أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبدالله المدني - الديمقراطية إذ تصبح عبئا: بنغلاديش مثالا















المزيد.....

الديمقراطية إذ تصبح عبئا: بنغلاديش مثالا


عبدالله المدني

الحوار المتمدن-العدد: 1903 - 2007 / 5 / 2 - 12:39
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


في بعض دول العالم الثالث تحولت الديمقراطية إلى عبء ثقيل بدلا من أن تكون وسيلة مثلى لإشراك الشعب في صنع القرار و إقامة دولة المؤسسات الحامية للحقوق و الحريات و تحقيق الاستقرار و العدالة و التنمية والنهوض. و هذا بطبيعة الحال ليس عيبا في الديمقراطية التي تعتبر حتى الآن أفضل ما جادت به التجارب البشرية من صيغ للحكم، بقدر ما هو عيب و قصور في الجماعات السياسية التي تمنحها الجماهير ثقتها و تنصبها في مواقع صناعة القرار.

و لعل أوضح الأمثلة و أحدثها هو ما جرى في بنغلاديش خلال السنوات الخمس عشرة من عمر تجربتها الديمقراطية الجديدة، و التي لم تهنأ فيها البلاد يوما بالاستقرار و السلام والتنمية الحقيقية.

فالبنغلاديشيون الذين دفعوا ثمنا غاليا من التهميش و الإذلال طيلة نحو ربع قرن من الحكم الباكستاني، ثم بذلوا الغالي والنفيس من اجل استقلالهم في مواجهة رعونة المؤسسة العسكرية الباكستانية التي قامت بحملة ابادة جماعية ضدهم في حرب البنغال عام 1971 و قتلت نحو 300 ألف بريء، سرعان ما سرقت حريتهم وأحلامهم بعد تجربة ديمقراطية قصيرة جدا في عهد أبي الاستقلال الشيخ مجيب الرحمن ما بين عامي 1972 - 1975.

إذ شكل اغتيال مجيب الرحمن و معظم أفراد أسرته في عام 1975 على أيدي صغار ضباط الجيش و استثمار قائد الجيش وقتذاك الجنرال ضياء الرحمن للحدث في الصعود إلى السلطة بداية لسنوات طويلة من الديكتاتورية الفجة – و إن ارتدت لبعض الوقت قناع الحكم المدني و اخفت صورتها القبيحة خلف انتخابات برلمانية صورية.

و مع بداية عقد التسعينات من القرن الماضي و ما شهده العالم من تحولات دراماتيكية على خلفية انتهاء الحرب الباردة و سقوط الكتلة الشرقية و تفتت الاتحاد السوفياتي و بروز المد الديمقراطي، وجد الجنرال حسين محمد إرشاد، الذي كان قد قاد انقلابا عسكريا ابيضا في عام 1981 بعد عام واحد من مقتل الجنرال ضياء على أيدي منشقين عسكريين، نفسه مضطرا تحت الضغوط الداخلية و الخارجية إلى التخلي عن السلطة لتبدأ حقبة الديمقراطية الجديدة وسط آمال و طموحات كبيرة في إرساء مجتمع التعددية السياسية القائم على الشفافية و العدالة و القانون. هذه الحقبة التي ما كانت لتقوم لولا تضافر جهود الوريثتين الشرعيتين لمجيب الرحمن و خلفه ضياء الرحمن وقيادتهما الشارع لإجبار العسكر على العودة إلى ثكناتهم.

غير أن الجماهير سرعان ما اكتشفت أن هذه الحقبة لا تختلف كثيرا عن الحقب السابقة، و إن اختلفت مظاهرها الخارجية و أدواتها و هياكلها. فعلى الرغم من التقارب الكبير في السياسات الداخلية و الخارجية لحزب رابطة عوامي بقيادة الشيخة حسينة واجد (ابنة مجيب الرحمن المترملة) و الحزب بنغلاديش الوطني بقيادة خالدة ضياء (أرملة الجنرال ضياء الرحمن)، إلا أن الأرملتين راحتا بفعل الأحقاد و نزعة الانتقام المتولدة من أحداث الماضي تخوضان حربا ضروسة ضد بعضهما البعض على حساب امن و استقرار و تنمية البلاد. و بكلام أوضح صارت السلطة سجالا بينهما، تفوز بها حسينة مرة فتشمر سواعدها لإقصاء أنصار خالدة و اضطهادهم وملاحقتهم، وتفوز بها خالدة المرة التالية لتفعل الشيء ذاته، دون أدنى اكتراث بتنفيذ البرامج التي انتخبت كل واحدة منهما على أساسه. في هذه الأثناء كان أنصار و محازيب الطرف الماسك بالسلطة يزدادون انغماسا في الفساد و النهب المزكم للأنوف إلى الدرجة التي صارت معها البلاد في العقد الأخير تحتل موقعا دائما على راس قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم، فيما كانت الأحوال الاقتصادية تتراجع و مستويات المعيشة للسواد الأعظم من البنغلاديشيين في تدهور بدليل حصول 25 بالمئة من السكان (140 مليون نسمة) على اقل من دولار في اليوم و حصول 30 بالمئة منهم على دولار واحد في اليوم، و وجود 5 ملايين طفل في سوق العمل و افتقاد أكثر من 70 في المئة من السكان لمساكن لائقة.

أما الجماهير المنقسمة على نفسها ما بين هاتين الأرملتين و حزبيهما فراحت تزرع الأرض فوضى و تظاهرات و اعتصامات و اضرابات. ومما ساهم في سوداوية المشهد في السنوات الأربع الأخيرة هو تحالف حزب بنغلاديش الوطني مع أحزاب الإسلام السياسي و على رأسها حزب جماعت إسلامي للفوز في آخر انتخابات برلمانية في عام 2001 . ففي أعقاب ذلك الفوز دخلت الأحزاب الإسلامية شريكة في الحكم و راحت من خلال تلك الشراكة و ما تمنحه من نفوذ تطبع المشهد السياسي بطابع التطرف و تقضي على البقية الباقية من علمانية الدولة المنصوص عليها في دستور الاستقلال لعام 1972. و كان من نتائج ذلك أن ازدادت حوادث العنف والاغتيالات السياسية بحق الرموز الليبرالية و التقدمية في المجتمع و قادة الفكر الحر من أكاديميين وإعلاميين، و انتشرت حملات اسلمة مظاهر الحياة بالقوة، و تفرخت المدارس الإسلامية بالآلاف، وصولا إلى مساعي طلبنة البلاد على يد الجماعات الأكثر تطرفا من تلك التي وقفت خلف نحو 600 حادثة تفجير متزامنة في نوفمبر 2005 .

و مع قرب موعد الانتخابات البرلمانية الجديدة التي كان مقررا لها في ديسمبر من العام الماضي، كانت كل المؤشرات تفيد أن البلاد مقبلة على مرحلة صعبة من التناحر و الفوضي، فآثر رئيس الجمهورية إياد الدين احمد و رئيس الوزراء الانتقالي فخر الدين احمد – دستور بنغلاديش يوجب استقالة الحكومة المنتخبة قبل إجراء الانتخابات الجديدة و تعيين حكومة انتقالية للإشراف عليها - تأجيل تلك الانتخابات إلى اجل غير معلوم. و لكي يكسب قراره شعبية اتبعها بحملة رسمية واسعة لضرب الفساد و المفسدين في أجهزة الدولة و الساحة السياسية و أوساط البرلمانيين السابقين ممن استغلوا نفوذهم و سلطاتهم على مدى سنوات في خرق القانون و الإثراء غير المشروع وتحقيق المصالح الخاصة إلى الدرجة التي طالبوا معها بمحاكمة الفائز بجائزة نوبل للسلام البروفسور محمد يونس لمجرد انه تطرق إلى فسادهم.

و سواء أكان تأجيل الاستحقاق الديمقراطي نابعا من قناعة شخصية لرئيس الجمهورية الذي يعطيه الدستور مثل ذلك الحق أو كانت بأمر و ضغوط المؤسسة العسكرية، فان بنغلاديش بدت في حاجة ماسة لبعض الوقت لالتقاط الأنفاس بعيدا عن صراعات و مماحكات حزبيها الرئيسيين وحروب الأرملتين اللدودتين، وإعادة تأسيس الحكم الديمقراطي على أسس أكثر صلابة و مناعة.

و يبدو من خلال قرار السلطة الحالية مؤخرا استخدام ورقة الفساد المتهم به نجل خالدة ضياء لإجبار الأخيرة على الموافقة على الرحيل إلى المنفى في السعودية، و قرارها الآخر بمنع حسينة واجد من العودة إلى البلاد من رحلة خاصة كانت تقوم بها إلى الولايات المتحدة، أن هذا هو ما تفكر به السلطة الانتقالية المدنية أو مؤسسة الجيش التي يبدو أنها غيرت تكتيكاتها هذه المرة فامتنعت عن استلام السلطة مباشرة لعلمها بأن الانقلابات العسكرية لم تعد تحظى بأي تعاطف داخلي أو خارجي، و فضلت إدارة الأمور من خلف الكواليس.

غير انه من المهم الآن ألا تعاود جنرالات المؤسسة العسكرية أحلام الإمساك بالحكم طويلا، بمعنى ألا تغريهم السلطة و أدواتها في الذهاب بالبلاد إلى الديكتاتورية مجددا. فما فعلوه حتى الآن من التصدي الحاسم لأوجه الفساد يلقى تجاوبا و إشادة في الشارع، و ما عليهم سوى استثمار هذا المناخ في اتخاذ قرارات أخرى تحظى بالشعبية و تعطي الأمل للبنغلاديشيين بانتهاء حقبة التسيب و خرق القانون، قبل تنظيم انتخابات ديمقراطية جديدة و تسليم الحكم لإدارة مدنية منتخبة.




#عبدالله_المدني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- .. لكن ماذا عن صناعة الكتاب في الصين؟
- حكاية المسجد الأحمر .. الباكستاني
- نحو باكستان علمانية على النمط التركي
- جدلية المفاضلة بين الملكية و الجمهورية في نيبال
- لكم ثقافتكم و لنا ثقافتنا
- الجنرال خاتون
- درس جديد من ماليزيا: لا للتجسس الاجتماعي
- ماذا يجري في بلوشستان الإيرانية؟
- ميلاد دولة نفطية جديدة!!
- أبو الفقراء لم يكافح الفقر فقط !
- غاندي في ذكراه : يا لها من ذكرى عطرة!
- تركمانستان بعد رحيل ديكتاتورها
- حينما يفسد عضو مصداقية منظومة بأكملها
- الأمم المتحدة ما بين أمينين عامين آسيويين
- لعله الموت الأخير للقذافي جانجلاني!
- عن القرصنة في مياه المحيط الهندي
- مشرف و نساء باكستان
- حوار مع القيادي الليبرالي البحريني د. عبدالله المدني
- رفقا بالبحرين الجميلة
- نحو شراكة خليجية – يابانية شاملة


المزيد.....




- مسؤول عسكري بريطاني: جاهزون لقتال روسيا -الليلة- في هذه الحا ...
- مسؤول إماراتي ينفي لـCNN أنباء عن إمكانية -تمويل مشروع تجريب ...
- الدفاع الروسية تعلن نجاح اختبار صاروخ -أوريشنيك- وتدميره مصن ...
- بوريسوف: الرحلات المأهولة إلى المريخ قد تبدأ خلال الـ50 عاما ...
- على خطى ترامب.. فضائح تلاحق بعض المرشحين لعضوية الإدارة الأم ...
- فوضى في برلمان بوليفيا: رفاق الحزب الواحد يشتبكون بالأيدي
- بعد الهجوم الصاروخي على دنيبرو.. الكرملين يؤكد: واشنطن -فهمت ...
- المجر تتحدى -الجنائية الدولية- والمحكمة تواجه عاصفة غضب أمري ...
- سيارتو يتهم الولايات المتحدة بمحاولة تعريض إمدادات الطاقة في ...
- خبراء مصريون يقرأون -رسائل صاروخ أوريشنيك-


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - عبدالله المدني - الديمقراطية إذ تصبح عبئا: بنغلاديش مثالا