألف لدى اليهود ووصلت في نفس العام لدى العرب إلى 18.3 في الألف , وهو ما يمكن أن تعتبره بالفارق البسيط مقارنتا بالظروف والفوارق المتباينة ما بين الشعب الفلسطيني و" اليهودي " , وفي هذا الإطار ( يبرز الاختلاف في معدلات الزيادة الطبيعية بين المرأة العربية بحسب خلفيتها الدينية كما يبرز هذا الاختلاف لدى اليهودية بحسب خلفيتها العرقية , ففي عام 2001 وصل معدل الزيادة الطبيعية في إسرائيل إلى 15.4 في الألف , وبلغ لدى العرب 31.4 في الألف ) .
والمهم من كل ذلك بأننا نود أن نوضح بان الحكومة الإسرائيلية قد تبهت منذ فترة طويلة إلى خطورة ( القنبلة ) الديموغرافية التي يملكها الفلسطينيين ومدى تأثيرها الخطير على الوضع الأمني للشعب الإسرائيلي مستقبلا بشكل عام , وعلى إسرائيل نفسها من خلال عرب إسرائيل والذين قد بدأت أعدادهم تتزايد بشكل ملفت للنظر مما يشكل تهديدا خطير – من وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية – على الخارطة الإيديولوجية والديموغرافية اليهودية , وحتى على المستوى السياسي والاقتصادي وذلك من خلال الحقوق المدنية والسياسية التي لابد أن يتمتع بها عرب إسرائيل كحقهم الدستوري في الانتخابات والترشح للبرلمان والعمل والتعليم والصحة وخلافه من حقوق المواطنة .
فإذا ( كانت إسرائيل تملك القنبلة النووية ، وتري فيها، وفي منع العرب من امتلاكها، حصنها الحصين، والسلاح الأكفأ من سواه في درء مخاطر محتملة عن أمنها أو وجودها القومي، فإن الفلسطينيين يملكون ما يمكن تسميته القنبلة المنوية ، التي يدعوها الإسرائيليون القنبلة الديمغرافية ، فبعد أربع سنوات قد يتساوي عدد الفلسطينيين مع عدد اليهود في أرض فلسطين التاريخية، أي بين النهر والبحر. عدد الفلسطينيين الآن في داخل إسرائيل، والذين يسمون عرب إسرائيل ، 1.13 مليون نسمة. وعددهم في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية 3.88 مليون نسمة. وعددهم في الشتات يزيد عن 5 ملايين نسمة. ومع حلول عام 2010، يصبح عدد الفلسطينيين ما بين النهر والبحر 6 ملايين نسمة، وعدد اليهود 6 ملايين نسمة أيضا ).
ولنتصور أن يتخطى عدد الفلسطينيين بعد ذلك العام أعداد اليهود في إسرائيل بوجه خاص , ومدى تأثير ذلك على الانتخابات الإسرائيلية التي يمكن وبكل تأكيد أن يترشح لزعامة حكومتها في يوم من الأيام مواطن فلسطيني من عرب إسرائيل أو أن يزيد عدد أعضاء الكنيست العرب عن نضراءهم من اليهود وخطورة ذلك على الخارطة الإسرائيلية السياسية والاقتصادية المستقبلية , وقد اتضح ذلك جليا من خلال ارتفاع نصيب الأحزاب الصهيونية كحسب الماباي بسبب قوائمه العربية ,وتراجع التصويت العربي للأحزاب الصهيونية لصالح الأحزاب غير الصهيونية , وظهور الأحزاب السياسية العربية في إسرائيل بشكل ملاحظ كالحزب الديمقراطي العربي في ابريل من العام 1988 وغيره الكثير , و وهو ما نحاول التنبيه عليه من خلال المساعي الإسرائيلية من وراء هذه الخطة وذلك بتشتيت وتهجير الشعب الفلسطيني من عرب إسرائيل وممارسة الضغوط والقمع عليهم , ورفض عودة اللاجئين إلى أرضهم , وتضييق الخناق سالف الذكر على الشعب الفلسطيني وذلك بهدف قتل روح النضال لدى ذلك الشعب وتهجيره .
مع العلم بان الحكومة الإسرائيلية متخوفة كثير من الظاهرة المقابلة وهي صافي هجرة اليهود إلى إسرائيل مقابل الأعداد الأكبر من النازحين عنها إلى الخارج , وهو ما يزيد من تلك المخاوف الإسرائيلية , حيث جاءت ظاهرة نزوح اليهود من إسرائيل إلى الخارج ( لتمثل أزمة بنيوية لإسرائيل التي اعتمدت منذ البداية على الهجرة كأساس إيديولوجي لها , ولذلك تمثل هذه الظاهرة بداية انحسار للحركة الصهيونية كحركة سياسية إيديولوجية عالمية تعمل على استقطاب يهود العالم , ومن ثم فان عملية النزوح تأتي لتشكك في هوية الدولة التي قامت على ذلك الأساس , وهو ما عبر عنه إسحاق طشلر بقوله " إذا لم تكن إسرائيل بلد هجرة , فإنها لن تبرر هويتها اليهودية " , ولذلك فان الحكومة الإسرائيلية تعلم بان ارتفاع نسبة المواليد لدى الفلسطينيين وانخفاضها لدى اليهود بشكل عام , وارتفاعها كذلك لدى عرب إسرائيل بشكل خاص مع انخفاض واضح لها لدى الإسرائيليين مع زيادة ظاهرة النزوح اليهودي عن إسرائيل وغيره من المعطيات الخطيرة والتي لابد أن يكون لها تأثير سلبي وخطير على الخارطة السيادية والأمنية الإسرائيلية فيما بعد سيشكل تهديدا لا تحمد عواقبه على كيان الدولة وأمنها إن لم يتم كبح جماح ذلك , وهذا ما تقوم على أساسه خارطة اولمرت الأحادية الجانب من أهداف ومساعي مستقبلية .
كاتب وباحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية
سلطنة عمان
#محمد_بن_سعيد_الفطيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟