|
كركوك ، قلبُ تركستان
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1896 - 2007 / 4 / 25 - 12:01
المحور:
كتابات ساخرة
لم أزر العراق مرة ً ، قط . ولكن قلبي ، كان دائماً هناك . كيف لا ، وهو قلعة أمتنا العربية وبوابتها الشرقية ، التي صدّتْ على مرّ التاريخ جحافلَ التتار والفرس المجوس ، وتحدّت الفرنجة : أما الآن ، فوالهف قلبي وحزنه على تلك البوابة ، التي أصاب الصدأ حديدها ، فما عادت نافعة لتصدي أو تحدي . أضحى العراق ، العربيّ ، مباحة أهل العجم وملحقاتهم ، يقتطع كل منهم ما يريد من أرضه ويضيف على ما إقتطعه كلمة " ستان " ! فالشمال ، صارَ " كردستان " بوجود الموساد .. يعني ، إسرائيل ثانية . شمالنا الحبيب ، يعيث فيه الصهاينة الجدد فساداً ، بعدما إغتصبوه لكي ينسونا قضية فلسطين . أرضنا العراقية هذه ، يريد الأعداء جعلها حراماً على العرب ، فطردوهم من هناك وفق تطهير عرقيّ ، خبيث ومبرمج ، وأسكنوا بمكانهم عشائر كردية ، مستجلبة من تركية وسورية وإيران . حدود هذه الدول ، يتدفق منها هؤلاء المستوطنون الدخلاء ، يومياً وعلى عينك يا تاجر . ثم يقولون لكَ أنّ إرهابيي القاعدة والصداميين ، هم الذين يتسللون من تلك الحدود ؛ كما نسمع على مدار الساعة في وسائل الإعلام العراقية ، العميلة . حسبنا الله ونعم الوكيل . ولكننا ، لن نيأس . سنتضرع للمولى ، ككل مرة نواجه فيها نكبة أو نكسة ؛ سنتضرع له سبحانه ، أن يبعث لنا قائداً عربياً ، يخلصنا مما نحن فيه : فأين سيفكَ ، يا صلاح الدين ، نضربُ به أولئك الكرد ، أحفاد الفرنجة ؟ .. سيفك ، الذي سنستعيد به شمالنا ، العربيّ ، ونخلص كركوك ، التي أضحتْ كالقدس الشريف مهوّدة .. أعني ، مكرّدة !
ألا تقول ، أنّ الله إستجابَ لدعائنا فعلاً ، ولكن بدلاً من أن يبعث لنا بقائد عربيّ ، فإنه كلفَ قائد الأركان ، التركيّ ، بإنقاذ شمالنا العراقيّ ، الحبيب : " تورك ، هايا ما نن ، بيريكنده أما زمانن يوك يوك ! " ، هذا ما إلتقطته أذني من تصريح الرجل لوكالات الإعلام . لم أفقه شيئاً منه ، بطبيعة الحال . ولكنني تحمست له جداً ، خصوصاً حينما ظهر أحد المعلقين ، المصريين ، على فضائيتي الخليجية ، الأثيرة ، وأكد أنّ الجنرال التركيّ هذا ، كان يردّ بقوة على مقابلة البرزاني المتلفزة ، الأخيرة ، بخصوص موضوع كركوك . تصريح قائدنا ، التركي ، كان ذا وقع طيب في أسماع الملايين في دنيا العروبة ، الذين إنطربوا له كما لو أنهم يسمعون أغنية سيّد مكاوي ، الحماسية ، " الأرض بتتكلم عربي " . يا سيدي ، وبتتكلم تركي ، كمان ! المهم ، أننا جميعاً مسلمون ، كالبنيان المرصوص ؛ أننا جسدٌ واحد ، إذا ما تألم عضو فيه .... نعم ، هبّ له سائر الأعضاء ! والأهم ، أن ينقذنا الجنرال من أولئك الأكراد ، الملاعين ، الدخلاء على تاريخ المنطقة . ولنقل كيداً لهم ، أنّ كركوك ذات أغلبية تركمانية . ما بالأمس فقط ، تنازل الرئيس القائد للأتراك عن حقنا ، التاريخي ، في لواء إسكندرون ، مقابل أن يكونوا محامين له في المحكمة الدولية بخصوص إغتيال الحريري ! لا بل ، وعاضد رئيسنا ذلك بإتفاقيات أمنية معهم ، لكي يضموا أراض اخرى لخريطة " تركستان " ، التي يتهيأ الشيخ أردوغان لإعلانها قريباً في الشرق الأوسط ـ كمركز للخلافة الإسلامية ، الكبرى . فما الضرر في ذلك ؟ وهل نقصان بضع كيلومترات سيؤثر في خارطة الأمة العربية ، ذات الرسالة الخالدة ؟
قد يخرج متفذلك ، ليزايد علينا قائلاً : " وهل نسيتم أنّ تركية مرتبطة مع إسرائيل بإتفاقيات عسكرية ؟ " . لا يا أخي ، لم ننسَ ذلك . بل قل أنه يوافق هوانا ، وإتفاقياتنا الأمنية معهم ! كيف ، سأشرح لكَ . نحن نسعى للسلام ، ونشترط مقابله أرضنا المحتلة في الجولان . أما الآن ، وتحديداً بعد قضية الحريري ، فإننا مستعدون للسلام بدون أية شروط مسبقة . يعني بقاء نظامنا ، المقاوم ، يعتبر واجباً مقدساً وأهم من أي أرض محتلة : هذه الحقيقة ، يتفهمها حلفاؤنا المقاومون ، في إيران ولبنان وفلسطين والعراق والسودان وليبية وو . كما ويقدرها أصدقاؤنا الأتراك ، بشكل خاص ، ويعملون بهديها خلال وساطتهم الخيّرة بيننا وبين الكيان الصهيوني . وبما أنّ هذا الأخير ، كما تعلمون ، هوَ ربيب الغرب الإمبريالي ، فأيّ تقدم معه في المفاوضات ، السرية ، يزيد من فرصة الرضا على نظامنا المقاوم وجعله مؤهلاً للعب دور شرطيّ المنطقة ؛ كما كان الحالُ في زمن الأب القائد ، المرحوم ! وذهبَ أردوغان إلى أبعد من ذلك ، للحقيقة . فإنه رغبَ بأن تشمل جهوده ، الخيّرة ، لبنان أيضاً . وقد رحبنا بذلك ، طبعاً . إنه مع تحقيق هدف المقاومة اللبنانية ، في حكومة وحدة وطنية : " بلدكم فيه تعددية كالفسيفساء ، وعليكم بهكذا حكومة لكي تتمكن من تتريك .. أعني ، تعريب الشعب في بوتقة واحدة ! " ، قال الرجلُ بحماسة أثناء تواجده في بيروت .
وكما يتفهمُ الترك قضايانا ، المصيرية ، كذلك نحن العرب بالمقابل ، يجب أن نتفهم قضاياهم . والمسألة الملحة لديهم الآن ، هيَ مدينة كركوك . لقد سلمنا إذاً ، أنها ذات اغلبية تركمانية . من جهته ، شرح رئيسُ الوزراء التركي وجه المسألة ، أمام رئيسنا القائد : " أفندم ! كان التركمان في المدينة أقلية صغيرة ، تقطن في أحد الأحياء الشعبية . أما الكرد ، فكما تعرف ، هم ناس متوحشون وميالون للقتال دوماً . قاموا بعدة ثورات في العراق من أجل ما يسمى بـ " حقوقهم القومية " . حصلوا على ما يريدون في إتفاق مع حكومة بغداد . لماذا لا تقول ، سندخل نحن الأتراك على الخط فوراً ، فنجري إتصالات سرية بالحكومة ونحرضها على عدم ضم كركوك لإتفاقية الحكم الذاتي ، المقترحة . وهذا ما حصل ، فعلاً . عاد الأكراد للتمرد ، بدعم من إيران والأمريكان ، ولكنهم خذلوا وهزموا وضاعت حقوقهم وكركوكهم ، على السواء . ثم جدّت أحداث اخرى ، وكادت مسألتهم أن تحل بشكل معقول ، من خلال الإبادة الجماعية بالأنفال والكيماوي ، لولا حماقة غزو الكويت ! أما ما حصل بعدئذٍ ، فلا داعي لتفصيله ؛ لأنه من التاريخ القريب ، وجرى بعد إستلام فخامتكم الحكم الوراثي . المهم ، أن الكرد صاروا يحكمون بلادهم بأنفسهم ـ كدولة مستقلة . حكومتهم ورئيسهم وبرلمانهم ونشيدهم ، وبالأخص علمهم القومي ، اللعين ، تسبّبوا في بكاء أمتنا التركية ، كلها ؛ رجالاً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً ؛ يميناً ويساراً ووسطاً ؛ مدنيين وعلمانيين وإسلاميين وعسكراً وعفريتاً ! أما الآن ، فيريدون رفع ضغطنا وإماتتنا قهراً ، بضم كركوك الغنية بالنفط لكيانهم هذا . وبما ان الحكومة المركزية ، في بغداد ، ما عادت تأبه بنصائحنا ، فكان من الضروري الإلتفات إلى تركمان العراق لتحريضهم ، بعدما تجاهلنا وجودهم وقضاياهم ومعاناتهم لأكثر من سبعين سنة . وأكدنا لممثليهم هنا ، بأنهم سيصبحون أغلبية في كركوك ـ بل وفي شمال العراق كله ـ بعدما نتمكن من إدخال عسكرنا هناك ، ومن ثم تتريك السكان جميعاً ! " .
هكذا تكلم المسؤول التركي ، الأول . كلامه معقول ، يا جماعة . إنه يخشى من هكذا كيان كرديّ ، إنفصاليّ ، في شمال العراق . لأنه بالنسبة لهم تهديد لأمن تركية ، ويشجع أكرادهم على المطالبة بالإنفصال ، أيضاً . ثمّ أن فرض اللغة الكردية في ما يسمى بـ " كردستان العراق " ، يهدد بشكل خاص خطط حكومة أنقرة لمحو الأمية في المناطق الجنوبية الشرقية من تركية ، والتي تقطنها غالبية كردية . وهذه الخطط ، كما أعلموا رئيسنا ، كلفتهم مئات مليارات الليرات ، التي تمّ إقتطاعها من ميزانية الدولة ، وكان من الممكن أن تصرف في مشاريع عمرانية وسياحية وإنمائية ، في المناطق الشمالية الغربية من البلاد ! المشكلة هذه ، تهمنا في سورية . لأن لها علاقة بقضية الحريري . وقضية الأكراد عندنا ، علاوة على ذلك . كنا سابقا ، وعلى مدى عقود طويلة ، على خلاف مع الأتراك . وقد شجعنا من جهتنا الجماعات الكردية ، الإنفصالية ، وسلحناها ونظمناها ضدهم . قيلَ أن ذلك ، كان من أجل أهدافنا الإستراتيجية ـ التي نجهلها جميعاً في سورية ، الحق يقال ؛ والتي أخذ سرّها أبونا القائد معه إلى القبر ! وبما أننا كنا آنذاك نفتقد التوازن العسكري مع الأتراك ، ألا تقول أننا نفتح عليهم جبهة مسلسلاتنا السورية ، التاريخية : وهات ، يا سيناريست ، ما تيسّر من مصادر خيالك الخصب ! وفي الأخير ، فقدوا صبرهم وهددونا بالتدخل العسكري ، إذا لم نكف عن وقف دعم المسلحين الأكراد . بقية القصة ، تعرفونها . وأهمسُ في أذنكم : أنّ الدول العربية كلها ، وقفت آنذاك متفرجة أمام التهديدات التركية لنا ، ولم تنبس حتى بكلمة إحتجاج واحدة . هذا الأمر ، يتكرر اليوم في مسألة تصريح البارزاني . العرب ، كما هم على مرّ تاريخهم ، لا يتضامنون مع بعضهم البعض . ولكنهم الآن ، ويا للفخر ! ، يعلنون جميعاً تضامنهم مع تهديدات الشيخ أردوغان ورئيس أركانه .
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سندريلا السينما : حكاية ُ حياةٍ ورحيل
-
في مديح الخالة السويدية
-
رحلة إلى الجنة المؤنفلة
-
أدبُ البيوت
-
مناحة من أجل حكامنا
-
حليم والسينما
-
كنتُ رئيساً للكتاب العرب
-
السينما المصريّة وصناعة الأوهام
-
شاعر الملايين : ثلاثة مرشحين للجائزة
-
كمال جنبلاط والتراجيديا الكردية
-
من معالم السينما المصرية : نهر الحب
-
نائبان ومجزرتان
-
نائبان وجزرتان
-
ثلاثة أيام بصحبة الحسناوي
-
العائشتان : شاعرتان صوفيّتان بين دمشق والقاهرة 2 / 2
-
حكايتي مع الحجاب
-
صورة وبقرة وقمر
-
كلمتان أمامَ ضريح الحريري
-
أمّ كلثوم ، مُطهَّرة أمْ مَحظيّة ؟
-
العائشتان : شاعرتان صوفيّتان بين دمشق والقاهرة 1 / 2
المزيد.....
-
عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا
...
-
-أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب
...
-
الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى
...
-
رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|