|
الطرق على آنية الصمت .. البريكان في كتاب جديد / 2
علي الامارة
الحوار المتمدن-العدد: 1900 - 2007 / 4 / 29 - 11:54
المحور:
الادب والفن
بدأً بعنوان الكتاب ( الطرق على آنية الصمت ) للناقد العراقي اسامة الشحماني المقيم في سويسرا الصادر عن المركز الثقافي العربي السويسري عام 2006 فان هذه العنونة تحيلنا الى موضوعة الصمت البريكاني الذي طالما اثار الجدل في الوسط الادبي في حياة الشاعر محمود البريكان وبعدها .. وان كنت اميل الى فكرة ان البريكان لم يكن صامتا بالمعنى الادبي او الشعري لهذه المفردة وانما كان منعزلا ، وعزلته هي عزلة الشاعر المشغول بهم الوجود والمسكون باسئلته الكونية العميقة ، وهذا الهم والانشغال يتطلب هذه العزلة بمفهومها الاجتماعي او السياسي او كما كان يقول لنا البريكان نفسه ان الشعر يحتاج الى حياة اوعمر خاص به .. وحتى مفهوم اجتماعية الادب كاللقاءات والمهرجانات لا تضفي للنص الشعري بريقا اكثر من بريق انتاجيته الاولى كنص مكتوب ومقروء .. هكذا راى البريكان الشعر والادب بشكل عام .. نص يكتب ويقرا ولا شيء غير ذلك مما يضيع وقت الشاعر في تفاعلات جانبية على هامش النص مهما كانت مظاهر هذه التفاعلات .. من هنا كانت عزلة البريكان و لا اقول صمته عزلة منتجة وغزيرة متاتية غزارتها من فن قيادة العزلة الانسانية المنتجة ابداعيا وهو اصعب الفنون في ازمنة الفوضى المنظمة والبريق المخادع والتعامل الحذر والصعب مع الاخرين الذين يقول عنهم سارتر ( الاخرون هم الجحيم ) .. لا شيء اهم من النص فمن كتابته تبدا الحياة ومن قراءته تستعاد الحياة وتستمر وتتوهج باسرارها الكونية والكينونية .. ومن فكرة الصمت العامة اخذ هذا الكتاب عنونته – الطرق على آنية الصمت – ولانه كتب في حياة الشاعر ولكنه بالحقيقة كان طرقا على آنية النص البريكاني وغوصا في اعماقه بطريقة منهجية او مزيج من المناهج وآليات النقد اختارها الباحث ليحقق اكبر قدر من الشمولية في معاينة نص البريكان واستكناه اغواره الدلالية وانساقه البنائية والظواهر المضمونية المهمة فيه .. .. وقد قسم الناقد كتابه الى بابين الاول عن بواكير شعر البريكان والثاني عن شعره الحديث وقد درس في البابين البنية الايقاعية ولغة الشعر والصورة وغيرها .. وقد حرص الناقد الابتعاد عن كل ما هو خارج النص البريكاني من ناحية ، وعلى تحليل النص من كل الجوانب الدلالية والفنية بعيدا عن الدوران الانشائي والعموميات حول النص كما في بعض القراءات التي تطالعنا هنا وهناك عن شعر البريكان .. من هنا كان جهد الباحث علميا ودقيقا وموضوعبا .. ومن خلال تمهيده للكتاب بدا الباحث مطلعا ومستوعبا لكل ما كتب عن البريكان بحيث انه قسم هذه الكتابات والكتاب الذين تناولوا شعر البريكان الى ( اكاديمببن ) و ( نقاد وكتاب ) و( شعراء ) ولم يبخس احدا منهم جهده ومساهمته في الاضاءة الى تجربة البريكان الشعرية الثرة والفريدة .. وحدد الباحث اهمية كل بحث ودراسة وما يؤخذ عليها من وجهة نظر الباحث ، فنختار مثلا مؤاخذته على راي الناقد حاتم الصكر الذي كانت مقالته بعنوان ( محمود البريكان : فضيلة الصمت الذهبية ) المنشورة في جريدة القادسية تشرين الثاني عام 1991 وقد كان النقد في غالبيته لم يفصل معاينة ودراسة لشعر البريكان بعيدا عن موضوعة الصمت لان صمت البريكان كان مدويا في تلك الاعوام فالصكر على اهميته النقدية يركز في مقالته على جانب الصمت ويتخذه محورا اساسيا في استنطاق نص ( حارس الفنار ) فيبدا مقاله ( كل عودة الى شعر محمود البريكان ، تبدو اشبه بوقفة تذكارية او استعادة لنصوص يتكون منها ماضي الشاعر .. واسترجاع شعر كف عن اداء الفاعلية بطارئ الصمت الذي يلي النصوص ..) وبهكذا حكم يكون شعر البريكان اشبه بالعملة النقدية التي تاتي في غير اوانها فتفقد فعاليتها ودورها .. ولكني ارى ان شعر البريكان لا يخضع لهذه المعادلة لانه ليس شعر مناسبة او مواضيع آنية او هموم يومية وانما هو شعر ذو مضامين فلسفية ورؤى فكرية شاملة وعميقة للوجود والبحث الدائم عن مصائر الاشياء والكائنات وتلمس الحدث على حواف الزمن وامتداداته والتامل في اسرار الوجود والعدم ، وهذه المواضيع ذات خاصية ماسية لا تتلف او تفقد فاعليتها سواء ظهرت في حينها او بعد عقود من كتابتها .. ولكن الاستاذ حاتم الصكر كما ارى يقصد الى ان حركة الشعر وانعطافاته الفنية المستمرة وتطوره المتفاعل يتطلب مشاركة نصية لتسجيل الحضور الآني سواء في النشر او أي طريقة تخرج النص من مخاضه الى مسرح الضوء والتفاعل مع الاخر واخذ فرصته التفاعلية في حرارة ولادته .. بحيث يذهب الصكر الى ابعد من هذا حين يصرح في نفس المقالة المذكورة بان ( الكتابة الشعرية التي يمثلها البريكان ، مضيعة بالصمت تخسر فعل قراءتها ايا كانت بواعث هذه القراءة ونتائجها .. ) فياخذ الباحث اسامة الشحماني على الصكر هذا الطرح واصفا اياه بـ : ( غياب المنهج الذي ادى الى الدخول في تفسير نصوص الشاعر من خلال موقف من حياة منشئها ) وان اسامة لا يغفل اهمية هذا الجانب ولكن ( من الضروري ان نفهم القصيدة لكي نستمتع بها ، ومن هنا جاء النقد الجديد مؤكدا على موضوعية النص ، واستقلاله كبنية واحدة متماسكة وقد كانت مهمة الناقد فيه هي توسيع او تبسيط او تعميق استجابتنا للنص ) ثم يدعم رايه بمقولة للناقد ريتشاردز في كتابه ( مبادئ النقد الادبي ) حيث يؤكد ( ان منزلة الناقد تعتمد على قدرته على التخلص من العوامل الشخصية الصرفة بقدر ما تعتمد على ما في استجابته الفعلية من سلامة مفترضة )كما يعترض الباحث على نقاط اخرى ولكن ما يهمنا هنا موضوعة الصمت التي تحتمل الكثير من الخوض في عالم البريكان الشعري ..كما يناقش الجهود النقدية للاكاديميين د محسن اطيمش ود فهد محسن فرحان ود رعد رحمة السيفي ود قاسم راضي ود عبد الكريم راضي جعفر وقد حدد الباحث ان الدراسات الاكاديمية لحد تاليف هذا الكتاب عام 1997 لم تكن مختصة بشعر البريكان وانما يؤخذ ضمن ظاهرة فنية او اطار مكاني .. اما من اطلق عليهم الباحث النقاد والكتاب الذي تناولوا بالنقد شعر البريكان فهم الكاتب احمد فرحات وكامل عويد ومحمود عبد الوهاب وعيسى مهدي الصقر وطراد الكبيسي وياسين النصير ومحد الجزائري وسعيد الغانمي ويعرب السعيدي و سامية آل شيبان وقد قسم الباحث ما كتبه النقاد والكتاب عن البريكان الى جانب انطباعي ذاتي يتناول ما حول النص عن عزلة البريكان وموقفه من النشر منطلقا اساسيا لدراسته وجانب موضوعي يتخذ من النص منطلقه النقدي لذلك كان اقرب الى اصابة الهدف .. ثم يذكر الباحث الشعراء الذين اهتموا بتجربة البريكان الشعرية واولهم عبد الرحمن طهمازي الذي يقف معه الباحث طويلا ويسجل له شهادته للبريكان في قضية الريادة ومنحه دوره الحقيقي في تيار الحركة الشعرية الحديثة مع تركيز طهمازي على فردانية وخصوصية تجربة البريكان ولكن الباحث ياخذ على هذه القراءة بانها ( مؤدلجة اذ اتخذ من التاويل الموجه منهجا قاده الى تاويل النص الشعري لتاكيد الغرض من القراءة لذا اصبح تحليل النص تابعا لفكرة مسبقة في ذهن الشاعر .. ) كما يؤشر الباحث على تحليل طهمازي بعض الملاحظات هي كون طهمازي 1- ( وقع فيما يشبه الخلط بين الزمن النحوي والزمان في الادب .. 2- اسقاط لا شعوري للنظرة التقليدية للشعر العمودي على قصيدة يرى الشاعر فيها انموذجا حداثيا 3- جعل طهمازي شكل القصيدة عند البريكان محكوما باطروحات السياب الشعرية ، ثم موازيا للاشكال الخاصة عند الشعراء الاخرين من معاصريه ، ولم يقدم أي تفصيل او استدلال على هذا التوصيف 4- ركز طهمازي على النعوت في اللغة الشعرية عند البريكان وهي ليست حالة ابداعية 5- في حديثه عن الصورة والصورة البصرية لم يستوف موضوع الصورة حقها لذا جاءت ملاحظاته سريعة عائمة ..) ثم يذكر الباحث كتابة ماجد السامرائي عن البريكان والشاعر رشيد ياسين ثم الشاعر حسين عبد اللطيف الذي يذكر في مقالته المعنونة ( محمود البريكان بجانب الوجه تماما ) المنشورة في مجلة الاقلام عام 1993 التي يلمح فيها الى اسبقية البريكان في تجربة القصيدة الطويلة بقوله ( من مجاميع البريكان الرئيسة المنجزة ، الرقص في المدافن ، والذي يقال ان ثمة استيحاءات منه في حفار القبور ، للسياب الذي اطلع على بعض قصائد من البريكان انذاك ، كما ان لقصيدة البريكان ، الهائمات ، الظل نفسه على ، المومس العمياء ) كذلك الثبت المهم الذي قدمه حسين عبد اللطيف لما نشر من قصائد البريكان من 1948- 1992 الذيقدمه مع المقالة المذكورة والحقيقة ان جهود الشاعر حسين عبد اللطيف مع الشاعر الراحل محمود البريكان مهمة ولا سيما الحوار الصحفي الوحيد معه الذي نشر في مجلة المثقف العربي بغداد عدد2 1970 واعيد نشره في مجلة اسفار في مطلع التسعينات هذا اللقاء الذي ظل مرجعا مهما لكل الدراسات التي تناولت موضوعة البريكان وشعره لانه استكناه لاغوار البريكان خارج نصه واستخلاص لكثير من ارائه في الشعر والحداثة وغيرها .. ثم يذكر الباحث كتابات الشعراء كاظم نعمة التميمي وسامي مهدي .. وعبد الرزاق عبد الواحد الذي قال عن البريكان في لقاء له مع مجلة كل العرب في منتصف الثمانينات وهو يتحدث عن جيل الرواد بانه ( اكبرهم جميعا اكبر من السياب نفسه ، واذا كان هناك شاعر جاد فهو محمود البريكان ، انه اغزر شعراء العراق انتاجا وتجربته تختصر على اجيال من الادباء والشعراء طريقهم ..) وبهذا يكون الباحث قد قدم لنا كشفا شموليا وثبتا للكتابات والشهادات التي تناولت تجربة محمود البريكان مع المداخلة والتعليق على كل منها وتبيين اهميتها او تقصيرها في مواقع معينة .. ثم ينهي الباحث تمهيده بخلاصة مفادها ان الاقلام التي رافقت البريكان في تجربته الشعرية ظهرت بموقفين ( الاول هو الموقف الصحفي الذي يخلو من المنهجية ويعتمد على عنصر الاثارة في تقديم الحقائق والوقائع وقد اقترب من البريكان كثيرا لكنه لم يمسه .. والموقف الثاني النقاد الذين كتبوا باداة منهجية لسبر اغوار النص وكان اضاءة جيدة لتجربته الشعرية الا ان ما يؤخذ عليه افتقاده للشمولية او النظرة الكلية لانه اعتمد في دراسة النصوص على قسم ضئيل جدا مما قد نشر منها اصلا ..) يتبع ..
#علي_الامارة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مش هتقدر تغمض عينيك “تردد قناة روتانا سينما الجديد 2025” ..
...
-
مش هتقدر تبطل ضحك “تردد قناة ميلودي أفلام 2025” .. تعرض أفلا
...
-
وفاة الأديب الجنوب أفريقي بريتنباخ المناهض لنظام الفصل العنص
...
-
شاهد إضاءة شجرة عيد الميلاد العملاقة في لشبونة ومليونا مصباح
...
-
فيينا تضيف معرض مشترك للفنانين سعدون والعزاوي
-
قدّم -دقوا على الخشب- وعمل مع سيد مكاوي.. رحيل الفنان السوري
...
-
افتُتح بـ-شظية-.. ليبيا تنظم أول دورة لمهرجان الفيلم الأوروب
...
-
تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
-
حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي
...
-
تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|