د. أحمد سعد
الاثنين 2003-08-25
*في خطابه امس الاول نطق الرئيس الامريكي، جورج دبليو بوش، بجملة حق، ولكن وللأسف يراد بها باطل. فقد صرح "بأن دولة فلسطينية لن تقوم الى الأبد على قواعد العنف"! وفي تصريحه هذا فانه لم يوجه سهام النقد والتحذير والادانة الى العنوان الصحيح، الى المصدر الاساسي الذي يتحمل المسؤولية الأساسية عن مواصلة العنف المخضب بالدماء، وعن فشل نهج العنف في حسم الصراع عسكريًا وتوفير الامن والاستقرار والسلام لكلا الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي. فالرئيس بوش وجه سهام التحذير والادانة الى الطرف الفلسطيني. ومع انه لجأ الى نهج العقوبات المباشرة بالاعلان عن "حماس" بأنها "منظمة ارهابية" وتجميد اموال ستة من قادتها "وأمر" بتجميد ثروة خمس منظمات اسلامية تدعم "حماس" تتواجد مكاتبها الرئيسية في سويسرا وفرنسا وبريطانيا والنمسا، الا ان السهام الاساسية وجهها الى السلطة الفلسطينية وكانها المسؤولة عن التصعيد الدموي المتجدد الذي نسف الهدنة الفلسطينية ووضع خطة "خارطة الطريق" على كف عفريت.
كان الاجدر بالادارة الامريكية، إذا ارادت فعلا انقاذ "خارطة الطريق" التي تخدم مصالحها الاستراتيجية في المنطقة ايضًا، من الموت، ان تضغط على حليفها الاستراتيجي البلطجي العربيد - حكومة اليمين الشارونية - الذي ادار ظهره للهدنة الفلسطينية من طرف واحد وواصل ارتكاب الجرائم من اجتياحات وتصفيات وهدم بيوت وعتقالات واستيطان، وخاصة بناء الجدار العنصري العازل. وكل انسان تجري في شرايينه دماء الانسانية دان العملية التفجيرية في القدس التي اودت بحياة العشرات من المدنيين الابرياء، السلطة الفلسطينية دانت هذه العملية التي لا تجلب سوى الاذى والمضرة لكفاح الشعب الفلسطيني العادل ولا يستفيد منها سوى حكومة الاحتلال والاستيطان الاسرائيلية التي تستثمرها هذه الايام كوسيلة وكغطاء للتصعيد الجنوني للعدوان والاستيطان. ولو كانت تجري الدماء المتخثرة في شرايين سياسة بوش لَدان من ناحية العملية التفجيرية في القدس، ولكن من ناحية أخرى ان يعمل على لجم وكبح جماح تصعيد العدوان الشاروني، وليس اعطاء الضوء الاخضر لحكومة اليمين لتصعيد عدوانها وجرائمها.
إن ما لا تريد ان تدركه الادارة الامريكية، كما لا تريد ان تدركه حكومة الاحتلال والاستيطان والجرائم اليمينية في اسرائيل، انها لن تجد اية قيادة وطنية فلسطينية يمكن ان توافق على امرين اساسيين، او حتى على احدهما: لا يمكن ان توافق اية قيادة فلسطينية ان تقوم بدور الحارس الامني للاحتلال الاسرائيلي وتركع عند اقدام شارون رافعة الاعلام البيضاء مستسلمة لاملاءات برنامجه حول "دولة الكنتونات" الفلسطينية على اقل من نصف الاراضي المحتلة منذ عام 67 كبديل للحق المشروع بدولة مستقلة في حدود الرابع من حزيران والمسنود بقرارات الشرعية الدولية. والأمر الثاني، لا يمكن لأية قيادة وطنية أن تغامر بعملية انتحار ذاتي للحق الفلسطيني المشروع من خلال تفجير حرب اهلية دموية فلسطينية - فلسطينية كما تريد وتضغط حكومة الاحتلال والادارة الامريكية.
ونتيجة لهذين الامرين فان الادارة الامريكية والمحتل الاسرائيلي في مأزق سياسي، وخارطة الطريق في مأزق يوحي بدفنها. وتعاني الادارة الامريكية من تناقضات في موقفها السياسي. وتبرز هذه التناقضات فيما يلي:
أولا: اعطاء الضوء الأخضر لحكومة شارون بمواصلة التصعيد العدواني وتصفية قيادات سياسية وعسكرية من "حماس" وغيرها الامر الذي يعني ليس فقط نسف الهدنة ووقف اطلاق النار، بل كذلك نسف قواعد خطة "خارطة الطريق"، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فان الادارة الامريكية واحتلالها الانجلو امريكي في العراق المتورطين في مواجهة المقاومة العراقية المتصاعدة ضد الغزاة المحتلين تدرك جيدًا ان فشل وموت خطة خارطة الطريق سيكون بمثابة ضربة كبيرة لمخططها الاستراتيجي للهيمنة على المنطقة. ولهذا فان الادارة الامريكية تبذل الجهود لانقاذ خارطة الطريق من الموت. ولهذا الغرض جاء مستشار الرئيس المصري للشؤون السياسية، اسامة الباز، وبتنسيق مع الادارة الامريكية - حسب رأينا - لانقاذ ما يمكن انقاذه والضغط على السلطة الفلسطينية لابداء شيء من "المرونة" وقبول بعض الاملاءات الاسرائيلية - الامريكية. واقترح الباز ووافقت السلطة الفلسطينية على ابرام هدنة بين حكومة اليمين والسلطة الفلسطينية لوقف اطلاق النار، ولكن حكومة البلطجة العدوانية الاسرائيلية رفضت هذا المشروع، وانها عاقدة العزم على مواصلة تنفيذ قرارات المجلس الوزاري المصغر "الكابينيت" بتصفية قيادة "حماس" جسديًا وبتوسيع رقعة العدوان لتفكيك والقضاء على بنية "التنظيمات الارهابية" الفلسطينية.
وبالاضافة الى رسالة الباز فان الادارة الامريكية ستوفد خلال الايام القريبة الى ساحة الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني نائب وزير الخارجية الامريكي، ريتشارد ارميتونغ، الصقر اليميني المعروف بعلاقته الوطيدة باللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وبحكومة اليمين الاسرائيلية، وعلى أمل ان يضغط باتجاه العودة الى مسار خارطة الطريق.
ثانيًا: في حين يوجه الرئيس الامريكي سهام التحذير والادانة الى الطرف الفلسطيني فان المؤسسة الاستراتيجية التي لها الباع الطويلة في رسم السياسة الامنية الاستراتيجية الامريكية، ونقصد "المجلس الامريكي للامن القومي" فقد كان اكثر حكمة في طرح الموقف. فلارضاء عرب امريكا ولانقاذ خارطة الطريق من الانهيار التام أكد في تقريره الذي صدر في نهاية الاسبوع الماضي عن مسؤولية اسرائيل ايضًا في التصعيد الحاصل. فهو ينتقد ويتهم اسرائيل انها لم تخل جميع البؤر الاستيطانية الهامشية التي التزمت باخلائها، وانها لم تفرج بالاساس الا عن المعتقلين الجنائيين والذين اقترب موعد الافراج عنهم ولم تطلق سراح "المخربين" (اسرى الحرية - أ.س) وانه بدأت تسمع الاصوات في "البيت الابيض" التي تؤكد انه كان على الادارة الامريكية، ان تضغط على حكومة شارون اكثر فيما يتعلق بالافراج عن المعتقلين.
ثالثًا: الموقف الامريكي من الرئيس الشرعي والمنتخب من شعبه، ياسرعرفات، الذي تقاطعه الادارة الامريكية منذ اكثر من سنة ونصف السنة. فمن جهة حاولت ان تجعل من عرفات ليس بذي شأن ومصادرة صلاحياته من خلال اقامة حكومة فلسطينية ورئيس حكومة فلسطينية، ومن جهة ثانية يبادر وزير الخارجية الامريكية، كولن باول، مرغم اخوك لا بطل، الى مخاطبة الرئيس ياسر عرفات، مناشدًا اياه ان يرمي بثقله وراء البقاء داخل مشروع خارطة الطريق. وحتى بعد مخاطبة باول لعرفات بدأت تسمع في أروقة "البيت الابيض" اصوات تقول انه كان من الخطأ الضغط لاقامة حكومة فلسطينية جديدة وفي وقت لا تزال فيه اجهزة الأمن الرئيسية بأيدي ياسر عرفات!!
ما نود تأكيده للادارة الامريكية ولحكومة الكوارث الشارونية اليمينية ان رفض حكومة شارون - موفاز لاقتراح الهدنة الجديدة وتصعيد عمليات ارهاب الدولة المنظم المستمرة منذ حوالي ثلاث سنوات لن تؤدي الا الى الباب الموصود والى مواصلة نزيف الدم المتدفق من شرايين الصراع. فبقوة العدوان العسكري لا يمكن كسر ارادة الشعب الفلسطيني واصراره على حقه الشرعي في الحرية والاستقلال الوطني. ودب الروح من جديد في جسد خطة خارطة الطريق الهامد لا يتأتى الا بضغط دولي مكثف على حكومة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية لوقف عملياتها الارهابية العدوانية في المناطق الفلسطينية المحتلة، وقف العمل في جدار العزل العنصري ووقف عملية الاغتيالات والتصفيات لقادة فلسطينيين، وقف العقوبات الجماعية والحصار العسكري والتجويعي والانسحاب الى المواقع التي كانت قبل ايلول 2000، لافساح المجال امام السلطة الفلسطينية للقيام ببلورة السياسة الامنية ومنع ازدواجية السلطة في المجال الامني، وخلق المناخ والظروف لاستئناف العملية السياسية التفاوضية لانجاز الحل الدائم الذي يضمن للشعب الفلسطيني حريته ودولته ولاسرائيل وجميع بلدان وشعوب المنطقة السلام العادل والامن والاستقرار.
نقلا عن موقع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة
http://www.aljabha.org/