|
سندريلا السينما : حكاية ُ حياةٍ ورحيل
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1895 - 2007 / 4 / 24 - 04:37
المحور:
الادب والفن
1 نكاد لا نعثرُ على مثال ، جدير بالتأمل ، لتطابق مصير فنان مع أعماله الإبداعية ، مثلما نجده لدى الراحلة سعاد حسني . الآن ، وقد أضحت حياتها أمراً فرطاً ، ندركُ مدى إفتقادنا لسندريلا الشاشة ؛ بموهبتها الحقة ؛ رقتها النادرة ؛ قسماتها المعبّرة وبراءتها وعفويتها . هذه الفنانة الفذة ، باشرتْ دربَ الإبداع وهيَ طفلة بعدُ ، دونما ان يكون في ذهنها ، الخليّ ، ما يكتنفه من حجارة العثرة والخيبة . ما كانت حياتها ، في شطرها الأعظم ، سوى سيراً دؤوباً على حافة ذلك الدرب ، الذي كان بالنسبة لها ـ في المستهل ، على الأقل ـ نوعاً من مغامرة الوصول إلى سدرة حلم . ولكنه ما كان ، أبداً ، حلماً بالثروة والشهرة والجاه ؛ كما هوَ حال كثيرات ممن إمتهنّ الفن تجارة وشطارة ! فقد عاشت سعاد حسني للفن ، مكتفية به حدّ الرهبنة والتنسك . إنّ تقشفها وبساطتها ، صارا اليوم من الأمور المعروفة للجميع ، مما إضطرها في مختتم عمرها ، الفاجع ، لقطع رحلة العلاج وولوج نفق اليأس . فيما أنّ الأدوار المميزة ، المعجّزة ، التي قامت بتأديتها على مدى أربعة عقود من الزمن ، كان من المفترض ألا تقيل عثرتها حسب ، بل وأيضاً منحها حياة كريمة ، لائقة . على أنّ قدَر فنانتنا ، شاءَ لها أن تحيا في مشرقنا ، البائس ، لا في " هوليوود " مثلاً ، أو في أيّ من عواصم الفن الاخرى ، الغربية . يقيناً ، ودونما مبالغة العاطفة ، فإنّ سندريلا شاشتنا هذه ، لتضاهي بعبقريتها أهم بنات جيلها في السينما العالمية . وصفة " العالمية " ، لا تتحقق في الإلتحاق بسينما الغرب ، كما قد يتوهم البعضُ من إشارتنا السالفة . فالممثل ـ كما هوَ حال الأديب ـ بإستطاعته الوصول إلى البقاع الاخرى من المعمورة ، إنطلاقاً من بيئته ولغته وثقافته . بيدَ أنّ الأمرَ ليسَ سهلاً ، بحال . إنّ تعذر بلوغ إبداعنا إلى الضفة الاخرى من المتوسط ، هيَ من واردات النظرة الفوقية ، المتعالية ، التي يمحضها الغربُ للمشرق ، عموماً : ولدينا في مثل ذلك ، ما جناه عمر الشريف من رحلته الإبداعية ـ كأحد كبار نجوم السينما العالمية . فإنهم لم يتكرموا عليه بـ " اوسكار " واحد ، لقاءَ أيّ من أدواره المهمة في الأفلام التي تصدّر بطولتها . لا بل ، وللمهزلة ، فإنّ إسمه كان منحدراً لمرتبة ثانوية في أفيش فيلم " الدكتور جيفاغو " ؛ هوَ من لعب دورَ البطل وتقمّصَ إسمه !
2 إثارتنا ، منذ مستهل المقال ، لمسألة تماهي مصير سعاد حسني ، الإنسانة ، مع هذه الشخصية أو تلك ، السينمائية ، ممن تعهدت هيَ تقديمها عبرَ مسيرتها الإبداعية ؛ هكذا مسألة ، تحيلنا خصوصاً إلى لقبها الفنيّ ، " سندريلا الشاشة " ، الذي أشتهرتْ به : إنّ حكاية السندريلا والأمير ، المنتمية لتراث الغرب ، الشعبيّ ، معروفة للجميع ربما . إنها قبل كل شيء ، حكاية حبّ بين إنسانيْن من طبقتين مختلفتين . وهذا ما كان على سعاد حسني ، ومنذ بداياتها الفنية ، أن تتميّز به عن الممثلات الاخريات ؛ من بنات جيلها أو الأجيال السابقة سواءً بسواء . وللمقارنة في هذا الشأن ، لنتذكرَ مثلاً أنّ جيل ليلى مراد ، في أفلامه جميعاً تقريباً ، كان يستوفي في كلّ مرة دورَ الفتاة الفقيرة ، التي تقع في هوى شاب ثريّ . إلا أنّ الحكاية السعيدة لذلك الحبّ ، المظفر ، ما كانت لتتم سوى بالنهاية المثيرة ، التي تأتي في آخر لحظات التأزم الدراميّ : حينما " تكتشف " بطلتنا ، الفقيرة ، أنها إبنة مفقودة لإحد الباشوات ؛ مما يحتم على أهل البطل ، الوجهاء ، أن يمحضوها محبتهم وإحترامهم ويباركوا زواجها من إبنهم ! مع جيل فاتن حمامة ، الذي نضجَ إبان الثورة الناصرية ، راحت الأعمال السينمائية تجسّد أكثرَ فأكثر شخصية الفتاة الريفية . هذا دونما أن نغفلَ الإشارة إلى حقيقة ، أنّ موضوعات الفيلم المصريّ أضحت أكثرَ جديّة ، مع ما أعطيَ من دور مهم للسيناريست . منذئذٍ ، أخذ هذا ينأى بنفسه عن إقتباس قصص الأفلام الهوليوودية ، والإلتفاتَ بالمقابل للإهتمام بقصص وروايات لكتاب معروفين من بلده ـ كطه حسين وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويحيى حقي وإحسان عبد القدوس .. وغيرهم . سينما الستينات ، أعادت الإعتبار للمدينة ، بشكل عام ؛ وتحديداً للطبقة الوسطى ، التي جعلَ دورها يتعاظم في المجتمع في تلك الحقبة . إنه جيل سعاد حسني بالذات ، المتعيّن عليه تقديم صورة واقعية عن الفتاة المشرقية ، العصرية ، الساعية لإظهار إستقلاليتها وإرادتها وعاطفتها . هذا وعلى الرغم من غلبة الصفة الميلودرامية ، على أفلام ذلك الزمن ، الرومانسيّ ، ووقوعها أحياناً ضحية المنتج وجشعه الماديّ ، أو على الأقل ضحية لضعف الموضوع والإخراج .
3 " السندريلا " ، بحسب الحكاية الخرافية ، هيَ فتاة طموحة ، متأرجحة بين التعبير عن أماني الفقراء والتحذلق للوجاهة والغنى . " السندريلا " ، هيَ أيضاً تجسيدٌ للتغرّب في بيئةٍ غير أليفة ، وظالمة إلى هذا الحدّ أو ذاك : كانت سعاد حسني ، في كلا الحالتيْن ، تلكَ الفتاة المنبثقة من الطبقة الوسيطة في المجتمع المصريّ ؛ وفي الآن نفسه ، متغرّبة عنه بحكم كونها من أسرة مهاجرين " شوام " . هذه الحقيقة الأخيرة ، دأبَ على تجاهلها كثيرٌ من النقاد . وقد ذهبَ أحدهم للتأكيد بأنّ تميّز سعاد حسني ، سينمائياً ، إنما لكون ملامحها تفصح عن : " الشكل المصريّ العربيّ ، الصميم " ( إبراهيم العريس ، في إحدى مقالاته في مجلة " الفن السابع " / عدد رقم 45 لسنة 2001 ) . بيدَ أنّ نجمتنا هذه ، وبغض النظر عن سمرة بشرتها ، فإنّ ملامحها توحي بإنتمائها الحقيقيّ ، المعروف ؛ هيَ المنحدرة من عائلة دمشقية ـ كردية الأصل . بتلك الصفة ، كان من المقدر لسندريلا الشاشة أن تصبح في أدوارها كوسيطة بين من سبقها من الممثلات اللواتي جسّدن شخصية بنت الذوات أو الخواجات ـ كمديحة يسري وليلى فوزي ومريم فخر الدين ونادية لطفي.. وأمثالهن ؛ وبين هاته الممثلات اللاتي لعبن أدواراً أقربَ لنساء البلد ـ كفاتن حمامة ولبنى عبد العزيز وسميرة أحمد .. على سبيل المثال . من ناحية اخرى ، كان من مما له مغزاه حقا ، أنّ يكون مكتشف سعاد حسني شخصاً مثقفاً ـ كالأديب عبد الرحمن الخميسي ، ذي الميول الفكرية ، الماركسية . فنانتنا هذه ، الموهوبة ، برهنت على أن وجهها الجميل ، المعبّر ، يصلح للأدوار جميعاً ؛ وهيَ حالة نادرة بالفعل ، لم يشهدها الفن السابع ، المصريّ ، إلا في شخص الفنانة شادية . ولكن سعاد حسني أثبتت تفوقها على من سبقها ، وكذلك على من جاء بعدها ؛ بتلك الحيوية المدهشة ، المتأصلة فيها جسداً وروحاً ، على السواء ، كما وبخفة ظلها وظرفها وبراءتها . شمَسَ إسمُ السندريلا وذاع في آفاق العالم العربيّ ، إعتباراً من قيامها ببطولة فيلمها الأول ، " حسن ونعيمة " ( إنتاج عام 1959 ) ، وكان عمرها آنذاك لا يتجاوز السابعة عشر عاماً . كانت قصة الفيلم لعبد الرحمن الخميسي ، وهوَ من قدّم الفنانة الصغيرة السنّ إلى المخرج العملاق هنري بركات ، الذي أجرى لها عدة إختبارات ، ومن ثمّ أسند لها البطولة المطلقة جنباً لجنب مع المطرب محرم فؤاد . في هذا الفيلم ، لعبت سعاد حسني دور صبية ريفية ، وقد أجادتْ فيه حدّ أنّ المخرج الواقعيّ ، الرائد ، صلاح أبو سيف ، سيعهد لها لاحقا ببطولة فيلمه " الزوجة الثانية " ( 1967 ) ؛ المعتبر بحق من أهم أدوارها قاطبة . هنا أيضاً ، كانت فنانتنا تلك الفلاحة ، الحدثة السن ، المجبرة على قبول العمدة الكهل زوجاً ( قام بالدور صلاح منصور ) ، بعدما أضطروا رجلها ، عنوة ً ، لتطليقها ( النجم شكري سرحان ) . بعد ذلك بسنوات ثلاث ، ستلتقي السندريلا مع أمير أحلامها . كان ذلك في سويسرا ، وفي إحدى البقاع الساحرة ، المظللة بهامة جبل " الألب " ، حينما تعرفت على علي بدرخان ، أثناء تصوير فيلمها " نادية " ، من إخراج والده ، المعلم أحمد بدرخان . تنتمي الأسرة البدرخانية ، المصرية ، إلى فرعها الشاميّ ؛ من سلالة الأمير بدرخان باشا ، حاكم " بوطان " في كردستان ، والذي نفيَ بأمر الباب العالي إلى دمشق في أواسط القرن التاسع عشر وفيها توفي . وفضلاً عن المخرجين الكبيرين هذين ، فقد عرف من تلك الأسرة العريقة ، أيضاً ، الفنانة ليلى بدرخان ؛ والتي حققت شهرة عالمية ـ كراقصة باليه ، عرفتها مسارح باريس وبرلين في ثلاثينات القرن الماضي ، ولها إبنة وحيدة ؛ هيَ نيفين بدرخان ، الإعلامية المصرية . عودة إلى فيلم " نادية " ، الذي يُعتبر من معالم السينما المصرية ، لنجدَ أنه كان أيضاً فاتحة لحياة جديدة ، بالنسبة لبطلته ، السندريلا . وفضلاً عن أنّ سعاد حسني عرفت مع علي بدرخان أجمل أيام حياتها ، كما صرحت بذلك للصحافة ، فإنها تعاونت معه في عدد من أروع أفلامها ؛ مثل " الكرنك " عام 1975 ، " شفيقة ومتولي " ( 1976 ) ، " أهل القمة " ( 1981 ) ، وآخر أفلامها " الراعي والنساء " عام 1991 . للبحث صلة ..
[email protected]
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في مديح الخالة السويدية
-
رحلة إلى الجنة المؤنفلة
-
أدبُ البيوت
-
مناحة من أجل حكامنا
-
حليم والسينما
-
كنتُ رئيساً للكتاب العرب
-
السينما المصريّة وصناعة الأوهام
-
شاعر الملايين : ثلاثة مرشحين للجائزة
-
كمال جنبلاط والتراجيديا الكردية
-
من معالم السينما المصرية : نهر الحب
-
نائبان ومجزرتان
-
نائبان وجزرتان
-
ثلاثة أيام بصحبة الحسناوي
-
العائشتان : شاعرتان صوفيّتان بين دمشق والقاهرة 2 / 2
-
حكايتي مع الحجاب
-
صورة وبقرة وقمر
-
كلمتان أمامَ ضريح الحريري
-
أمّ كلثوم ، مُطهَّرة أمْ مَحظيّة ؟
-
العائشتان : شاعرتان صوفيّتان بين دمشق والقاهرة 1 / 2
-
دايلُ القاريء إلى القتلة / 1
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|