|
سندريلا السينما : فنها وعشقها الضائع
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1900 - 2007 / 4 / 29 - 05:13
المحور:
الادب والفن
1 كانت سعاد حسني ( 1942 ـ 2001 ) ، هيَ حقا النجمُ المتألق لحقبة السبعينات السينمائية ، المصرية . ومن تلك الحقبة ، الذهبية ، نستعيدُ أفلام نجمتنا ، المهمة ، التي تعدّ من معالم الفن السابع ؛ مثل " الحبّ الضائع " ، " أين عقلي ؟ " ، " نادية " ، " الخوف " ، " غروب وشروق " ، و " الكرنك " . إنّ موهبة السندريلا ، الكبيرة ، والمنزّهة عن أيّ من شوائب التصنع والإستعلاء والإسفاف ، قد إرتقت بفن السينما إلى مصافٍ غير مسبوقة ؛ عربياً على الأقل . كانت تلك الحقبة ، الموسومة ، حلقة وسيطة بين حقبة صعود السندريلا ، الفنيّ ، في الستينات ، وما كان من تعثره في حقبة الثمانينات . في هذه الأخيرة ، تعيّن على نجمتنا خلالها قبولَ أدوار ، شبه ثانوية ، في أفلام بغاية الرداءة ؛ من قبيل " المشبوه " و " حب في الزنزانة " أمام عادل إمام . الحقبة تلك ، كما سبق ونوهنا أكثر من مرة في مقالات اخرى ، كانت بدورها فاتحة إنحطاط السينما المصرية ، والمتوافقة مع تردي نواحي الحياة جميعاً في موطن الكنانة ، من ثقافية واجتماعية وسياسية . هذا دونما أن نغفل الإشارة هنا ، إلى أفلام جيدة إضطلعت سعاد حسني ببطولتها وقتئذٍ ـ كما في " موعد على العشاء " لمحمد خان ، و " أهل القمة " لعلي بدرخان . في المراحل الزمنية الأسبق ، الموصوفة ، بدا أنّ موهبة فنانتنا بلا حدودٍ ، فيما يخصّ تجسيدها لأدوار مختلفة ، من خفيفة ومركبة . إنّ ميلها التلقائيّ للأدوار الإجتماعية والإستعراضية ، مبعثه شخصيتها المرحة وجاذبيتها ورشاقتها ، إضافة لصوتها الجميل ، الذي يذكرنا بصوت أختها ؛ نجاة ، المطربة الكبيرة . كما أنّ حذقها للتعبير الميلودرامي ، ربما هوَ صدىً لما عانته في أعماقها ، من نكبة تلوَ الاخرى ؛ بدءاً بالحادثة المخلفة في عمودها الفقريّ إصابة بليغة ، وهيَ طفلة بعد ؛ ومن ثمّ حدث طلاق أبويها ، في الفترة نفسها تقريباً ؛ إلى فقدانها لشقيقتها الحبيبة ، حينما كانت صبية . واتت مسيرة السينما الجديدة ، المفتتحة بمحاولات صلاح أبو سيف ، الواقعية ، صعودَ عدد من النجوم الفتية ، اللواتي إمتلكن الموهبة الأصيلة جنباً لجنب مع الجاذبية والسحر في القسمات والقوام ـ كفاتن حمامة ونادية لطفي وليلى طاهر وزبيدة ثروت . من جهتها ، فإنّ سعاد حسني لم تمتلك وجهاً جميلاً وحسب ، بل إن ما في قسماته من تعبير لا يحدّ ، ليُشبه الإعجاز . إنه وبمعنى ما ، وجه منذورٌ لتراجيديا الإنسان ؛ لإسطورته وخلوده ، سواءً بسواء . لا غروَ إذاً ، أن تكون السينما مرآة لهكذا ملامح فاتنة ، مكتنفة بالغموض والإلغاز والأسرار والأحاجي . ولقد فعلت فنانتنا حسناً ، حينما شاءَ لها ذكاؤها أن تتخلى مبكراً عن صقل ملكة صوتها ، الرخيم ، لكي تتفرغ لمهمتها الوحيدة في الحياة ـ كممثلة عبقرية .
2 كان مما له معناه ، حقا ، أن تبتده تجربة السندريلا ، الفنية ، بعمل ميلودراميّ ، يغلب عليه الصفة الواقعية ؛ ونعني به فيلمها " حسن ونعيمة " ( إنتاج عام 1959 ) ، من سيناريو عبد الرحمن الخميسي وإخراج هنري بركات . ومباشرة ً إلى حقبة الستينات ، لتواصل فنانتنا ، بين فينة واخرى ، أداء هكذا أدوار ، مرسّخة حضورها في وجدان محبي السينما بأفلام ناجحة ؛ من قبيل " السبع بنات " للمخرج عاطف سالم ( عام 1961 ) ، المتقاسمة بطولته مع نادية لطفي وزيزي البدراوي . كذلك تعاونت مع رائد الواقعية صلاح أبو سيف ، في " الزوجة الثانية " و " القاهرة 30 " ( 1966 ) . والأخير عن رواية لنجيب محفوظ ، حيث ضافرته بعمل آخر من تأليفه ؛ وهو فيلم " الطريق " ( 1967 ) ، من اخراج حسام الدين مصطفى ، ولعبت فيه دوراً ثانوياً أمام رشدي أباظة وشادية . وبالرغم من حقيقة ، أنّ حقبة الستينات ، المصرية ، كانت الأكثر إنشغالاً بالأحداث السياسية ـ كفشل تجربة الوحدة الإندماجية مع سورية ، وحرب اليمن ، ثمّ حرب حزيران .. ؛ إلا أنّ المواضيع الكوميدية والميلودرامية وحتى الإستعراضية ، كانت الغالبة آنذاك على الأفلام السينمائية . كان للسندريلا نصيبٌ وافر من أفلام تلك الآونة ، الموسومة ، وعُرفتْ من خلالها كنجمةٍ أولى ، جماهيرياً . المخرج المخضرم ، فطين عبد الوهاب ، كان سباقا في إكتشاف الطاقة الكبيرة ، الكامنة في جسد وروح سعاد حسني ، والمتجلية في موهبتها الكوميدية ؛ فأسند لها دور البطولة في فيلمه " إشاعة حب " ( إنتاج 1960 ) ، الذي جمعها لأول مرة مع النجم عمر الشريف . وما لبث المخرج نيازي مصطفى ، بدوره ، أن تلقف هذه الموهبة الجديدة ، وقدمها في أفلام إجتماعية ذات أجواء مرحة ، خفيفة ، توالت في الستينات ؛ كما في " الساحرة الصغيرة " ، " جناب السفير " و " صغيرة على الحب " ، فضلاً عن فيلمه التاريخي " فارس بني حمدان " ، أمام النجم فريد شوقي . من تلك الحقبة أيضاً ، لا بدّ من ذكر أفلام اخرى ، أكثر نضجاً ، أشتهرت سعاد حسني بأدائها لمخرجين متنوعين ؛ ومنها " المراهقات " ، " التلميذة والأستاذ " و " شقة الطلبة " . علاوة على خوضها ، مبكراً ، غمار المشكلات النفسية ؛ بدورها الصعب ، كفتاة تعاني من الإنفصام في فيلم " بئر الحرمان " للمخرج الكبير كمال الشيخ ، عن قصة لإحسان عبد القدوس . هذا الأخير ، قدم لها لاحقا قصة اخرى ، وهيَ " أين عقلي ؟ " ، من أخراج عاطف سالم ( إنتاج عام 1974 ) ؛ المعالجة مشكلة الإنفصام ، الذكوريّ هذه المرة ، ( مع النجم محمود ياسين ) ، والمضروب عليها نوع من التحريم في مشرقنا .
3 في مستهل السبعينات ، كانت السندريلا في أواخر العقد الثاني من عمرها ؛ صبيّة ناضجة ، تمتلك ثقة كبيرة بنفسها وبقدرتها على تقديم الأفضل ، فنياً . أتيح لها الآن ، ولأول مرة ربما ، فرصة الراحة النفسية والإستقرار الحياتي ؛ بما كان من تعرّفها ، خلال تصوير فيلم " نادية " ، بالمخرج علي أحمد بدرخان ، ومن ثمّ إقترانها به . ويمكننا الجزم ، بأنّ هذه الفترة ، الشاملة لعقد السبعينات كله ، كانت الأكثرَ غنىً في تجربة سعاد حسني ـ كنجمة سينمائية من الطراز الأول . لنتذكرَ أنّ دررها الفنية ، من أدوار ميلودرامية وواقعية ، تمتّ لذلك العقد ، الفريد حقا . قد تكون صورة السندريلا ، هيَ المنطبعة دوماً في ذاكرة محبيها ، وخصوصاً في تجسّدها بدور الفتاة الفقيرة ، الساعية لبلوغ أمانيها في الحياة عن طريق الإرتباط بشاب غنيّ ؛ كما نعاينه في أفلام " خلي بالك من زوزو " ، " الحب الذي كان " و " أميرة حبي أنا " ، التي غلبت عليها الصفة الإستعراضية ، من رقص وغناء . بيْدَ أنّ تاريخ السينما ، عموماً ، لن يكون مكتملاً دونما إضافة أفلام سعاد حسني الاخرى ، الأكثرَ نضجاً وحرفية وجديّة ؛ تلك التي وسمنا بعضها فيما سلف . لعل فيلم " الحبّ الضائع " ( إنتاج عام 1970 ) ، كان من أهم أعمال السندريلا ، في ذلك العقد . قصة الفيلم للأديب طه حسين ، ومن إخراج المبدع هنري بركات ، الذي سبق أن تعامل مع قصة اخرى له ؛ وهيَ " دعاء الكروان " ، من بطولة فاتن حمامة . إنما في الآونة الأخيرة ، فقد ذهب أحد النقاد ( د . محمد نجيب التلاوي ـ صحيفة " الوطن " ليوم 6 / 10 / 2005 ) ، إلى الجزم بأنّ قصة " الحبّ الضائع " معربة من الفرنسية ، وأنها من تأليف كاتب مغمور . إذ وبحسب المصدر نفسه ، فإن بيبلوغرافيا طه حسين كانت قد ثبتت كلمة " تعريب " ، في الطبعة الأولى للقصة ، والتي ما لبثت أن حُذفت من الطبعات الاخرى ، التالية ؟ وعلى كل حال ، فإنّ حكاية هذا النص الروائي ، تتمحور حول ثيمة " الحب المحرم " ؛ حبّ إمرأة لزوج صديقتها . إنها لتذكرنا بالرواية الكلاسيكية ، " الخطيئة " ، للفرنسي أميل زولا . وبالرغم من حقيقة أنّ هذه الأخيرة ، إنما تقدم الثيمة نفسها ضمن علاقة معكوسة ؛ أيْ حبّ إمرأة لصديق زوجها . وعودة إلى فيلم سعاد حسني ، الذي تلعب فيه دور الشابة " ليلى " ، والمُستهلّ بعودة هذه من الخارج بعد ترملها . تبقى بضعة أيام في القاهرة ، بضيافة " سامية " ( زبيدة ثروت ) ؛ أقرب الصديقات إليها . بطلتنا ، كانت في حالة نفسية صعبة ‘ إثر صدمتها بوفاة الزوج ، المباغتة . فلا غروَ إذاً ، أن تنجذبَ دونما وعي إلى " مدحت " ( النجم رشدي أباظة ) ؛ زوج صديقتها ، ومن يهيم الآن بحبها . على أنها تقوم بصده ، بعدما تنتبه لنفسها وبما قد تجره علاقة كهذه ، محرمة ، من مشاكل ومآس . وفاؤها ، يجعلها تلتجيء إلى والد صديقتها تلك ( النجم محمود المليجي ) ، الذي يدير مشفى حكومياً ، عسكرياً ، في مدينة " الإسماعيلية " ، الواقعة يومياً على مرمى النيران الإسرائيلية . وبالرغم من إقحام قضية الواجب الوطنيّ هنا ، كنوع من تطهير الذات ، بالنسبة للبطلة التي تتطوع كممرضة ؛ إلا أنّ حكاية الفيلم تتطور بشكل دراماتيكيّ ، غير متوقع . إذ تسافر " ليلى " إلى المغرب ، فجأة ، بغية الإستقرار هناك ، نهائياً ، وفي محاولة أخيرة للهرب من " مدحت " . وإذا بها تلتقيه هناك ، مصادفة ، حينما يكون بدوره في رحلة عمل لمدينة " مراكش " ! تعودُ ثانية للوطن ، لتبتدأ علاقة عشق ، حميمة ، مع زوج صديقتها هذا . ولكن لقاءاتهما ، السرية ، في إحدى الفيلات ، سرعان ما تتكشف للزوجة المخدوعة . وتنتهي الحكاية ، حينما تبادر " ليلى " للإعتراف لصديقتها بضعفها وطلبها الصفح منها ، ومن ثمّ هروعها لقيادة عربتها نحو طريق المجهول ، والمودي بها مباشرة ً إلى التدهور في لجة وادٍ ، مهلك . بشكل عام ، يمكن القول بأن " الحبّ الضائع " ، وقبل كل شيء ، هيَ حكاية المجتمع المصريّ في إحدى منعطفاته المصيرية ، الهامة : كان مما له مغزاه العميق حقا ، أن يكتنفَ الحيرة كلٌ من هذين العاشقين ، في تلك العلاقة ، المحرمة . بينما أنّ الحل ، في واقع الحالة الراهنة ، كان ميسوراً وبسيطاً للغاية ؛ وهوَ اللجوء إلى " حكم الشرع " ، المبيح تعدد الزوجات عرفياً أو مسياراً أو على سنة الله ورسوله ! أما عن رمزية حكاية " الحبّ الضائع " ، فإنها تجيز لنا الإفتراض ، بأنها حكاية سعاد حسني ، الإنسانة ؛ في عشقها المستحيل وتوحدها وإحباطها وقنوطها ، وأخيراً في مصيرها ، الفاجع . هذا المصير ، سجلته نهاية الفيلم ، بإنتحار بطلته " ليلى " . أهيَ نهاية السندريلا ؛ الفتاة الأسطورة ، التي هامَ في البحث عنها أميرُ أحلامها ، وبيده فردة منسية من حذائها ؛ حتى إذا ما عثرَ عليها ، فما عتم أن فقدها ، أبداً : ربما أنّ ما بقيَ لحكاية السندريلا كي تكتملَ ، ما نعرفه عن لغز فردة حذائها ، المهملة على عتبة شرفة الإنتحار ، هناك في " لندن " ؟
[email protected]
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كركوك ، قلبُ تركستان
-
سندريلا السينما : حكاية ُ حياةٍ ورحيل
-
في مديح الخالة السويدية
-
رحلة إلى الجنة المؤنفلة
-
أدبُ البيوت
-
مناحة من أجل حكامنا
-
حليم والسينما
-
كنتُ رئيساً للكتاب العرب
-
السينما المصريّة وصناعة الأوهام
-
شاعر الملايين : ثلاثة مرشحين للجائزة
-
كمال جنبلاط والتراجيديا الكردية
-
من معالم السينما المصرية : نهر الحب
-
نائبان ومجزرتان
-
نائبان وجزرتان
-
ثلاثة أيام بصحبة الحسناوي
-
العائشتان : شاعرتان صوفيّتان بين دمشق والقاهرة 2 / 2
-
حكايتي مع الحجاب
-
صورة وبقرة وقمر
-
كلمتان أمامَ ضريح الحريري
-
أمّ كلثوم ، مُطهَّرة أمْ مَحظيّة ؟
المزيد.....
-
صور| بيت المدى ومعهد غوتا يقيمان جلسة فن المصغرات للفنان طلا
...
-
-القلم أقوى من المدافع-.. رسالة ناشرين لبنانيين من معرض كتاب
...
-
ما الذي كشف عنه التشريح الأولي لجثة ليام باين؟
-
زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
-
مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور)
...
-
إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر
...
-
روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال
...
-
زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
-
-الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ
...
-
عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع
...
المزيد.....
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ أحمد محمود أحمد سعيد
-
إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ
/ منى عارف
-
الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال
...
/ السيد حافظ
-
والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ
/ السيد حافظ
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
المزيد.....
|