أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام عبدالله - يوتوبيا ما بعد الحداثة















المزيد.....


يوتوبيا ما بعد الحداثة


عصام عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 1894 - 2007 / 4 / 23 - 12:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


على مدى القرون الأربعة الماضية، منذ عصر النهضة - Renaissance وحتى اليوم، قامت اليوتوبيا ” بالتعبير عن إيمان أو اعتقاد البشرية في “التقدم” وفى إمكانية تحسين الوضع البشري. أما في الوقت الراهن فإن مثل هذا الإيمان (اليوتوبي) قد تبدي كحلم مغرق في الخيال مع تيار ما بعد الحداثة - Post- modern. يقول “ليوتار” - Lyotard - ” أن أهم معالم المرحلة الراهنة من معالم المعرفة الإنسانية، هو سقوط النظرية الكبرى وعجزها عن قراءة العالم” .
ويقصد بها أساساً الأنساق الفكرية المغلقة التي تتسم بالجمود، والتي تزعم قدرتها على التفسير الكلي للمجتمع، ومن أمثلتها الأيديولوجيات.
من ناحية أخرى سقطت فكرة “الحتمية” سواء في العلوم الطبيعية - كما عبرت عن ذلك فلسفة العلوم المعاصرة، او في التاريخ الإنساني. من هنا يرفض أنصار ما بعد الحداثة فكرة “التقدم الكلاسيكية، التي كانت تصور تاريخ الإنسانية وفق نموذج خطي صاعد من الأدنى إلى الأعلى، فالتاريخ الإنساني قد “يتقدم” ولكنه قد “يتراجع” أيضاً.
وإذا كانت فكرة ” التقدم” قد سمحت لليوتوبيين بالخوض في المستقبل، وهم على بينة من صورته، التي رأى أغلبهم أنه سيحكمها امتداد خطوط التطور، التي تسير وفق منطق معروف سلفاً، فإن انهيار هذه الفكرة في القرن العشرين بفضل عدد من الأحداث والتطورات التاريخية غير المسبوقة، جعل من العسير التجاسر بالتنبؤ بالمستقبل، فقد دخلنا في حقبة جديدة، أصبحت توصف بعدم اليقين، وعدم القدرة على التنبؤ واستكشاف المستقبل.
والأهم من ذلك هو انه إذا كانت ” اليوتوبيا” - في الأصل - قد استندت إلى أسس وركائز ( ترانسندنتالية) متعالية، وكانت منعكسة في أماكن خيالية بعيدة لا يدركها القياس، ثم بمرور الوقت بدأت المسافة الخاصة بهذه الأماكن الشديدة النأى، والقائمة في ” اللا-أين”، تتقلص وتنكمش، وصار الخيال اليوتوبي أقرب إلى الأماكن الواقعية التي تقوم في “الأين” و “الآن” فإن انصراف اليوتوبيا عن المواضع الخيالية التي لا سبيل إلى وطئها بالأقدام، وإخفاقها في الوقت نفسه عن أن تتحقق في ” الأين” و ” الهنا”، تكون قد وصلت - بمعناها الحداثي - إلى نهايتها؟!
ويؤكد ” هيبدايج - Hedbdige : ” أن ما بعد الحداثة هي الحداثة الخالية من الأحلام والآمال ( اليوتوبيا) التي مكنت البشر من احتمال الحداثة.”
لكن اليوتوبيا - رغم كل هذا - لم تلفظ النفس الأخير، فقد كتبت لها الغلبة والظفر عن طريق ما حل بالعلم والتكنولوجيا من تطورات نشطة ومذهلة في العقود الأخيرة من القرن العشرين ” إذ أن التكنولوجيا صديق حميم، شديد المباطنة، عظيم الهيمنة تماماً، ليس من خارجنا، وإنما من تحت جلد بشريتنا، منذ بروميثيوس وحتى اليوم، وغداً”
فإذا كانت المعلومات منذ قرن مضي تنتقل بنفس سرعة مرافقيها من البشر، فإن المعلومات اليوم ترقي إلى مليار فقرة في الثانية الواحدة، بما يند عن أن يحاط به، حيث إن فقرة واحدة تنتقل بسرعة الضوء، ووفقا لما يقوله “لاكى” - Luky المدير التنفيذي في معامل ومختبرات At and Bell، فإن لدينا حلماً قديماً جديداً على الدوام، في أن نكون شيئاً آخر غير ما نحن عليه، ويتساءل لاكي ” عما إذا كان بوسعنا أن نرتبط مع أترابنا بوسائل مبتكرة وخلاقة الكترونياً من أجل تحقيق نوع من (الحكمة الجماعية)، تفوق الحكمة الفردية وتعلو عليها”
أليس ذلك نوعاً من الحلم اليوتوبي، في حدود الـ ” الهنا” و ” الآن”؟! وإذا كانت أعمال ” ألفين توفلر” خاصة كتابه الشهير صدمة المستقبل Future Shock. قد رسمت صورة للمستقبل كمجتمع تسيطر عليه تكنولوجيات جديدة، كما صور آثار هذه التكنولوجيات ونتائجها، فإن مارشال مكلوهان Mcluhan قد بلور تطور نظم الاتصالات الإلكترونية - منذ وقت أبكر - ورأى ” أن العالم مقبل على عصر تكنولوجي جديد، يتحول بفضل وسائل الإعلام الإلكترونية إلى “قرية كوكبية” . وتابع “جان بودريلارد - Baudrillard (مكلوهان) في كتابه Requiem for the Media عام 1981، الذي قال: ” إن وسائل الإعلام تحدث ثورة بل إنها هي ذاتها “ثورة”، بصرف النظر عن محتواها، وبفضل ما تتمتع به من بنية تكنولوجية، فالأبجدية المنطوقة والكتاب المطبوع، يعقبهما الراديو والسينما وهذان بدورهما يعقبهما التليفزيون…. إننا الآن، وفى هذا المكان، نعيش عصر الاتصالات الكوكبية الفورية” .
ويخلص إلى أنه: لابد وأن يحدث تغييراً ما…. إن حقبة الإنتاج والاستهلاك الفاوستي والبروميثي ( وربما الأوديبي) تحل محلها حقبة ” بروتينية من الشبكات، حقبة نرجسية بالغة التنوع، وتتسم بكثرة العلاقات والاتصالات والتلامس والاستجابة والتداخل العام الذي يقترن بعالم الاتصالات. وبفضل الصور التليفزيونية تصبح أجسامنا والكون المحيط بنا بأكمله بمثابة شاشة تحكم” .
ومنذ أن نشر ” مكلوهان” كتابه ” العلامة” وهو مثار أخذ وردود بين النقاد المنتمين إلى ما بعد ” الحداثة” ونقاد ” ما بعد الحداثة” فقد تناول عالم الاجتماع الفرنسي ” آلان تورين” Touraine، المجتمع ما بعد الصناعي . بوصفه مجتمعاً “مبرمجاً” بفضل تكنولوجياته، تهيمن عليه قوة تكنوقراطية، يقول “تورين”: ” إن شكلاً جديداً من المجتمع يتشكل الآن، وهذه المجتمعات الجديدة يمكن وصفها بلفظ ” ما بعد الصناعي” للتأكيد على الفرق بينها وبين المجتمعات الصناعية التي سبقتها. ويمكن أيضاً وصفها بأنه تكنوقراطية نظراً للقوة المهيمنة عليها، ويمكن أن نعرفها بأنها مجتمعات مبرمجة حسب طبيعة أساليب الإنتاج والتنظيم الاقتصادي”.
أما الناقد الماركسي ” جيمسون - Jameson فهو ينظر إلى المجتمع ” ما بعد الصناعي” من زاوية العناصر الرأسمالية، لا من زاوية ” الحتمية التكنولوجية” .
وهو يتناول الرأسمالية في مجتمع ما بعد التصنيع، والتي يسميها ” الرأسمالية المتأخرة” بوصفها ” شبكة عالمية جديدة لا مركزية” وهو يذكرنا بوصف ” بوديلارد” لتكنولوجيا الاتصالات المعاصرة.
يقول جيمسون: ” إن عجز عقولنا البشرية - على الأقل في الحاضر - عن استيعاب شبكة الاتصالات اللامركزية متعددة الجنسيات التي تغطي كوكبنا والتي نجد أنفسنا نحيا خلالها (فرادى) تشير إلى أننا لم نؤهل بعد لفهم الطبيعة الحقيقية لما يجب أن يسمي بـ (الرأسمالية المتأخرة)”.
إن ثقافة ما بعد الحداثة - عنده هي ثقافة الرأسمالية، ومجتمع ما بعد التصنيع هو مجتمع ” الرأسمالية المتأخرة” أو المجتمع الاستهلاكي، مجتمع وسائل الإعلام والإبهار، أو الرأسمالية متعددة الجنسيات.
أما الناقد الأمريكي المصري الأصل (إيهاب حسن) فقد طور أفكار “مكلوهان” الخاصة بالمدينة ما بعد الحديثة والتكنولوجيا، وتابعه في القول بـ ” القرية الكوكبية” التي ستنشأ عن تطور تكنولوجيا الاتصالات، فالتكنولوجيا خاطفة السرعة ستحل محل التكنولوجيا التقليدية وسيصبح الكمبيوتر بديلا (للوعي) أو كامتداد للوعي الإنساني.
ولخص “حسن” ثقافة ما بعد الحداثة بأنها: ” تيار يعتمد على تجاوز الصبغة الإنسانية للحياة الأرضية بصورة عنيفة، بحيث تتجاذب فيها قوي الرعب والمذاهب الشمولية، والتفتت والتوحد، والفقر والسلطة وربما أدى ذلك في آخر المطاف إلى بداية ( عهد وحدة كوكب الأرض) “عهد جديد” يتحد فيه الواحد مع الكثير، ذلك لأن تيار ما بعد الحداثة ينبع من الاتساع الهائل للوعي من خلال منجزات التكنولوجيا التي أصبحت بمثابة حجر الأساس في ” المعرفة الروحية” في القرن العشرين نتيجة لذلك أصبح الوعي ينظر إليه على أنه ” معلومات والتاريخ على أنه “حدوث”.
إن الانتقال من مجتمع الصناعة إلى مجتمع ما بعد الصناعة ( أو المعلومات) قد ولد نوعاً جديداً من ” الوعي” يمكن أن نطلق عليه ” الوعي الكوني” الذي يتجاوز كل أنواع الوعي السابقة: الوعي الوطني بكل تعريفاته من وعي اجتماعي، ووعي طبقي، ووعي قومي؛ هذا الوعي الكوني سيفرز قيماً إنسانية عامة فـ الكونية Globalism هي روح القرن الحادي والعشرين، ومما يؤكد ذلك أن تنمية شبكات المعلومات الكونية باستخدام الكمبيوتر وكذلك الأقمار الصناعية ستعمق التواصل والتفاهم بين الشعوب المختلفة، مما من شأنه أن يتجاوز المصالح القومية، والمصالح الأخرى المتباينة. من ناحية أخرى فإن الأزمات الكونية المتعلقة بنقص موارد الطبيعة وتدمير البيئة الطبيعية والانفجار السكاني والفجوات الاقتصادية العميقة في العالم، ستولد حلولاً جماعية، إذ لا تستطيع دولة بمفردها أو مجموعة دول مهما عظم شأنها أن تتصدى وحدها للمشكلات الكونية.
والسؤال الذي تطرحه هذه المنظومة الكونية المعلوماتية، هو هل هذه الرؤية ستكون خلال القرن الحادي والعشرين، يوتوبيا كلية كونية أم ستكون مجرد أيديولوجيا؟! خاصة وأن اليوتوبيا التي تبشر بها الفيزياء تأتى مغايرة تماماً للمعروف والمألوف، وبالقياس نكتشف أن اليوتوبيا السائدة بالنسبة للفيزياء الجديدة تبدو تقليدية بجدارة وهو ما دفع عالمي الفيزياء بارو، وتيبلر إلى التأكيد على أن ” اليوتوبيا شرط أساسي لا زم - بالنسبة للفيزياء - حتى لا تصير الحياة خامدة”؛ فالحياة - على حد قولهما - موجودة لمنع الكون من تدمير ذاته”
إن العلم والتكنولوجيا - برأيهما - هما أداة الحياة للتوسع والانتشار من كوكب الأرض إلى الكواكب الأخرى، لهذا فمن الممكن أن يتم التحكم في سائر العوالم التي يمكن أن تصل إليها الحياة.
وهذه الرؤية بالطبع توصل إليها العالمان من خلال تفسيرهما للنظام الحراري الديناميكي الفيزيائي”
وهى تدفعنا إلى رؤيتين، الأولى تكون فيها اليوتوبيا الجديدة (الكونية) مستقبلاً مجرد أيديولوجيا جديدة، خاصة وان العوالم أجمع تخضع إدارتها والسيطرة عليها إلى نظم المعلومات.
والثانية أن تحقق يوتوبيا ما بعد الحداثة الخاصة بمشاعية المعرفة والديمقراطية والحرية.



#عصام_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا وعي اليوتوبيا الباطن
- اليوتوبيا ويوتوبيا الضد
- الانتماء - ما قبل - الوطني
- العولمة والهوية الثقافية
- اللعب في الثقافة
- الجسد بين الثقافة والإعلام
- دريدا وصديقه الياباني
- صداقة المفاهيم
- نظرات علي عالم اليوم
- شباب وأحزاب‏..‏ ولغة سرية وعولمة
- دعوة إلي كتاب الحوار المتمدن
- في الذكري الخمسين للعدوان الثلاثي علي مصر
- جدلية القمع والتخفي
- الارهاب يستعين بالمقدس... وقائع أوروبية


المزيد.....




- إليسا تشيد بحملة هيفاء وهبي ونور عريضة في مواجهة التحرش الإل ...
- ماذا قال أحمد الشرع في أول خطاب له كرئيس لسوريا؟
- حماس تؤكد مقتل القائد العسكري محمد الضيف، فماذا نعرف عنه؟
- عاصفة قوية تضرب البرتغال وسيول من رغوة بيضاء حملتها الفيضانا ...
- ما دور الهلال الأحمر المصري في دعم غزة؟
- أمير دولة قطر في دمشق للقاء الشرع وبحث التعاون بين البلدين
- تدريبات قوات الحرس الوطني الخاصة
- مصر.. وزارة الطيران المدني توضح سبب تصاعد الدخان في صالة الس ...
- العراق يؤكد دعم مصر ويرفض مخطط تهجير الفلسطينيين
- ترمب: نتواصل مع موسكو حول كارثة الطائرة


المزيد.....

- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عصام عبدالله - يوتوبيا ما بعد الحداثة