أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبدالكريم كاصد - حوار حول حكاية جنديّ















المزيد.....



حوار حول حكاية جنديّ


عبدالكريم كاصد

الحوار المتمدن-العدد: 1897 - 2007 / 4 / 26 - 12:11
المحور: مقابلات و حوارات
    


أجرى الحوار الدكتور عباس الجميلي
أن تلتقي بالمبدع عبدالكريم كاصد فأنت أمام تنوع معرفيّ مغرٍ ، لتفتح أبواباً عدّة تجمعت في هذه الشخصية المثيرة للجدل ، فمن الشعر حيث كان أحد أعمدةٍ لجيلين عاشهما بين العراق وسوريا وفرنسا حيث تخطّى حدود قاعدته العربية لتتوالد أجناس أدبية أخرى كان آخرها الكتابة للمسرح وبطريقة تؤكّد تجربة هذا الرجل التاريخية في بلورة أفكاره وتجاربه والتي تنحو صوب جعل النص قريباً من المتلقي ، وغير معلق بلغة شعرية منفصلة تطغى عليها لغة الأدب المنفصلة عن أحاسيس ومتطلبات روح المسرح المرتبطة بهموم الناس ، خاصة إذا عرفنا الرجل وتاريخه السياسيّ ، فهو مناضل حقيقيّ وهذه صفة يفتخر بها العراقيون حين يتميّز بها أدباؤهم ، فقد مرّ هذا الشاعر من غربة الروح والفكر في بلده إلى غربة أخرى طالت لأكثر من عقدين ونيّف ، جرّب فيها القصة والشعر والمسرحية وبمكنة تامة عزّزتها دراسته الفلسفة في بداية حياته الأدبية وليعضدها ، فيما بعد ، بدراسة الأدب الإنجليزي وبتجربة متنوعة عالمية بعد أن استقر به المقام في مدينة الثقافة لندن ، التقيناه بعد أن قدّم لنا عملاً مسرحيّاً جديداً ومشتركاً بينه وبين الأوربيين فكان كما عرفناه ملمّاً بصنعته واعياً قادراً أن يفلسف كلّ كلمة وإشارة في هذا النص القديم عبر معايشة تجمع بين روح الأدب المنتمي لناسه وقدرة ميدانية في اكتشاف أسرار المسرح وبحس المفجوع بجنون الطغاة وحقدهم على أبناء جلدتهم . "حكاية جنديّ " إضافة معرفية خطّت لنا كعراقيين طريقاً ليس سهلاً عجز غيره عن ريادته . وهكذا أردنا أن نتحادث معه عن هذه التجربة وغيرها فكان هذا اللقاء الممتع ، المفيد .



عباس : لنتحدث عن تجربة "حكاية جندي" أولا من حيث ريادتها ورصانتها الفنية، فقد شقت طريقاً عجز أغلبنا كفنانيين وأدباء من شقه، ومن هنا جاءت تجربتكم لتعيد لنا التوازن الذي فقدناه وتبشرنا بتماسك معارفنا الفنية والثقافيه رغم سنواتنا العجاف الطويلة المظلمة، لقد أفرحتني التجربة كما العراقيين المتواجدين في لندن فقد صفقنا لكم كثيراً فماذا تقول؟

كريم: أنا سعيد أن أسمع رأيك بالعمل خاصة وإنك فنان مسرحي. ما تطرحه في سؤالك يتضمن بشكل غير مباشرالجانب الحضاري في هذه التجربة. ثمة تجارب و مواهب هنا وهناك لها تراثها المسرحي الغنيّ مثلما للاوربين تراثهم الغني. هذه التجارب قد تتفاعل فتغدو موروثا للجميع يستلهمونه ويستفيدون منه، فأنت تعرف تجربة بيتر بروك الذي ذهب إلى أقاصي إيران أيام عاشوراه ليستلهم عروض التعزية هناك وأعتقد أنك من الذين كتبوا عن هذا الموضوع مادة لدراستك. كل الثقافات لها تجارب خاصة وعمق خاص. أنا مع التأثيرات المتبادلة بين الثقافات ولست مع من يتحدث عن التفاوت الحضاري بشكل قاطع. صحيح أن هناك في الفن اختلافات في التجربة والتاريخ ولكن النظر باستحياء واستصغارالى ثقافتنا يعبر عن مركب نقص في الآخر وعجز مستديم وكأننا لسنا وريثي هذه الثقافات المختلفة. لدينا تجربة شوقي في المسرح الشعري مضى عليها ما يقرب من مئة عام وهي تبقى رغم بداياتها ونواقصها أفضل من التجارب التي تلتها في هذا النمط من الأعمال المسرحية الشعرية، كذلك الأمر مع صلاح عبد الصبور بدأ تجاربه قبل أكثر من أربعين سنة دون أن يأتي من يكتب أفضل منه ، ولا ننسى ان المسرح الشعري الانكلبزي مر بفترة سبات طويلة ليعود في القرن الماضي فقط إلى المسرح الشعريّ ولكن بشكل متعثر، حتى إليوت لم تكن كل تجاربه ناجحة لقد نجحت التجارب عند بعضهم وفشلت عند آخرين ثم انقطعت بعد ذلك، كل ذلك مرهون بالإبداع الفردي للشاعرنفسه، وباستعارة أشكال مسرحية من مسارح الشعوب الأخرى كاستعارة الشاعر ييتس الأشكال الموجودة في مسرح النو الياباني، وإذا ما كان للموروث الثقافي لأمة ما من تأثير فهو تأثير نسبي وليس مطلقاً في كتابة النص المسرحيّ الشعريّ الذي يستمد مادته من مصادر شتى .قد يأتي مخرج عراقي أو عربي ويجد في هذا العمل أبعاداً وامتدادات غيرماهي عليه عند المخرج الانكليزي اندرو ستيغل، لقد أبدع الممثلون العراقيون وكانوا مثار دهشة الجمهور الانكليزي خاصة، بالنسبة إليّ لاحساسية عندي إزاء هذه الثقافة أو تلك. هناك من قال إن النص العربي تفوّق على النص الانكليزي غير أنّ النصين يكمّلان بعضهما، لهذا السبب شاركت بهذا العمل لقناعتي بوجود أشكال عديدة يمكن استخراجها للوصول إلى لغة مسرحية ملائمة. أنا أعتبر كل التجارب، سواء عند إليوت والأليزابثيين أوشوقي وعبد الصبور أوغيرهم، هي تراث إنساني نستلهمه ونستعيده ونتمثله ونكتشف فيه أبعاداً تستجدّ دوماً.

عباس: بمعنى آخر إن التراث الانساني مهما تعددت مصادره من هذا البلد او ذاك هو مكمل لبعضه، حدثني عن هذا الجانب؟

كريم: بالضبط، ولهذا السبب اقول لمن يريد ان يناقش وينتقد ألاّ يذهب بعيداً إلى الابعاد الحضارية والآراء الجاهزة كعدم امتلاكنا مسرحاً شعرياً أو عدم طواعية اللغة العربية للمسرح...الخ ، عليه أن يقرأ النص الانكليزي ويفهمه ويقارنه بالنص العربيّ ويقارن الاثنين، إذا أمكن، بالأصل الفرنسي ليخرج بأحكام أقرب إلى الموضوعية. لقد استخدم النص الانجليزي (الكوبلت ) أي كتابة كل بيتين بقافية واحدة وهذا الشكل لم ينجح في استخدامه الا القليلون كما فعل توني هارسن في ترجمته لأسخيلوس، لذلك كان أمام المترجمة الإنجليزية مخاطر كثيرة هي أكثر بكثير من مخاطر الترجمة العربية التي استخدمتْ أشكالاً شعرية عديدة ولم تتقيد بشكل واحد. المسألة هي كيف نستوعب تراث أمتنا وتراث الاخرين عبرالإبداع الشخصي الذي بدونه لاتسعفك كل ثقافات العالم، عراقياً كنت أم إنكليزياً. العمل كان ناجحا برأي الكثيرين وضعف أيّ من النصين : العربي أوالانكليزي يضعف الآخر. لقد حدثت تغييرات في النصين أثناء البروفات ولكن ما حدث من تغيير للنص العربي هو قليل جدا بالقياس إلى النص الإنجليزي.

عباس: المسرحية شعرية وباللغة الانكليزية ولها موسيقى كتبت لها أريدك أن تحدثني عن علاقتك أنت بالعمل (الكتابة والترجمة) كيف بدأت ومن طلب منك الاشتراك وكيف كانت علاقتك بمخرج العمل؟
كريم :كتب المسرحية شارل فيرنان راموز شعراً باللغة الفرنسية، بالتعاون مع الموسيقيّ الشهير سترافنسكي، ثم ترجمت إلى الانكليزية شعراً وأخرجها المخرج الحالي نفسه، العام الماضي، ودعاني إلى العرض بعد أن تعرف عليّ عن طريق صديق وكان مسروراً لمعرفتي باللغة الفرنسية وحديثي عن الترجمة وعلاقتها بالنص الأصلي، ثم جرت حوارات مطولة توطدت بعدها العلاقة بيننا ثم أعطيته دروساً باللغة العربية، بعد ذلك عهد لي بهذه التجربة وكان يريد أن يتصل بوزير الثقافة السابق مفيد الجزائري عن طريقي .

عباس : عفوا للمقاطعة لكن لماذا كل هذا الاهتمام بالعراق والثقافة العراقية وهل هناك دوافع معرفية او فنية تحديداً؟

كريم: الدوافع قد تكون عديدة ولكن أبرزها هو الدافع الثقافي فهو شاب طموح ويريد ان يعرف الكثير أما بالنسبة إليّ فإنّ ما يعنيني قبل اي شيء آخر هو العمل الفني نفسه، دلالاته وعمقه، وهذا ماحصل فعلاً فبعد تكليفي بترجمته ألحّ عليّ المخرج ألاّ أكون مترجماً فحسب، بل أحاول أن أكتب نصاً جديداً بعد أن اطلع على بعض نماذج مترجمة من شعري وتطورت علاقتي به وتواصلت الحوارات. يبدو أنني حزت على ثقته، لقد ترجمت النص شعرياً وغيرت فيه كثيراً وما شجعني على هذا التغيير هو أنّ الترجمة الإنجليزية بدورها غيّرت كثيراً في الأصل وسأعطيك مثلا لهذا التغيير: مشهد اصطحاب الشيطان الجندي العائد من الجبهة بعد مبادلته الكتاب بآلة الكمان شرط أن يعلمه العزف.
لقد ابدلت العربة في النص الاصلي الى بساط سحري حيث يركب الجندي على البساط ويرتفع في الجو:


الراوي


من نافذةٍ تتّسع الآن ..
يرى يوسفُ نفسَهُ مقذوفاً في الريح ..
بساطٌ يحملهُ..
أسودَ
.
يلمعُ في الشمس
يميل بيوسف َ
يوسف يتشبّث مذعوراً بالشيخ

يدري لا
- أقصد يوسفَ –
ماذا يجري


عباس : لماذا البساط السحري وماهي الدلالات التي قصدتها هل هذا جائز لك؟

كريم: لأنني لم أعد مترجماً، شأني شأن المترجم الإنجليزيّ، بل كاتباً للنص، أمّا اختياري للبساط السحري فلأنه جزء من موروثي الثقافيّ، وموروثهم إذ أستعاروا بعض الحكايات من ألف ليلة وليلة ومن بعض المصادر العربية واعتبروها جزءاً من موروثهم يرد مع ما يسمى بحكايات الجنيات ولا أدري ماهو انطباعك وانطباع الاخرين عنه؟ (كريم كاصد يسأل)
عباس : لقد حادثتني امرأة انكليزية لم أعرفها. ربما ملامحي أوحت لها بعراقيتي كانت فرحة بالمسرحية فنياً، وكذلك كانت سعيدة بمشاركة العراقيين والملفت للنظر أنها قالت إن الموسيقى أعجبتها لقد قالت بالضبط إنها تجربة ناجحة بكل المقاييس وتحدثت عن استمتاعها العالي بالجانب العراقي، بالنسبة إلي كنت كذلك فرحاً وتابعتُ العمل بدقة وفي نهاية المسرحية زرت الممثلين الثلاثة العراقيين وهنأتهم كما ان الكثير من العراقيين كانوا حاضرين وسعدوا بالعرض وتمنوا تكرار التجربة.

عباس: أريد ان أتحدث عن فكرة الكتاب ومبادلته بآلة الكمان في ( حكاية جندي ) ماهي الفلسفة خلف هذه الحدث المهم هل الكتاب يعني شيئاً غير المعرفة وكذلك الكمان باعتباره يولد العاطفة عبر معاناة محددة. البعض لم يفهم هذه الثيمة الاساسية أ لمْ يكن بالأمكان إحداث تغيير فيها؟
كريم: في النص الذي ألفه راموز باللغة الفرنسية يرد الكمان رمزا للروح وهذا موضوع رئيسي في المسرحية لايمكن تجاوزه وتغييره فأنت تغير في التفصيلات وليس في جوهر العمل الفني إذ يجب المحافظة على أساسيات النص والا كيف سألتقي مع النص الاخر الانكليزي؟ هناك نقاط مشتركة في خيط الحكاية الذي نسجنا منه ثوبين مختلفين إذ كان لكل منا تصوره سواء في ما يتعلق بالبساط السحري أوالشيطان أوبنت السلطان بدل بنت الملك وهكذا نبقى كلانا كاتبين لنفس العمل نلتقي عند خيط الرواية. الكتاب رمز وهو نقيض للروح ربما يكون كتاباً شريراً او خيراً فأنت كمشاهد لك أيضاً فكرتك وتفسيرك الخاص وموقفك من العمل الفني ولاسيما مما هو جوهري فيه فبعضهم قد يكون له فهمه الخاص للكتاب والكمان يختلف كليا عما نفهمه نحن.
قد يكون الكتاب كتاب خير أو شر قد يكون كتاباً دينياً أو كتاباً للشيطان فصدام وهتلر لهما كتبهما وللشيطان كتابه مثلما للاديان السماوية كتبها.

عباس : لقد كتبت وترجمت النص الفرنسيّ شعراً مع وجود اختلاف في اللغة ودلالاتها في كلا الجانبين هل كان ذلك سهلا وما مدى صعوبة ذلك
من جانب وهل كان بينكما ككاتبين من ثقافتين مختلفتين اي تلاقح على صعيد الرؤى والزمان والامكنة ثم ماهي صعوبات هذا المزج بين لغتين؟

كريم : هذه ليست مشكلتي بل هي مشكلة المخرج، لقد ترجمت بمزاج وارتياح دون أن أستبق الوقت وانا راضٍ عن النص، أحيانا أكتبه نثراً وأرجع لأترجمه شعراً وبشكل عفوي فالنص أحيانا ينتج نفسه. لم أكتبه بصفته واجباً. في الابداع الفني، كما تعرف، ثمة وجهات نظرٍعديدة فقد تتعدد الرؤى ولكنْ ثمة إحساس واحد بالعمل الفني يربط الجميع، مما سهل عملية التلقي والتلاقح، فكثيراً ما أوقف المخرج بعض الممثلين لأنهم كانوا يقرأون الشعر وكأنه نثر، وهذا ما كان أيضا بالنسبة إلى الكاتبة ربيكا. ثمة وجهات نظر مختلفة كما قلت لك، هناك مسألة مهمة في النص الانكليزي القافية متوقعة وبعضهم يعيب ذلك على المترجمة في حين عندي القافية غير متوقعة رغم بساطتها الشديدة، على سبيل المثال أورد هذا الحوار بين الشيطان والجندي قبل أن يصحبه إلى البيت:


الجنديّ

ما سيكون طعامي ؟

الشيطان

لحمْ
عشرة أوقاتٍ في اليومْ

الجنديّ ، وهو يعيد إلى جرابه ما أخرجه من أشياء

وما سيكون شرابي ؟

الشيطان

عرك

الجنديّ

وماذا سأدخّن ؟

الشيطان

السيجارَ الكوبيَّ
الذهبيَّ
يدور لفائف في الجوّ

الجنديّ


حلوْ
حلوْ

القافية في هذا المشهد وغيره لاتشعر بها، كما أنه ليس من الضروري أن تأتي قافية (يوم) بعد كلمة (لحم) ، أي أنها ليست متوقعة.
الجندي يقول له بالعامية ( يلقي كريم المقطع بعراقيته ويطلب تسجيل هذا الحوارات لأهميتها ) حلــــو اومثل ما نقول بالعامية العراقية شتريد تاكل فيقول لك لحم ( يضخم اللام والحاء ) وببحة عراقية وعامية صرفه رغم انها كتبت باللغة الفصحى.

عباس : لماذا انزلت اللغة الفصحى إلى نطق العامية بهذا الشكل الذي تحدثت عنه، هل لك من دلالات محددة هل تريد ان تخرج النص من روحه الشعرية المهيمنة (وهو نص بالاساس شعري) رغم انك قلت القافية كانت غير متوقعة وبسيطة هل شعرت بنفس العامية أقرب للمسرح مثلا؟

كريم:الحوار الذي سمعناه بين الجندي والشيطان كان مزجاً بين اللغة العامية والفصحى، لقد حاولت أن أقرب اللغة الفصحى من العامية رغم كونها فصحى وهو إحساس بتجربة خاصة شعرت بها و بضرورة وجودها على المسرح، لقد حاولت أن أكتب الشعر وكأنه نثر والنثر كأنه شعر فأنا لم أستطع أن أذهب إلى الشعر بمستواه الغنائي العالي الا في القصائد الغنائية عندما يكون هناك كورال أو نشيد للشيطان. اللغة الشعرية هنا يتهيأ لها القارئ او المشاهد. وفي كلا الحالين حاولت أن أجعل المشاهد يتقبل النشيد والحديث اليومي بشكل طبيعيّ.

عباس : وطبعا هذا بحاجة الى جهد ومعرفة بأسرار اللغة وبخفايا العرض المسرحي ولكوني مسرحيا شعرت بمعاناتكم أولا وكذلك بالحرفية على أكثر من صعيد هل ما قلته حقيقي؟

كريم: نعم صحيح وحقيقي لقد سهرنا ليالي وغيرنا وبدلنا وسمعنا وتعبنا كثيرا ولكن العمل مع تعبه لذيذ.

عباس: لنعد الان لتسلسل العمل أقصد في مرحلة الكتابة ما بعدها كيف كانت تسير الامور مع ربيكا صاحبة النص الانكليزي ومع المخرج؟

كريم : عادة ما كان يزورني المخرج لأترجم له النص العربيّ لأنه ليس النص الاصلي ولا النص الذي كتبته ربيكا فهو مختلف ويكاد يكون نصاً جديدا فأنا أقرأ له نصّي مترجماً إلى اللغة الانكليزية وهو يسجل انطباعاته ويطبعها ويوزعها على الممثلين كما أنني أقرأ له النص ليعرف ما هو إيقاعه في لغته العربية ولأعرف أنا كيف يستقبل الايقاع لأعرف من خلاله كيف يتحسس الجمهورالانجليزي المتخيل الأيقاع نفسه. كان يقترح ويتدخل أحيانا فقد اقترح أن أدخل أبياتا لـ (ربيكا) في نصي وحدث نفس الشئ في مسألة البساط الذي أدخله كذلك في نصها فألغى العربة على ضوء نصي وأصبح البساط في كلا النصين. يمكن أن أورد لك الأبيات التي استعرتها من (ربيكا) مع التصرف والتغيير بطبيعة الحال:


جسد هامد
كالقبر
تمثال شمعيّ يتنفس
كفّاها الناحلتان
تنعقدان
عند الصرّة
يوسف يتطلع في وجه أميرته الضارع
يتناول قوسه ، نبضه يتسارع
بأصابعهِ
ينتزع الشوكة
فتنهض ثانية
مولوداً عيناها ذاهلتان


عباس : أريد في هذا التعليق أن أتحدث عن الإخراج لقد شعرت في العرض إنه يعمل بلا منهج إخراجي يعني أنه مخرج غير تقليدي المهم صناعة صورة مدعومه بأي شئ، أعتقد أن شيئا مهما قد فاته، فكما عملت أنت لتنزل الشعر إلى أرض المسرح وتخرجه من قيود إلقائه، ألم يكن بمستطاع المخرج التعامل مع مخرج عربي، ليس فقط لتكتمل الصور ولكن ليجسد بعض المشاهد ذات النفس الشرقي وتزيد من سحر المشاهد الانكليزي والعربي معا، فحكاية البساط مثلا هي تراث عربي وهم لديهم بساط كما قلت لي أ ليس من الأنفع على الاقل إخراجياً أن نمنحه حسا شرقياً؟.

كريم : نعم ان لهم بساطهم المستعار من تراثنا ولكن بعضهم يتصوره أنه خاص بهم وحدهم وهذا يعيدنا إلى ما ذكرناه من تقاطع الثقافات وتداخلها. هم منذ طفولتهم يقرأون عنه ويعتقدون أن البساط بساطهم سألني بعضهم هل لديكم بساط سحري قلت لهم إنه بساطنا أصلا، مفارقة أليس كذلك ؟ .

تعليق (عباس): قصدي ان الكثيرين لم يتحسسوا أو يشعروا بالبساط حكاية البساط.

كريم :لقد قيل للمخرج ذلك فأجاب أنني لا أعمل كمخرج في هوليوود، لأجسد العمل بديكورات ضخمة، كان معتمداً على الفعل المسرحي الذي يقدمه للمشاهد لذلك تبدو لي ملاحظتك واردة فعلاً.

عباس :أنا لي رأي مختلف، بصفتي مسرحياً، فهو في الحقيقة لايحتاج لأمكانيات هوليوود الفنية.
عباس : لنعد إلى كامل التجربة أنت شاركت بهذا العمل بأكثر من موقع بصفتك كاتباً وشاعراً وبالتأكيد كنت ركناً أقوى مع أهمية الفنانين الآخرين كيف وجدت التجربة على صعيد ميداني؟ كيف وجدت الوعي، أصول اللعبة، التعامل مع الغير ومن ثقافات مختلفة هل هناك فروقات بين تجربتنا وتجاربهم؟.

كريم :في هذا الجانب ليس لدي تعميمات عن الشعوب، إنجليز أو عراقيين، هناك انكليز ليس لهم مواهب يتصدرون العالم الشعري والمسرحي وغيره كما هو موجود في بيئتنا ولكن جانبنا هو الاسوأ دائماً لعوامل عديدة. أكرر بالنسبة إلي وأقول لك انني أحذر من التعميمات وأتعامل بشكل شخصي مع الناس منفردين فربما هذا المخرج في موقف آخر يتعامل بشكل مختلف او يرى النص من زاوية مختلفة، هذه المواقف مرهونة بكل شخص وتجربته وعمقه، وظرفه أيضاً. أنا أيضا لديّ ملاحظاتي على النص و طريقة التوليف في إخراج النصين الانكليزي والعربيّ ولكنها تبقى ملاحظات جزئية لا تلغي نظرة الآخر في فهمه للنص وإخراجه، مثلا تداخل النصين يؤجل القافية أي الضربة ولو انني لا أعتمد عليها كثيراً. الكاتبة ربيكا ربما شعرت بالضيق من هذا الاختلاف نفسه .. ابتعاد البيتين بعضهما عن بعض مما يخفف من وقع القافية وأهميتها ويربك الإيقاع أما بالنسبة إلي فلا أعتمد كثيراً على القافية بل أستخدم النثر الشعري، لقد كانت لي حرية كاملة باستخدام الاساليب المختلفة فلم أتحدد بأسلوب معين.
أنا في الواقع أعتمد على رأي لأليوت يقول ما معناه ان التقاليد المسرحية لاتعني شيئا أمام مايسميه غريزة الشاعر أي كيف تكتب الشعر من خلال إحساسك. في حكاية جندي كنت أكثر اقتراباً إلى غريزتي الشعرية التي هي وليدة خبرتي الخاصة.
أما من يريد أن يتحدث عن التقاليد فليقل لنا أين هي هذه التقاليد وكيف تكون الفيصل في تقييم عمل فني ما.

عباس : اسمح لي كريم لقد أثرتني، من خلال القائك باللغة الفصحى واللهجة العراقية أجدك تقترب كثيراً من عمل المخرج وملاحظاته، كيف كانت علاقتك به أثناء التمارين وهل سمح لك بالمقترحات التي يرفضها بعض المخرجين على الاقل اثناء التمرين. ثم كيف كان تعامل المخرج مع ممثلين بلغة مختلفة عن لغته.
كريم : نعم كنت اقترح أحياناً ولكنني لا أتدخل إلاً في الضرورات أو الأخطاء الفادحة في الالقاء. بعض الممثلين يستجيب والاخر يستجيب متأخراً ولكن يمكن القول أن هناك تعاوناً كبيراً من الجميع نختلف ونرضى لمصلحة العمل. كان للمخرج مساعد ومترجم جيد ينقل ملاحظاته ويوصل افكاره وما يريده بدقة للمثلين، بالإضافة إلى ذكاء الممثلين العراقيين في فهم مايريده المخرج حتى قبل ترجمته لهم.

عباس : أفهم من هذا أنكم استغرقتم وقتا طويلا لأنجاز العمل؟

كريم : لقد استغرقت التمارين أكثر من سنة كما قلت. كانت تربطني علاقة شخصية بالمخرج وقد قويت وتمازجت فكثرت الحوارات واقتربت وجهات النظر وهذا استغرق وقتاً. ومع الدروس العربية التي اعطيتها له كنت أقرأ له ما أكتبه ايضا بشكل يومي نتفق، نختلف، نضيف، كان التركيز على الايقاع، التبديل شمل نواحي عديدة ليس البساط السحري وحده. وحين كنت أقرأ له بعض المقاطع كان يهمه كثيراً الانتباه إلى إيقاعاتها بحساسية خاصة مثلما كان مهتماً بالتفصيلات والأبيات الجزئية التي قد لا يعيرها الممثل انتباهاً كبيراً. في البساط السحري ، مثلاً ، يقول الشيطان للجندي :


انظرْ!
هل تبصرْ ؟
ذاك النهرْ
دجلةُ ما أجملَهُ!
وذاك القصرْ !
كم يبدو سحريّاً !
لكنْ ما أبشعَ ذاك المنظرْ!


وحين يسأله الجنديّ :


ما هوَ؟


يجيبه :


احذرْ !
أن تتردّد في ذهنك تلك الأصداء

حينئذٍ يسأله الجنديّ :

أية أصداء ؟!



هذه الإضافات والجزئيات كانت تمتعه ولاسيما الأبيات التي اشتملت على لفظة أصداء مثلما كان مشغوفاً بالأبيات المفردة في المسرحية كهذين البيتين، على سبيل المثال ، التي قد يمر بها الممثل عابراً

يمضي يمضي أبداً أبدا
يهجر ماضيه ويدعوه غدا

إنهما يلخصان عذاب الجنديّ وأوهامه وانشطاره بين ماض فقده وغد أصبح وراءه. قد يتصور البعض أن مثل هذه الأبيات لاتلائم المسرح، غير أنها كانت في صلب اهتمام المخرج، وكما أشرت فإنّ الراوي، مثلا، ممثل بارع ولكنه لم يعر انتباهاً إلى هذه الجزئيات إلا في الايام الأخيرة أو قد يقرأ القافية منونة وبذلك يفسد الإيقاع ويخل بالقافية، وقد اعترف لي بذلك وبأسف كبير ومن جهتي فإنني لم ألحّ عليه مع معرفتي بأهمية هذه الأبيات الصغيرة ولو اهتم هو وغيره من الممثلين بهذه الجزئيات وقرأوا قراءة صحيحة كل أبيات النص لكان تأثيرهم أكثر ولتفوق النص على نفسة ولكن في الآونة الاخير قلت لهم كفى فلتتلافوا تلك الأخطاء فهي بسيطة وأنتم قادرون عليها. وبالفعل فإنهم بعد العرض الاول والثاني استطاعوا ان يقدموا النص قريباً مما أريد ولكن ليس كما أريد. وكان تأثيرهم مذهلاً في الجمهور الواسع المتحمس الذي حضر العرض كما شاهدت ذلك بنفسك. .
عباس: مادمنا نتحدث عن الممثلين هل لي أن أعرف كيف كان اختيار الممثلين هل كان هنا اختبار مثلا وصلاحية الأخوة الممثلين لأدوارهم التي قدموها؟

كريم : هذا الجانب يتعلق بالمخرج الذي ذهب إلى العراق ومعه حرس وحماية و نفقات.
عباس :هل كان عامل الصدفه هو السبب وراء اختيار الممثلين رغم انهم ممثلون جيدون فعلا وقد فرحت بهم كثيراً حيث التقيتهم بعد العرض وهنأتهم وتمنيت ان يكرموا.
كريم: حقيقة الأمر لا أعرف أكثر مما قلت ولكنّ الممثلين كما قلت كانوا مبدعين وبالخصوص الجندي ( علاء ) الذي كان يمتلك صوتاً جميلاً جداً وذا أداء سليم للشعر وهذا لايعني أن الآخرين غير جيدين وكما قلت لك كان المفروض أن يكونوا أكثردقة في التعامل مع الجزئيات والأبيات الصغيرة فانا أحترم امكانيات الآخر ولن يكون هذا العرض الاخير حيث سيعرض في اماكن اخرى.

عباس: أردت أن أعرف شيئا عن موضوعة الحرب في المسرحية، نعرف أنّ الجندي في إجازة ويلتقي الشيطان هل الحرب كانت متوقفة،هل هناك للجندي على سبيل المثال موقف من الحرب ، هل للحرب علاقة بحروب العراق التي اضرمها الدكتاتور، أم الموضوع موجه ضدها؟

كريم: عموماً المسرحية ضد الحرب وويلاتها وضد البشاعة والجشع وكما نعرف أن عراقنا يمر حالياً بظروف خاصة استثنائية. لقد سئلت في مرة سابقة عن هذا الموضوع فأجبت أنني لم تكن لي تجارب معاشة في زمن حروب الدكتاتور في العراق ولكن أحاسيسي انعكست في المسرحية أما ما أحمله من أفكار عن الوضع في بلدي فقد جاءت ضمن النص الشعري بشكلٍ غير مباشر. في ندوة(الديلي تلغراف) المفتوحة مع الجمهور والتي أقيمت معي ومع المخرج وربيكا وقائد الأوركسترا وزميلي الفنان أحمد مختار قلت إن العراق يمر بمرحلة تختلط فيها القيم ويوجد فيها الجشع جنباً إلى جنب مع عذابات الناس اليومية التي لن تنتهي. لقد انعكس ذلك بشكل ما في المسرحية فقد تسرب الجشع إلى شخصية الجندي وشطرها نصفين. من الصعب علي أن أفرض المعنى الخاص على المسرحية. مما شجعنني على كتابتها شعراً بلا أي إشكال هو أنّ الشيطان والراوي والجندي قد يكونون شخصية واحدة لان الشيطان هو جزء من الجندي، في داخله وخارجه في آن واحد، فالإنسان العراقي ممثّلا بالجندي ممكن ان يحارب الشيطان في داخله أو خارجه والراوي ممكن أن يكون مرآةً للجندي وهوتفسير جائز وممكن ان تكون ثمة ثلاث شخصيات متقابلة أوشخصية متداخلة واحدة فهذا الجشع الذي في الداخل والخارج والصراع بين الخير والشر هو جوهر الصراع في المسرحية وقد يجد آخرون تفسيراً آخر. وما ينبغي الانتباه له أن الجندي لايُخدع مرة واحدة وإلاّ كان ذلك شيئاً عارضاً بل خُدع مرتين، مرة حين أبدل كمانه بالكتاب الذي ينعته الشيطان بالكنز ومرة اخرى عندما أصبح تاجراً للأقمشة ليبدأ بعد ذلك المشهد الذي يكاد أن يكون من وضعي بأكمله عندما ينادي ياحلوات ياحلوات ،قماشات قماشات الوصلة بدينار،بالقاء شعبي ،بعدها يتحول من تاجر أقمشه إلى تاجر أعلاف فأصواف ثم أسلحة ثم هذا اللون الاحمر الذي في القماش يغطي على جميع الألوان، كما اني جعلت المحل في القشلة في البصرة، غير أنّ المحل في ما بعد لم يعد في القشلة وحدها بل في كل مكان حتّى في جسد الطفل وهذا المشهد أعجب الانكليز وتمنوا هم الذي يمثلونه.

عباس : مادمنا نتحدث عن الجندي والشيطان وموضوعة الحرب، لماذا ألبس الشيطان في بعض المشاهد ملابس قائد عسكري قاسٍ ونحن نعرف ان الكثير من القاده في التاريخ محترمون، في فيتنام والاتحاد السوفيتي السابق في الدفاع عن ليننغراد وفي فرنسا أيضا وفي دول أخرى كثيرة.

كريم : هذه مسألة إخراجية ولا دخل لي فيها ثم أن بعض ملابس الشيطان في بعض المشاهد كانت عادية وليس كلهاعسكرية.

عباس: بل كانت ملابسه بين الروسية والالمانية وكأنها إشارة محددة أرادها المخرج

كريم : لا أعتقد ذلك. يمكن أن يكون الشيطان مدنياً أو عسكرياً ،هنا أو هناك .

عباس : استنتاجي يأتي من كون أجواء المسرحية واسمها لصيقين بالحرب، أ لم تجر نقاشات بهذا الخصوص؟

كريم : هذا اجتهاد المخرج المعبر عن قناعته. في بعض المشاهد وليست كل المشاهد، كان ثمة قائد عسكري. قد يكون الشيطان عسكرياً مرة وأخرى مدنياً وهذه رؤية اخراجية. يمكن أن يأتي مخرج عراقي ويغير في رؤياه الاخراجية فالعمل مكتوب بالعربية وجاهز للتناول.
عباس : مادمنا نتحدث عن الاخراج وتصورات المخرج بودي ان اسألك عن تصنيف العمل يبدولي او هذا ما أحسست به أنه لم يكن درامياً وإنما كان ما يمكن ان نسميه (show) ( ماهو رأيك ككاتب ومشاهد ؟

كريم : قد يكون هذا الرأي صحيحاً. العمل لايمكن ان نسميه عرضاً درامياً كاملاً ولكن الدراما أو العروض الدرامية يمكن أن تتسع للموسيقى و التسلية (entertainment) و الطرب و الاستراحات الكرنفالية أيضا وفيها يمكن للعمل شعري أن يمدّ من مساحته ، لهذا السبب يجد المؤلف الشاعر أنه في بيته يكتب المقطوعات الغنائية و اللغة القريبة من النثروالنثر القريب من الشعرويستخدم المستويات والأساليب العديدة التي تجعل من نصه عرضاً مسرحياً حقّاً. لقد أشار نقاد كثيرون إلى ذلك ولاسيما الإنجليز منهم أن المسرح لا تختصره المواقف (situations ( والأفعال (actions ) وإنما هناك أيضاً ما يسمى بالأجواء (atmospheres) التي لها أهميتها في المسرح وهنا لايمكن ان تقيس هذه المسرحية بمقايبس مسرحية هاملت مثلا، أو مسرحيات العصر الألزابيثي وحتى هذه المسرحيات عندما تُخرج الآن لا أعتقد انها ستخضع للمقايس التقليدية المتعارف عليها فقد يكون في إخراجها خروج على المقاييس والتقاليد المتبعة.

عباس : نعم أتفق معك بحدود كبيرة وهذا ما شاهدناه فقد كانت ستراتيجية المخرج متعدده كان يقود العمل بشكل غير مقيد مما منح العمل نوعاً من الحداثة واستطاع ان يكسر كثيراً من تقاليد الزمن الذي كتبت فيه المسرحية في عشرينيات القرن الماضي، ففي الغناء مثلا تحول إلقاء الشعر الفصيح الى طور عراقي جنوبي يسمى بالغناء (المحمداوي ) وهو طور معروف كما جعل المشاهد يعي ذلك فكان الممثلون قريبين منه أي في القاعة ولاننسى وجود الموسيقين على المسرح كان عنصراً مشوقاً ومهماً.
ما هو رد فعل الممثلين؟

كريم : رد فعل الممثلين كان رائعاً فقد أحبوا العمل وهذا كان مصدر سعادة لي فأن يحب الممثلون والعاملون النص فهذا يعني نصف النجاح لم أقدم النص حرفياً وجامداً. لقد قلت للممثلين اذكروا لي أيّ مقطع لايعجبكم لأغيّره فمايهمني هو رأي القارئ بالدرجة الأولى.

المقطع الذي غناه الراوي بطورمحمداوي :

إن نحن ملكنا الأشياء
فستملكنا الأشياء
وسنصبح حجراً نتطلع في الكون
حجراً أعمى
مانملكه الآنْ
لن يوهبَ ثانيةً
فلتمسكْ نفسك عن جمع الأشياء
ولتتذكّرْ
أن سعادتنا واحدة لن تتكرّرْ


عباس : لقد شعرت بلحظة محددة أن المخرج كان يخشى من تصاعد النص العربي أن يأكل النص الأنكليزي بروحه الشرقية فتألق الممثلين العراقين والموسيقى العراقية والشعر تدخل المشاهد العربي والانكليزي تحديدا في جو عاطفي قد يطغى على الجو الذي هو يريده لقد بحث المخرج عن التوازن الدقيق وطلبا لوعي الجمهور لموضوعة المسرحية مما أجبره على تقليص حجم ومساهمة الموسيقى العربية أو العراقية.

كريم : الملاحظة قد تكون صحيحة فالهدف معلن تماماً هو البحث وتحقيق التوازن أي موازنة النصين. إنّ قوة النص العربي لصالح النص الانكليزي مثلما قوة النص الانكليزي هو لصالح النص العربي، لذا كنّا انا وربيكا نعمل بأخوة وتقارب عبر المنافسة المبدعة.

عباس : هل أفهم من هذا انكما انت وربيكا كنتما تقدمان نصاً واحداً للجمهور مع اختلاف اللغة .والجمهور؟

كريم : برأيي أن وجود جنديين وشيطانيين وراويين خرج من مأزق التفسيرات الساذجة، الشيطان هو واحد في امريكا والعراق. ثمة صراع سيستمر بين الخير والشر، لانه لو بقي النص بذلك الانفراد وخاصة بهذا الجو الملتبس الآن لسقط المشاهدون البسطاء والمثقفون في التفسيرات الجاهزة والبحث عن الرموز والمعانى التي ابتلينا بها في تفسير النصوص، غير أن وجود الجنديين يهب النص عمقا أكثر ربما من وجهة النظر الإخراجية. والمرحلة تشهد بذلك هناك شياطين في العراق من مختلف الجنسيات الان.

عباس : كريم ما سر بقاء الموسيقين العراقيين بملابسهم العادية مدنية وهم على المسرح في حين نجد الموسيقين الانكليز بملابس عسكرية؟ .

كريم : من الصعب التخلص من الافكارالمسبقة والمسلمات عند الانكليز والبشر عموما، بسطاء كانوا أم مثقفين، مخرجين أم غير مخرجين شعراء أم غير شعراء. العقال والكوفية، لدى المخرج ولدى الأغلبية من الأوربيين ، يشيران إلى العربي كرمز يسهل إيصاله إلى إدراك المشاهدين فلو كنت انا المخرج لما ألبستهم ذلك ولوجدت بديلاً آخر.

عباس : حرفياً وجدت أنا أن كادر المسرحية من كلا الطرفين جيد وان تفوق العراقيين بعض الشئ (هذا ما سمعته من المخرج شخصياً) وبالخصوص الممثل علاء الذي قدم شخصية الجندي كان موفقا جدا، هل أستطيع أن أقول إننا كفنانين عراقين ومثقفين مازلنا متماسكين فنياً ومعرفياً رغم كل السنوات العجاف التي تجاوزت الثلاثين سنه ؟

كريم : ما نريده هو الاستقرار من أجل أن نعمل ونقدم مسرحاً. لسنا الان بصدد إخراج مواهب ومخرجين. الأجيال تنتج مبدعيها، نريد استقراراً وناساً لا يُحرمون من المسرح وكأنه سبة مع ان المسرح لدينا نشأ مع المأساة الحسينية وهذه مفارقه يجب ان يفهمها من يحارب المسرح ويحرّمه ويجهل أن علاقة المسرح بالدين وثيقة جدا.

عباس: كريم لم نتحدث عن الموسيقى، ألم يكن حجمها بالقياس لحجم الموسيقى الغربية ضئيلا من الناحية الزمنية كما ان آلات العزف كانت محدودة في حين أنّ آلات الفرقة الموسيقية الانكليزية كلها هوائيات وصوتها عالٍ، كيف تعلق على الموضوع وانت كنت قريباً من هموم الفنان احمد مختار؟

كريم : لقد سمعت وقرأت إنّ هناك ارتياحاً للموسيقى العراقية وانت تعرف أن موسيقى سترافنسكي مؤلفة للعمل خصيصا، الموسيقى كُلف بوضعها الفنان أحمد مختار وكما شاهدت كان عدد الموسيقين ثلاثة فقط ولكن كانت هناك إشادة بالموسيقى وأنها أي الموسيقى العراقية جميلة قال عنها بعض النقاد انها أخذت النص بعيدا إلى مكان آخر، ولكن ثمة إجماع على جمالها. من هنا نحن لا نتوهم ان كل ما هو أجنبيّ هو الأفضل والمتفوق، ورغم ان تكاليف العمل وصلت اربعمئة الف باوند تقريباً لم يزد عدد الآلات الا آلة واحدة هي آلة القانون. ثمة أمور تجدها أينما تذهب بخصوص التمويل والصرف و و و . لم يكن يهمنا العطاء وما كان مهمّاً لنا هو التجربة والعمل نفسه الذي جاء متوازناً برأي الكثيرين وهذا ليس ادعاءاً ففي إحدى المقابلات في راديو 3 قالت لي المذيعة التي قابلتني لقد ارتفع النص الانكليزي الى الموسيقى أما النص العربي فهو الموسيقى نفسها. قد يكون في العبارة الشئ الكثير من المجاملة ولكننا كما تعرف لم نعش معزولين عن الثقافات الأخرى فنحن وريثو الثقافات وأبناؤها.

عباس: هل لك ان تخبرني عن تقييمك لهذه التجربة وانت تمارسها لأول مرة ككاتب مسرحي مع علمي بشاعريتك وموقعك الشعري ولك اكثر من عشرة دواوين وكتب نقدية وتجربة صحفية ؟ .

كريم : بالنسبة إلي فأنا لا أرهق نفسي ولا ابحث عمّا هو أبعد من الشعر، الشئ الأساسي هوان أكتب شعراً ونصوصاً ولدي منها الكثير فغير دواويني العشرة لدي ستة كتب مطبوعة غير المخطوطات التي قد تتجاوز العشرين. كتبت القصة ليس لأني أريد ان أكون قاصاً ولكني وجدت ان بعض تجاربي يمكن أن أكتبها قصصاً ضمنتها فيما بعد مجموعتي القصصية (المجانين لايتعبون)، كذلك لم يطرأ في ذهني أنني في يوم من الايام سأكتب للمسرح لأسباب عديدة خاصة وأن التجربة العربية انقطعت عن المسرح الشعري أكثر من أربعين سنة بعد تجربة صلاح عبد الصبور ، لقد ترددتُ في البداية عندما طُلب مني أن أكتب للمسرح وحين ألح علي المخرج كتبت فوجدت أنني في واقع ومجال أليفين لا سيما أن شعري لم يكن بعيدا عن الدراما. المهم أنني لم أسع إلى هذا الشئ أو أطلبه ولم يكن في ذهني أن تكون نصوصي ممثلة على مسارح لندن فهذا لايعنيني كثيراً ولكن اذا حصل هذا الشئ فهو جيد، وانت تعرف أنّ الكثير من المثقفين العرب يبحثون عن ذلك ويجهدون أنفسهم لكي تترجم أعمالهم حتى وإن كان ذلك عبر لغة الترجمة الرديئة. أنا لست من هؤلاء. سواءٌ لديّ أخرج عملي أم لم يُخرج. من حسن الحظ أنني كلفت بمسرحية شعرية بلغة أعرفها هي الفرنسية وحورتها إلى لغة شعرية هي العربية ومما ساعدني في ذلك رغم حرصي على الدقة في ترجماتي السابقة هو أني وجدت الانكليزي يغير ويتصرف في النص كما يريد فقلت لم لا أتصرف أنا أيضاً وهذا ما كان مطلوباً مني، كما اني مولع بقراءة المسرحيات عموماً ولاسيما ذات الفصل الواحد ودرستها د راسة أكاديمية في الجامعة إذ أكملت، بالإضافة إلى الماجستير، الأدب الانكليزي في( جامعة نورث لندن) وكان من بين المواد المقررة المسرح الأليزابيثي، لذا شعرت أنّ هذه التجربة تمنحني فرصة أستعيد فيها رغبة في العودة إلى طفولة هي طفولتي مثلما هي طفولة المسرح والشعر معاً في نشأتهما الواحدة فهي ليست بالتجربة السهلة لكنها ليست بالتجربة المعقدة لمن يجد نفسه في هذا الجانب الأليف من العمل وفي الحقيقة أجدني الآن وقد استعدت نفسي وأصبحت أكثر التصاقاً لأعادة قراءة تجارب المسرح الانكليزي، وربما ستشهد الايام القادمة نشاطات أخرى بعد ان توفرت الرغبة لدي ولكنها، كما تعرف، ليست رغبة شخصية فهي تتطلب طرفاً آخر طرفاً أكثر احترافاً في المسرح، من هو؟ ما أعرفه وما يهمني هو ان يتقدم مخرجون عرب أوعراقيون ليتعاونوا مع شعراء وأدباء من العرب أو العراقيين.
عباس : أتفق معك فالتعاون والاحتكاك الفني بين المخرجين والأدباء يخرج بتجارب وأعمال ناجحة تتراكم لكي تخلق ما هو أجمل. أفهم من هذا أنك على استعداد لتكرار التجربة.

كريم:جدا لقد أمضيت التجربة بمتعة تماما. في مثل هذه التجارب أنت لا تنتظر القصيدة لتكتبها او تتوجه للقصيدة في نصف الطريق لكي تأتي اليك كما يقولون. لا .. انت هنا أمام نص تتعامل معه وتدخله في روحك.

عباس : أعرف أنني أتعبتك ولكني أود في الختام أن تذكر ما تريد أن تقوله للمؤسسات الثقافية والحكومة العراقية تحديدا عن روح تجربة حكاية جندي وعن الثقافة والمسرح بشكل خاص:

كريم :أتمنى قبل كلّ شئ أن يكون هناك استقرارفي بلدي وان يرافق هذا الاستقرار انتعاش كبير للمسرح خاصة ونحن نملك تراثاً كبيراً في هذا المجال ولنا مبدعونا الذين لم ينقطعوا رغم الفترات المظلمة في الداخل، أما في الخارج فقد نشط الكثيرون منهم وتعلموا أن يعوضوا عن لغات البلدان التي يعيشون فيها وعن روحها التي يصعب الإمساك بها بالتحول الى الجسد واللغة الجسدية وهذه دلالة على براعة الفنان العراقي ومرونته. لقد أثبت الفنان العراقي انه يملك إمكانات كبيرة ومتواصلة، كما أتمنى أن ينتبه المسؤولون عن المسرح إلى مدى علاقته الوثيقة ليس فقط بالقيم الفنية وإنما بالقيم الاخلاقية أيضاً.
ختاما انا أحيي المسرحيين العراقيين الذين استطاعوا أن يعملوا بهذه الظروف الحالية الصعبة في العراق بلا إمكانات كما هي متوفرة هنا، وأستطيع أن أقول من خلال هذه التجربة ولقائي مع ثلاثة ممثلين عراقيين مبدعين (علاء ، ضياء ، فلاح) أن بلدنا مازال معطاء يذخر بالأمكانات الكبيرة المتوفرة لديه الآن.



#عبدالكريم_كاصد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطريق إلى عدن
- مصالحات الشاعر
- خفّة الشاعر التي تُحتمل
- دليل الطيور
- أيتها السعادة تعالي لنبكي
- رحيل 1978 عبر الصحراء
- قصيدتان عن الخريف
- مجلة - المشاهد السياسيّ - تحاور الشاعر عبدالكريم كاصد
- صداقة الشعر
- تهريب
- حوار مع الشاعر عبدالكريم كاصد
- قصائد - أوكتافيو باث
- عشر قصائد وتعليق
- ما أبعد الطريق إلى بغداد
- البصرة مدينة لا مرئية
- عن السياب وتمثاله
- الرحلة الثانية بعد الألف
- قصف
- البرج إلى عبدالكريم قاسم
- ولائم الحداد


المزيد.....




- وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق ...
- جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
- فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم ...
- رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
- وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل ...
- برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية ...
- الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في ...
- الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر ...
- سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - عبدالكريم كاصد - حوار حول حكاية جنديّ