سعيد موسى
الحوار المتمدن-العدد: 1900 - 2007 / 4 / 29 - 11:52
المحور:
القضية الفلسطينية
((مابين السطور))
إن المتتبع للإعلان العملي عن المشروع الأمريكي الأوسطي,واعتماد الكيان الإسرائيلي كرأس حربة,أملا بتمهيد الطريق السياسي بواسطة الآلة الحربية, وخلق مناخ يتلاءم كحاضنة لميلاد الحلم الأمريكي,من اجل بسط هيمنة كاملة على منطقة الشرق الأوسط عامة وعلى المنطقة العربية وثرواتها خاصة, فلابد له وان يبدأ عمليا برصد التحول الأمريكي منذ العدوان الثلاثي على مصر 1956,والتدخل الأمريكي الفعلي على غير العادة لوقف هذا العدوان, وذلك للعديد من الأسباب , أولها انتزاع الإرث الاستعماري البريطاني التاريخي, واحتلال مكان الصدارة في قيادة الغرب وفرض الهيمنة على نصف الكرة الأرضية الغربية,هذا بعد أن خرجت الولايات المتحدة قوية بعد انتصار الحلفاء بالحرب العالمية الثانية وتراجع النفوذ البريطاني الفرنسي,والسبب الحقيقي الثاني هو تجنيب الكيان الإسرائيلي والحلفاء مخاطر التدخل العسكري السوفيتي , الذي قد يصل إلى ضربات نووية حسب التهديد السوفيتي, فاستشفت الولايات المتحدة مصداقية التهديد.
ومن هذا المنعطف أعلن المشروع الأمريكي عن نفسه في منطقتنا العربية,كترجمة ميدانية للإستراتيجية الأمريكية في المرحلة المستقبلية التالية, وهذا يعني الانتقال من سياسة شبه الحياد إلى مرحلة الاستقطاب,بل الانتقال من مرحلة الدعم المستور بحجاب الاستحياء السياسي, إلى أولى خطوات الإعلان العملي بالتحيز الأعمى , والدعم المفضوح للنوايا العدائية الإسرائيلية, بل إشارة لذوبان المشروع الاستراتيجي الصهيوني الصغير, داخل المشروع الاستراتيجي الأمريكي الكبير.
فكان عدوان 1967 وقد أشرفت الولايات المتحدة الأمريكية على ذلك الميلاد العدواني,وشاركت عمليا انطلاقا من مرحلة التخطيط, ومرورا بدبلوماسية التطمين والتضليل التي سبقت العدوان,وصولا إلى مرحلة التنفيذ, وما قيل دون ذلك من تضارب للمصالح الأمريكية الإسرائيلية, وصوروا بل زوروا الأمر , وكأن تلك الحرب الإجرامية, جاءت على غير علم ورغبة الساسة والعسكريين الأمريكان, ماهو إلا تضليل وتزوير تاريخي, وذر للرماد الصهيوني البروتستنتي في العيون العربية القومية,وقد قامت بعض الشخصيات القيادية الشهيرة, ومنهم قادة عسكريين وسياسيين شهود مشاركين في الهجوم الفعلي بالاشتراك في قيادة سلاح الجو الصهيوني لضرب الطيران المصري وأرخوا شهاداتهم, وأهمهم ((بول فندلي)) و((جاك تني)).
ثم التدخل الأمريكي المكشوف في توجيه مسار حرب تشرين أكتوبر 1973 لصالح الربيبة الإسرائيلية, ورسم الحدود الغير مسموح بتجاوزها, وكان العبور, فكثفت الولايات المتحدة هجمتها السياسية الضاغطة بقيادة مهندس أكتوبر((كيسنجر)) لتضليل القيادة المصرية من جهة, وتنفيذ خطة الالتفاف الإسرائيلي لمحاصرة الجيش الثالث في (الدفرسوار) لتغيير موازين الحرب, حتى تُجبر القيادة المصرية على عدم اتخاذ القرار الصائب بتطوير الهجوم,وفي نفس تشكيل النتائج لصالح خارطة المشروع الأمريكي,((حيث الانتصار الجزئي المصري الغير مسموح له بالاكتمال,ووقف القتال على الجبهة المصرية,عند حدود السماح الأمريكي, والتفرغ بل التفرد بالجبهة السورية)).
والاهم من ذلك كله تنفيذ خطة تكتيكية سياسية مفادها((إحداث هزيمة جزئية للكيان الإسرائيلي لكي تكون مبررا لقيادة الكيان ا لعليا, التي تعلم خطوط المخطط الاستراتيجي السري من وراء هذه المعادلة, وذلك لإقناع الرأي العام الدموي الإسرائيلي, الذي لايؤمن بالتفاوض والتنازل , إلا مع هزيمة, وفي نفس السياق إحداث نصر جزئي على الساحة المصرية , والسماح للقيادة المصرية العليا المطلعة على المخطط بنصر جزئي يكون مبررا لخطوة الرئيس أنور السادات, بالقدوم لإسرائيل كبطل مصري وليس بطل عربي))
وهذا مفاده منذ اللحظات الأولى حسب المخطط الأمريكي الخبيث والمحكم, فصل المسار المصري القومي الرائد عن المسارات العربية الأخرى, عملا بالإستراتيجية الأمريكية((لاحرب بدون مصر)) وشعار السادات((no more war)) , وقد ترجمت الخطة الأمريكية بمصداقية وإخلاص من طرفي الصراع المصري الإسرائيلي, ونفذت إستراتيجية التحول التاريخي تحت شعارين أساسيين:
• لا يمكن لإسرائيل كشعب القبول بالتنازل عن سيناء إلا بهزيمة, وتمكين قادتها من تقديم مبررات للاتفاق المزمع توقيعه مع مصر , وشرح العائد الاستراتيجي الأهم من ارض التيه, وذلك بفصل الرأس المصري عن الجسد العربي((الإعدام القومي)) !!!
•
• لا يمكن لمصر كشعب القبول برحلة السادات, وتوقيع اتفاق صلح منفرد مع إسرائيل, دون نصر ليقال أن الذهاب من منطلق قوة والاتفاقية من منطلق نصر!!!
•
وكان ماكان من مأساة , ومصائب قوم عند قوم فوائد, وقد فضح المخطط الكبير من قبل القيادات المصرية والأمريكية,فقد قال كيسنجر نفسه/ ماكان بالإمكان تجنب تلك الحرب,بمفهوم اندلاعها كمطلب تكتيكي أمريكي من اجل هدف استراتيجي يخدم المشروع الأمريكي الأوسطي الكبير!!!
ثم توالت الحروب الصهيونية والمؤامرة الأمريكية, وكانت الساحة اللبنانية ومازالت منطقة عمليات عسكرية وسياسية لتدشين إحداثية هامة أخرى على خارطة المخطط الأمريكي الإسرائيلي الغربي, لتتسع حاضنة الوليد الأوسطي الأمريكي المسخ, ولم تكتفي الولايات المتحدة بالتستر خلف الآلة العسكرية الصهيونية, بل شاركت بإنزال قوات المار ينز, وبمخططات ألC.I.A في تنفيذ الجرائم على الأرض اللبنانية,لكنها لم تفلح رغم بعض الانجازات التي تحققت بفعل أعوانها المتساقطين من قوات العميل لحد, مرورا بالكتائب التي نفذت المجازر برعاية صهيونية بعد الاجتياح, للقضاء على جيوب المقاومة الفلسطينية, وصولا إلى مخطط ثلاثي أضواء المسرح السياسي(جنبلاط, جعجع,سنيورة) لتبرير التدخل الأمريكي الغربي, في الشأن اللبناني.
وكذلك الاحتلال الأمريكي البريطاني المباشر للعراق, وأفغانستان, ودعم العدوان الإسرائيلي على فلسطين ولبنان, بل والتدخل في الشأن الإفريقي وإعطاء الضوء الأخضر للقوات الإثيوبية باحتلال الصومال, والبحث عن موطئ قدم بتقسيم السودان.
إلا أن المشروع الأمريكي بدأ فعلا يتهاوى بعد الغوص في المستنقع العراقي والوحل الأفغاني, والهزيمة الإستراتيجية للكيان الإسرائيلي في جنوب لبنان, حيث أن تلك الحرب كانت بضوء اخضر أمريكي حرب بالوكالة موجهة لسوريا وإيران, فكانت هزيمة أمريكية أكثر منها إسرائيلية, بل هناك في الساحة السياسية الإسرائيلية من اتهم الولايات المتحدة, بالمسئولية عن توريط إسرائيل في حرب خاسرة, وما لها من أثار كارثية أسقطت أسطورة الجيش الذي لايهزم, وكسرت حواجز المحرمات لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي, بضرب العمق الإسرائيلي الهش بقوة, مما دفع كبار قادة الكيان بالاعتراف علنا بالهزيمة, فكانت خطوة أخرى على خارطة سقوط المشروع!!
وقد سقط المشروع الأمريكي بغرق الجيش الأمريكي في رمال ووحل العراق, وتكبد خسائر مهولة, وعلية انفجرت الأزمة السياسية بين إدارة السقوط الأمريكية من ناحية, والديمقراطيين ومعهم أغلبية الرأي العام الأمريكي من ناحية أخرى مطالبين بقوة للهروب من العراق وكذلك من المستنقع الأفغاني.
وكذلك رغم المخطط الفاشل للتعامل مع بؤرة الصراع في فلسطين , خطط لمؤامرة سياسية بدء بالتأمر على م.ت.ف في لبنان وتشتيتها, ثم فتح الآفاق السياسية السرية والعلنية,لبلورة مشروع سياسي في محاولة للالتفاف على الثوابت, والوصول لاتفاقيات سياسية لإنهاء الصراع الأساسي الفلسطيني_ الإسرائيلي, وبالتالي تسقط باقي الجبهات العربية لعدم وجود مبرر للصراع, لكن المخطط والحلم الأمريكي دفن في فلسطين بفضل المخلصين, والمقاومة الساهرة كحماة للعرين,سقط ومازال المشروع الأمريكي الصهيوني يتهاوى وينهار في فلسطين.
بل والمخططات السياسية الأمريكية من اجل إخضاع سوريا والنيل من تصميمها على استعادة الجولان وعدم توقيع اتفاقية صلح منقوصة مع الكيان الإسرائيلي كم حدث على الجبهتين المصرية والأردنية, وذلك بوضعها على قائمة الإرهاب , وفرض العقوبات الاقتصادية, ومحاولة الانتقاص من سيادتها من منطلق الاتهام بالضلوع في مقتل الرئيس رفيق الحريري, والمحكمة الدولية السياسية التي سيدفع لبنان ثمنا باهظا من سيادته في حال إقرارها, وحتى على الجبهة السورية لامكان ارتكاز للمشروع الأمريكي المفضوح.
هذا السياق البسيط يوضح مدى وعورة الطريق أمام مرور أو تمرير ذلك المخطط الأمريكي الأسود, الذي يسجل هبوطا وانهيارا متتاليا على مستوى مناطق العمليات المستهدفة, وعلى مستوى الرأي العام في ساحات الحلفاء وفي الساحة الأمريكية بعد انكشاف الأكاذيب وإخفاء مدى فداحة الخسارة الأمريكية البشرية التي تحاول عبثا تحقيق أي انجاز على مستوى المشروع الأوسطي الوهم.
وبالتالي يظهر للجميع في الأفق المنظور , إرهاصات الانهيار, وبوادر الفشل المؤكد للمشروع الأمريكي برمته, بل إن قوة المقاومة الفاعلة في كل من فلسطين ولبنان والعراق وأفغانستان, جعلت ممن سقطوا في براثن وشراك وهم حتمية النصر الأمريكي_الصهيوني, إلى التململ وتغيير بعض الشعارات خشية تعطل عربة الوعد المشئوم بشرق أوسط جديد, يحقق الديمقراطية والازدهار!!!! ومحاولة اللحاق بعربة تسير بسرعة البرق صوب تدمير المشروع الأمريكي, والبحث عن موطئ قدم فيما لو ولد مشروع جديد وبديل ,في حال السقوط الحتمي لمشروع الوهم الأمريكي , وتبدل الاهتمامات وربما التوجه من قبل الإدارات الأمريكية اللاحقة بأهمية التعامل مع قوى الرفض واحتواء المقاومة والتراجع عن ذلك المشروع بالطريقة الأمريكية.
فهل يتدارك القادة العرب والمسلمين, فرضية ذلك السقوط والانهيار , ويستعدون برسم خطط إستراتيجية لمليء الشاغر, بنواة مشروع عربي قومي علماني, وربما هناك من القوى الإسلامية بدأت بالفعل بتجهيز المشروع البديل ووضع اللبنات الأولى سرا وعلنا لمشروع إسلامي كبير ربما يكون ميلاده راديكاليا لتعارضه مع الأنظمة العربية الرسمية العلمانية, وافتقار تلك الأنظمة للرؤية القومية الموحدة, فيكون المشروع الإسلامي هو الأقرب للسيطرة على المنطقة على أنقاض المشروع الأمريكي الغربي المتراجع والمرشح للانهيار, والسؤال الأهم في هذا الفرض والتوجه, هل يكون المشروع الإسلامي البديل سني أم شيعي؟ أو ربما سني شيعي؟
وهل تقاوم بعض القوى العربية العلمانية هذا المشروع الإسلامي القادم, والذي يشكل خطرا حقيقيا على أنظمتهم المسحوقة, أو ربما يخرج من بين تلك التضاريس السياسية المعقدة, والمناخات المختلطة, والملوثة, فريق ثالث يجمع بين المشروع العربي والإسلامي, كي يتفادى الجميع العودة للمربعات الأولى وبالتالي تعاد كرة الحالمين باستثمار ذلك الصراع الجديد, ومعاودة إحياء مشروع شرق أوسطي أو حتى مشروع أوروبي متوسطي في غير صالح العرب والمسلمين!!!
انهيار المشروع الأمريكي الغربي ليس تمني بل فعلا بدأ التحالف الأمريكي الغربي الشرير بالانفراط, وهناك تفكير بإستراتيجية أمريكية جديدة لانتهاج خطة الارتداد والتقوقع , واعتماد دعم وكلاء المشروع أو العرابين لإعادة صياغة الوجود الأمريكي الغربي وتامين مناطق النفوذ والمصالح الإستراتيجية , بعيدا عن التدخل المباشر لتتسع دائرة المقاومة الشاملة ميدانيا والرفض الشامل من قبل الرأي العام العالمي للعدوان المباشر مما يثير عاصفة من التطرف ضد كل ماهو غربي, مما يهدد مصالحهم بشكل فعلي ويجعل من احتمالات وقوع انقلابات على الأنظمة التي تدور في الفلك الأمريكي الغربي واردا, مما يمكن المقاومة من إطلاق رصاصة الرحمة على المشروع الأمريكي المسخ.
#سعيد_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟