|
الميدان استعادة أحد منابر الوعي
خالد فضل
الحوار المتمدن-العدد: 1906 - 2007 / 5 / 5 - 11:32
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
* غض النظر عن الأكلشيهيات الجاهزة، والعجلة في إصدار الأحكام في أشياء هي من خصوصيات الفرد، مثل تحديد انتمائه الفكري أو خياره السياسي أو منظومته الحزبية أو حتى معتقده الديني وهي السمة الأبرز في خطاب المجادلة السياسية السودانية، فمن اليسير جداً على كل كاتب أو ناقد أن يمنحك بطاقة انتماء للحزب الشيوعي إذا كنت صاحب رأي وانتماء لقيم العدالة الاجتماعية، ومبادئ الاشتراكية الرحيمة، والليبرالية، والاستقلالية عن اتباع موجة الهوس الديني والتعصب الجهوي والقبلي، فقط إذا كنت صاحب نظرة أقرب للموضوعية، وأحفى بطبيعة مجتمعك من حيث تعدده وتنوعه ومحاولتك فهم هذه الطبيعة وإيجاد أفضل الطرق لإدارة العيش المشترك بندية ومساواة، واحترام الكرامة الإنسانية والتعدد الثقافي والديني والمناداة بعدم استغلال الدين لتحقيق مآرب حزبية ضيقة وغيرها من قيم وأفكار تعتبر عند القادحين -للمفارقة- من موجبات الانتماء والعضوية للحزب الشيوعي، مما يجعل التساؤل المشروع عن: لماذا إذاً يرفض هؤلاء الكتاب والناقدين الحزب الشيوعي؟ فإذا كان تصنيف من يكتب بصدق وإخلاص مجرداً عن هوى النفس أو تحقيق منفعة شخصية بأنه «شيوعي» فهل هناك من هو أفضل من الشيوعيين في هذه الحالة؟ هل من المطلوب أن يكون الشخص «إمعة» يلهث وراء مصلحته الذاتية يتبع القصر أو المنشية، ويدافع عن الباطل الظاهر ويتستر خلف أهداب شعارات أو لافتات تدغدغ المشاعر الإسلامية، فيكون هذا الشخص جيداً، وهذا الكاتب عظيماً، وموضوعياً لأنه يذكر للانقاذ انجازاتها كاستخراج النفط وفتح (26) جامعة، وشق الطرق وإقامة الجسور، أي أن الموضوعية المعنية والبراءة من الشيوعية تتطلب الاحتفاء بالانجازات المادية للانقاذ مع غض الطرف تماماً عن الموبقات الإنسانية، ليست تلك التي ارتبطت دوماً وبشكل مباشر بهذه الانجازات المادية مثل عمليات التهجير والتشريد وتغيير نمط الحياة وثقافة كسب العيش لمواطنين سودانيين في مناطق الآثار المكتشفة والمستغلة، أو على ضفاف بحيرة «سد مروي» وغيرها من منجزات الأسمنت والسيخ والماكينات، وكأنها هي الغاية من التنمية، والهدف من سيل الشعارات، ليس هذا فحسب، فغض الطرف عن التفكك الأسري، وارتفاع معدلات الطلاق، وتشرد الأطفال، وازدياد أعداد الأطفال مجهولي الأبوين، وتفشي الأمراض الفتاكة كالأيدز، وزيادة معدلات وفيات الأمهات، وانتشار الفشل الكلوي والسرطانات، وإهدار قيم النزاهة وتفشي المحسوبية والفساد المالي والإداري، وانقسام المجتمع إلى طبقتين، إحداهما تمتلك كل شيء وترتهن كل فرص الثراء والأخرى تفقد أدنى مقومات الحياة، وغيرها من وقائع لا يمكن تجاوزها لمن يزعم الموضوعية في كتابته ودفاعه عن سلطة القصر كما كتب أحد الأصدقاء قبل أيام، وهو يعلن أنه «قصري الهوى» كأنما أقدار إنسان السودان تقع بين مشيئة القصر حيث «عمر البشير رئيساً» وحي المنشية حيث «د. حسن الترابي حبيساً»، أما من تجاوز كليهما ماداً بصره إلى آفاق أرحب تحتفي بالتعددية وتمجِّد طبيعة إنسان السودان وثقافاته وأعرافه، وأديانه على اختلافها، فإنه لا بد أن يكون «شيوعياً متنكراً» كما في وصف ذلك الصديق، أو «مغرِّداً خارج السرب» كما في تداعيات اسحق أحمد فضل.
* ثم، وعوداً على بدء، ليس في الإنتماء التنظيمي لأي حزب سوداني ما يعيب أو ينتقص من قيمة أي فرد، فالتنظيم أرقى أنواع التعبير كما يقال، كما أن الديمقراطي الحق لا ينكر على الناس انتماءهم السياسي، فهذه طبيعة السياسة ومع ذلك يجوز الاختلاف مع مرتكزات وبرامج وممارسات أي حزب سياسي وانتقاده والهجوم عليه بشروط كفالة حقه في الوجود وفرصة الدفاع عن نفسه وإجلاء مواقفه بل حتى تعديل ممارساته، فإذا ما عاد المؤتمر الوطني مثلاً إلى قبول نتائج انتخابات جامعة الخرطوم وهنأ الفائزين وامتثل لإرادة الطلاب، يستحق التهنئة على تعديل سلوكه السابق الذي كان يمارسه على مدى عقود طويلة منذ أن كان «اتجاهاً إسلامياً» يستحق التهنئة لأن هذا هو الطريق القويم الذي يقود إلى تقدم البلاد وحل مشاكلها وإزاحة معاناة شعبها، فالديمقراطية ليست غاية في حد ذاتها إنما هي وسيلة فقط لبلوغ كمال حقوق الإنسان، فالإنسان هو الغاية، والله سبحانه وتعالى عندما جعله خليفته على الأرض لم يشأ بكل تأكيد أن يكون خليفته مهاناً ذليلاً مقهوراً.
* وبعد، فإن الإنصاف يقتضي كذلك النظر في تجربة الشيوعيين السودانيين، ودون الوقوع في براثن التصنيف العجول، فبحسب معرفتي القليلة عن «التنظيم الشيوعي» هناك خطوات لا بد من اتباعها لنيل العضوية، ولم يحدث لشخصي الضعيف الشروع في أيٍّ من هذه الخطوات حتى الآن على الأقل، فلعل هذا يريح بعض الذين يجزمون ويصنفون الناس من «عندياتهم»، قلت الشيوعيين السودانيين ولم أقل «الحزب الشيوعي» لأنني أعرف بعض الشيوعيين خارج منظومة الحزب، ولهم آراؤهم ومواقفهم التي احترمها بكل تأكيد، بيد أنه لا بد من النظر إلى المآخذ التي يتم تكرارها في مواجهة الشيوعيين، مثل اتهامهم بالتآمر لقلب النظام الديمقراطي عقب اكتوبر 64م ومساندة «مايو 69»، هذا الاتهام أعتقد أنه قد تمت معادلته تماماً إثر حركة 19 يوليو 1971م، التي سميت في أدبيات الحزب أو في بعضها أو لدى بعض الشيوعيين للدقة أكثر «بالحركة التصحيحية» مما يعني مباشرة انحراف «مايو» في تقديراتهم طبعاً وليس في زعمي فانتبه!! هذه واحدة، أما السُبة الكبرى التي يروّج لها أصحاب نظريات الإسلام السياسي فهي «عداء الشيوعيين للدين، والديانة الإسلامية تحديداً، يستشهدون على ذلك دوماً بحادثة معهد المعلمين العالي وحديث أحد الطلاب عن ما وصف بأنه إساءة لبيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبالطبع هذه فرية كبرى انطلت مع الأسف على مشاعر بعض المسلمين السودانيين، فالحزب السياسي لا تتم محاسبته وحله وطرد نوابه المنتخبين من البرلمان لأن كادراً طلابياً مس أحد المقدسات الشعبية، فهذا واجب هيئات الحزب نفسه ولوائح محاسبته لعضويته، فهل تم التعامل مع الحادثة بهذا المستوى من الفهم أم تم استغلالها لتمرير مشروع آخر يتزيا بزي الدين الإسلامي لتحقيق مآرب في اقتناص السلطة وردم كوة الوعي التي كان وما زال ينشرها الحزب الشيوعي، والشيوعيون السودانيون عبر ممارستهم التي اتسمت دوماً بالنزاهة والفدائية وطهارة اليد، إضافة إلى سعة الأفق، وعمق الثقافة، والفهم لطبيعة المجتمع ومحاولة إيجاد حلول لأزماته المستعصية مسترشدين بالفكر الإنساني والتحليل الفكري للمعضلات الإنسانية.
* ما هي جرائر الحزب الشيوعي والشيوعيين السودانيين؟ هذا سؤال مهم، ليس بغرض مقارنتها بجرائر غيرهم وآخرهم الإسلاميون الذين يسيطرون منذ 18 سنة على كل شيء في الوطن، ولكن لفحص هذه الجرائر بموضوعية وفي سياقاتها التاريخية والسياسية لتحديد أخطائهم ومن ثم مطالبتهم بتصحيحها إذا تم تحديدها، أما إشاعة الكلام «ساكت» وتهييج العواطف كما فعل ويفعل بعض أساتذة الجامعات بإصدار فتاوى تحريم الإنتماء للجبهة الديمقراطية والحزب الشيوعي وغيرها من مظاهر القهر والقمع، فإنما يدل إما على جهل أو «مؤامرة» وكلا الحالين لا يصلحان للبلاد ولا يقدمان لشعبها خيراً، الأفضل لبلادنا -في تقديري- أن يتواطأ جميع السودانيين بمختلف أديانهم وثقافاتهم وتنظيماتهم وجهاتهم على ميثاق شرف وطني، قوامه الحرية الكاملة غير المنقوصة.. حرية الاعتقاد والبحث والتعبير والتنظيم وحرية الاختيار وتداول السلطة سلمياً وديمقراطياً، واحترام التعددية وتحريم الديكتاتورية والشمولية، ومعاقبة من يخرق هذا الميثاق قانونياً وردعه بأقصى العقوبات «السجن» مثلاً، ساعتها سيكتشف كل السودانيين أنهم بحاجة للحزب الشيوعي وللشيوعيين السودانيين، كنموذج للمواطنة الصالحة والانتماء الحقيقي والتضحية، وفوق هذا وذاك «المساهمة في تقديم الوعي»، كما في قول مأثور للشهيد عبد الخالق محجوب وهو يتجه صوب المقصلة.. ولهذا أيضاً نرحِّب «بالميدان»، لسان حال للوعي والإستنارة والنضال الجسور وشرف الكلمة وسكة الوعي.. فمرحباً.
#خالد_فضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا
...
-
مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب
...
-
الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن
...
-
بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما
...
-
على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم
...
-
فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
-
بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت
...
-
المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري
...
-
سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في
...
-
خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|